مجلة الرسالة/العدد 219/همس وعزلة

مجلة الرسالة/العدد 219/همس وعزلة

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 09 - 1937



للأديب يوسف البعيني

إلى أخي وصديقي الأستاذ فليكس فارس

مرَّ عليكِ الخريف بحزنهِ وكآبته. . .

ثم كفنكِ الشتاء بضبابهِ وثلوجه. . .

ومع أنك تسمعين هَمهمة الرياح، وتشاهدين تناثر الأوراق في الأودية والمنحدرات، أراكِ لا تحركين شفتيك ولا تهمسين بكلمة. فهل أخرَسَ الموتُ لسانكِ؟ لسانكِ الذي كنتُ أسمعهُ شادياً مغرداً يُفعم القلبَ حباً، والروح فرحاً وانتعاشاً!

واأسفاهُ. . . إن ليالي الانزواء والانفراد قد حوَّلتْ رائعَ إنشادكِ إلى وحشة خرساء صامتة. . . فما عدتِ تغازلين القمر، والجدول، والزهر، والشمس المطلة من وراء جدائل الشفق فسلامٌ على أيَّامك الغُرِّ الحسان. . .

أيام زهوكِ وسرورك!!

عجباً. .!

أهكذا يذوي الانفراد زهرة الأرواح؟

ويحوِّلُ إيناعها الناضر إلى ذبولٍ مؤلم وإطراقٍ مخيف؟

عجباً. .!

أهكذا تجرد العزلة زهرة الأرواح من زهوها الأنيق لتتعرى كالحُلم الحزين في برودة الموت؟

وافجيعتاه عليك. . . لم تعد حرارةُ أنفاسك تدفئك! إني أخشى عليك من تجمُّدِ العناصر، وظلمة ليالي الخريف الحالكة!

دمعةٌ فابتسامة،

ليلٌ فصباح،

هذا هو قانونُ الحياة

فلا حزنٌ يبقى، ولا يأس يدوم

فاستعدي لكي تنفضي عن مناكبك غبار العزلة والأنفراد، وأن تفتحي للفجر قلبك الطافح بخمرة الحب والجمال

فعمَّا قريب يأتي الربيعُ بنسماتهِ العليلة،

وزهورهِ البيضاء،

وأندائهِ النابعة من أجفان النجوم!

كفاك صمتاً. . .

فالصمتُ للعظام والجماجم،

وليس لكِ يا ابنة الآلهة!

فهل تستيقظين وتنزعين عن وجهك نقاب الموت أيتها الموحيةُ الحبيبة

المتسربلة بالضباب،

والمتَّشحة بالشعور والعواطف،

والمصغية إلى أغاني الكواكب؟

نعم. . سوف تستيقظين،

وسوف ترافقين ذاتي الخفيِّة. .

فنفرحُ معاً عندَ أقدام الوادي، ونحتسي كؤوس الحياة منفردين

إنَّ الربيعَ حياةٌ. .

ومن لا يشارك الربيع في سروره وأفراحه، فليس من أبناء الحياة!!

(البرازيل)

يوسف البعيني