مجلة الرسالة/العدد 728/نشيد فلسطين

مجلة الرسالة/العدد 728/نشيد فلسطين

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 06 - 1947



للأديب حنا فارس مخول

لقد كانت فلسطين مهبط للوحي والإلهام منذ اقدم العصور. فيها ولد أكثر قادة البشرية، ومنها نور الهداية إلى سائر أنحاء العالم. ولعل جمالها هما اللذان مهدا لهذا الوحي واستنزلا ذلك الإلهام. . .

وفلسطين دون غيرها هي قبلة أنظار الطامعين، والكعبة التي يقدمها أتباع الديانات السماوية الثلاث. وهي على كل حال بلاد غريبة فوق كل اعتبار، أنها عنق الجامعة العربية الذي ضيق عليه الخناق، ولكنها مع كل هذا بدون باعث للنشاط، وبدون محرك للهمم، وحفز للعمل. . . أنها بدون نشيد!

أجل ليس لنا - والله - نشيد تردده فيذكى الحمية في نفوسنا، وينفض عنها غبار الخوف، وصدأ الخمول، ويرسم لنا هدفا معينا تجاهها، يلخص واجبا تجاه الوطن والمواطنين. . . والإنسانية!

يقولون: إن نشيد (المارسيليز) هو الذي قهر أوربا لا نابليون، وأن النشيد الاسكتلندي هو الذي قضى على نابليون لا ولنجتون. . . ولكن أين منا النشيد الذي يشعرنا بأننا أمة تحيا وتستحق الحياة؟!

بانا أمة تحيا وتستحق الحياة؟!.

إن شعراءنا - وهم كثر بحمد الله - فقد قصروا همهم على الغزل والتشبيب والتغني (بيوم النصر). . . يوم نصر أعدائنا، وفشل قضيتنا!!

إن شعراءنا في واد، ونحن في واد. . . ليس فيهم من حاول شيئاً من هذا سوى المرحوم إبراهيم طوقان. . . ونشيد طوقان على علاته هو خير نشيد لنا في الوقت الحاضر، ولكن فيه مواقف ضعف تحول دون صلاحية لان يكون لنشيد القومي المنشود!

إنه كان يناجي موطنه ويتمنى أن يراه في علاه يبلغ السماك. . .

موطني الجلال، والجمال، والنساء، والبهاء في رباك

والحياة، والنجاة، والهناء، والرجاء في هواك هل أراك

سالماً منعماً وغانماً مكرماً هل أراك في علاك تبلغ السماك؟

موطني

ولكن في تمنيه شيئاً من التساؤل وضعف الأمل. . . لقد أظهر حبه له، ورسم خطوط هذا الحب بعبارات عاطفية وشعور فياض، ولكن ليس هذا دستوراً نعمل بمقتضاه. . أننا نريد الشاعر الذي يقول: سأراك. بل يجب أن أراك في علاك تبلغ السماك! لا: هل أراك؟! أننا نريد الشاعر يطمئن إلى عودة هذا الوطن الجريح إلى أبنائه، بكل شبر فيه. . . بصميمه. . .

وقد حاول طوقان ذلك، فوعده بتناسي الأشخاص والأحزاب

موطني

الشباب لن يكل همه ... أن تستقل أو يبيد

نستقي من الردى ... ولن يكون للعدى كالعبيد

لا نريد

ذلنا المؤبدا ... وعيشنا المنكدا

لا نريد بل نع ... يد مجدنا التليد

موطني

الحسام والبراع لا الكلام والنزاع رمزنا

مجدنا وعهدنا ... وواجب إلى الوفا يهزنا

عزنا

غاية تشرف ... وراية ترفرف

يا هناك. في علاك قاهراً عداك

موطني

أجل إن طوقان وعده يتناسى الأشخاص والأحزاب، والعمل في سبيله حتى يتقل، ولكن ليس يكفي أن نستقل داخلياً، فالنشيد القومي يجب أن يشعر المواطن بالطموح وواجب التقدم، ويبشر بالمستقبل اللامع والمكانة المحترمة ف قافلة الإنسانية

إذن لا نريد نشيداً يشعرنا بالعبودية - ولو في معرض الأباء - ويروي لأبنائنا بعدنا قصة ذلنا - غير المؤيد - وعيشنا المنكد. . . لا نريد نشيداً يصلح ليونا، ولا يصلح لغدنا!!.

ويجرح العزة. . . نريد نشيداً يتفجر قوة رحمية. . . نريد نشيداً كمعلقة عمرو بن كلثوم أو قصيدة بشر بن عوائه. . . نريد القوة لأننا في عصره القوة!! ويجب ان نشعر بأننا أمة فوق الأمم، أو في طليعة الشعوب، والماضي يهد، والحاضر يبشر، ونور الشيوخ، ونار الشباب يثبتان ويؤكدان!!

وقد كانت مصر شعوب بالحاجة إلى نشيد قومي، فكانت مسابقة، وكان نشيد!! وفلسطين هي النقطة الحساسة في جسم البلاد العربية. . . فهل نتوجه بادئنا إلى والد العرب الذي ولدوه، إلى الجامعة العربية، أم إلى الهيئة العربية العليا في فلسطين؟ لعلهما تشعران بالمسؤولية فتعملا على تحقيق هذه الأمنية!!

وفلسطين فوق هذا لا علم لها، وان شئت تفصيلاً فقل: ليس لسكانها الأصليين، ليس لعربها علم. . . لأن اليهود الطارئين - وهم قلة بحمد الله - لهم نشيدهم القومي (ألها تكفا)، واهم علم يرفعونه في جميع المناسبات. . . أما نحن فنزين دورنا ومحالنا التجارية وأبدتنا و. . . بالأعلام العربية في أعيادنا القومية. ولا أقول بالعلم العربي - لأننا لن نتخذ حتى ألان علماً واحداً في جميع أقطارنا. . . أنا نرفع العلم المصري أو العراقي أو اللبناني أو السوري أو أي علم من أعلام الدول العربية، ولنا الشرف في ذلك لأن العرب في القطر الواحد أخوان العرب في القطر الثاني، فأي علم عربي هو علمنا. . . ولكننا على كل حال وحدة تريد استقلالها. ووضعها الشاذ يستدعى حشد جميع بواعث الهمم لمجابهة الموقف الرهيب. فلماذا لا يكون لنا علم نرمز به إلى آمالنا وأهدافنا، يرف فوق رءوسنا، وبه - بعد الله - نعتصم والأقلية الطارئة علينا، لها علم؟!

أنكون كالقرعاء التي تباهى بشعر ابنة أختها - على خشونة المثل -؟ لا - والله - بل يجب أن تتساوى مع العرب المستقلين في جميع بلدانهم، وان ترضى ان تكون عالة عليهم فكفاهم من همومهم ما يثقل كواهلهم!.

وإذن فلنتقدم إلى المسؤولين بهذا الاقتراح، أو - إن شاءوا - بهذا النداء، راجين أن يحققوا آمال ما يزيد على المليون من عرب فلسطين، والملايين من عرب العالم ولهم الشكر المقدم! حنا فارس مخول