مجلة الرسالة/العدد 225/أبحاث تاريخية جديدة

مجلة الرسالة/العدد 225/أبحاث تاريخية جديدة

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 10 - 1937



الإسلام في غرب أفريقية

مدى انتشاره في تلك الأقاليم ومبلغ أثره في الأهلين

للأديب جمال الدين محمد الشيال

تتمة

ولقد حمل إليهم الإسلام أيضاً نظام الحكم الديموقراطي. ذلك أن نظام الإدارة في الإسلام نظام ديموقراطي - لا فارق بين رجال الدين وعامة الشعب - فرئيس المقاطعة هناك هو الليمان (ويبدو لي أنها محرفة عن لفظة الإمام بالعربية) ويختار من بين أفراد الشعب، وكل الصفات التي يراعيها الناس أثناء انتخابه هي أن يكون على خلق طيب وأن يكون ملماً بالقرآن إلماما ًَلا بأس به. ومن وظيفته أن يؤم الناس في الصلاة. وليس هناك نظام مركزي يوحد بين هؤلاء الليمانز فكل منهم مستقل في إدارته. ويزود الليمان هو والمالم (وأرجح أن أصلها معلم، فوظيفته تعليم الناس ولابد أن يكون على علم ولو قليلاً بالقرآن) بما يقدمه الناس لهم من عطايا عن طيبة خاطر. ومهمة هؤلاء المعلمين تعليم الصغار؛ غير أن أكثر اعتمادهم في الكسب على التمائم التي يقدمونها للناس. والمعلمون كذلك أطباء يستخرجون الأدوية من جذوع الشجر وأوراقه. ومعظمهم طفيليون على المجتمع، بل إن بعضهم يستخدم تلامذته لسؤال الناس. وكثير منهم ممن ذهبوا إلى مكة وحجوا البيت الحرام يشاع تقديسهم؛ وهم يستغلون هذه الإشاعات الخيالية طول المدة الباقية من حياتهم. ولكننا برغم هذا لا نعدم أن نجد بين هؤلاء المعلمين من يحيا حياة كلها تقوى وورع وسعي لنشر العلم. وفي معظم الولايات الإسلامية تقام الصلاة كل يوم كما يحتفل المسلون بعيدي الفطر والأضحى إذ يسمونهما & أي العيد الأصغر والعيد الأكبر

المذاهب الدينية

ويعتبر سلطان سكوتو الرئيس الروحي لجميع مسلمي السودان الأوسط حيث يسمونه ولقد امتد نفوذه في أوائل هذا القرن حتى شمل تمبكتو غرباً وأجادز شمالاً (ولكن هذا النفوذ لم يشمل بورنو حيث يتمتع الشيهو بمركز ديني يضاهي مركز سلطان سكوتو) وهناك مذاهب دينية مختلفة تعمل على تقدم الإسلام ونشره، أهمها مذاهب القادرية والتيجانية والسنوسية. وللمذهبين الأولين أتباع كثيرون في مختلف أنحاء نيجيريا، وخاصة مذهب التيجانية الذي أسسه أحد أساتذة بلاد المغرب واسمه (سيدي أحمد التيجاني) وكثير من ثورات السودان المحلية يرجع لتأثير هذا المذهب في السودانيين. أما مذهب السنوسية فلم يتعمق إلى الجنوب كثيراً؛ لقد بلغت دعوته شمال نيجيريا وله بعض الأتباع في سكوتو وبورنو. وليس هناك ما يميز أتباع هذه المذاهب عن بقية المسلمين سوى رغبتهم وسعيهم للتطهر، وسوى حلقات الذكر التي يقيمونها في الحين بعد الحين (وإن كانوا لا يفهمون معنى ما يقولون أثناء الذكر كما يقول

والمساجد منتشرة في كل مدن الإسلام، أما في القرى فالمسجد قطعة من الأرض مسورة بحاجز من الخشب

الإسلام ينتشر وإن كان المسلمون لا يبشرون به

لا يوجد بين المسلمين الآن إرساليات تبشيرية تعمل لنشر الإسلام، ولكن الإسلام ينتشر عفواً بين تلك الجماعات دون بذل مجهود. والجهاد عند المسلمين واجب لنشر دينهم بين الوثنيين ولكننا لو عرفنا أن الجانب الأعظم من دخل الفولاني يعتمد على تجارة الرقيق بدا لنا السبب في عدم اهتمام هؤلاء كثيراً بالتبشير لدينهم بين الوثنيين

ومع هذا فقد كانت هناك إرساليات تبشيرية هامة في أوائل حكم الفولاني. فإن لاندر يحدثنا أنه قابل في معلمين من الفولاني أرسلهم أمير نوبي لينشروا تعاليم الإسلام بين السكان الوثنيين

غير إن الإسلام لم ينتشر في تلك الجهات نتيجة سعي الإرساليات قدر ما انتشر نتيجة جذب ثقافة المسلم العالية لجيرانه الوثنيين. والآن بعد سهولة المواصلات أصبح المسلمون أكثر اتصالاً بالوثنيين، وكانت نتيجة هذا أن الوثني الذي يتعدى منطقة إقامته يرى أن من الصالح أن يعتنق الإسلام، وأن يتبع المسلمين في أسلوب حياتهم، لأنه سريعاً ما يدرك ضيق دينه إذا قارنه بعالمية الإسلام؛ وهو إلى هذا كله لا يجد صعوبة في انتقاله من الوثنية إلى الإسلام، فهو بالمعاشرة يستطيع بسرعة أن يستسيغ نظم الدين الجديد. والوثني كذلك يرى أن المسلم متسامح وأنه يعيش في منزل أنظف من منزله ويرتدي ملابس خيراً من ملابسه، وله بالعالم معرفة أوسع من معرفته. فلا غرو بعد هذا إن فضل الوثني الإسلام فاعتنقه. والوثني عندما يسلم يغسل جسمه كله ثم يعلن إسلامه في المسجد

نظم التعليم في تلك الجهات

وهناك مدرسة في كل بلدة من بلاد الإسلام يديرها معلم من الأهلين، ويرسل إليها الأطفال في سن مبكرة غالباً بين الثالثة والرابعة، يرسلهم آباؤهم إلى هذه المدرسة فراراً من الجهد الذي يبذلونه لرعايتهم. ومن هؤلاء المعلمين من يمارس التجارة إلى جانب مهنة التعليم. أما الأطفال فهم يستمعون إلى دروسهم في العادة ساعة في الصباح وساعة في المساء، وهؤلاء الأقوام لا يهملون تعليم بناتهم. ويتلقى التلاميذ دروسهم عادة قبل شروق الشمس وبعد غروبها حتى يستطيع الصبية منهم خدمة الحقول أثناء النهار

وأول ما يتعلم الأطفال الصلاة، ثم يعلمون كيف يقرأون القرآن، ثم يتلقون بعض الواجبات الدينية كشروط الوضوء وطرق الاغتسال وغيرها. والأطفال يقرأون العربية جميعاً وراء معلمهم بصوت مرتفع منغم. وإذا تقدم الأطفال في السن وكبروا علموا شيئاً من تفسير القرآن؛ غير أن نظم التعليم العامة عندهم تسير على نهج آلي. فمعظم الأولاد يحفظون القرآن كله أو بعضه، وهم لا يفقهون له معنى. بل أن أكثر المعلمين هناك ثقافة لا يعرف شيئاً عن التطور الفكري الذي يسود العالم الإسلامي اليوم. وإن كان هناك نفر من النيجيريين على درجة كبيرة من العلم والثقافة فمنهم شيهو دان فوديو وقد ألف كتاباً في اللاهوت وابنه بلو وهو نحوي ومؤرخ مشهور وغيرهم كثيرون. ولا يتقاضى المعلمون مرتبات غير الهدايا التي تقدم إليهم. وعندما يتم الولد دراسته يأخذ المعلم من أهله حملاً أو عنزة ومع هذا فإن 3 % من المسلمين فقط هم الذين يقرءون ويكتبون

فضل الإسلام في توحيد هذه القبائل المبعثرة

يبدو لنا بعد هذا بوضوح كيف أن نظم الإسلام الاجتماعية والسياسية توافق الزنوج كل الموافقة خصوصاً وإن الزنوج السودان يسود بينهم الدم الحامي أو دم البحر الأبيض المتوسط. فالإسلام إذ يفرض على هؤلاء الناس الختان ويبيح لهم تعدد الزوجات ويمنعهم عن أطعمة خاصة ويحرضهم على أن يكونوا أحراراً، لا يطلب منهم المستحيل، بل إن يقول (إن الإسلام إذ يفرض على الزنوج عبادة الله لا يفرض عليهم جديداً فإن في نيجيريا يعتبرون إله السماء هو المسيطر والمنظم للعالم)

وبعد هذا فإنا لا ننسى كيف حمل الإنسان إلى هؤلاء الأقوام الشعور بضرورة الوحدة، فلقد جمعهم بعد تفرقة. والفضل كل الفضل للإسلام إذ كون من تلك القبائل المبعثرة وحدات متحدة قوية؛ بل إن ميك يعترف بالفضل للإسلام إذ وحد هؤلاء الناس حتى استطاع الإنكليز أن يحكموهم هذا الحكم غير المباشر. وإن كان المسلمون في تلك الجهات هم الذين يتولون أمورها ولهم قيادة الرأي العام فيها

لقد رأينا كيف اتسعت موجة الإسلام واتسعت حتى تلاشت في القرن التاسع عشر وابتدأت حركة الاستعمار ووجد المستعمرون أن مصدر الصعاب التي قامت في طريقهم هو الإسلام والخلاف الديني بينهم وبين أهالي الجهات المستعمرة. ولذلك فهم يبذلون الآن جهدهم لنشر المسيحية حيثما حلوا. وهم يجذبون الناس إليهم بمختلف الوسائل التي تحمل طابع الإنسانية، فهم ينشئون المستشفيات والمدارس ودور اللهو والكنائس وغيرها. ثم هم يجتهدون أخيراً أن يحولوا بين مسلمي السودان وزنوجهم لينشروا بينهم المسيحية. ولكن واجب المسلمين الآن أن يلقوا بالدعوة من جديد حتى تبتدئ الموجة ثانية وتتسع. . وتتسع حتى تصل إلى هؤلاء الأقوام فتحسن من تعليمهم وتعمل على تقوية إيمانهم. ولا أحسب أن هناك قطراً يصلح لهذه المهمة غير مصر؛ ولا أحسب أن معهداً في مصر يصلح لهذه المهمة غير الأزهر، ورجال الأزهر. فهل يفكر القوم في هذا؟!

جمال الدين محمد الشيال

المراجع

1 -

2 - 1930.

3 - ; 1913

4 -

1 - ابن عذارى المراكشي: البيان المغرب في أخبار المغرب. طبعة لايدن سنة 1848 2 - ابن خلدون: المغرب في تاريخ الدول الإسلامية بالمغرب طبعة لايدن 1847

3 - المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب طبعة لايدن سنة 1847

4 - ابن بطوطة: رحلته المسماة (تحفة النظار. . . الخ)