مجلة الرسالة/العدد 322/عودة إلى الشيخ الخالدي
مجلة الرسالة/العدد 322/عودة إلى الشيخ الخالدي
مجلس آخر من مجالسه
للدكتور عبد الوهاب عزام
حدثت قراء (الرسالة) قبلاً عن الشيخ الجليل العلامة خليل الخالدي، وذكرت طرفاً من علمه بالكتب العربية ومؤلفيها ومواضعها من دور الكتب في البلاد الإسلامية كلها وفي أسبانيا
وقد سعدت بلقاء الشيخ مراراً من بعد في مصر والشام ووجدت معرفته بآثار دمشق مساجدها ومدارسها ومزاراتها ليست دون علمه بالكتب والمؤلفين
وقد شرف الشيخ حلوان منذ حين فساق الحديث إلى الكتب فأفاد وأمتع. فجنيت من حديثه هذه الثمرات:
قال إني في حيرة من أمر هذا الشريف الإدريسي مؤلف نزهة المشتاق. أعجب من رجل شريف يدخل في خدمة ملك صقلية والحروب الصليبية مستعرة، ويكتب للإفرنج عن البلاد الإسلامية فيصف لهم ثروتها وطرقها ومياهها، ويقول عن كنيسة المسيح: القبة الشريفة، وعن صخرة بيت المقدس: الصخرة التي يعتقد فيها المسلمون
ولولا أني قرأت هذا الكلام في نسخة صحيحة نقلت عن نسخة بخط المؤلف وكانت في خزائن الموحدين - وهي اليوم في كتب السلطان محمود في استنبول - ما آخذت الرجل بهذا الكلام خشية أن يكون بريئاً منه
والإدريسي في كتابه عالة على الإصطخري وابن خرداذبة، والهمذاني، وابن حوقل، وابن واضح
وسرنا في شعاب الحديث حتى ذكرنا ابن الأثير صاحب المثل السائل فقال: أديب كبير ولكنه ليس ثقة - والشيخ ينقد المؤلفين على طريقة المحدثين - قال: وقد طعن فيه الوزير القفطي وهو وزير عالم ثبت، ومن المؤلفين غير الثقاة الفتح ابن خاقان صاحب قلائد العقبان. طعن في ابن باجة بغير حق، وابن باجة من أجل علماء الأندلس وفلاسفته، وكان الفتح رجلاً يعيش في الخانات، وقد جلده القاضي عياض في الخمر، وقد مدح هو عياضاً قليلاً خوفاً منه وعياض عالم كبير له كتاب المشارق الذي أثنى عليه ابن الصلاح في أبيات منها:
مشارق أنوار تجلَت بسبتة ... وذا عجب كون المشارق في الغرب
قلت: كان ابن الأثير معجباً بنفسه ولكن أدبه يشفع لهذا الإعجاب عندي
قال: ومن العلماء المعجبين بأنفسهم الأتقاني الفقيه مؤلف غاية البيان شرح الهداية، وله شروح على أصول الأخصيكشي. ومنهم الصفناقي، وله شرح على أصول فخر الإسلام البزدوي وعلى الجامع الكبير. ومنهم عصام الدين وكتبه معروفة ولاسيما في بلاد الترك، ولعل سبب هذا أن حفيده قدم إلى استنبول وأقام بها. وقد أهدى عصام الدين إلى السلطان سليمان القانوني حاشيته على تفسير البيضاوي المسماة (أنوار التنزيل)
وقد رأيت في مكتبة بني قرمان في قونية خط الأتقاني على كتاب الأصول للدبوسي، وهو نسخة قديمة كتبت سنة 475، ومن هذا الكتاب نسخة بخط الأتقاني في استنبول. ورأيت في هذه المكتبة من نفائس الكتب كتاب غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري، ما رأيته قط إلا فيها. والجزء الرابع من البخاري عليه خط الحافظ أبي الوقت الشجزي، واليه وإلى أبي زيد المروزي تنتهي روايات البخاري
ورأيت في مكتبة جلال الدين الرومي في قونية كتاب التمهيد لعبد الشكور السالمي في العقائد، وهو إمام كالماتريدي ونجم الدين النسفي. ورأيت في مكتبة صدر الدين القونوي كتاب الفتوحات المكية بخط المؤلف في سبعة وثلاثين جزءاً، وفوائد ابن حيان في الحديث بخط ابن العربي، ونصوص الحكم بخط صدر الدين. ورأيت هناك كتاب روح القدس لابن العربي عليه سماعات بخطه وكتباً أخرى عليها خطه، منها الأحكام الكبرى والصغرى لعبد الحق الأشبيلي وهما في فقه الحديث، وقد أهداه محي الدين للصدر القونوي. رأيت فيها تفسير ابن برجان الأندلسي.
ورأيت من مؤلفات الصدر الأجوبة النصيرية كتبها إجابة لخمسين سؤالاً سأله عنها نصير الدين الطوسي، وهي تشهد بتمكن الصدر من العلوم والفلسفة
ورأيت في مكتبة السلطان سليم في قونية كتاب ابن ولاد بخط أحد علماء صقلية كتب سنة 308. اهـ
وعرضت على الشيخ العلامة نسخة عندي من كتاب المثنوي عليها أبيات كتب تحتها أنها بخط عبد الرحمن الجامي. فقال: لا شك أن هذا خط الجامي، أنا أعرف خطه، رأيته على كتب كثيرة وخطه جيد. ومن العلماء حسني الخط الخيالي صاحب حاشية العقائد، وملا خسرو صاحب الدرر. وقد رأيت له كتاب المرآة في الأصول بخطه، وعضد الدين، والنووي، وقد رأيت قطعة من شرح البخاري بخطه. وأنا أقلد خط النووي
ومن أحسن الناس خطاً الحافظ الصدفي المرسي مسند الأندلس على الإطلاق، وابن عاصم صاحب العاصمية التي كان يحكم بها عامة قضاة الأندلس والمغرب.
ثم انساق الحديث إلى الملك المعظم الأموي فقال إنه كان أعلم بني أيوب له شرح على الجامع الكبير كان أعلم من صلاح الدين مع مكانة صلاح الدين في العلم، وإنه كان يعد في درجة النووي أو فوقه. يقال إنه كان يحفظ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي في فقه الشافعي. وأبو إسحاق شيخ مذهب الشافعية في العراق وإمام الحرمين شيخه في خراسان
وكان المعظم يجل ابن قدامة ويقوم له إن أدخل عليه وما كان يقوم ليسف الدين الأموي صاحب الأحكام لاشتغاله بالفلسفة، وكان من درجة فخر الدين الرازي - ثم قال:
وكان الفخر ذا مكانة عظيمة عند خوارز شاه وبسببه رحل بهاء الدين والد جلال الدين الرومي عن خراسان
قلت: أرأيت لابن تيمية طعناً في جلال الدين؟ قال: نعم طعن فيه وفي الفخر وقال لو أدركت الفخر لضربته بهذا القضيب فلت: قال ابن بطوطة إنه حضر ابن تيمية في دمشق وهو على المنبر يتكلم في نزول الله تعالى إلى السماء وقال: نزل كنزولي هذا (ونزل درجة من المنبر).
قال: إن ابن بطوطة لم يدرك ابن تيمية. والتحريف في الكتب كثير ولا يعول المتثبت إلا على النسخ الصحيحة. إن أكمل الدين البابردي وعليا القارئ شرحا الفقه الأكبر لأبي حنيفة. واعتمدا على نسخة محرفة جاء فيها: (وأبواه ﷺ ماتا على الكفر). والعبارة الصحيحة: (ماتا على الفطرة). والبابردي هذا شيخ السيد الشريف الجرجاني وتلميذ شمس الأئمة الأصفهاني الذي يقول بجواز الدور والتسلسل في الأمور العقلية
وكثيراً ما يقع العلماء في الأوهام. ألا ترى صاحب الكشاف كيف يروي خرافات إرم ذات العماد؟. . .
ثم قال: إن الزمخشري أكثر الأخذ من كتاب الحجة لأبي علي الفارسي وكتاب الزجاج في القراءات ومن تهذيب الأزهري وقد عكف عليه ثماني سنين في مدينة مرو، ومنه أخذ كتابه الفائق ولم يصرح بهذا
ثم تكلم الشيخ على المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء، وذكر الطحاوي من فقهاء الحنفية وأثنى عليه كثيراً وقال: إن قبر الطحاوي في القرافة وعليه قبة. وذكر قاضيخان وقال: رأيت إجازة بخطه دلت على ضعفه في العربية. ثم ذكر من المتأخرين ابن نجيم صاحب البحر وتلميذه الحصكفي والشرنبلالي تلميذ الحصكفي وقال: إن سبب شهرتهم أن قضاة العسكر كانوا يستفتونهم كثيراً، وكان خاتمة هؤلاء المفتين الرملي صاحب الفتاوى
ثم تكلم عن كتب المتقدمين فذكر شرح القدوري؛ قال: رأيت نسخة منه عليها خط الحصكفي. وتكلم عن كتاب المبسوط لمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وقال: هو ثلاث روايات: رواية أبي بكر خواهر زاده ويسمى المبسوط البكري، ورواية الجوزجاني ورواية الحلواني. قال: وأما مبسوط السرخسي فهو شرح كافي الحاكم الشهيد الجامع لكتب محمد بن الحسن. قلت: يقال إن السرخسي أملى المبسوط وهو في السجن. قال: الذي أعرفه أن السرخسي ألف كتاب الأصول في قلعة أوزجند، وقد رأيت نسخة منه بخط العلامة الكردلي شيخ البزاز أولها: قال السرخسي في زاوية من حصار أوزجند. أهـ
(للكلام صلة)
عبد الوهاب عزام