مجلة الرسالة/العدد 253/هل ينبغي أن تزاحم المرأة الرجل؟

مجلة الرسالة/العدد 253/هل ينبغي أن تزاحم المرأة الرجل؟

مجلة الرسالة - العدد 253
هل ينبغي أن تزاحم المرأة الرجل؟
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 05 - 1938



للآنسة زينب الرافعي

(بقية ما نشر في العدد القادم)

وأنا موقنة أيها المؤيدون أنكم يومئذ لن تسمعوا من المرأة إلا رأياً واحداً عن وظيفتها في الحياة؛ ستقول لكم كلمتها الحاسمة في هذا الموضوع حين تقول: (إنني ملكة في مملكتي الصغيرة فهيهات أن أخضع للإغراء فأنزل إلى مرتبة السوقة في الأعمال!!)

أرأيتم تلك المديرة الأجنبية التي استخدمتها تلك السيدة الرجلة لتدير بيتها، أرأيتموها هناك إلا لتطلع على عوراتنا وتكشف عن عيوبنا حتى إذا عادت إلى قومها قالت ما لا يسركم أن يقال!

لقد ذهب فلان إلى أوربا فعاد بزوجته أجنبية، ومثل فلان هذا كثير من شباب مصر، وتسأله: لماذا آثرتها على بنات العم وبنات الخال؟ فيجيب: لقد تزوجت أجنبية لأني لم أجد مصرية واحدة أهلاً لأن تكون لي زوجة!

لماذا؟ لجمالها؟ لا، إن في مصر لجميلات يزهين على جميلات العالم. لأدبها؟ لا، إن المصرية لأكثر أدباً من صاحبته، إن مقاييس الآداب تختلف باختلاف البلاد، فما رآه منها لا يمكن أن يعد أدباً عند المصري. لثقافتها؟ لا، إن الرجل المصري لا ينظر إلى ثقافة المرأة حين يهم أن يختار الزوجة. لحسبها وأهلها؟ ولا هذه أيضاً أيها السادة، فليس يبحث عن الحسب والأهل من لا يعرف خالاً لأولاده. إذن فلماذا لماذا؟

لشيء واحد أيها السادة، قد يكون له شبهة من الحق في الاحتجاج به، هو أنها سيدة بيت، وسيدات البيوت بين بنات مصر قليل.

ويلي عليكن أيتها المصريات! أين حيلتكن في مزاحمة المرأة الأجنبية التي غلبتكن على قلب أبناء العمومة وأبناء الخئولة من المصريين فاستأثرت باحترامهم من دونكن؟

أرينا أيتها الفتاة كيف تنجحين في هذه المزاحمة بادئ بدء. فإذا بلغت الغاية فانظري إلى الناحية الأخرى وطالبي بما شئت من الحقوق في مزاحمة الرجل. . .

أراني أنظر إلى موضوعي نظرة محلية، وأحصر فكري منه في محيط ضيق؛ وظني أن منافسي في الرأي لا يعنون إلا الكلام العام في المحيط الكوني العام إذ يتحدثون ع مزاحمة المرأة الرجل في ميدانه

معذرة: إن بيتي يحترق، أفيكون من حقي حينئذ أن أتحدث في شئون جاري وأنا أولى بنفسي وأحق بالنظر إلى شأني الخاص؟

كم يغيظني ويحرج صدري أن يسألني سائل: لماذا تؤهلين نفسك من وظائف الحياة بعد التعليم؟

ليس عندي إلا جواب واحد أيها السائلون الملحفون، هو جواب كل مصرية تعتز بجنسها وتباهي بكرامتها: (إنني أؤهل نفسي لأكون امرأة، امرأة كاملة تعلم أن الطبيعة زودتها بأسلحتها لتكون امرأة وحسب، فإذا انحرفت بي ظروف الحياة فكنت غير ذلك فلا علي، ولكنكم تسألونني عنا أريد، فهذا ما أريده وما علي أن أعمل له، وعلى الله ما سيكون!)

حدثوني عن المتعلمات اللاتي يعملن عمل الرجال: كم واحدة منهن نجحت في إنشاء بيت وتكوين أسرة؟ لديكم الإحصائيات العامة فارجعوا إليها ثم حدثوني حديثكم.

ستحاول واحدة أن تفلسف وتعلل وتزعم وتدعي، ثم تقول في النهاية: إن هؤلاء لم يخفقن في حياتهن حين أخفقن في إنشاء بيت، إنهن لم يظفرن بالأزواج ولكنهن ظفرن بما هو أغلى عند المرأة من الأزواج!.

أحقاً تقلن يا زميلاتي؟ فليكن! ولأزعم معكن أنهن حين أخفقن في إنشاء البيت ظفرن بما هو أغلى، وأغلو في الزعم فأقول إنهن ظفرن بما هو أغلى وما هو أغلى، وإن خيراً للمرأة أن تكون رجلة من أن تكون زوجة. ولكن. . ماذا يكون إذا صارت هذه هي القاعدة؟ أيتها الطبيعة، لدي للأمة أطفالاً من غير أمهات، لأن النساء يتأبين على وظيفة الأمومة، أو فاعدلي أيتها الطبيعة وقولي للرجال:

لماذا لا يلدون للأمة مادام للنساء عمل غير الأمومة. . .؟

إنني أستحي لكم أيها المؤيدون! إنني لأشفق عليكم أن تكون هذه وظيفتكم في غد!

وإني لأخاف يا زميلاتي العزيزات لو صحت هذه الدعوة أن أراكن وحدكن في الميدان وقد هرب الرجال إلى البيوت ليقوموا بعمل آخر. . .! أرأيتن لو أن الرجل آمن وأطاع وأعطاكن الحق في أن تعملن عمله في السوق، وفي الديوان، وفي الحقل، خلا لكن الميدان فليس فيه إلى جانبكن رجل واحد، أكنتن حينئذ تصررن على هذه الدعوى فتزعمن أنكن أقدر على عمل الرجل؟ أم تعدن معولات باكيات تشكون عسف الرجل وقسوته وجبروته؟

وهل تطيب لكن الحياة يومئذ بناحيتيها: ناحية العمل وناحية العاطفة؟

الآن لا أسمع إلا جواباً واحداً: لقد انتصرت، لا، بل قد انتصرت الطبيعة، لا، بل قد انتصرت المرأة وعزت مكاناً عند نفسها وعند الرجال.

ولكن صوتاً واحداً فرداً مازال يهمس هناك، إنني أسمع من يقول: وحين يذهب الرجال إلى الحرب فلا يبقى في المدينة إلى جانب النساء أحد إلا. . .؟ وحين تأكل الحرب الشباب فيربى النساء عدداً على الرجال؟ هذا سؤال. . .

إن في الإسلام العلاج لكل مشكلات البشرية، وهذه مشكلة أعد لها علاجها منذ ألف وثلاثمائة وخمسين سنة، يوم أعطى المرأة التي لا تجد لها زوجاً، الحق في أن تطالب أختها المتزوجة - أعني أختها في الإنسانية. . . أن تطالب أختها هذه بنصف رجلها أو ثلثه، أو ربعه، ولا تبذل نفسها في علم ما لا ينبغي أن تعمل، أعني عندما أباح تعدد الزوجات للرجل الواحد

إن تعدد الزوجات ضرورة لتعالج ضرورة، وهو نعمة على المرأة وإن عدتها أكثر النساء نقمة، وما يجعلنها نقمة إلا لأن أكثر الرجال مع الأسف لم يفهم حكمة الله فيما أباح وشرع. اسألوا المرأة التي تكسد سوقها في مثل هذه الضرورات الحربية ولا تجد من يعولها: أخير لها أن تكون بلا زوج، أو أن يكون لها نصف زوج؟ إنكم تعرفون الجواب.

ولكن مالنا نتحدث عن الضرورات، ومالنا نستشهد بفلانة وفلانة ممن زاحمن الرجال فزحمنهم، وطاولنهم فطلن عليهم. إنني لا أريد أن أعرض لذلك.

هبوا أن المرأة تقوى على عمل الرجل كالرجل، بل هبوها أقوى منه، وهبوا نساءً كثيراتٍ نجحن فيما أخفق فيه الرجال وبرزن فيما قصروا فيه، فهل هؤلاء كل النساء وكل الرجال؟ وهل هذا يعطينا الحق في أن نقول لكل امرأة: إنك تستطيعين أن تكوني رجلاً إذا أردت؟ هيهات إلا أن يستطيع كل رجل أن يكون امرأة وأماً ومديرة بيت.

هيهات! هيهات! إن المرأة هي المرأة ما في ذلك شك، وإن كل امرأة لتشعر في نفسها بأنها امرأة، حتى لو استطاعت أن تصطنع لوجهها شارباً ولحية، ولكنها مع ذلك تحاول أن تكون رجلاً، وفي هذه المحاولة نفسها البرهان كل البرهان على أنها لا تستطيع، ولقد يدفعها الغلو في هذه المحاولة إلى أن تبالغ في كل ما يخيل إليها أنها تقترب به من صفات الرجولة، حتى لتوشك أن تكون رجلاً أكثر من الرجل. . .!

هذه الأذرع العارية، وهذا الصدر المكشوف، وهذا الصوت الذي يجلجل في الترام وفي السيارات العامة بالأحاديث الخاصة، إن هو إلا مظهر من مظاهر المرأة التي تزعم لنفسها أنه لن تبلغ منزلة الرجل إلا أن تخلع الحياء الذي هو أخص صفات المرأة وأجمل زينتها.

ماذا أقول ولماذا أتحدث؟ أراني قد وصلت إلى موضع الإقناع في نفوسكم ولما أنته إلى ما أريد، فحسبي هذا الآن وحسبكم، وحسب كل فتاة أن تعلم أن الله خلقها أنثى وركب فيها غرائز الحب والرحمة والحنان والعطف والمواساة والترفق، هذه الصفات التي اجتمعت للفتاة، وإنها لفي كل فتاة، هذه الصفات ليست من صفات القاضي، ولا النائب، ولا الحاكم، ولا المدير، قد تكون الرحمة شيئاً جميلاً ولكن الحاكم الصارم أقرب إلى عدل السماء

كلية الآداب

زينب الرافعي