مجلة الرسالة/العدد 378/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 378/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 09 - 1940



مجاملة أدبية نبيلة

تفضل الأستاذ عبد الفتاح محمد قنصوه صاحب جريدة (الإصلاح) بالسنبلاوين فدعانا إلى زيارتها لنتلقى التحية التكريمية لأسرة الرسالة من رجال الصحافة وشباب الأدب؛ وشاء للأستاذ فضله أن يجعل هذه الدعوة مظهراً فخماً من مظاهر الحفاوة والعطف فأقام لها سرادقاً وحشد إليها وجوه القوم وأعيان الفضل يتصدرهم صاحب العزة الأستاذ محمد عوض إبراهيم بك وكيل وزارة المعارف السابق، والعالم الفاضل الأستاذ أبو الفتوح سليط بك وصاحبا الفضيلة الأستاذ مصطفى الصاوي المدرس بالأزهر، والشيخ أحمد حافظ سليط المحامي، والوجيهان الفاضلان محمود سيد أحمد سليط بك، وحامد طلبة صقر بك؛ ثم حفلت موائد الشاي بجمهرة مختارة من أهل المدينة، وتعاقب الكلام عليها صفوة من المبرزين في الخطابة والشعر والزجل. ثم خصصت (الإصلاح) لوصف الحفلة ونشر ما قيل فيها عدداً وبعض العدد.

ولا يسعنا إزاء هذا التكريم الخالص لفكرة الجهاد المشترك في سبيل الله والوطن والأدب إلا أن نسجل في هذه الأسطر القليلة معنى من الشكر القلبي الدائم الذي لا يتقيد بالألفاظ ولا يتحدد بالمناسبة، لأسرة (الإصلاح) ولحضرات الأفاضل الذين شاركوا في هذا الترحيب بالقول أو بالفعل. ونسأل الله أن يديم على (الرسالة) التوفيق لاستحقاق مثل هذا التكريم من مثل هذا البلد العظيم.

الشاعر صالح جودت

أكتب إليكم هذه السطور من سرير المرض وقد ضاعف آلامي ما قرأته للصديق الدكتور زكي مبارك عن مرض صديقي الشاعر الموهوب الأستاذ صالح جودت، فقد شغلتني الهموم والأوصاب عن مكاتبته زمناً كما أقصته عني، ولكني ما كنتُ أقدر له إلا العافية والأنس فإنه مرآتهما المتألقة لكل من عرفه وخالطه، وليس في وسعي أن أتخيل صالح جودت إلا مثال الشاعرية الرقيقة السليمة المرحة خلقاً وكياناً.

وقد بالغ بل أخطأ صديقي الدكتور زكي مبارك في قوله إن صالح جودت يحقد عليه أبشع الحقد لسكوته عن التنويه بمواهبه الشعرية، وإنه كان يتقاضاه الكلام على شعره في ك لقاء. أجل، أخطأ في تفسيره هذا لعبث ودي ولمداعبة بريئة، فما عرفتُ عن صالح جودت هذا الخُلق المنقود في أي حال، وإن عرفتُ منه أنه لم يكن في أي وقت يحترم موازين النقد الأدبي لدى صديقي الدكتور زكي مبارك، وكلاهما لا يحسن الظن بشعر صاحبه!

وإني أوافق الصديق الدكتور زكي مبارك على قوله الحكيم إن كل شيء يجوز فيه التشجيع إلا الأدب والبيان فالتشجيع هنا مفسدة، بيد أن ما احتاج إليه الأدب والبيان في مصر زمناً طويلاً إنما كان (الإنصاف) وهذا ما أباه الأدباء الشيوخ على الأدباء الناشئين، ولكن الأحوال تبدلت الآن وتعددت المنابر الحرة لأدباء الشباب وانتفت دواعي شكاواهم.

ولا أعد قصيدة صالح جودت (شاعر العيون الزرق والشعر الذهب) إلا مثالاً لشاعريته الأصيلة التي فات صديقي الدكتور زكي مبارك الالتفات إليها من قبل حتى وجد الجو العاطفي الملائم لعقله الباطن فبدأ يستجيدها الآن وإن علل ذلك تعليلاً جديداً. ولعل كلمته النبيلة رسول الشفاء القريب إلى صديقي الشاعر الغرّيد الذي أعده نسيج وحده في فنه.

(الإسكندرية)

أحمد زكي أبو شادي

أهذا توارد خواطر؟

سيدي الأستاذ رئيس التحرير

بعد التحية: قرأت في عدد مضى من الرسالة مقالاً للأستاذ محمد عبد الغني حسن بعنوان (المعاني شائعة ولا تجوز الملكية فيها) وقرأت في العدد 376 من الرسالة تعليقاً على هذا المقال للأستاذ محمود المرسي خميس. وقد تذكرت عند قراءة كلمة الأستاذ محمود المرسي أنني قرأت قصيدة لشاعر عباسي يقول فيها:

أغار على أعطافها من ثيابها ... إذا لبستها فوق جسم مُنَعَّم

وأحسد كاسات يقبلن ثغرها ... إذا وضعتها موضع اللثم في الفم

ثم قرأت بعد ذلك في الجزء الأول من ديوان الأستاذ علي الجارم قصيدة بعنوان الحب والحرب جاء فيها البيت التالي:

إني أغار من الكؤوس فجَنِّبي ... كأس المدامة أن تقبِّل فاكِ وأنا أقول إن المعنى منقول وإن هذا ليس بتوارد خواطر.

والأستاذ محمد عبد الغني حسن محق في قوله إن المعاني شائعة ولا تجوز الملكية فيها ولكن لا ننكر أن للشاعر الذي يبتكر المعنى ويكتبه لأول مرة لا يمكن أن يساويه من ينقل عنه هذا المعنى ويصوغه في قالب آخر. والسلام.

(كوم حماده)

فؤاد كامل

بين الأستاذ مختار الوكيل والبارودي

جاء في مرثية الأستاذ مختار الوكيل التي رثى بها الهمشري البيت الآتي:

فإذا هجعت فأنتَ في أحلامي ... وإذا مشيت فأنتَ أنتَ أمامي

ولقد سبقه إلى هذا المعنى البارودي إذ قال في المرثية التي رثى بها زوجته:

فإذا انتبهت فأنتِ أول ذكرتي ... وإذا أويت فأنتِ آخر زادي

فما رأي حضرته في ذلك؟

(ببا)

محمود عبد المطلب حسين

(الرسالة) الحق أن الشاعرين قد نظرا إلى قول التهامي في

رثاء ولده:

فإذا نطقت فأنت أول منطقي ... وإذا سكت فأنت في إضماري

الطابور الخامس في القرآن

في الحق أني مفتون بما تطالعنا به عبقرية صاحب هذا العنوان الجميل. . . ذلك أن الأستاذ الباحث يكشف لنا عن أسرار القرآن ما تزال تبرق جلواؤها على دولاب الزمن كلما تواترت الأجيال، وتزايلت الحضارات، والأستاذ مصور بارع، إذ نقل عالم قائد العروبة إلى دنيا زعيم النازية، واستطاع بعد ذلك أن يصور لنا بالدقة كيف كانت المشابهات والملابسات بينهما - مع ملاحظة الفروق بين الزعيمين - وتباعد الشقة بين عصريهما. وهو ضرب من التوفيق والتطبيق لم يتح إلا لفنان أديب.

وحرصي على استبقاء توفيقه في تحري البحث - يدفع بي إلى أن أشعره بما قاله من التوفيق في الحلقة الثالثة من نظيم مقالاته - ذكر في العدد 372 من الرسالة الغراء تحت شرحه لغزوة الأحزاب (ثم ساروا - أي (جماعة من يهود بني النضير بعد إجلائهم عنها) إلى غطفان. فأعدوها لحرب النبي - وخرجت قريش وغطفان يريدون المدينة).

وحقيقة التاريخ أن بني النضير بعدما أجلوا عن المدينة مرغمين لم تهدأ لهم ثائرة، بل عملوا طاقتهم ليثأروا من الرسول وأصحابه. قام سيدهم حُسَبيُّ بن أخطب ومعه سلام بن أبي الحقيق النضيري وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان بدعاية واسعة النطاق ليؤلبو العرب جميعاً على غزو المدينة وحرب المسلمين حتى يستأصلوهم.

ولقد جعلوا نصب أعينهم تلك القبائل التي بينها وبين المسلمين شر. فعمدوا أول ما عمدوا إلى قريش وهي صاحبة المواقف الجليّ مع الرسول، وأبرموا معهم أمراً. ثم خرج أولئك الدعاة إلى غطفان وحدثوهم بما حدثوا به قريشاً وبيتوا عليه. وفي النهاية جعلوا لغطفان نصف ثمار خيبر سنة كاملة إن هم نصروهم حتى يتم لهم الفوز. ومضوا إلى بقية الأحياء المعادية فطافوا على بني أسد وسليم وهذيل، وبعد أشهر كانت هذه الأحزاب قد أتمت جهازها للغزو. ففي شوال من السنة الخامسة خرج أبو سفيان ابن حرب على رأس أربعة آلاف مقاتل من قريش وأحابيشها يحمل لواءهم عثمان بن طلحة العبدري الذي قُتل أبوه على لواء المشركين يوم أحد، ولاقتهم بنو سليم بمرّ الظهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية، وخرج معهم بنو أسد بن خزيمة يقودهم طليحة بن خويلد، وجاءت فزارة في ألف رجل يقودهم عيينة بن حصن القزاري، وبنو مرة (من ذبيان) في أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف المُرّيّ، وبنو أشجع في أربعمائة كذلك يقودهم مسعر بن رخيلة، ولحق بهم بنو سعد (من ذبيان) وانضمت إليهم اليهود حتى تكامل عددهم عشرة آلاف جندي مقاتل.

من هذا يتبين أن كتائب المتحزبين لم تكن من قريش وغطفان فحسب، ولكن كانت قوة هائلة تكونت من مجموع هذه القبائل والبطون التي في قلبها من الرسول دخن.

هذا ما أردت أن أذكر به الأستاذ صاحب البحث. وآمل أن يكون على ذكر منه لكن نكّب عنه مخافة الإسهاب، لكني مع هذا الأمل لا تطاوعني نفسي أن أجامل أستاذنا إلى هذا الحد الذي قد يتهمني فيه خاطري وضميري بالممالقة والمداخلة ما دام المقام مقام تشريح وإطناب. ولأنه إذا تحتم علينا أن نصحح تاريخاً لزعيم فأجدرُ شيء بنا أول ما نعني أن نصحح تاريخ الزعيم الأول، تاريخ الرسول الأعظم.

عبد الحميد إسماعيل

حول سؤال وجواب

حضرة الأستاذ الكبير صاحب الرسالة

نسب أحد القراء إلى الأستاذ القدير زكي مبارك غلطة إعرابية في بيت شعر أورده في مقال له.

وقد اطلعت على عدد الرسالة 377 فراعني ما كتبه الدكتور رداً على من لفت نظره إلى خطأ أصابه، إذ قال: (لو كان هذا القارئ يعرف أني في الإنشاء أسرع من أقدر الناسخين لفهم أن من الجائز أن يندّ القلم فيرسم الضمة فتحة) وهذا تعبير له شأنه، فالمرء لا يشكر على السرعة، وفي المراجعة تصحيح لندود القلم.

ماذا يضير الأستاذ لو اعترف بالزلة ولكل عالم هفوة! وأي غبار يلحق قلمه الفياض إذا صرح بأن الخطأ مطبعي لا ذنب له فيه؟

أظن أن الدكتور استعظم الأمر فوجه امتحاناً على صفحات الرسالة إلى ناقده والناقد بصير قال: (هذه عشرة أسئلة فيها ما تعرف وفيها ما تجهل وفيها ما تذوق) هل اطلع على الغيب أم فحص مواهب صاحبه بمجهر بلاغته، أم نسي نتيجة البحث والاطلاع وقت تحرير أسئلته؟

ليت الأستاذ يتذكر أنه وصم الجيل الجديد وهو فيه بقلة الصبر على متاعب الجهاد في مقالته. وبعد فيا حبذا لو عامل الأدباء بالحسنى دكتورنا المبارك ليكثر رواد سوق الأدب.

عبد الله عبد التواب

تفسير بيتين أفاد الأستاذ ناجي الطنطاوي على صفحات مجلة الرسالة سائله من اليمن عن قائل هذين البيتين:

بذكر الله تزداد الذنوب ... وتحتجب البصائر والقلوب

وترك الذكر أفضل منه حالاً ... فإن الشمس ليس لها غروب

فقال إنه وجدهما في ديوان محيي الدين بن عربي. غير أن هذه الإفادة قد أوجدت إشكالاً آخر وهو أن الناظر إلى هذين البيتين يجدهما غامضي المعنى أو هما على الأصح على طريقة الصوفية التي تشير إلى الباطن أكثر مما تشير إلى الظاهر كقول أحد الصوفية ولعله ابن عربي نفسه (معبودكم تحت قدمي). فهل للأستاذ ناجي أن يتفضل مرة أخرى فيحل هذا الإشكال؟

الأبيض - سودان

ع. ا. سعد

اتهام

طالعت في عدد (الرسالة 376) كلمة (اتهام) بالرجوع إلى مجلة الشباب في كتابة (عمر الخيام) وهو الموضوع الذي نشرته لي مجلة (الثقافة) بعددها 86 الصادر في 30 أغسطس سنة 1940 ولقد استأنست ببحث الأستاذ (خليل جمعة الطوال) ورجعت إلى المصنفات التي استقى منها بحثه عن الفيلسوف الخيام هذا وإنني حللت شخصية الخيام من الناحية العلمية.

وتحت يدي أعداد مجلة الشباب التي رجعت إليها في البحث فليرجع إليها من يشاء، ليعلم أن اتهام الأستاذ (محمود عساف أبو الشباب) لا موضع له، وقد كان الأجدر بالأستاذ انتقادنا علمياً لا اتهامنا تهمة هو مسئول فيها أمام ضميره.

وشكراً للأستاذ (خليل الطوال) فقد كان لنا في بحث الخيام مرشداً. ولم تأخذه حماسة صديقه أبو الشباب في قذف التهم من غير دليل.

عبد الحميد سامي بيومي