مجلة الرسالة/العدد 606/هذا العالم المتغير

مجلة الرسالة/العدد 606/هذا العالم المتغير

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 02 - 1945



للأستاذ فوزي الشتوي

بخار البصل يقتل الجراثيم

تقرر الأبحاث العلمية الأخيرة أن البصل والثوم وكل نبات قوي الرائحة من أفتل المواد للجراثيم، وأكثرها وقاية لجسم من الأمراض

تجاهل جميع الباحثين أمر البصل مئات السنين برغم أن فلاحي اسكتلندا اعتقدوا أنه يقضي على الزكام والبرد، وبرغم أن الأوربيين والمصريين علقوه على أبواب دورهم ليقيهم شر الحميات. ولفتت الظاهرة نظر الدكتور توكين وأتباعه الروسيين، فأجروا تجاربهم ووجدوا أن البصل والثوم وغيرهما من النباتات القوية الرائحة تحتوي على زيوت أساسية تقتل البكتريا والجراثيم، وبويضات بعض الحيوانات الصغيرة. فأطلقوا على هذه المادة القاتلة اسم (فيتونسيد). ولم يوقفوا بعد إلى معرفة تركيبها الكيماوي، وإن عرفوا أنها سريعة التبخر، فإن تعريض عجينة من الثوم أو البصل للهواء من 10 إلى 15 دقيقة يفقدها كل قدرتها على قتل الجراثيم والبكتريا، ولهذا كان من الضروري استعمالها عقب تحضيرها مباشرة

وتختلف الطريقة العلمية لاستعمال عجينة البصل عن طريقة جداتنا اختلافاً يسيراً. فبعد أن يدق البصل لا يوضع على الجرح، بل يوضع في وعاء من الزجاج بسعة الجرح، وعلى فوهته يوضع لوح ليتلقى بخاره لمدة عشر دقائق على فترتين كل منهما خمس دقائق. وتستمعل عجينة جديدة في كل فترة.

بدأ الأطباء الروسيون تجاربهم على 25 مريضاً. ولكن قلة البصل عندهم اضطرتهم إلى قصر التجارب على 11 مريضاً فقط. منهم 7 بترت أذرعتهم، وواحد ساقه وثلاثة أقدامهم، واختير المصابون ممن ظهرت في جروحهم حالات التسمم والصديد؛ وكانت رائحة بعض الجروح منتنة، وأنسجة الأعضاء متورمة يصرخ أصحابها من الألم.

وعولج المصابون ببخار البصل فترتين متتاليتين كل منهما خمس دقائق. فتوردت كل الجروح بدل أن يطغى عليها اللون الرمادي. وأحس المرضى بآلامهم تزول. وفي المرة الثانية قلت كمية الصديد واختفت الرائحة النتنة. ومرت خمسة أيام بدأت فيها الأنسجة نموها الطبيعي. ولم تحدث مضاعفات في أية حالة، فاقتنع الأطباء بما في زيت البصل والثوم (فيتونسيد) من قدرة على التغلب على تسمم الجروح.

واستمر الدكتور توكين ومساعدوه 14 سنة يدرسون خواص الفيتونسيد القاتل للميكروبات والجراثيم، فدرسوا 150 نباتاً وأثبتوا أن البصل والثوم من أغنى النباتات في هذه المادة الوافية التي تستطيع قتل جراثيم خطرة مثل جراثيم حمى التيفوس

على أنهم وجودا أن نسبة تركز هذه المادة في أجزاء النبات مختلفة، فأكثرها وأقواها في قلب النبات وجذره ثم تتدرج في القلة إلى أن تكون على أقلها في الأجزاء الخضراء. ولعل هذا يفسر تعفن البصلة (تصنن) عند فصل الجذر عنها.

ووجدوا أيضاً أن بصل وثوم الخريف والشتاء أوفر في مادتهما القاتلة من مثليهما في الصيف والربيع. وتقل مادة (الفيونسيد) فيهما كلما طال بهما التخزين. فإن كانت عملية التخزين رديئة فقدا مادتهما الثمينة وصار أوساطاً جيدة لنمو الجراثيم مما نشاهده من تعفنهما إن طال بهما الزمن.

وأوصى باحثان باستعمال عصير البصل والثوم كعلاج منزلي عند الإصابة بالبرد. فنصحا بمضغ الطازج من النباتين من ثلاث دقائق إلى ثمان. وربما أنتج مضغهما لمدة دقيقة واحدة , فإنهما وجد أن هذا المضغ يؤدي إلى القضاء على جراثيم الغشاء الداخلي للوجنتين والفم، أو إلى توقف إفرازاتها.

وهناك ظاهرة أخرى يلفت إليها العلماء الأنظار من حين إلى آخر، وهي قدرة عصير البرتقال أو الطماطم أو غيرهما من النباتات الصنوبرية (المخروطية) على شفاء الجروح. وعزوا هذه النتائج في بعض الحالات إلى احتواء العصير على كميات من الفيتامينات.

على أن العلماء الروسيين يخالفون الآخرين في اعتقادهم ويعزون قدرة هذه الأنواع من العصير على قتل الجراثيم إلى احتوائها على مادة الفيتونسيد التي عرفناها في البصل والثوم. فهل لعلمائنا وأطبائنا أن يولوا البحث نصيبه ويقولوا كلمتهم فإن وصفاتنا البلدية أكثر من أن يحدها حصر؟

الغذاء كعلاج لضغط الدم

تمكن أحد الأطباء من تخفيض حالات الإصابة بضغط الدم في 60 % من مرضاه بواسطة التغذية. وضغط الدم من الأمراض الشديدة الوطأة وخصوصاً على كبار السن، ويتعذر شفاؤه في كثير من الأحيان. وقد درس هذا الطبيب حالات المرض والأغذية الملائمة له فوفق إلى تحديد غذاء من الأرز وعصير الفاكهة والسكر والفيتامينات ومواد حديدية. وهي تفيد المصابين بضغط الدم وبالكلى.

ويرى الدكتور كمبنر صاحب هذه النظرية أن الكلى تتعطل عن تأدية إحدى وظائفها فتعجز عن تحويل بعض المواد الزلالية إلى بول بسبب قلة الأوكسجين مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. فلجأ إلى الأرز ليخفف كمية الزلاليات عن الكلى، فتقل المواد الضارة التي تسبب ضغط الدم.

ومع أن نجاح هذه التغذية لم يكن كاملاً مع جميع المرضى فإنها لم تؤثر عليهم تأثيراً ضاراً، ولهذا يفكر بعض الأطباء في استنباط نظام تغذية له نفس التأثير على مرض السكر

أثر التغذية في الجهد العضلي

لأول مرة في التاريخ البشري يجري أحد أطباء جامعة مانيسرتا تجربة غذائية على الناس، والغرض منها دراسة تحول السكر إلى مواد غذائية، وعلاقته بالفيتامينات ومدى تأثيره على جسم الإنسان في نومه وفي نشاطه. وكانت مثل هذه التجارب تقتصر على الحيوانات لخطورتها. ولكن العمليات الحربية في المحيط الهادي دفعت إلى إجراء هذه التجارب على الناس، فعلى ضوئها تصرف وجبات الطعام للجنود.

ويعيش المتطوعون في هذه التجربة في عنابر نوم تابعة لمعمل الطبيب، ويتيسر فيها رفع درجات الحرارة والرطوبة إلى أن تصل إلى مثيلاتها في المناطق الحارة، أو خفضها حتى تصبح جزءاً من المناطق القطبية.

وتعطى جميع وجبات الطعام في المعمل، فيوزن كل غذاء يتناوله المتطوع، ويؤخذ جزء مساو له في الوزن ليحلل كيماوياً لكي تعرف قيمته الغذائية. ويمنع المتطوعون بتاتاً من تناول أي طعام خارجي. ولوحظ من يحرمون من تناول المواد المحتوية لفيتامين (ب، ا) يفقدون كل شهية للطعام، ويعجزون عن إبقاء أي طعام في بطونهم. وأحياناً يتعذر عليهم برغم كل ما يبذلون من جهد الاستمرار في تناول وجبات معينة.

ومن المعروف أن النشاط الذهني أو البدني شديد الصلة بالتغذية، ولهذا يقاس مدى نشاط المتطوعين في مختلف الوجبات بأنواعها، كما يفحص تأثير البيئة أو الحارة أو الرطبة على الحالة الغذائية، وحتى في أوقات الرياضة في الهواء الطلق تؤخذ عينات من دم المتطوعين لتحليلها ودراستها بالنسبة لكمية الهواء.

ويقول الدكتور كايس الذي يشرف على هذه التجربة: إن كثيراً من الأبحاث دار حول تحول المواد السكرية إلى مواد حية في جسم الإنسان، ولكن قليلاً منها طبق بمثل هذه الدقة. فإن أضفنا إلى هذه التجارب معلوماتنا المتزايدة عن الفيتامينات فانه يعتقد أنه قد حان الوقت لكشف تفاصيل تحويل المواد النشوية والسكرية إلى أنسجة حية في الجسم، كما أننا سنعرف الظروف التي يجب توفرها للفيتامينات للانتفاع بالسكر كوقود إنساني.

فوزي الشتوي