مجلة البيان للبرقوقي/العدد 53/المرأة والرجل

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 53/المرأة والرجل

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1920



وأيهما أحظى في الحياة من صاحبه

ذلك بحث طريف. وسؤال دقيق. لا يزال يجري على ألسنة الرجال وتمتضغه أفواه كثير من النساء. ولا يزال كل إنسان أرجلاً كان أم امرأة يضع قبالة عينه أن يظفر بالسعادة. وينعم بأحسن نصيب في الحياة دون غيره. على أن الجنسين اللذين تتكون منهما الإنسانية لا يزالان في نزاع على هذا السؤال. كل يريد أن يخص نفسه بشرف أنه الأقل حظاً. الأشقى نصيباً من الآخر.

وقد عرض هذا السؤال على طائفة من الكتاب والكاتبات الذائعي الذكر فجاءت الأجوبة من نواحيهم جد متباينة وهي غاية في التعارض والتباين وقد آثرنا أن ننشر تلك الفتاوى لقراء البيان.

سئل الروائي الطائر الصيت مسيو دينيه بوليسف العضو في المجمع الأدبي بباريس. وصاحب طائفة من الروايات الخالدة - فقال أتسألونني أي الفريقين أحسن نصيباً في الحياة الإنسانية وأنتم تعلمون أن هذا السؤال قد أصبح محلولاً في هذه الحرب. وإن هذه المجزرة التي أطاحت بالعالم كله أبدت الجواب الصراح عليه. أليس الرجل هو الذي خلق الحرب. والحرب أبداً في الدنيا من عمله وصنع يده. وستكون الحرب أبداً حقاً من حقوقه. فأي عبء عمركم الله ثقيل مثل هذا اضطلعت به المرأة. وأي خطب أشبه بهذا احتملته النساء. لعلكم تقولون أن في الأمومة ومتاعبها الكفاية للمرأة. على أني لا أرى في الأمومة أن اكتنفتها المتاعب من جميع وجوهها ما يؤلم المرأة ويخيفها ويثقل كاهلها. فهي تخرج الطفل إلى الدنيا. ولعل في ذلك شيئاً من الألم. ولكن حبها إياه هو الغاية وفيه العزاء والسلوى. ومهما كان الوالد يحب أطفاله وولدانه فهل كان حبه ليقارن بحب أمهم إياهم. فإذا تقرر ذلك أفليس الحب في الحياة هو السعادة كلها ثم أنتم تعلمون أن حب المرأة أشد من حب الرجل، وفي كثير من الأحايين أسمى منه عنصراً. وأصفى منه باطناً وظاهراً. والخطأ الذي يشترك فيه الناس قاطبة هو ذهابهم إلى أن الرجل أكثر تنعماً بالحب من المرأة إذ كان أكثر منها حرية، وأطلق سراحاً وأوسع حدوداً. إذ يجب أن لا ننسى أن الرجل أكثر خلق الله سوء استعمال لهذا الحب. وكم من رجل بدد حبه وعبث به. وبعثره وذراه مع الريح. أفه ترون الذي يحب ويبقى على الحب وإن كان ذلك من الألم ما فيه. أسوأ حظاً من الذي يحب فيعبث بالحب: وجملة القول أن المرأة من الوجهتين معاً الحب وراحة البال أحسن حظاً من الرجل.

قد تقولون أن المرأة لا تستطيع أن تحرز المجد وتدرك الشأو البعيد، وإنه إذا كان الناس يستميتون في طلاب المجد واعتلاء متن الغاية القصية من رفعة الشأن أفلا ترى هذا المجد نعمة كبرى انفرد بها الرجل دون المرأة. وأنا لا أنكر أن للرجل فرصاً سوانح أكثر من المرأة في سبيل إحراز المجد. ولكن أليس المجد الذي نكتسبه نعود فتخلعه على النساء. أليس الرجل يكدح لنيل الفخار. فإذا ظفر به ألقى منه على امرأة من نساء الدنيا. وكذلك كان النساء يتنعمن بالعلاء والشهرة على حساب الرجال. وجملة قولي أن رأيي هو أن المرأة خير نصيباً من الرجل في حياتنا هذه.

  • * *

فتوى مدام سيمون

اكبر ممثلة أديبة في باريس

وصاحبة الدور الأكبر في رواية النسر الصغير

التي وضعها الروائي أدمون روستان

أول ما عرض السؤال عليها صاحت قائلة: وهل هذا يحتاج إلى سؤال. وهل هناك شك في أن الرجل هو الظافر دون المرأة بأحسن نصيب من الحياة! إني أقول ذلك بلاد أدنى تردد أو حيرة.

حسب الرجل حريته. أليست القهوة أكبر نعمة للرجل، فهو إذا ضاق صدره في المنزل وتألم من صراخ الأطفال واجتوى جو الحجرات. انفلت إلى القهوة فنعم فيها بحريته. والرجل ينعم بالاستقلال لأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء ويختار. فهل ثمت يرجح بهذه السعادة ويفضل تلك النعمة. من هذا تعلم أن المرأة يجب أن تكتسب شيئاً فشيئاً كثيراً من الحرية والاستقلال لأجل سعادة البيت وصلاح الأسرة، وإني لأرى أن المنازعات العاطفية القائمة اليوم بين الرجال والنساء ليست إلا منازعات اقتصادية فإذا اشتغلت المرأة وكدحت لاكتساب الرزق وظفرت بحريتها، تغيرت صفة حب الرجل لها. ففي سبيل تحسين نصيب المرأة ينبغي لهن أن يطلبن من العمل والإسهام في الأشغال المطلوبة من الرجال اليوم وحدهم استقلالهن وتحريرهن، ولعل معترضاً يقول إن ذلك قد يراد منه المساواة بين الجنسين. ولكن المرأة في حبها لا بد أن تكون دائماً تابعة للرجل طائعة نازلة على أوامره خاضعة لسلطانه، وكيف بعد هذا يمكن أن تقارن المرأة بالرجل في هذه الحياة. ونحن قد رأينا ما فعل الرجل في هذه الحرب الكبرى مما لا تستطيع المرأة أن تفعل شيئاً منه.

إذن لا ريب في أن الرجال هم الذين يتمتعون في الحياة بنصيب أكبر، ولكم ندمت وتمنيت لو أنني كنت رجلاً. وإذا كانت المرأة تجد في الحب اكبر لذاذتها، فإن للرجل كذلك ألف لذة ولذة.

  • * *

فتوى مدام الفونس دوديه

زوجة الكاتب الخالد الفونس دوديه

ماأصعب هذا السؤال وما أعصاه على الحل والشرح: إذ لكل من الرجل والمرأة واجب خاص مختلف عن واجب صاحبه. وإذا كان لكل أثر في تخفيف أعباء رفيقه، وتسهيل احتمال خطوبه، فإن الرجل هو الذي يؤسس العائلة، والمرأة هي التي تدير شؤونها وتعمل على الاقتصاد في أمورها وبذلك تزيد في ما يكسب الرجل بجهد يده وتنميه وتصلح منه فإذا هو أكثر بركة، والمرأة هي التي تضع الطفل والرجل هو الذي يكفل له الغذاء والتربية والحماية، والمرأة هي الحارسة داخل أسرتها وهي التي تخلع من جمالها على الدار جمالاً. وتجعل من البيت نظاماً وكمالاً، والرجل يتألق خارج البيت ويشرق ذكاء وهمة وطموحاً، وكدحاً وسعياً، ولعلكم تسألون إذا كان الأمر كذلك. فليس أحد خيراً نصيباً من صاحبه. فأقول إن الفريق الذي يقع له أحسن النصيبين هو أشدهم تقديراً لواجباته، واحتراماً لما يطلب منه أداؤه وهو الذي يستطيع أن يعلو بالأسرة ويسقط، وهو الذي بيده صلاح البيت وفساده، وأنتم تعلمون أن كل ذلك مشترك بين الرجل والمرأة، ليس لأحد منهما سلطان أكثر من رفيقه وعدم المساواة بين الرجل والمرأة إنما مصدره الضعف وإغفال الواجب والجهل.

  • * *

فتوى الكاتب المشهور نانجسر أنتم تعلمون أن الجواب يتوقف على الناحية التي ينظر منها المسؤوا إلى السؤال وما حوى - وأنا أقول أن امرأة غفلا بلهاء أسعد حالاً من الرجل، فإن المرأة الحمقاء إنما تضيع وقتها في ارتداء ملابسها وإظهار محاسنها والبروز في أجمل بزاتها، والتهادي في مجامع الشاي وحفلات الرقص، لا حزن تحزن، ولا شيء يؤلم نفسها، وهي كذلك وهي تعيش وكلاً على الرجل، وقفاً على ما يكسبه، أما المرأة الذكية فإنها تحسد الرجل على استقلاله. وتنفس عليه حريته، وتغبطه على قوته، وتود لو أن يتاح لها ما ينعم به من سهولة التعليم وحرية التهذيب - وتود لو تيسر لها أن تعيش كما يعيش - وتضطلع بخطوب كخطوبه، وتؤدي أعمالاً شاقة كأعماله. وأن تقوم بأفعال جسام، وشؤون عالية، ولهذا تتألم لأنها لا تستطيع حولا، وتحزن أن ليس لها بكل ذلك يدان وكذلك ترى الرجل أسعد حالاً من هذه المرأة.