مجلة الرسالة/العدد 1016/الميسر والآزلام

مجلة الرسالة/العدد 1016/الميسر والآزلام

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 12 - 1952


8 - الميسر والآزلام

للأستاذ عبد السلام محمد هارون

(تتمة)

ضروب من القرعة المعاصرة

1 - وكانت القرعة إلى عهد قريب تطلق على اختيار الرجال للجندية، وكانت إدارة التجنيد لجيشنا المصري تسمى (إدارة القرعة)، ولا تزال هذه التسمية غالبة لم تمح التسمية القديمة، وبسؤالي لبعض كبار رجال الجيش أجاب بأن ذلك لا يعدو أن يكون مجازا في التسمية، وأنه لم تكن ثمة قرعة بالمعنى الحقيقي، وإنما هي اختيار بحت وترشيح للصلاحية كان فيما مضى مبينا على قواعد ساذجة، ثم أضحى اليوم مقيدا بشروط دقيقة لا بد من توافرها في أفراد الجيش النظامي.

2 - ومن وسائل القرعة أن تقطع أوراق متساوية القدر والنوع واللون، ثم يعطى كل واحد من المتقارعين واحدة منها فيكتب فيها اسمه، ثم تطوى كلها على غرار واحد، فإما أن تجعل مربعة، وإما أن تلف لفا أسطوانيا، بحيث لا يبدو من إحداها ما يدل على صاحبها، ثم تلقى في وعاء، وقد يكون ذلك الوعاء قلنسوة أحد المتقارعين، ثم تجلجل كما تجلجل القداح، ثم تخرج إحداها؛ فمن خرجت باسمه فهو الفائز.

3 - ومن وسائل القرعة في بدء الألعاب الرياضية أن يختار كل واحد من الفريقين أحد وجهي الدرهم: الصورة أو الكتابة، ثم يلقي الحكم هذا الدرهم فأي الوجهين ظهر حكم لصاحبه أن يكون هو البادئ باللعب.

هذه هي أشهر ضروب القرعة المعاصرة في مصر اليوم، ولا ريب أن هناك ضروبا أخرى منها يزاولها أقوام آخرون في شتى بلاد الله، كل يجري على مذهبه وطريقته في ذلك.

الاستخارة

ومما يلحق بالاستقسام لطلب الغيب، أو للتفاؤل واستشارة قوى الغيب للإقدام والإحجام ما أطلق عليه المتأخرون لفظ (الاستخارة).

ولفظ (الاستخارة) عربي أصيل. قال ابن الأثير في النهاية: (والاستخارة: طلب الخيرة في الشيء، وهو استفعال منه، يقال: استخر الله يخر لك). وفي الحديث: (كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في كل شيء). وفيه أيضاً دعاء الاستخارة، وهو (اللهم خر لي)، أي اختر لي خير الأمرين، واجعل لي الخيرة فيه.

ولا ريب أن معنى الاستخارة أن يستلهم المستخير الله ليهديه إلى خير النجدين، ويأخذ بيده إلى أقوم الطريقين. وليس في هذه الاستخارة لجوء إلى غير الله، وليس فيها توسل بغيره لمعرفة الخير. ولم يؤثر عن السلف الصالح استخارة بغير معنى دعاء الله عز وجل أن يوفق للخير.

ولكن هذه التسمية أطلقت فيما بعد على ضروب من الاستشارة أشهرها:

1 - استخارة المصحف، بأن يفتح المستخير المصحف ليرى فيه ما يدله على الإقدام أو الإحجام، أو ليستبشر به أو يبتئس بقراءة أول ما يظهر له منه عند الفتح.

ويسجل التاريخ خبرا معزواً إلى الوليد بن عبد الملك - وكان فيما يذكر المؤرخون صاحب فسق وفجور - فيزعمون أنه أخذ المصحف يوما وفتحه، فأول ما طلع له (واستفتحوا وجاب كل جبار عنيد). فقال: أتوعدني؟! ثم علقه ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه، وهو ينشد:

أتوعد كل جبار عنيد ... فها آنذاك جبار عنيد

إذا لاقيت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقني الوليد

ومعا شك بعض المؤرخين في هذه الرواية فإنها لا تدل بيقين أنه فتح المصحف ليستخير به أو يستقسم، فليس في نصها ما يقطع بذلك أو يرجحه.

ومما يجدر ذكره أن (الاستفتاح) في الآية الكريمة لا يمد بسبب إلى (فتح المصحف) بل المراد بالاستفتاح في الآية هو طلب النصرة. وفي الحديث: (أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين)، أي يستنصر بهم. أو المراد به طلب القضاء، كما في قوله تعالى: (فافتح بيني وبينهم فتحا)، أي احكم حكما.

2 - ومن ضروب الاستخارة استعمال (المسبحة)، بأن يجري المستخير يده على حبات المسبحة ثم يقف بأصابع إحدى يديه عند واحدة منها، ثم يحرك أصابع اليد الأخرى من حيث وقف إلى رأس المسبحة ويقرأ على حباتها بالتوالي (الله. محمد. علي. أبو بكر. أبو جهل) فحيث انتهى العد إلى رأس المسبحة كان ما تشير به الاستخارة، فخير الحظوظ أن ينتهي العد إلى الكلمة الأولى ثم التي تليها إلى (أبي بكر)، ولكنها إذا وقفت عند أبي جهل كان في ذلك الشر المستطير والأخذ الوبيل.

هذا هو الميسر وأشباهه، وتلك هي الأزلام وأشباهها، بسطت القول فيهما وأردت بذلك فيما أردت أن أذكر تأصيل (الميسر) وأنه داء صاحب البشرية منذ عهد طويل، وأن أقول إن الوقت قد حان للقضاء عليه في هذه العهود الجديدة التي تحاول أن تهزم الشر والفساد، وأن تنصر الأخلاق الفاضلة والمثل العليا.

وأما بعد فإن القول ليس بحاجة إلى أن يعاد، وأن يقال إن الميسر هو السر الغالب فيما كنا نرى من تهافت بعض أصحاب السلطان فيما مضى على اغتصاب الأموال واحتجان الحقوق، والتسلل إلى اقتناص الأبيض والأصفر من ثنايا الرشوة ومكامن الاستغلال الدنيء. فلنقض عليه ولنعلم أننا نبني بذلك صرحاً عالياً سامقاً من صروح الاستقامة، ونهدم بذلك جبارا ماردا من جبابرة الفساد والطغيان.

(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا).

منهج لبحث

المقال الأول:

مقدمة - لفظ الميسر ومدلوله - لفظ القمار ومعناه - لفظ الأزلام ومعناه - زمان الميسر.

المقال الثاني:

الجزور - الجزار - عدد الأيسار - قداح الميسر - عدد القداح وأسماؤها - قداح الحظ - القداح التي لا حظ لها.

المقال الثالث:

الخريطة - الحرضة - الرقيب - مجلس الميسر - الغنم والغرم - قضايا الميسر - ما في الميسر من الضرر والنفع.

المقال الرابع: هل بقي الميسر في الإسلام - الاستقسام بالأزلام - الأزلام في الشعر العربي.

المقال الخامس:

لماذا استقسم العرب يالأزلام - أزلام الاستقسام.

المقال السادس:

العامل الديني - تقديس الأزلام - الأزلام في التاريخ الديني القديم - التمرد على الأزلام.

المقال السابع:

الأزلام المدنية - علة تحريم الاستقسام بالأزلام - القرعة - القرعة في الكتب الدينية القديمة.

المقال الثامن:

ضروب من القرعة المعاصرة - الاستخارة

مراجع البحث

الأصنام، لابن الكلبي، طبع دار الكتب - الأغاني، لأبي الفرج، طبع الساسي - إنجيل لوقا ومتى ومرقس - بلوغ العرب للآلوسي، الطبعة الثانية - تاريخ الطبري، طبع الحسينية - تفسير أبي حيان - تفسير الفخر الرازي - الحيوان للجاحظ، بتحقيقنا - خزانة الأدب، للبغدادي، طبع بولاق، ديوان الخطيئة، طبع التقدم - ديوان طرفة. طبع قازان - ديوان النابغة. من مجموع خمسة دواوين - سفر يشوع - سفر بونان - السنن الكبرى للبيهيقي. حيدر أباد 1344 - السيرة. لابن هشام. طبع جوتنجن - صبح الأعشى. للقلقشندي. دار الكتب - صحيح الأخبار. لمحمد بن بليهد. الطبعة الأولى - صحيح البخاري - الطرق الحكمية. لابن القيم. طبع المؤيد 1317 - فتح الباري. لابن حجر. طبع بولاق - الكشاف للزمخشري. طبع البهية - لسان العرب. لابن منظور - محاضرات الراغب الأصفهاني. طبع الشرقية - المحبر. لابن حبيب. تحقيق الدكتورة إيلزه - المخصص. لابن سيده. طبع بولاق - مسند أحمد. بتحقيق أحمد شاكر - معجم البلدان. طبع الخانجي - المفضليات. طبع دار المعارف - مقاييس اللغة. بتحقيقنا - الميسر والقداح. لابن قتيبة. طبع السلفية - النجوم الزاهرة. لابن تغري بردي. دار الكتب - النهاية لابن الأثير. طبع العثمانية.

عبد السلام محمد هارون