مجلة الرسالة/العدد 497/عيد الهجرة

مجلة الرسالة/العدد 497/عيد الهجرة

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 01 - 1943



للأستاذ علي محمود طه

غنِّ بالهجرة عاماً بعد عاِم ... وادْعُ للحقِّ وبشِّرْ بالسلاِم

وترسَّلْ يا قصيدي نغماً ... وتنقَّلْ بين موج وغمام

صوتُكَ الحقُّ فلا يأخذكَ ما ... في نواحي الأرض من بغْيٍ وذْام

كنْ بشير الحبِّ والنور إلي ... مُهَجٍ كلْمَي وأكبادٍ دوامي

هجرتْ أوطانها واغتربتْ ... في مِثاليٍ من المبدأ سامي

أَنِفَتْ عيش الرقيق المُجتبَي ... وأَبَتْ ذُلِّ الضمير المستضام

يا دُعاةَ الحقِّ هذي محنةٌ ... تُشعلُ الرُّوح بمسعور الضرام

هذه حرب حياة أو حمام ... وصراعُ الخير والشرِّ العقام

خاضَها الإسلامُ فرداً، وهدَى ... بيراعٍ، وتحدَّي بحسام

هجرةً كانت إلى الله وفي ... خطوها مولدُ أحداث جسام

أخطأ الشيطانُ مسراها، فيا ... ضَلَّةَ الشيطانِ في تلك الموامي

آبَ بالخيبةِ من غايتهِ ... وهو فوق الأرض ملعونُ المقام

صفحاتٌ من صراع خالدٍ ... ضِّمنتْ كلَّ فخارٍ ووَسام

لم تُتَحْ يوَماً لجَّبارٍ طغَى ... أو لباغِ فاتك السيفِ عُرام

بل لداعٍ أعزلٍ في قومهِ ... مستباح الدَّمِ مهدورِ الذمام

زلزلَ العاَلم من أقطاره ... بقُوّى الرُّوح على القوم الطغام

وبنى أوَّلَ دنيا حُرَّةٍ ... بَرِئَتْ من كلِّ ظلم وأثام

تسعُ الناسَ على ألوانهم ... لم تفرِّقْ بين آريٍ وسامي

حاطمَ الأصناِم هل منكَ يدُ ... تَذَرمُ الظلمَ صعيداً من حُطام؟

لم تُطْقها حجراً أو خشباً ... ويُطاقُ اليومَ أصنامُ الأنام!

وعجيبٌ صُنْعُهم في زمنٍ ... أبصرَ الأعمى به والمتعامي

آدميُّون قَزَامى انتحلوا ... منطقَ الآلهةِ الشمِّ العظام

وتراهم مثلما تسمعهم ... صُوَرَ الوهم وأحلامَ النيام بَشَّروا الناس بدنيا، ويحهم! ... أيُّ دُنيا من دَمارٍ وَحِمام؟

تسلُبُ العالم حُرَّيِاتهِ ... وترى الناسَ قطيعاً من سوام

قيل للحق، وما أعجبه ... في مجال حيوي ونظام!

قيل للخبز، فهل أطعمهم ... حلمَ الحرب سوى الموت الزؤام؟

أنت يا أيَّتُها الشمسُ أطلُعي ... من وراء الليل والنعيمِ الرُّكامِ

سَدِّدِي بالنار قوساً واصرعي ... ماردَ الشرِّ بمشبوب السهام

ضَلَّتَ الأرضُ بليلٍ داهمٍ ... يَحَذرُ النجمُ دُجَاةُ المترامي

دَمِيَتْ أعينُنا في جنحه ... واشتكت حتى خفافيشُ الظلام

يا شعوباً جَمَعَتْها أمةٌ ... بين مصرٍ وعراقٍ وشآِم

وبطوناً من بقايا (طارقٍ) ... في الجبال اُلْجْردِ واُلْخْضر النوامي

صاَغها الإسلام في إقليدهِ ... خرزاتٍ من فريد وتُؤّام

ما شدا شعري بها إلا هفَتْ ... بالقباب البيض أو حُمْر الخيام

كلُّ روحٍ بهدىً من حُبِّها ... كلُّ قلبٍ بشعاع من غرام

تذكر القُرْبَى وتستدني بها ... مشرقَ الآمال في مطلعِ عاِم

وتُرَجِّي عودةً المجد الذي ... أعجز الباني وأعيا المتسامي

في بيوتٍ هاشميات البِنَي ... وعروش أموّيات الدِّعام

ونتاجٍ من نُهىً جَّبارةٍ ... وتراث من حضارات ضخام

قُلْ لها يا عامُ لا هُنْتِ ولا ... كنتِ إلا مهد أحرار كرام

ذاك مجد لم ينله أهله ... بالتمني والتغني والكلام

بل بالآم وصبري وضني ... ودموعٍ ودم حُرٍ سِجَام

قُلْ لها إنَّ الرحى دائرة ... والليالي بين كرٍ وصدام

فاستعدِّي لغدٍ إن غداً ... نُهْزَةُ السبَّاق في هذا الزحام

وأجمعي أمركِ لليوم الذي ... يحمل البشرى لعشَّاق السلام

علي محمود طه