مجلة الرسالة/العدد 57/أغنية النيل

مجلة الرسالة/العدد 57/أغنية النيل

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 08 - 1934



للشاعر الحضرمي على احمد باكثير

يا جسر إسماعيلْ ... بُورِكْتَ من جسرِ

أنت سِوَار النيلْ ... رُصِّع بالدُّرِّ!

حلا بهِ وازدَانْ ... مِعصمُهُ الناعمْ

كأنَّهُ وسنانْ ... بالأملِ الحاِلمْ!

بين المصابيحِ ... في نورها الفاِترْ

تُوحِى بما توحى ... للمهُلْهَم الشاعرْ

من نجمةٍ وسنى ... لنجمة وسنى

قد كسرت جفنا ... فأغربت حُسنا!

مَنْ عَلَّم النُّورا ... فلسفةَ الكسرِ؟

أَستَلْهَمَ اُلحورا ... دقائق السِّحْر؟!

مَنْ عَلَّم النُّورا ... ترنيقةَ الطّرفِ؟

أَستلهم الحورا ... صناعة اَلحنْفِ؟!

في شطِّهِ قامّتْ ... بواسقُ النَّخل

عرائس هامَتْ ... بالمَيْسِ والدلِّ

برَزْنَ ممشوقاتْ ... ورافعات الهامْ

يُحسَبْنَ - منسوقات - ... علامَ الاِسْتفْهِام!

والقمر المحزون ... مبتسم النغَّرِ

يبكى لمن يبكون ... من عَنَت الدهر

يسامر العاشق ... ويسعد الولهان

ويسعف الغارق ... في لجج الأحزان

وساخراً يبسمْ ... بَسْمَةَ فُولْتيرِ

من هالك ينعمْ ... بعيشِ مغرورِ

سخريَّة تعلمْ ... بواعث الّسخرِ من عاَلمٍ يحلمْ ... وقَدَرٍ يجرى!

يطوف بالأرض ... في سِحْنة الناقم

لسُنَّةٍ تَقْضىَ ... فراقَها الدائم

منعكس نورُه ... في صفحة الماء

راقصة حُورهُ ... بلحن لألاء!

كأنه أحلامْ ... أحلام حسناَء

لا تعرف الالأم ... تعصف أهواَء!

والنَّسَمُ الهامِسْ ... في إذن الليلِ

يَبُلُّ ما لامَسْ ... بطَرَفِ الذيلِ

يمسُّ - في رفق - ... جسمك مبتلاّ

كصالحٍ يَرقى ... بالذكر معتلاّ!!

والزورق الناعِسْ ... يغفو على الماءِ

كالبائس اليائس ... في وسِطْ نعماءِ!

يرتّل الشِّعرَا ... مجدافه اللاغبْ

يشيّع العمرا ... ويندب الصاحبْ

يجري فيرعاه ... - في ألمٍ - بالى

يهيجُ مسراه ... ذكرى الهوى الخالى!

غنّى به الملاّحْ ... أغنيّة اُلحبّ!

يكرّر التَّصداحْ ... بالنَّغم العذب

يمدّها: يا ليل! ... يا ليل! يا عيني!

مناديا بالويل ... من ألم البين

يجري على نهرِ ... سِماؤه العطفُ

يهفو على مصرِ ... وشَدَّ ما يهفو!!

يمشي على هَوْنَ ... مشىَ الطواويسِ

من عهد فرعونِ ... موسى ورمسيس يطوي لها البُعدا ... شهراً على شهرٍ

من خلف (اوغندا) ... في لَهفٍ يجري!

يخترق السودانْ ... لأختهِ مِصْرِ

قطُران معدودان ... ألدهرَ كالقُطر!

حتى إذا وافى ... من بعد ما أعيي

طوّف تطوافا ... بكعبة الدنيا!

وراح ينصبُّ. . . ... للبحر في اطمئنانْ

كما قضى الصّبُّ ... بعد اللّقا جذلانْ!!

ما جشّم النَّهرا ... تلك المشقّاتِ؟

علَّ بها سِرَّا ... من أجله ياتى

أراحِمٌ يسقى ... جُرْد صحاريها؟

أم عاشقٌ يبغي ... لثم عذاريها؟!

فَقَطْرَةٌ منهُ ... برشفها غَادَهْ

لاهيةٌ عنهُ ... تكفلُ إسعادْه!!

أوّاه! هل نجهلْ ... ما عرف الماءُ؟

في عزِّها تقُتَلْ ... ونحن أحياء!!

يا مصر نفديكِ ... نحنُ بنى يعربْ!

آمالنا فيكِ ... كالشمس لاتغرب!!

مَنْ ذا يواسيكِ ... إن لم نكنْ نحنُ!

لَحْنُ أمانيكِ ... لكلّنا لَحْنُ!!

جزيرة العُرب ... مصُر لها أُمُّ

عقيدةُ الربّ ... تجمع والجِذْمُ

ليس لها عنها ... صرفق ولا تحويل

معدودة منها ... ما دام يجري النيل!

(فؤاد) يحميها ... مليكها العادِلْ من طامع فيها ... مخادعٍ خاتِلْ

وراءه الشَّعبْ ... نَسلُ الفراعينِ

تحفزه العُرب ... وعِزَّة الدين

مَلْكٌ به باهَتْ ... ممالك الدنيا

بفضله نالتْ ... رتُبتَها العُلْيا

قَلَّدَها نالتْ ... رُبّتَها العُليْا

جدَّدّ أو ردَّا ... جلالها الخاِلدْ

في عهده الميمون ... ارتقت (الفُصْحى)

إذ كان كالمأمون ... لم يأُلها نُصحا

(جامعة) الآداب ... و (الدار) و (الأزهرْ)

تهَّيُ الطلاب ... للحادث الأكبر!

يختصُّ بالإعظام ... وخِالصِ الُحبِّ

جامعةَ الإسلام ... ووحدَةَ العُرْبِ

عاشَ و (فاروقا) ... لبَيْضة الإسلام

كلأهما يُوقَى ... من نُوَب الأيام

للوحدة الحقَّ! ... للوحدة العظمى!

مُبلَغةِ الشرق ... مكانه الأسمى

يا مصر نفديك! ... نحن بنى يعربْ

آمالنا فيك ... كالشمس لا تغرب!

مَنْ ذا يواسيكِ ... إن لم نكنِ نحنُ؟

لَحْنُ أمانيكِ ... لكلّنا لَحْنُ!!

علي أحمد باكثير