مجلة الرسالة/العدد 1000/حول العدد الألفي

مجلة الرسالة/العدد 1000/حول العدد الألفي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 09 - 1952



أثر الرسالة في الأدب الحديث

للأستاذ محمد سالم الخولي

للرسالة في الأدب الحديث آثار خالدة خلود الأدب والفن. . سهرت على شوارده وأثبتتها، وتتبعت نوافره فجمعتها، وجلت غوامضه بالبيان الرائع والأسلوب الطيع، واللغة السليمة والمنطق المسلسل.

أشرقت على البلاد العربية والرأي الناضج في مصر يكاد لا يسمع به أديب بالعراق، والفكرة في العراق لا يتعالمها إلا من بالعراق، والشعر في الشام لا تتردد أصداؤه إلا بين جنبات الشرق حتى توحدت الفكرة والرأي والشعر وأصبح لحملة الأقلام رسالة. . . . رسالة تجمع بينهم وتعرفهم كلماتهم. . . والحقيقة أن المتأمل في أعدادها الألف اليوم يستطيع في يسر عجيب أن يجمع بين يديه خيوط دراسة أدبية رائعة لنهضة الأدب العربي الحديث.

فبين أحضان الرسالة نشأت مدارس الأسلوب الرائع النابض الحي، وبين صفحاتها تكونت مدارس للنقد المتعمق المحلل لخفايا النفوس والأساليب، وفوق أغصانها غردت أطيار من الشعراء لكل جماعة منها أهداف معلومة ورسالات محدودة. ولها لون وذوق فني خاص مع تفاوت بين أفرادها في طرائق العرض وأساليبه وطرائق تناول الموضوعات الشعرية، وإلقاء الظلال والألوان على الصور الشعرية.

إن دراسة أعداد الرسالة الألف تعتبر بحق دراسة للأدب العربي الحديث، بل لأزهى عصور الأدب العربي عامة.

وجدير بمحبي الأدب ودارسي روائعه أن يعملوا الفكر والتأمل في هذا التراث الخالد العظيم. حتى يقدموا للأجيال القادمة صوراً صادقة للنهضة الأدبية متمثلة في مدارس أدبية ناثرة أو شاعرة أو ناقدة كالرسالة تمتاز بصفة لازمتها دائما هي الاحتفال بما تقدم من الآثار الفنية. فهي لم تنشر من النثر إلا ما بلغ الغاية من الكمال الفني والنضوج الفكري. . . ولم تقدم من الشعر إلا ما ارتفع إلى مراتب الروائع الفنية وحلق في أجواء تعبق بالشاعرية الملهمة الفذة.

والرسالة لم تقدم إلى العالم من الأدباء أو الشعراء إلا من اكتملت لهم الأداة وتم لهم النضوج. . . وسعى لهم الفضل. . ودان لهم الخلود أو كتب لهم الخلود على يديها، وإنك لتلمح بين صفحاتها بين الحين والآخر أسماء تشرق حينا ثم تغيب، وأسماء تسطع دائماً وإن هي غابت فإلى عودة. . . فتحب أن تسأل عن السر في ذلك الإشراق المفاجئ. وذلك التكرار المتواتر على فترات قد تطول وقد تقصر. . . فتجد السر في برنامج مدرسة الرسالة. . حيث تراها مضطرة إلى الاحتفال بالموضوع الجدير بالنشر والمعروض في قالب جدير بها. فهي إذن ترحب كلما سنحت لها فرصة العثور عليه، ومن هنا يجيء سر الإشراق المفاجئ لبعض الأسماء، أما الأسماء المستمرة السطوع في افقها فهي إما لأبناء نجباء من أسرتها أو لأسماء استطاعت أن تقدم دائماً الطريف الجديد الرائع.

وأكبر مظاهر التقدير للرسالة الخالدة في يوم صدور عددها الألفي. . هي أن نحاول رسم خطوط متزنة لمدارس الرسالة الأدبية مع عرض لأسماء أشياخها الأفاضل وأسماء شبابها الخالد. . من كتاب ونقاد وشعراء.

فمن أشياخها الأعلام الأفاضل الذين قدمتهم في مشرق عمرها المديد ولا زالت تقدم بعضهم: الأساتذة الكبار طه حسين واحمد أمين وعبد الوهاب عزام وتوفيق الحكيم وعباس العقاد ومحمود البشبيشي وتوحيد السلحدار ومحمود تيمور ونقولا الحداد وأحمد رمزي ومحمد غلاب ومحمود أحمد الغمراوي والشيخ شلتوت والشيخ المدني والمرحوم الدكتور زكي مبارك وأحمد الزين والزهاوي وطوقان والنشاشيبي والكرملي والمازني والرافعي.

ولكل من هؤلاء الأشياخ الأعلام خصائص مميزة واتجاهات خالدة، منهم الأدباء الفنانون كطه حسين وتوفيق الحكيم وتيمور والمازني وزكي مبارك. وكان الرافعي فرداً في فنه، ومنهم الأدباء الرواة الثقات واللغويون الأعلام كالزيات والنشاشيبي والكرملي ومحمود البشبيشي. ويمتاز الزيات بالروعة في الأسلوب والدقة في العرض والإحاطة بالأدب، والبشبيشي بسعة الاطلاع والجزالة في الأسلوب، أما الكرملي والنشاشيبي فكانا يصدران عن طبع لغوي علمي يشوبه الجفاف في العرض.

وفيهم الأدباء والأعلام المختصون بالدراسات الأدبية والاجتماعية كالعقاد وأحمد أمين، ويمتاز العقاد بأفق واسع وأغوار عميقة لا يسبح فيها ولا يصل إليها سواه، أما الأستاذ الحداد فله اتجاهاته الاجتماعية والعلمية، والأستاذ أحمد رمزي اتجاهاته الاجتماعية والدولية. وكان الزهاوي فيلسوفاً شاعراً ولم يكن الشاعر الفيلسوف، وكان الدكتور مبارك الفنان الشاعر ولم يكن الشاعر الفنان، أما شباب الرسالة فيهم بين أبن نشأ فيها ورعاها ورعته وأخذ عن صاحبها العظيم وتأثر به وحده أو به وبغيره من أشياخها. . أو بين أديب آثر الرسالة بآثاره المكتملة فأقرته واحتفلت به وقد يكون تأثر بها من بعد وقد لا يكون.

فمن الشباب كتابها الأساتذة الأعلام عبد المنعم خلاف وسيد قطب ومحمود الخفيف وعزيز أحمد فهمي وكامل محمود حبيب وفهمي عبد اللطيف وعباس خضر والدكتور محمود يوسف موسى وأنور المعداوي وأحمد أحمد البدوي ومحمد القصاص ومحمد محمد زيتون وراجي الراعي وعلي متولي صلاح ومحمد رجب البيومي وأنور الجندي ومحمود أبو ريه وصلاح الدين المنجد وفوزي الشتوي وسعيد العريان وصلاح المنجد، ومن شباب شعرائها الأساتذة الملهمون علي محمود طه ومحمود إسماعيل والزهاوي وإيليا أبو ماضي وسيد قطب وحسين البشبيشي وكامل الصيرفي وأنور العطار ومحمود السيد شعبان وعبد الرحمن الخميسي وإبراهيم نجا وأحمد العجمي ومحمود رجب البيومي والصافي النجفي وفدوى طوقان وعبد القادر رشيد الناصري.

ومن هؤلاء الشعراء من جمع بين الأسلوب الكتابي الرائع والقدرة الشعرية السامية فكان منهم من اشتهر بنثره النابض بالحياة وفكره المتعمق المساير للمجتمع والأدب كالأساتذة الأفاضل سيد قطب الكاتب المسلم الاجتماعي الخطير والناقد البصير وعبد الرحمن الخميسي الصحفي المعروف والعجمي وحسين البشبيشي والناصري، وإنك لتلمح أثر العقاد في سيد قطب واضحاً، وأثر الرافعي في سعيد العريان إلى حد تقيده طاقة العريان الفنية، وأثر الزيات في أنور المعداوي وحسين البشبيشي وصلاح المنجد والناصري. . وبعد فهذه خطوط رئيسية لا تصل إلى حد الدراسة. نأمل أن تجد من أدباء العروبة من يبادر إلى تناولها بالتفصيل. فللرسالة مكانتها الخالدة في الأدب والأدباء.

محمد سالم الخولي

مستشار سابق