مجلة الرسالة/العدد 264/حظي بالشيء. . .
مجلة الرسالة/العدد 264/حظي بالشيء. . .
الرافعي، المجمع اللغوي، أزهري المنصورة، اليازجي. . . .
. . . . .
لأستاذ جليل
- 1 -
روى الكاتب الألمعيّ الأستاذ محمد سعيد العريان في مقالاته الرشيقة الرافعية شيئاً من حكاية هذا الفعل: (حظي بكذا) وأعلن - وهو صديق أبي الساميّ الصادق المَصدق - أن صاحب هذا الاسم: (أديب صغير) في (البلاغ) هو الأديب الكبير الأستاذ مصطفي صادق الرافعي (رحمه الله) وإنه ليؤيد إعلان الأستاذ (العريان) بلاغةٌ في القول المعزو إلى فقيد العربية وبراعة ولباقة بتصريفه وتوجيهه حيث يشاء. وهل يقدر على مثل ذلك إلا الأديب المقتدر، إلا الأديب الرافعي
ومما ينفع الأدباء ويخدم به هذا اللسان أن يروى في (الرسالة) مجلة العرب، وسيحل اللغة والبلاغة والأدب - ما قيل في تغليط من قال: (حظي بالشيء) وتصويبه
وحظي بكذا، وفاز به، وحصّله، وأدركه - من المترادف والفعل الأول هو في الكلام العربي وفي أقوال كبار، ولم يُخَطَّأ إلا في هذا الزمان، خطأه الشيخ إبراهيم اليازجي اللغوي الكبير في مجلته (الضياء) في ثلاثة مواضع، وخطأ الأديب الكبير الأستاذ الرافعي (رحمه الله) في (البلاغ) وصوّب قائليه المرحوم العالم الفقيه الشيخ حسين والي: (المجمع اللغوي) والأستاذ (أزهري المنصورة)
وسأورد في هذه الفصول من أقوال المغلطين والمصوبين ما يستوجبه البحث وما يفيد ثم اتبعه طائفة من شعر القوم وكلام الأئمة تحق صحة ذاك الفعل. وهناك الشرح والتعليق إذا اقتضتهما حال
وإني لأجهر اليوم كجهري أمس بأن هذا الذي أمليه - وهل كاتب غيري في أدب الرافعي في (الرسالة) أو غيرها إلا مثلي - هو من إحسان الأستاذ (العريان) ومن معروف الأستاذ (الرافعي) المفضل الجاري على العربية في الحياة وفي الممات فتىً عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعاً
والرافعي في أدبه أعظم ممن قيل فيه هذا البيت في كرمه
أديب كبير شعر فجوّد، ثم نثر فبهر، وكان (وحيُه) في (الرسالة) فكان ختام كلامه في حياته مسكاً
وفي هذا المقام أقول: إن أخطأ كبير في لفظة أو مقالة فهذا دليل الإنسانية، برهان أنه إنسان، وأيّ أديب لا يخطئ؟ وأي عالم لا يهفو؟ وأي عظيم ما زل؟ (ومن ذا الذي ترضى سجياه كلها) كما قال بشار
ولن يضع من فاضل باحث خفيت عليه في مباحثه خافية أو خافيات ثم بُيِّنت له - أن يتقبل هذا التبيين أو التذكير بقبول حسن، فإن كان ثمة نقص تمم، أو كان خطأ اصلح، أو كان لبْس وضح؛ إنه العلم ينوره ويَزبنه التحقيق، وإنه العالم يجله ويعليه الإذعان للحق
ومن مزايا الأدباء المهذبين، والفضلاء الكاملين، والعلماء المسلمين - العملُ بقول الله: (ولا تبخسوا الناس أشياءَهم).
كان (مجمع اللغة العربية الملكي) - وقد قيلت في تكوينه أقوال، وأي شيء أو أي شخص في هذه الدنيا يخلص من القيل والقال - واجتمعت رجاله من العرب والعَربَانيين في داره في شارع (ابن ارحب) في (الجزيرة) في 14 من شوال سنة 1352 ولم ينشد المنشد في ذاك الجمع بيت المتنبي:
تجمع في كل لِسْن وأمة ... فما تفهم الحُدّاث إلا التراجم
بل أنشد بيت البحتري:
إذا تقاربت الآداب والتأمت ... دنت مسافة بينِ العجم والعرب
وقال رئيسه (كلمة الافتتاح) وفيها تحية الأعضاء، والترحيب بهم وتهنئتهم، ثم تلفظ عضو ب ـ (كلمة الشكر) شكر فيها للرئيس تحيته، ودعا لحضرة صاحب الجلالة الملك الذي (رفع شأن مصر بين الأمم وشأن الدين الإسلامي واللغة العربية بهذا المجمع) ثم أرسلت الجماعة إلى (حضرة صاحب المعالي كبير الأمناء) بهذه البرقية:
(قصر عابدين
حضرة صاحب المعالي كبير الأمناء أرجو أن ترفعوا إلى السُّدة الملكية السامية، أن أعضاء مجمع اللغة العربية الملكي، المجتمعين من مصر والبلاد العربية والغربية، في عهد حضرة صاحب الجلالة المليك المعظم - ذلك العهد الناهض باللغة العربية وآدابها المزدهر بالعلوم والفنون - يتضرعون إلى الله تعالى أن يمن على جلالته بالشفاء التام، والصحة الكاملة، ليحظى المجمع بتشريف جلالته لافتتاحه قريباً إن شاء الله تعالى، وينتهزون هذه الفرصة لرفع ولائهم وإخلاصهم إلى صاحب العرش المُفَّدى
30 من يناير سنة 1934
عن أعضاء المجمع
محمد توفيق رفعت)
قلت: يا ليت، يا ليت أن القوم استبدلوا التاريخ الإسلامي في برقيتهم بهذا التاريخ الفرنجي
فملتنا أنّنا مسلمون ... على دين صدّيقنا والنبي
حدّثت الجرائد في اليوم الثاني (15 شوال 1352) أَخبارَ المجمع، وأوردت فيها تلك البرقي، فظهرت في جريدة (البلاغ) المشهورة في 16 شوال 1352 كلمة عنوانها (أول الغلط من المجمع اللغوي) للأستاذ (أديب صغير) وهو الأديب الكبير الأستاذ الرافعي (رحمه الله) قال فيها:
(قالت إحدى الصحف إن حضرات أعضاء المجمع اللغوي اجتمعوا: إلى أن قالت: واتفقوا على إرسال البرقية التالية ورفعها إلى الأعتاب الملكية وهذا نصها) ثم ذكر البرقية ونقد اضطراباً في أسلوبها العربي رآه ثم قال: (وما لهذا كتبنا هذه الكلمة وإنما كتبناها لنسأل حضرات أعضاء المجمع اللغوي في أي كلام فصيح جاء مثل هذا التعبير (ليحظى المجمع بتشريف جلالته) وهل يجوز استعمال الباء مع حظي ثم هل يعرف حضراتهم كيف دار هذا الفعل (يحظى) في كلام المتأخرين، ومن أي معنى أخذوه، وكيف مكنوا له في استعمالهم هذا التمكين؟ فإنهم إن عرفوا هذا كان ذلك نقداً آخر. ويقولون (تشريف جلالته لافتتاحه) ففي أي كلام عربي يستعمل التشريف بمعنى الحضور؟ إنا نسمع العامة يعظمون الضيف فيقولون (شرفت) وهم بالطبع لا يريدون معنى حضرت إذ يكون هذا عبثاً من الكلام. غير أن المجمع اللغوي استعمل التشريف بمعنى الحضور، وهو خطأ شائع) اطلع المجمع اللغوي على هذا النقد فنشر المرحوم الشيخ حسين والي في (البلاغ 17 شوال 1352) كلمة عنوانها (نقد في غير محله) قال فيها:
(نشر البلاغ (لأديب صغير) مقالة بعنوان (أول الغلط من المجمع اللغوي) ينقد فيها كما زعم كلاماً هو في الحقيقة رفيع وَفْق أصول البلاغة والحال التي اقتضت، ولم تنحرف كلمة منه عن جادة العربية) ثم أشار إلى سداد الكلام واطراده ثم قال: (وقال الناقد (وهل يجوز استعمال الباء مع حظي) نعم يجوز فقد قال الزمخشري في أساس البلاغة (وحظي بالمال وتقول ما حلي بطائل ولا حظي بنائل وأحظاه الله بالمال والبنين) وقال الناقد (ويقولون تشريف جلالته لافتتاحه وفي أي كلام عربي يستعمل التشريف بمعنى الحضور) لم يستعمل التشريف بمعنى الحضور، وإنما استعمل بمعناه الأصلي ومعموله مفهوم أي تشريف جلالته إياه، فليرجع الناقد إلى علم البلاغة)
الإسكندرية
(* * *)