مجلة الرسالة/العدد 415/ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب

مجلة الرسالة/العدد 415/ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب

مجلة الرسالة - العدد 415
ألقاب الشرف والتعظيم عند العرب
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 06 - 1941



للأب أنستاس ماري الكرملي

- 5 -

13 - الدقس وهو الدِحْيةَ

الدقس وهو أيضاً: الدقوس والقدوس والعطوس والدعوس والدوقس. وكلها تعريب , قال الصاغاني: الدقس: الملك؛ وقال الأزهري: الدقوس، كصبور: الذي يستقدم في الحروب والغمرات كالقدوس (التاج)

وعندنا أن العرب كتبوها في أول الأمر: دقس كقفل ودُوقس بضم فواو وقاف ساكنتين فسين لتحقيق اللفظ الرومي أو الروماني الأصل. ثم وقع فيها القلب والإبدال، كما وقعا في كثير من الألفاظ المعربة، بل في العربية نفسها، فصارت: دقوس وقدوس. ولما كان بعضهم يقلب القاف عيناً، صيّروا قاف دقوس عيناً، فقالوا: دعوس كما قالوا القرناس والعرناس والقسوس والعسوس والنقل والنمل، وفرق بين القوم وفرَّع، أي حجز إلى نظائرها

وإما عطوس، فهو مقلوب دعوس، بجعل الدال طاءً من باب تفخيم الحروف كما قالوا: مد الحرف ومطه، ترياق ودرياق وطرياق (عن الجمهرة لابن دريد). اختدفة واختطفه (التاج) والدقس باللاتينية دليل القوم ورئيس الجيش وقائده ومقدم القوم والأمير والملك على حد ما قاله العرب. وكل ذلك من باب التوسع

وجاء في التاج في مادة (د ع س): (في النواد: رجل دعوس، عطوس، قدوس، دقوس: أي مقدام في الغمرات والحروب؛ وحرفه الصاغاني فقال: (في العمل) بدل (في الغمرات) آه

قلنا: لا تخريف عند الصاغاني، لأن الدقوس على ما نقلناه لك عن كلام الرومان هو دليل القوم في أي شيء كان في الغمرات والحروب، كما في الإهمال والمبرات. فاحفظه

والظاهر أن كتبة عهد الخلفاء لم يعرفوا أن سلفهم عربوا الكلمة بالأوجه التي ذكرناها، كما جهلها حملة الأقلام في عصرنا هذا. إما سَفَرة عهدنا فانهم سموه (دوق) أي بقاف في الآخر. وأما العرب الخلص فقد سموه (الثنيان)، كما مر الكلام عليه في (البدء)

وأما أرباب اليراع في عصر الخلفاء، فعرفوه بالدوك بكاف في الآخر. قال أبو شامة كتاب الروضتين، في صفحة 183 من طبعة باريس: (وكان فيهم مائة كند، وثمانمائة من الخيالة المعروفين وملك عكاء، والدوك، (وهو يريد به يومئذ دوك النمسة)، واللوكات، نائب الباب، ومن الرّجالة ما لا يحصى) آه. أما دوك البندقية، المسمى عند الإفرنج دوج فسماه العرب (دوك) أو (دوج)؛ كما فرق الإفرنج بين الواحد والاخر، مخصصين (الدوج)، بمن يكون للبندقية، إلا أن القلقشندي كتب الدوج بالكاف وصرح بأنها بالجيم كجيم الفرنسية المعروفة بالكاف المشوبة بالجيم، أو الكاف المعقودة، أو الجيم المعقودة. وهذه عبارته (صبح الأعشى 5: 485): (كل ملك منهم (من ملوك البندقية) يسمونه دوك، بالكاف المشوبة بالجيم، فيقال (دوك البندقية)، وهذا اللقب جارٍ على ملوكهم إلى آخر الوقت) آه.

فانظر - حرسك الله - إلى كم صورة من الصور انتقلت كلمة اللاتينية، فإنها بَدَتْ لك بأثواب مختلفة؛ منها: دُقس، ودَوْقس. ودُقوس. وقَدُوس. ودَعُوس. وعَطُوس. ودوق. ودوك. ودوج. ولعل ثم غيرها ونحن نجهلها إذ رأينا بعض المعربين عن الإنكليزية في عهدنا هذا يقولون (ديوك)، و (ديوق) لأن الإنكليز ينطقون بها كذلك. فهذه إذاً إحدى عشرة لغة، فتدبر!

على أن أبناء مُضر، لو كانوا واقفين على كلام من تقدمهم من اللغويين البصراء، لما احتاجوا إلى كل ذلك، لأن عربيتها الصحيحة والقديمة هي - ما عدى (الثنيان) - (الدِّحيَة) بكسر الأول وأصلها (دحي)، فعل بمعنى فاعل وفي الآخر تاء المبالغة وهو من دحي الإبل وغيرها أي ساقها. وهب تشبه في نجارها الكلمة المشتقة من بمعنى ساق، فالحرف والحرف وإن كان في مواطن أخر= (ق) أو (ك)؛ إنما هنا=ح. كما قالوا في حْيفا وفي حران أو وفي حرْتك (أي صغير) وفي حليم إلى نظائرها. ولا يعلم هل (دحي) أو (دحا) سبقت اللاتينية، أم الرومية سبقت الضادية. وفعل هنا بمعنى فاعل: كندّ وتبْع؛ وخلف بمعنى نادّ وتابع وخالف.

إما أن الداحية هو بمعنى الدوق اللاتينية فواضح من كلام الشارح. قال في تركيب (د. ح. ي): الدحية بالكسر: رئيس الجند ومقدمهم، أو الرئيس مطلقاً في لغة اليمن (كذا) كما في الروض للسهيلي. وقال أبو عمرو: اصل هذه الكلمة السيد بالفارسية (كذا)، وكأنه من دحا يدحوه: إذا بسطه ومهده لأن الرئيس له البسط والتمهيد. وقلب الواو فيه ياءً نضير قلبها في فتية وصبية. قلت (أي الشارح): فإذاً صواب ذكره في دحا دحواً. وفي الحديث يدخل البيت المعمور كل يوم سبعون ألف دحية، مع كل دحية سبعون ألف ملك) آه كلام الشارح

قلنا: وكل ذلك موافق لما ذكره اللغويون اللاتين للكلمة فليست الدِحْيَة إذن من لغة اليمن، ولا من الفارسية فهي عربية محضة، وهي تشبه مقلوبها (حدا يَحدو) يقال: حدا الإبل ساقها، وحدت الريح السحاب: ساقته. ولاشك في أن (حدا) مقلوب (دحا) أو (دحي). لأن (دحا) موجودة في العبرية والإرَمية، بخلاف (حَدا). ووجود (دحا) في اللغات الثلاث الساميات القديمات: العبرية، والعربية، والإرمية، أدل دليل على أن اللاتين هم الذين اخذوا لفضتهم من الساميين، منذ اقدم الأزمنة، لو جاز لنا هذا القول

14 - المركيس

15 - الَمْرزُبَان

لم تعرب المركيس في قديم الزمن، إنما عربت في عهد العباسيين، لأنها نشأت في عهدهم؛ وكثيراً ما وردت في كتب المؤرخين، كقول ابن الأثير في سنة 83 هـ: (واتفق أن إنساناً من الفرنج الذين داخل البحرية يقال له (المركيس) آه.

وفي أغلب النسخ ورد: المركيش بالشين المعجمة. وقد كثر ورود هذا اللقب في جميع كتب التاريخ في عهد الصليبيين؛ حتى أننا لا نرى حاجة إلى الاستشهاد بها. على أن بعض المعربين النقلة في عصرنا هذا يذكرونها بصورة مركيز، وماركيز، وماركيس (راجع المعاجم الفرنسية العربية). وفي معجم نجاري بك الفرنسي العربي: (ماركي) وهو لفظها الفرنسي: وسمى مؤنثها (ماركيزة)؛ وكان عليه أن يقول: (ماركيز) جرياً على لفظها الفرنسي أيضاً. أو كان يحسن به أن يقول في المذكر: (ماركيز) ليصح له أن يقول في المؤنث (ما ركيزة). والذين نقلوا الكلمة عن الإنكليزية قالوا: ماركويس ومركيز (راجع معجم بادجر الإنكليزي العربي). فهذه سبع لغات لحف واحد أعجمي. وأحسنها مركيس بسين مهملة في الآخر، لقدمها وقربها من اصلها وخفة لفظها

والمركيس مشتقة من ومعناها التخم، والحط، والثغر، والفرجة. فكان لمركيس رجلاً عسكرياً قائماً على حفظ الثغر، ثم نقل إلى لقب شرف. وهذا اللقب الإفرنجي، يقابل اللقب الفارسي (مَرْزُبان)، بفتح الميم، وإسكان الراء وضم الزاي وفتح الباء الموحدة التحتية، يليها ألف فنون.

والكلمة مركبة من (مرْزَ) وهو حد المملكة وثغرها. ومن (بان) أي حافظ. ومحصلها (حافظ الثغر) كالمركيس سواء بسواء

ومن الغريب أن القاموس والتاج يذكرانها في (رزب)، وكان الأفضل أن تذكر فيه (مرز) أو في (م رزب أن) لأنها تعتبر مركبة من صدر وعجز، أي من (مرز) و (بان) أو تعتبر كلمة واحدة وجميع أحرفها أصولاً، لأنها أعجمية، وقد صرحوا مراراً لا تحصى أن أحرف الأعجمي كلها أصول. قال القاموس والتاج في (رزب):

(المرزبة كمرحلة رياسة الفرس). تقول: فلان على مرزبة كذا. وله مرزبة كذا كما تقول: له دهقنة كذا. (وهو مرزبانهم بضم الزاي): رئيسهم، تكلموا به قديماً. كذا في شفاء الغليل. وفي الحديث: أتيت الحيرة فرايتهم يسجدون لمرزبانِ لهم. هو بضم الزاي وهو الفرس الشجاع المقدم على القوم دون الملك، وهو معرَّب (ج مرازبة) وفي لسان العرب: وأما المرازب من الفرس، فمعرب. وقال ابن بري: حُكى عن الأصمعي أنه يقال: الرئيس من العجم: مَرْزُبان ومَرْزُبان بالراء والزاي وانشد في المعجم لبعض الشعراء:

الدارُ دَارَانِ: إيوان وغمدان ... والملكُ ملكان: ساسان وقحطان

والأرض فارس والإقليم بابل والْ ... إسلام مكة والدنيا خراسان

إلى أن قال:

قد رتب الناس جمُّ في مراتبهم ... فمرزبانٌ وبطريق وظرخانُ

وقال المسعودي في التنبيه والإشراف (ص 103 من طبعة الإفرنج): (فإما المرزبان، فهو صاحب الثغر، لان (المرْز) هو الثغر بلغتهم، و (بان): القيم. وكانت المرازبة أربعة: للمشرق والمغرب والشمال والجنوب كل واحد على ربع المملكة)

وأما اللغويون المحدثون، فذكروا المرزبان في (مرز) أيضاً فهم كالشاء، وقد قيل في المثل يا شاة أين تذهبين؟ قالت: أُجَزْ مع المجزوزين؛ أو كالقرار وقد قيل فيها: نزْو الفرار استجهل الفُرار

(له صلة) الأب أنستاس ماري الكرملي

من أعضاء مجمع الأول للغة العربية

ذكريات السنين الخمس