مجلة الرسالة/العدد 434/نفسية المحارب

مجلة الرسالة/العدد 434/نفسية المحارب

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 10 - 1941



للدكتور محمد حسني ولاية

قبل أن أخوض في هذا الموضوع أقول إن السادية هي النزعة إلى إيلام شخص آخر أو القضاء عليه، مصحوبة بشعور لذيذ. وهذا الألم إما أن يكون وليد عامل مادي كالضرب بالسوط، أو معنوي كالتوبيخ والاحتقار. أما الماسوشية فهي على النقيض من هذا، لأنها تنطوي على استعذاب العذاب والألم مادياً كان أو معنوياً.

إن الذي يدعو الإنسان إلى قتل أخيه الإنسان هو النزعة السادية المتحكمة في نفوس البشر جميعاً؛ وليست هذه النزعة غريبة عن نفوس النساء، بل هي مستقرة في أعماقهن بدليل ظهورها في بعض العصبيات، وأحياناً في اللاتي بلغن سن اليأس.

ويحمل كل إنسان - رجلاً كان أو امرأة - نزعة السادية متوازنة مع نزعة الماسوشية؛ ويُبقى الرجل جانباً كبيراً من ساديته في وعيه، فيتسلط على المرأة ويتحكم فيها، ويحاول التسلط على ضعفاء الرجال، والتغلب على صعوبات الحياة. على أنه يكبت في عقله اللاواعي (العقل الباطن) معظم النزعة الماسوشية.

ويحدث عكس هذا في المرأة، لأن وعيها يحملها على الخنوع والاستسلام لبقاء معظم النزعة الماسوشية فيه. وكثيراً ما تبرز النزعة السادية في المرأة عندما تصادف منافسة لها في حب الرجل فتعمد حينئذ إلى الانتقام من أحدهما أو كليهما.

تعني السادية أن يهدم الإنسان سواه ليخلو له الجو ويستأثر بالحياة. فهي نزعة مقترنة بالرغبة في الحياة والسيطرة. أما الماسوشية، فتعني أن يهدم الإنسان نفسه. فهي وثيقة الصلة بغريزة الموت، وتستقر غريزة الحياة في عقلنا الباطن جنباً إلى جنب غريزة الموت؛ ولهذا الجانب من التمثيل المعنوي جانب مادي يقابله، فغريزة الحياة تمثلها الغدد الجنسية التي تفرز العناصر الحيوية الأولى. أما غريزة الموت، فيمثلها الجسد الذي مآله إلى البلى!

ولا يلجأ الإنسان إلى عداء الإنسان إلا إذا أمعن في كبت النزعة الماسوشية، وأبرز في الوعي كل الطاقة النفسية المتعلقة بالسادية.

يؤدي العرف في أوقات السلم إلى أن يكبت الرجل شطراً من ساديته لينسجم مع المرأ والبيئة. أما في زمن الحرب فتتحكم السادية في العقل الواعي وحينئذ يتحرك الحيوان الرابض في الأعماق ليقضي على فريسته. وليس هذا الحيوان سوى الإنسان البدائي الذي ما زال متمتعاً بكامل قوته وعدته.

وحين تسير الجيوش لملاقاة العدو يتناسى كل جندي شخصيته ويعود إلى ماضيه الفطري ويعمل كما كان يعمل آباؤه الأولون. وهو في هذه الحالة يشعر بأنه ليس طوع نفسه، ولكنه رهن الإرادة البشرية الأزلية التي تسيطر على سرائرنا جميعاً. أما إذا أمعن الجندي في وعي ذاته - وشعر بأن شخصيته قائمة بذاتها لم تستطع روحه الاندماج مع الروح التي تقود زملاءه الجنود إلى التلاحم مع العدو.

ويصيب بعض الجنود مرض الهستريا أو القلق العصبي بتأثير الحرب؛ ففي الحالة الأولى قد يعتري الجندي شلل في إحدى ذراعيه أو كلتيهما، أو في إحدى رجليه أو كلتيهما، كما قد يغتابه العمى الهستيري بتأثير الغازات الخانقة مثلاً، أو الصمم بتأثير القنابل، وكل هذه الأعراض نفسية يمكن شفاؤها بالعلاج النفسي.

ويشعر المريض بالقلق العصبي بالخوف وخفقان القلب واهتزاز لأعضاء وغير ذلك، أما شفاؤه فليس بعسير.

وقد وجد أن بعض المصابين بمستهل جنون المراهقة أشد ثباتاً وأرسخ نفسية من بعض زملائهم لانطفاء انفعالاتهم وعواطفهم، فلم لا يلمون بالأخطار المحدقة بهم، ويسيرون في الصفوف كالبهم السائمة.

محمد حسني ولاية