مجلة الرسالة/العدد 110/حول الفقه الإسلامي

مجلة الرسالة/العدد 110/حول الفقه الإسلامي

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 08 - 1935



والفقه الروماني

قرأنا في (الرسالة) الثامنة بعد المائة مقالة الأستاذ محسن البرازي، في الرد علينا، فإذا الأستاذ برغم تفوقه على أكثر أقرانه من الشباب الذين درسوا في أوربا بذكاء كان موضع إعجابنا، قد أخطأ فهم كلامنا، فأخذ منه بعضا وترك منه بعضا. وحمل كلامنا ما لا يحمل، وأخذ منه عبارة على غير الوجه الذي وضعناها عليه، ثم لم يدخر وسعا في ردها، ولم يتورع عن أن يسميها زعما لا يمكن لعاقل أن يزعمه، وما لم يمكن للعاقل يمكن للمجنون. . . . فكان الجنون جزاؤنا لأنا لم نذهب إلى الأستاذ فنقرأ له كلمتنا كلها، التي لم يقرأ منها إلا ما فيه الرد علينا، فكان أمرنا معه كما قال المثل الفقهي:

(زَنَّاهُ فَحَّده. . .)

لا يا أستاذ! أنا ما قلت: (إن الفقه الروماني جديد لفقه طائفة من العلماء الخ. . .) وسكت، ولكني أوردت هذه الجملة في معرض الفرض والتقدير، فقلت (وهذه عبارتي بالنص):

(. . . على حين أنه لا يمكن أن يقوم دليل علمي واحد على أن الفقه الإسلامي مأخوذ من الفقه الروماني، (وقد علق على هذه الكلمة أستاذنا الجليل الزيات بالتفريق بين الأخذ والتأثر) إلا إذا كان القرآن مترجما عن لغة الرومان، وكان سيدنا محمد رومانيا خرج من أبوين غير عربيين، والذي نقوله، (ولينتبه القراء للذي نقوله) إنه إذا كانت هناك علاقة بين الفقهين (إذا كانت) فإن الفقه الروماني هو المقتبس عن الفقه الإسلامي؛ ودليلنا على ذلك أن الفقه الروماني الحاضر جديد لفقه طائفة من العلماء بعد أن اندثر الفقه الروماني القديم، وهذا الدليل على علاته (تأمل قولنا على علاته) أقوى من دليلهم على دعواهم، فليثبتوا إن استطاعوا أن الفقه الروماني الحاضر هو القديم بذاته، وليأتونا بالأسانيد الصحيحة، والروايات المضبوطة، كما نأتيهم نحن بأسانيد حديثنا، وروايات سنتنا)

هذه هي الجملة، وليس معناها يا سيدي أنا نعتقد بأن الفقه الروماني جديد الخ. . ولم يكن موضوع مقالنا الفقه الروماني، ولكنها كلمة جاءت عرضا، ومعناها أن هذه الدعوى على علاتها (أي مع اعترافنا بان فيها شيئا) أقوى من دليلهم على دعواهم أن مأخوذ من الروماني، أي أن دليلهم ليس بشيء مطلقا، مادام دليلنا على هذه الدعوى الغريبة أصح منه، هذا هو المقصد، وهذا أسلوب من أساليب البيان يفهمه من كان من أهله!

ثم إن هذا كله على فرض أن هناك علاقة بين الفقهين، ووجود العلاقة هو المقدمة المنطقية اللازمة لهذه النتيجة، ونحن ننكر هذه العلاقة، والأستاذ قد أنكرها وبين أنه لا تشابه في أحكام الفقهين في الأحوال الشخصية الخ. . فنحن إذن متفقون على إسقاط هذه النتيجة

ولست أقول هذا الآن، ولكن يقوله كلامي المنشور في (الرسالة) الواحدة والتسعين منذ أربعة أشهر كاملة

فهل يصح للأستاذ أن يقيم القيامة علينا، ويزلزل بنا الأرض، من أجل هذه الكلمة؟. . .

هذا، وغن في مقال الأستاذ شيئا عن الموازنة بين رواية الحديث ونقل الفقه الروماني، قد يفهم منه أن الفقه الروماني أصح سندا، وأثبت نقلا، لأنه - كما يقول الأستاذ - قد دون في عصر جامعه ومصلحه جوستنيان، والحديث إنما شرع في تدوينه بعد زهاء قرن ونصف قرن من تاريخ الهجرة، ولأنه لا دليل على الصحة بعد الوثائق الأثرية، والنسخ المخطوطة القديمة. فنحن ننبه من قد يفهم منه هذا الأمر بأنه باطل وليس بشيء

ونحن نكرر وصية الأستاذ (الشاب) لشبابنا ألا يكونوا أسرى عواطفهم من تعصب للدين والقومية (ونزيد: أو تعصب عليهما)، وكره لأوربة والثقافة الغربية (ونزيد: أو موت في عشقهما) فيسرفوا في القول حتى يجانبوا المنطق

ونسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا أتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه. ونشكر للأستاذ الفاضل جهده وفضله

علي الطنطاوي