مجلة الرسالة/العدد 764/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 764/البريد الأدبي
إلى الأستاذ علي الطنطاوي:
أعجبت كل الإعجاب بمقالك (حكمة القدر) فهو فلسفة صائبة في تفسير معنى القدر الذي تحير فيه الناس منذ القديم إلى اليوم؛ فهو تحفة أدبية لولا بقعة سوداء فيه طمست الحق والحقيقة جميعاً، وهي حكاية الطفلة (الحلوة) التي وقعت من الطبقة السادسة فنزلت إلى الأرض سليمة.
إن مخترع هذه الأكذوبة الفظيعة، ظن أن استعارة حبال الغسيل المتعاقبة في طبقة بعد طبقة لكي تتلقف الطفلة وهي هابطة إلى أن وقعت أخيراً على كومة رمل سليمة - تجوز على كل الناس على السواء.
دلني على بناية ذات طبقة سادسة في شارع عريض يكون في كل طبقة منها حبال غسيل فوق الشارع على مرأى من السابلة. وإن كانت فيجب أن تثب الطفلة إليها وثباً أو تقذف إليها قذفاً عمداً لكي تتلقاها الحبال لأن الحبال بعيدة عن الجدار. وإلا فإن وقعت وقوعاً تقع بين الحبال والجدار ولا يعيق هبوطها عائق. . حتى لو كانت الحبال شباكاً فلا تضبطها، وإن ضبطتها الشبكة الأولى فلا تسقط إلى الثانية؛ وإن اخترقت الأولى إلى الثانية تخترق الشباك الست، وأخيراً تقع على كومة الرمل عجينة مختلطة.
فهذه الحكاية أكذوبة، وإن لم تكن أكذوبة؛ تكن أعجوبة. والأعجوبة والقدر لا يجتمعان.
ولا بدع أن تكون أعجوبة إذا كان مخترعها قد أبطل فعل الجاذبية نصف دقيقة لكي تصل الطفلة إلى الأرض من غير زخم كما وقف يشوع بن نون (في التوراة) الشمس نصف ساعة لكي تنتهي المعركة بانتصار شعب الله المختار.
يا صاحبي في حوادث الزمن ألوف تريك حكمة القدر. فلماذا بنيت مقالك على أكذوبة الطفلة، ثم تدع الناس السذج يتناقلونها وهم يستشهدون على صدقها بالأستاذ علي الطنطاوي.
نقولا الحداد
أبو سفيان بن الحارث لا أبو سفيان بن حرب: في كتاب من الكتب القيمة لكاتب من كتاب الشرق الأفذاذ ذوي اليد الطولى على العلم والأدب وقعت رواية أبيات في مناسبة من المناسبات، ولكنها فسرت على غير ما تعارفناه وتناقلناه في معناها. وعلى غير ما تدل عليه عوامل القصيدة التي قيلت من أجلها الأبيات لحسان بن ثابت يهجو بها أبا سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب. وذلك أنه كان يهجو رسول الله ﷺ هو وعبد الله بن الزبعري وعمرو بن العاص، وكان ينافح عن النبي ﷺ ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة
وهي من قصيدة حسان الهمزية التي يمدح فيها قومه ويذكر نصرهم لرسول الله ﷺ ويرد على أبا سفيان بن الحارث، أحد أولئك الشعراء الهجائين له كما بين ذلك في موضوعه من كتب السير وشروح الديوان. ومطلع القصيدة:
عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء
وأما الأبيات فهاكها:
ألا أبلغ أبا سفيان عني ... فأنت محوف نخب هواء
هجوت محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء
ولعل في قول الشاعر هجوت محمداً وقوله أتهجوه ولست له بكفء ما يوجه إلى ذلك التفسير الذي قلنا به، فإن الذي قد درج من معنى الهجاء هو ما يكون من نوع الشعر.
ولم يكن أبو سفيان بن حرب ممن عرفوا بنصب أنفسهم لذلك، وإنما الذي عرف له هذا الوصف هو أبو سفيان بن الحارث وإن كان كل منهما إذ ذاك عدواً شديد العداوة للنبي ﷺ.
فإن كان لدى سيدي الكاتب الأديب نبأ أصح مما نعلم فليتفضل وليفدنا فكلنا كارع من حياضه قاطف من أزهاره.
وإن يكن ذلك شيئاً سبق به القلم فهو كبوة الجواد. ويحضرني في هذه المناسبة ما وقع للإمام الجاحظ في تفسير كلمة (اللحن) وقد وقعت في أبيات لمالك بن أسام بن خارجة الفزاري من شعراء الدولة الأموية منها البيتان.
حديث ألذه وهو مما ... ينعت الناعتون يوزن وزناً
منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً وخير الحديث ما كان لحناً
يقول الشاعر إن هذا الشعر لمالك يقوله في استملاح اللحن في الكلام من بعض جواريه وهو من أوهام الجاحظ.
قال علي المنجم: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك المسمى كتاب البيان: إن مما يستحسن من النساء اللحن في الكلام وأنشدت بيتي مالك بن أسماء. قال هو كذلك. قلت أما سمعت بخبر هند بنت أسماء مع الحجاج حين لحنت في كلامها فعاب ذلك عليها، فاحتجت ببيتي أخيها فقال إنما أراد أخوك أن المرأة فطنة فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظاهر لتوري عنه ويفهمه من أراد بالتعريض كما قال الله سبحانه (ولتعرفنهم في لحن القول) ولم يرد أخوك الخطأ في الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ وقال: لو سقط إلي هذا الخبر ما قلت ما تقدم. قال فقلت له: أصلحه؛ قال: الآن وقد سار الكتاب في الآفاق؟
وفي المسألة بحث بين الأدباء. والظاهر أن المعنى في شعر الفزاري من قبيل المعنى في شعر النظامي:
يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتقين ولا مكنونه باد
فهن ينبذن من قول يصبن به ... موقع الماء من ذي الغلة الصادي
وهو الذي ذهب إليه أبو الطيب في قوله:
وإذا الفتى ألقى الكلام معرضاً ... في مجلس أخذ الكلام اللذعني
أما إرادة اللحن الحقيقي فبعيدة جداً لأن اللحن لا يستحسن من أحد كما قال الحجاج ولاسيما في صدر دولة بني أمية. ولئن استحسن من المرأة في بعض مناسبات فإن كلمة الشاعر عامة مطلقة. وخير الحديث ما كان لحناً.
فإن حمل ذلك على التخصيص في الحديث يجعله مصروفاً إلى حديث المرأة فأقرب به من التكلف من غير مبرر من ذوق سليم.
وبعد فلعلي لا أكون قد جاوزت قدري بمراجعتي علماً من أعلام الأدب، فإن الحق ينطق، والحق ضالة كل حكيم وعليم.
محمود النواوي مدرس البلاغة والأدب بمعهد القاهرة
النساء ملائكة:
إي والله، هكذا يدعي الأستاذ محمود يوسف الأمين بدار الكتب المصرية في كتاب له بهذا الاسم أصدره في هذا الشهر وحشده بصورة عارية آثمة، وهي طعنات في صميم الأخلاق والفضيلة. ولست أدري، والله، كيف يجرؤ رجل له خلق ودين على أن يحمل هذا الكتاب إلى بيته؛ فيراه أخ له أو ولد، فتثور في نفسه أحط الغرائز، وأخبث النزعات؛ أو تراه أخته، أو بنته، أو زوجته فتتعرض لامتحان لئيم وضيع لا نستطيع تحديد آثاره أو أخطاره.
الواقع أن كثيراً من كتابنا وأدبائنا قد جاروا المرأة المعاصرة في حريتها وانطلاقها فسوغوا لها الآثام، وشجعوها على الإجرام وزينوا لها ما أتت من مقابح ومآثم، على الشواطئ، وفي الملاهي والمراقص والمواخير والحفلات الماجنة الداعرة. بل حاول بعضهم في خبث وإجرام أن يلتمسوا لحرية المرأة وانطلاقها على وجهها شواهد من ماضي الإسلام؛ فحرفوا الكلم عن مواضعه، وأخطأوا في التأويل عن عمد أو عن غير عمد. وقد آن الأوان لكي يتنبه إلى تلك المشكلة أحرار الرجال وقادة الفكر والإصلاح الاجتماعي في الشرق الإسلامي؛ فإن حالة المرأة اليوم هي مشكلة المشكلات في عصرنا الحاضر؛ لأن المرأة قلب المجتمع، والقلب كما يقول محمد العظيم عليه الصلاة والتسليم: مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله!. . .
ولو أننا عرّفنا المرأة رسالتها في الوجود، وقصرناها عليها رغباً أو رهباً، ومنعناها من الميادين التي لا تصلح لها لسعدت النساء، وسعد الرجال، وصلح الحال!. . .
ولكن ماذا نفعل وقد قيض الله المرأة الشرقية المسكينة من قرناء السوء، وشياطين الإنس، وأبالسة البهتان، من يغرها ويخدعها ويكذب عليها ويتقرب إليها؛ لا ليسعدها، بل ليقضي على البقية الباقية من شرفها وعرضها.
حسبكم عبثاً أيها المؤلفون، وأنقذوا المرأة من هذا المنحدر، واذكروا أنكم رجال!. .
أحمد الشرباصي
المدرس بمعهد القاهرة الثانوي جاء في البريد الأدبي من العدد (763) تعليق على كلمة في مقالة (الفتنة الكبرى) يسأل السائل فيها عن صحة الكلام في قوله تعالى: (وهذه الخمسة أشياء) وصواب قراءة هذه الجملة: (وهذه الخمسة - أشياء) وقراءتها هكذا تعرب عن إعرابها.
محمود محمد شاكر