مجلة الرسالة/العدد 338/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 338/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 12 - 1939



هتلر والهتلرية

(من تقرير السفير البريطاني ببرلين (سابقاً))

ظهر الهر هتلر والاشتراكية الوطنية نتيجة لهزيمة أمة كبيرة في الحرب وما تبع هذه الهزيمة من الفوضى واليأس. والاشتراكية الوطنية في ذاتها ثورة، وهي كذلك مذهب في الفلسفة الوطنية وعلى النقيض من الديمقراطية التي تجعل الحكومة خاضعة للجمهور تقوم النازية على جعل الجمهور تابعاً للحكومة خاضعاً لها بل للفرد الوحيد الذي يدير دفتها.

كان العالم خارج الحدود الألمانية، لا ينظر إلى الاشتراكية الوطنية بكثير من الاهتمام ما دام أمرها مقصوراً على داخلية البلاد. وكان بعض الناس يذهبون إلى نقد صاحب هذه الحركة وبعضهم إلى استحسانه وبعضهم يراقب حركاته بشيء من القلق؛ ولكن الحكومة الألمانية كانت على الدوام شأناً من شئون الشعب الألماني وحده. فلما انتقلت نظرية الوطنية الألمانية خارج الجبهة الألمانية بدأت الفلسفة النازية تبرز رأسها خارج حدود السلام.

ومن الجهل أن ننكر الإصلاحات التي قام بها ذلك الرجل الذي يقود ألمانيا اليوم داخل بلاده. إلا أن الوسائل الظالمة التي اتبعت في سبيل تنفيذها كانت مما يمجه الذوق الإنساني، وإن كانت لاتهم أحداً غير الألمان.

ولم يكن ضم النمسا والسوديت الألماني هو الذي أثار شعور الكراهية ضد الهر هتلر، وحرك ضده الرأي العام في جميع أنحاء العالم. فإن العالم الذي ذاق مضاضة الحرب 1914 - 1918 كان على استعداد لاحتمال ذلك. فقد كان منتظراً أن تضم إليه تلك البلاد طائعة مختارة ولا يمس السلم بشيء. إلا أن هتلر لم يكن ليقبل الاعتراف بحقوق الغير التي يريد أن يغتصبها لألمانيا. . . والثورة آلة طائشة، إذا تحركت لا تقف، حتى تصل إلى الغاية التي تتحطم عندها. والتاريخ وحده هو الذي سيقول إذا كان في مقدور الهر هتلر أن يسير بالنازية في الطريق المعتدل القويم، أو أنه كان ضحية الحركة التي بدأها، أو أن نوعاً من جنون العظمة هو الذي دفع به إلى تلك الغاية التي كانت المدنية على استعداد لمجابهتها.

خلقان لا يفارقان طبيعة الألماني: عجزه عن إدراك أمر من الأمور إلا من وجهة نظره الخاصة، وقصوره عن فهم معنى الاعتدال.

إن مأساة الدكتاتور كائناً من كان، هي أنه بتقييده حرية الرأي، يفقد معونة خير رجاله وأصلحهم، وأنه لا يحتمل معارضة أي إنسان. فكل من وهبهم الله شيئاً من الشجاعة لإبداء آراء مخالفة لوجهة النظر التي يراها، يضحي بهم واحداً بعد الآخر، حتى يصبح وليس معه إلا بعض الأفراد المتملقين الذين لا يعرفون غير كلمة (نعم) في سائر الأحوال.

وإذا كان الدكتاتور يتأثر إلى حد ما بمن يلتفون حوله، فإن الهر هتلر لا يعتمد إلا على رأيه في كل ما يتوجه إليه. وقد قل لي (الفيلد مارشال جورنج) ذات مرة: نحن عند البت في أمر من الأمور لا نكون إلا كالحجر الذي تقف عليه الآن، فللفوهرر وحده يرجع البت في كافة الشؤون. . .