مجلة الرسالة/العدد 140/صور الصداقة والعداوة

مجلة الرسالة/العدد 140/صور الصداقة والعداوة

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 03 - 1936



للأستاذ عبد الرحمن شكري

وَفِيٌّ غادر سمْحٌ حَقود ... أرى الأضداد فيك إلى لقاءِ

أمَدْحك لي انتقام من عدو ... أساء إليك أم محض الثناء

وفاؤك كي أبادلك التحايا ... أَذَا سبب التقرب والتنائي؟

وكيما أصطلي وأشن حرباً ... على من مدحه لك كالهجاء

أتخدعني ولم تلحق بسني ... وَلم تظفر بخُبريَ أو بلائي

وتمذق لي إخاءك مذق حقد ... علي وما أصبتك بالعداء

تحاربني وتحسب أن ستخفي ... عداؤك ليس يظفر بالخفاء

كشأن نعامة للرأس تخفي ... وتحسب مالها في الناس رائي

ولست بأول المخفين بغضاً ... نما بين المحبة والإخاء

عرفت الناس قبلك يا خليلي ... وذقت الغدر من حلو الوفاء

فان كان الولاء كما أراه ... فويلي من وفائك والولاء

وبعداً للمديح وإن تغالي ... وسحقاً للمروءة والصفاء

سل الخلان ما فعلوا بقلبي ... وهل أبقوا لشدقك من غذاء

وهل أبقوا لبطنك منه شِلْواً ... مريراً لا يساغ على عداء

أعيذك أن أراك شبيه قوم ... رجولة بعضهم فقد الحياء

وهم فقدوه من ذل وعار ... وهم فقدوه من فقد الأباء

وكم أخفوا رخاوتهم بهُجْرٍ ... كمن فقد الحياء من النساء

وهم مثل الهَلوك رمت رجالاً ... بما قد صح فيها من هجاء

على الأبواب واقفة تنَزَّي ... وترمي القوم من دان ونائي

وتحسب أنها نفضت خناها ... كجلد الكلب هُزَّ لنفض ماء

فلا يعديك خلقهم فإني ... رأيت الخُلْق يعدي كالوباء

صفحت ولو أردت بلغت ثأري ... وقد عُرِفَ اقتداريَ في الرماء

فان يأبوا وإن تأبى سكوتي ... فما صمتي بعيِّ الأدعياء ولا يُعْليك بين الناس خفضي ... ولم تبعد بأفقك عن سمائي

لتنزلني إلى حيث استقرت ... بك الدنيا تفنن في العداء

تخبِّرُني اللحاظ بغل قوم ... على ما نلت من فرص الرخاء

وكنت أظنه حسداً لقولي ... فخلت الصمت أقرب للنجاء

ولو سمعوا بموتيَ ما استراحوا ... ولا يشفي حقودهمُ فنائي

أرادوا لي الممات ولو دهاني ... لفرط الحقد أحسد للفناء

فلا يرضيهمُ عيشي رخياً ... ولا يرضيهمُ مني عفائي

وفي الدنيا الدنيئة هان سمْحٌ ... تعالى عن سلاح الأدنياء

إذا ما أحرجوا سمحاً كريماً ... تَدَرَّع بالقواذع في الرماء

دعوني صامتاً فالصمت أوقى ... لكم إن لم تصولوا بالغباء

أُداجي الناس ما داجوا وإني ... لأزهد في الدِّهانِ وفي الرياء

ولكن الحياة لها قضاء ... فمن يأباه يزهد في البقاء

وما أدري لَدُنْ أُلْفِي عدُواً ... أأبله أم تباَلَهَ بالعداء

أَخَوَّفَهُ أذاي أخو دهاء ... أَخَوَّفَهُ ذكائيَ واعتلائي

أَنمَّقَ وعده بالخير إما ... تمادي من تمادى في الجفاء

أسَعْىُ سعاية أم قول واشٍ ... يُحَكِّمُهُ المُحَكَّمُ في الخفاء

أَرَجَّاهُ مُرجِّى الخوف مني ... ضلالاً نيل عونِيَ أو ثنائي

أعَدْوي في التثاؤب من كسول ... كعدوي في العداوة والإخاء

أرشح اللؤم في رهط وضيع ... يفيض بما يشاء من الأداء

ومن عرف الأنام رأى أُموراً ... مُرَعْبَلَةً كرعبلة الكساءِ

أراها كلها صُوَراً تَنَزَّى ... تَنَزِّي الآل في الخرق الخواء

سراب لست أتبعه فأخشى ... هلاكاً لا ولا هو من رجائي

أنا المرء الذي عرف البرايا ... فلا يردى لعاد أو لشائي

ومن خَبَرَ الأنامَ لِصُنْعِ فنٍّ ... فكل الخلق من صُور الأداءِ

تراموا بالهجاء فان أصابوا ... فرهطهم الملطخ بالهجاء أليس الرهط فرداً ثم فرداً ... وأوصافاً لها عدوى الوباء

نعتم رهطكم لما نعتم ... نفوسَكم بأوضار الرماء

نفوسكم معرَّة كل رهط ... ومدرجة الشعوب إلى الفناء

ومهزلة المكارم والمعالي ... وهل لؤم يؤول إلى علاء

لعلكم حسبتم كل شر ... إلى عود بخير وانتحاء

عبد الرحمن شكري