مجلة الرسالة/العدد 652/في إرشاد الأريب

مجلة الرسالة/العدد 652/في إرشاد الأريب

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 12 - 1945



إلى معرفة الأديب

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 21 -

ج 4 ص259: أحمد بن محمد الخطابي:

تسامح ولا تستوف حقك كله ... وأبق ولم يستقص قط كريم

ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم

قلت: (وأبق ولم يستق قط كريم) كما روت اليتيمة والوفيات، وفي هذه (فسامح) وقد يكون قبله شيء.

ج 16 ص 143:

وأبدلتني بالشطاط ألحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان

قلت: (وأبدلتني بالشطاط انحنا) أي انحناء فقصر ضرورة. وهو من قصيدة لعوف بن محلم الخزاعي رواها أبو علي في أماليه (ج 1ص50) وفيها البيت المشهور:

إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

قال أبو علي: (وكان سبب هذه القصيدة أن عوفا دخل على عبد الله بن طاهر فسلم عليه عبد الله فلم يسمع، فأعلم بذلك، فزعموا أنه أرتجل هذه القصيدة ارتجالا فأنشده:

يا ابن الذي دان له المشرقان ... طر وقد دان له المغربان)

وقد جاء في (إرشاد الأريب): (فزعموا أنه أنحل هذه القصيدة). . .

في اللغة هو ما قال اللسان: (حنا الشيء حنواً وحنيا وحناه: عطفه، والانحناء الفعل اللازم وكذلك التحني، وقال في رجل في ظهره انحناء: إن فيه لحناية يهودية وفيه حناية يهودية أي الحناء) وما قالته النهاية: (إياك والحنة والاقعاء يعني في الصلاة وهو أن يطأطئ رأسه ويقوس ظهره من حنيت الشيء إذا عطفته).

وفي اللغة (التحاني) وهذه لم تذكرها المعجمات التي نعرفها وقد وردت في بيت في مقطوعة في (الكامل): قصر الليالي خطوه فتدانى ... وحنون قائم صلبه فتحاني

وجاء في اللسان: الحنو كل شيء فيه اعوجاج أو شبه الاعوجاج كعظم الحجاج واللحى والضلع والقف والحقف ومنعرج الوادي والجمع أحناء وحُني وحِنى.

وقد نقل القاموس ما قال اللسان وزاد بعد قوله والضلع: (والحني) وأورد شارحه هذه اللفظة. فهل زادها ناسخون أو هي الحشي بالشين لا بالنون. . .؟ والحشا ما اضطمث عليه الضلوع كما في الصحاح. والحشي الخصر ومنه قولهم: لطيف الحشى، هضم الحشى كما في التاج. . .

ج 8 ص 78:

أدل فأكرم به من مدل ... ومن ظالم لدمي مستحل

إذا ما تعزز قابلته ... بذل وذلك جهد المقل

وأسلمت خدي له خاضعا ... ولولا ملاحته لم أذل

قلت: أغلب الظن أن الشاعر قال: (مدْل ومستحلْ الخ) من الضرب المحذوف، وهو كما ضبط في الكتاب من الضرب الصحيح. والمحذوف هنا ألطف، والآذن شاهدة. . .

و (الجهد) قيلت في فتح جيمه وضمها أقوال كثيرة أورد التاج جلها، ثم قال: والكلام في هذا المحل طويل الذيل ولكن اقتصرنا على هذا القدر لئلا يمل منه. . . وفي النهاية:. . . فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير. . . ومن المضموم حديث الصدقة أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، أي قدر ما يحتمله حال القليل المال.

قلت: فَجهد البلاء، وجُهد المقل. والشعر للقاضي أبي حازم قاله في حداثته في امرأته، وكان أبو حازم - كما ذكر ياقوت - شديد التقشف والورع.

ج 16ص 245:. . . حدثني الإمام صدر الأفاضل قال: كتب إليّ الصوفي المعروف بالصواف يسألني عن بيت حسان ابن ثابت وهو:

فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء

وقولهم بأن فيه ثلاثة عشر مرفوعا فأجبته. . . فهذا يا سيدي جهد المقل، وغير مرجو قطع المدى من الكل، فليعذرني سيدي - قبل الله معاذيره - من المرفوع الثالث عشر فانه لعمري قد استكن واستتر حتى لا أعرف له عينا. . .

قلت: (الكل) بفتح الكاف وهو مثل الكليل، وللكل في هذه اللغة معان كثيرة منها اليتيم قال:

أكون لمال الكل قبل شبابه ... إذا كان عظم الكل غير شديد

والثقيل الروح من الناس، والذي هو عيال وثقل (وهو كل على مولاه) كما في اللسان. وفي اللسان والتاج: ورأس الكل بالفتح رئيس اليهود، نقله ابن بري عن ابن خالويه.

ج 15ص 26: قال أبو حيان في كتاب أخلاق الوزيرين من تصنيفه: طلع ابن عباد عليّ يوماً في داره وأنا قاعد في كسر إيوان أكتب شيئاً قد كان كأدنى به، فلما أبصرته قمت قائماً فصاح بحلق مشقوق: أقعد فالوراقون أخس من أن يقوموا لنا؛ فهممت بكلام فقال لي الزعفراني الشاعر: أسكت فالرجل رقيع، فغلب عليّ الضحك واستحال الغيظ تعجباً من خفته وسخفه. . .!

وجاء بالشرح: كأده بالشيء: كلفه به.

قلت: كأدنى به، وكاد أراده بسوء والكيد المضرة كما في التاج، فأد فعل لازم ومضارع يكاد كادا، وتكاد الشيء تكلفه، وتكده الأمر وتكأده شق عليه. والدليل على أن أبا حيان قصد الكيد ما رواه ياقوت في أخباره من أقواله:

. . . وأما حديثي معه (مع ابن عباد) فأنني حين وصلت إليه قال لي: أبو من؟ قلت: أبو حيان. فقال: بلغني أنك تتأدب، فقلت: تأدب أهل الزمان، فقال: أبو حيان ينصرف أو لا ينصرف؟

قلت: إن قبله مولانا لا ينصرف. فلما سمع هذا تنمر وكأنه لم يعجبه، وأقبل على واحد إلى جانبه وقال له بالفارسية سفها على ما قيل لي. ثم قال: الزم دارنا وانسخ هذا الكتاب، فقلت: أنا سامع مطيع. ثم إني قلت لبعض الناس في الدار مسترسلا: إنما توجهت من العراق إلى هذا الباب وزاحمت منتجعي هذا الربيع لأتخلص من حرفة الشؤم فان الوِراقة لم تكن ببغداد كاسدة. فنمى إليه هذا أو بعضه أو على غير وجهه فزاد تنكراً

قلت: استقبل الصاحب من أبي حيان شيطاناً مريداً، وعالماً بحراً عبقرياً، وأديباً عجيباً جاحظا، ولئيما وخبيثاً، عيناه تقذفان بالشرر، وحرفوشاً فأبصر مشهداً مهولا روعه أيما ترويع. وإن أبا حيان لخليق جد خليق بأن يكون خير جليس للوزير العالم الأديب وخير معلم ومثقف وأنيس، ولكن (كيف الحياة مع الحيات في سفط) أني يُخالط أفعوان يتلظَّى من السم، وعقرب لا تني تلسع، ولُقَّاعة: حاضر الجواب مقرطس، ومكهرب. وقد أبى ابن عباد أن يدفع شراً خاله وخافه بالتي هي أحسن، والتي هي أكرم فلزَّ أبا حيان ليذله - وهو الأديب الأعظم - بواقيه، وكاده بالنسخ. وما كان التوحيدي المنشئ المبدع للنسخ أو الوراقة. وإني لأقول: إذا كان الشعراء في القديم ثلاثة أعني حبيباً والوليد وأحمد فالكاتبون في القديم ثلاثة: الجاحظ والريحاني وأبو حيان. وأبو العلا أحمد أمة وحده. . .

ج19 ص 287:

برّح بي أن علوم الورى ... اثنان ما إن لهما من مزيدِ

حقيقة يعجز تحصيلها ... وباطل تحصيله لا يفيدُ

وجاء في الشرح: في نفح الطيب: قسمان. يلاحظ أن في هذا البيت (الثاني) إقواء.

قلت: الروي ساكن (مزيدْ، لا يفيدْ) فلا إقواء.

والرواية في النفح: قسمان ما إن فيهما من مزيد. والشعر لابن الوقْشي القاضي الأديب والفيلسوف الأريب كما يقول (نفح الطيب).

ج3 ص 229:

ذريني إنما خطئي وصوبي ... علي وإنما أنفقت مالي

قلت: روى اللسان البيت راسماً ما منفصلة وقال: وان ما كذا منفصلة.

في كتاب (أدب الكتاب) للأمام الصولي وقد عنى بتصحيحه وتعليق حواشيه العلامة الأستاذ الشيخ محمد بهجة الأثري:

يكتبون أحب (أن لا) تفعل كذا بألف ونون وتكون (لا) مقطوعة، وهو أجود. . . ومنهم من يكتب بألف ولام موصولة لأن النون تدغم في اللام إذا نطق بها. . . و (كلما) إذا أردت بها الجزاء كقولك: كلما فعلت فعلتُ كتبتها حرفاً واحداً لأنها أداة، وإذا أردت بها معنى الذي كقولك: كل ما فعلت فصواب فاقطع (كل) من (ما) وكذلك (إنما وكأنما ولكنها) إذا أردت بهن الأدوات فاجعلها حرفاً واحداً، وإذا أردت بمعنى (ما) الذي فاقطع. . . (ص258).

ج9 ص61: الحسن بن علي المصري الملقب بالقاضي المهذب:

ولما أبان البين سر صدورنا ... وأمكن فيها الأعين النجل مرماها

عددنا دموع العين لما تحدرت ... دروعا من الصبر الجميل نزعناها ولما وقفنا للوداع وترجمت ... لعيني عما في الظمائر عيناها

بدت صورة في هيكل فلو أننا ... ندين بأديان النصارى عبدناها

وما طربا صغنا القريض وإنما ... جلا اليوم مرآة القرائح مرآها

وليالي كانت في ظلام شبيبتي ... سراي وفي ليل الذوائب مسراها

وجاء في شرح البيت الثاني: أي لأن البكاء ينافي الصبر فهو يضعف من قوته ويوهنها، والإنسان مهما كان جلدا يصبر على كل نوائب الدهر ما عدا فرقة أحبائه.

نحن قوم تذؤبنا الحدق النجل (م) ... على أننا نذيب الحديد

وقال آخر:

جزعت للحب والحمى صبرت لها ... إني لأعجب من صبري ومن جزعي

هذا وفي رأيي أن الأصل في نزعناها اذرعناها. وجاء في شرح البيت الأخير: بياض بالأصل بعد وليلة، وقبل ظلام

قلت: (وأمكن منها الأعين النجل مرماها) في التاج: مكنته من الشيء تمكينا وأمكنته منه فتمكن واستمكن إذا ظفر به والاسم من كل ذلك المكانة، ويقال: أمكنني الأمر ولا يقال: أنا أمكنه بمعنى أستطيعه، ويقال: لا يمكنك الصعود إلى هذا الجبل، ولا يقال: أنت تمكن الصعود إليه.

وليس (من الصبر الجميل) نعتا للدروع، والجار متعلق بالفعل (نزعناها) يعني أن هذه الدموع، هذه الدروع انتزعناها أخذناها من الصبر الجميل، وقد قيل في فضيلة الدمع:

لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجي البلابل

والشطر الأول في البيت الأخير هو عندي: (وليلة أسرى في ظلام شبيبتي) وهو معطوف على شيء قبله، وقد يكون الأصل (ليالي أسرى الخ).

ج12 ص23:

أن يعجل الموت يحمله على وضح ... لجب موارده ملوكه ذُلل

قلت: لحب - بالحاء - في القاموس: للحب الطريق الواضح كاللاحب. وذلل - بضم اللامين - في اللسان: طريق ذليل من طرق ذلل، وسبيل ذلول وسبل ذلل.

ج1 ص75: قال أبو تمام: إن يكُد مطَّرِف الإخاء فإننا ... نسري ونغدو في إخاء تالد

أو نفترق نسباً يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد

أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد

وجاء في الشرح: وتروى (من زلال بارد) وهي الأفق. قلت: (إن يكد مطرف الإخاء) بفتح الراء أي مستحدثة واطرف الشيء استحدثه، ورواية الديوان (أو يفترق نسب) و (نسب وأدب) متوائمان و (من غمام واحد) هي الرواية.

والأبيات من قصيدة يقولها حبيب في صديقه علي بن الجهم و (كان علي شاعراً فصيحاً مطبوعاً) كما قال أبو الفرج، ومن مشهور شعره لاميته في صلبة. . . وداليته في حبسه، وعند أبي الفرج أنها (أحسن شعره) وقد رواها في أغانيه (ج10 ص208، 213) ولعل الرائية المشهورة (عيون المها) في المتوكل ولم يذكر أبو الفرج منها شيئا ولم يشر إليها، وهي ثلاثة وعشرون بيتاً، جلها غزل، وفيها يقول:

فقالت: كوني بالقوافي سوائرا=يرُدن بنا مصر أو يصدرن عن مصر

فقلت: أسأت الظن بي لست شاعراً=وإن كان أحيانا يجيش به صدري

للشعر أتباع كثير ولم أكن ... له تابعاً في حال عسر ولا يسر

ولكن إحسان الخليفة جعفر ... دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر

فسار مسير الشمس في كل بلدة ... وهب هبوب الريح في البر والبحر

في القسم 19 - (الشميذ) وهي الشميذر و (الفحير) وهي الغمير و (فإذا) وهي (فإذن). وفي إحدى مقالاتي: (في العقد) في القسم 6 في الرسالة 405 أوردت قول صاحب (الاقتضاب) وهو يرى - كما يرى المبرد - أن تكتب بالنون على كل حال حتى لا يشبه (إذا) التي هي ظرف فيقع اللبس بينهما، ويقول إن نون (إذن) (إنما هي أصل من نفس الكلمة) فإذن لن تكتب (إذن) إلا بالنون. . .