مجلة الرسالة/العدد 564/نونية أبي تمام في رثاء ولده

مجلة الرسالة/العدد 564/نونية أبي تمام في رثاء ولده

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 04 - 1944



لأستاذ جليل

للدكتور محمد صبري أن يرى في مقالته (الحكم على الشعر وأساليب النقد والتحليل) في الرسالة الغراء (561) أن نونية أبي تمام في رثاء ولده قد فاتت رائيته في محمد بن حميد الطوسي التي يقول فيها:

فتى كان عذب الروح لا من غضاضة ... ولكن كبرا أن يقال به كبر

وللأستاذ عبد الرحمن شكري أن يستعجب في إحدى مقالاته في الرسالة كيف أن حبيباً - وهو في رثاء ما هو - لم يجد في النونية إجادة ابن الرومي في الدالية رثى بها ولده. غير أن تلك القصيدة فائقة كانت أو مقاربة ليست لأبي تمام وإن جاءت في ديوانه المطبوع وفي المخطوط في دار الكتب المصرية (عمرها الله)؛ فإن أبا بكر الصولي يقول في مصنفه (كتاب الأوراق) في سيرة (أبي محمد القاسم بن يوسف): (وقال - يعني القاسم هذا - يرثي ابنه أبا علي محمداً) وأورد القصيدة بتمامها، وروى بعدها دالية للقاسم في رثاء ابنه محمد وبنين آخرين له تجانسها كل المجانسة. والصولي هو المشغوف بحبيب. وهو صاحب أخباره وجامع أشعاره فيستبعد أن يأخذ منه ليعطى غيره كما يستبعد أن يضل في الرواية، وهو الراوية العظيم. وما حدثتنا (أخبار أبي تمام) له ولا (هبة الأيام) للبديعي ولا مؤلفات كتبت سيرة حبيب أن له ابناً، كنيته أبو على، فجع به فرثاه بشيء، ولا أن له ابنا اسمه محمد درج وأخوة لأبي تمام في عام واحد فبكاهم بمقطوعة (أربعة أبيات فقط) ختامها:

تتابع في عام بِنىَّ واخوتي ... فأصبحت إن لم يخلف الله مفرداً

ولا نعرف لحبيب ولداً إلا (تماما) ذكره الأنباري في (نزهة الألباء) في سيرة أبيه، والصولي في كتابه (أخبار أبي تمام) وأورد له هذه الحكاية: (لما ولى محمد بن طاهر خراسان دخل الناس لتهنئته، فكان فهم تمام بن أبي تمام الطائي فأنشده (وروى الصولي ثلاثة أبيات ركيكات) فاستضعفت الجماعة شعره، وقالوا: يا بعد ما بينه وبين أبيه! فقال محمد لعبد الله ابن اسحاق، وكان يعرفه الناس وهو على أمره: قل لبعض شعرائنا أجبه، فغمز رجلاً في المجلس، فأقبل على تمام فقال وروي ثلاثة أبيات ثالثها:

فهاك إن شئت بها مدحة ... مثل الذي أعطيت أعطاك فقال تمام: أعز الله الأمير! إن الشعر بالشعر رياء؛ فاجعل بينهما رضخاً من دراهم حتى يحل لي ولك. فضحك محمد وقال: إن لم يكن معه شعر أبيه فمعه ظرف أبيه. أعطوه ثلاثة آلاف درهم. فقال عبد الله بن إسحاق: ولقول أبيه في الأمير عبد الله ابن طاهر:

أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا ... فقلت: كلا ولكن مطلع الجود

ثلاثة آلاف أخرى، قال: ويعطي ذلك)

وأما صاحب النونية التي وهبها الوراقون أو غير الوراقين لغنى، عنده قناطير - هو القاسم بن يوسف بن القاسم بن صبيح القبطي، وهو أخاه أحمد بن يوسف وزير المأمون. قال الصولي: (لما ولى أخاه القاسم خراج السواد، فجباه فضلاً مما جباه غيره في سائر أيام المأمون، وكان أحمد بن يوسف إذا عرض على المأمون النفقات قال: يا أحمد، القاسم يجمع، ونحن نفرق. . .)

وقد اشتهر القاسم بمدح البهائم (أعنى الحيوانات) ومراثيها. قال المرزباني في (معجم الشعراء): القاسم شاعر، حسن الافتنان في القول، وهو أشعر من أخيه أحمد وأكثر شعراً، وهو أرثى الناس للبهائم

وقال أبو الفرج في الأغاني في أخبار أخيه أحمد: شاعر مليح الشعر، وكان قد جعل وكده في مدح البهائم ومراثيها، فاستغرق أكثر شعره

وقال الصولي في كتاب الأوراق: القاسم أسن من أحمد، وأحسن شعراً منه، وأفصح في شعره، وأشعر في فنه الذي أعجبه من مراثي البهائم - من جميع المحدثين حتى إنه لرأس فيه، متقدم جميع من نحاه، وما ينبغي أن يسقط شيء من شعره، لأنه كله مختار، وللناس فيه فائدة) ثم روى له طائفة كبيرة من مراثيه في الجماعة. . .