مجلة الرسالة/العدد 53/شركة مصر للغزل والنسيج

مجلة الرسالة/العدد 53/شركة مصر للغزل والنسيج

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 07 - 1934



المحلة الكبرى منشستر مصر

لمندوب الرسالة

لا يتم استقلال سياسي صحيح لأمة من الأمم ما لم تستقل استقلالاً اقتصادياً أولاً. تلك حقيقة لا يختلف في صحتها اثنان. والاقتصاد في كل الأمم هو العمود الفقري لحياتها، والمقياس لعظمتها وتقدمها، حتى أضحى شغل العقول الكبيرة إلتي تخلص لأوطانها، وتعمل لرقيها بإخلاصها وإيمانها

ولقد ظلت مصر ردحاً من الزمن تضع السياسة في المنزلة الأولى من تفكيرها، وفى غمرات ذلك الاضطراب السياسي ساءت الأحوال المالية فيها، وامتدت الأيدي إلى المصارف الأجنبية التي استغلت الفرص احسن استغلال، وأخذت تضيق على من يقع في حبائلها الخناق، حتى ضج الناس وغمرهم الذهول. هنالك تفتحت الأذهان، وحدقت العيون إلى نصير منهم يأخذ بأيديهم ويهديهم صراطاً اقتصاديا مستقيما. عندئذ قام ذلك الوطني المخلص (طلعت حرب باشا) ووضع هو وصحبه الأكرمون نواة ذلك الصرح الوطني الشامخ، فخر مصر وعنوان مجدها الاقتصادي، ووجه ذهنه الخصب، وعقله الجبار، لإنجاح ذلك العمل القومي العظيم، حتى صافح الفوز وتجاوز حد الثقة وأصاب مشاكلة الغرض

وبعد أن وصل ذلك المشروع إلى الحد الذي يحسد عليه ضاق علي جسامته وخطورته بنشاطهم وبنتاج هممهم فأخذوا ينشئون الشركة تلو الشركة، والمصنع تلو المصنع، ومن بين هذه المشروعات الجليلة التي قام بنك مصر بتأسيسها (شركة مصر للغزل والنسيج) التي أقيمت في المحلة الكبرى

نما غرسها منذ سنوات ثلاث، وأخذت أغصانها تزداد قوة وامتدادا، وتؤتي أكلها جنياً شهيا، كلما زادت الأمة في الإقبال عليها وتشجيعها، وأبواها بنك مصر و (طلعت حرب) يتعهدانها ويؤازرانها بإدخال كل مستحدث من الآلات، وكل جديد من الفن، حتى كان آخر ذلك هذا التوسع الكبير الذي يجري اليوم فيها على قدم وساق، والذي شاء لنا حسن التوفيق أن نشهده تلبية لدعوة وجهها إ كان يوم الخميس الماضي يوماً حافلاً حقاً، فقد شهدنا فيه بأعيننا صرحاً من صروح قوميتنا العزيزة، وغرساً من غراس تلك الأيدي العاملة الكريمة

كان في انتظارنا رتل من السيارات أمام دار بنك مصر أقلتنا إلى المحلة الكبرى، فلما دخلنا المدينة وبلغنا مقر دار الشركة كان في استقبالنا رهط من موظفيها الكرام على رأسهم مدير الشركة العام الدكتور محمد عبد الطيف محرم، فطافوا بنا أقسام المصنع يشرحون لنا مختلف آلاته ومتنوع غاياته

تبلغ مساحة الأرض التي شيدت عليها مصانع الشركة مائة فدان، وقد بنيت كلها على أحدث النظم الصحية وجميع العمال والمديرين والمهندسين من المصريين إلا اثنين من الأوربيين دعت الضرورة القصوى إلى استخدامهما

وقد افتتحت مصانع الشركة لأول مرة في 23 إبريل سنة1931 وعدد أنوالها 448فزيدت في عام 1932 إلى 1200ولن يأتي العام القادم حتى تبلغ 4000، أما المغازل فكان عددها 12000 مغزل في عام 1932 فزاد حتى بلغ الآن50000 مغزل وسيزداد إن شاء الله باطراد كل عام

وكان عمل الشركة في بادئ الأمر قاصراً على غزل القطن ونسجه، ولكن ما وافى عام 1933 حتى أدخلت فيها صناعة غزل ونسج الكتان، وفي عامنا هذا أنشئت مصانع لغزل الدوبارة والفانلات والجوارب وبكر الخيط وغيرها، ويعدون العدة منذ الآن لكي يقوم مصنع الصوف في عام 1936بصنع البدل الصوفية ولوازمها من الصوف كذلك

وإن الذي يزيد في سرور كل مصري وابتهاجه أن يعلم أن عمال الشركة الآن يبلغون 6000 عامل سيزاد عددهم بعد عامين على الأكثر إلى 18000 عامل، ولحرص الشركة على أن يكون كل شيء مصرياً أنشأت مصنعاً كبيراً لصنع ما تحتاج إليه من الآلات، ولكي لا تضطر إلى استخدام أجانب فيه أوفدت عدة بعثات إلى أوربا من خريجي المدارس الصناعية. وتخرج الشركة الآن أنواعاً عديدة من الأقمشة معروفة في سائر الأسواق: منها (التيل الكاكي) و (فولار) و (دبلان) و (تيل المراتب) و (زفير) و (سكروته) و (فوط للوجه) و (بشا كير) إلى غيرها مما لا يتسع المقام لذكره

هذا قليل من كثير مما قام به بنك مصر من جسيم المشروعات التي سار بها من نجاح إلى نجاح بفضل إخلاص أولئك المجاهدين القائمين على أمره، وبفضل الأمة المقبلة على تعضيده وشد أزره.