مجلة الرسالة/العدد 772/من العصور الوسطى

مجلة الرسالة/العدد 772/من العصور الوسطى

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 04 - 1948



إلى الأزمنة الحديثة

تأليف هانز كوهين

3 - المرأة الجديدة

خطت تركيا والشعوب الإسلامية في الاتحاد السوفيتي خطوة حاسمة في العصر الحديث نحو تحرير نسائهم، ومساواتهن بالرجال أمام القانون وفي الحياة العامة. ولكن لا تزال مصر والأقطار العربية في مفترق الطرق. وقد نشطت حركة تحرير المرأة في مصر والبلاد العربية في الجيل الماضي، وأحرزت نجاحاً في مسالة قانون الزواج. ولعبت المرأة دوراً إيجابياً في الجهود الوطنية من أجل الاستقلال منذ الحرب العظمى (الأولى).

وكانت صفية زغلول تقف دائماً إلى جانب سعد، ومثلته وهو في منفاه، واستحقت لقب الشرف: أم المصريين. إذ التفت حولها مجموعة من سيدات المجتمع، ونشطن في نصرة زغلول.

وقد قامت الحركة النسائية في مصر بدور معقول تحت رئاسة هدى هانم شعراوي أرملة شعراوي باشا الذي اصطحب سعداً في نوفمبر 1918 عندما ذهب إلى المندوب السامي البريطاني لعرض المطالب المصرية. وفي مارس 1923 أنشئ اتحاد نسائي مصري. فأرسل وفداً إلى الاتحاد النسائي الدولي بروما. وقد أشارت هدى هانم شعراوي في خطابها إلى التصورات الزائفة عن مركز المرأة في الإسلام التي تسود الغرب.

وأعلنت إن الذي تحتاجه المرأة هو التعليم وتعديل قانون الزواج، لضمان مركزها اللائق بها.

وكان من نتيجة الحركة الوطنية الكبرى في 1919 أن ظهرت المصريات بعد طول حجاب، في وقت كانت الأمة في حاجة إلى كل قواها لنيل الاستقلال. فاتحدت النساء مع الرجال، ولعبن دوراً عظيماً في الكفاح، كاتبات في الصحف ومؤسسات للجرائد. وأسسن من مواردهن الخاصة مدارس للصناعات اليدوية للفقراء، وفتحن العيادات للأطفال المشردين، ونظمن الجماعات الأدبية والثقافية.

وقد يعتبر المشروع الذي يناقش قانون الزواج الإسلامي - المقدم في عام 1929 - نجاحاً أحرزته الحركة النسائية المصرية، إذ يجعل الطلاق اكثر صعوبة، وللزوجة الحق في طلب الطلاق إذا أساء الزوج المعاملة لدرجة تجعل حياتهما غير محتملة.

ويمكنها طلب الطلاق إذا هجرها زوجها لأكثر من عام، وبدون سبب وجيه، أو إذا حكم عليه بالحبس ثلاثة أشهر على الأقل. وفي المشروع قواعد جديدة تتحكم في رفض الزوج إبقاء زوجته، وحالات النزاع حول الصداق. وترك الأبناء مع أمهم حتى سن التاسعة، والبنات حتى الحادية عشرة، وذلك في حالة الشقاق والانفصال.

ويبطل الطلاق إذا أعلنه الزوج مضطراً، أو في حالة سكر. وليس للقاضيأن يرفض طلاقاً، ولكن عليه مناقشة الأسباب ومحاولة النصح بالصلح. ومع أن هذه الشروط تمثل حدوداً واضحة في تفسير القانون السابق، ألا أن شرط العقوبة على الزوج الذي نطق بالطلاق بدون القاضي الشرعي - قد أحدث تغيراً عظيم الأهمية.

هذه الإصلاحات - إن لم تكن مست التقاليد - ترمي إلى اتخاذ مستويات قانونية ثابتةللأوضاع الاجتماعية. ولم يمانع المشروع في تعدد الزوجات، بل جعل الزواج الثاني أكثر صعوبة. وذلك بأن حتم على الزوج أن يبرهن أمام القاضي الشرعي أنه في مركز يمكنه - مالياً وأخلاقياً - بالقيام بحاجات زوجاته ومن يعولهم.

وفي مسألة تحرير المرأة نجد أن مصراً أكثر تقدماً من سوريا والعراق، وأن برنامج الحركة النسائية اجتماعي قبلكل شيء. فهو يقضي بإنشاء مدارس ومراكز تعليمية للنساء والفتيات المحتاجات، وتعليم بنات الطبقات الدنيا في مدارس لتدبير المنزل، وتدريب ممرضات لرعاية الأطفال والمرضى.

وليست هناك معارضة جدية للحجاب سواء في مصر أو سوريا. ولكن حادثاً وقع في بيروت في مايو 1928 يدل على التغير التدريجي في الآراء. فقد زاد عدد المسلمات اللائى ظهرن في المجتمع سافرات في هذا الثغر. وقامت حركة احتجاج، ووزعت المنشورات تدعو المسلمين لاتخاذ خطوات ضد السافرات. وفي الجمعة التالية تكلم الخطباء في المساجد ضد هذه المنشورات، وطالبوا باحترام الحرية الفردية. ثم نظمت الحركات النسائية في سوريا وفلسطين والعراق.

وفي إبريل 1928 انعقد أول اجتماع للنساء السوريات لمناقشة مسائل التعليم والتدريب المهني، وتعديل قانون الزواج. واقتراح الاتحاد عقد مؤتمرات سنوية لنساء العرب، تنعقد بالتتابع في مصر وسوريا وفلسطين والعراق. وكان غرض الحركة النسائية في فلسطين مناصرة الكفاح من أجل استقلال العرب. وفي مصر وسوريا توجد صحافة تدعو لمصالح المرأة، وكثيرا ما يحررها النساء

وفي يوليه 1930 أنعقد مؤتمر لنساء البلاد العربية، وكان يعتبر دليل للوحدة الشرقية. وجاءت الوفود وأرسلت التقارير منالحجاز والعراق وتركيا وإيران وأفغانستان والهند الإسلامية كما أرسل الاتحاد النسائي الدولي مندوبة وقد أكدت رئيسة المؤتمر نور حمادة ضرورة حصر الكفاح في رفع مستوى المرأة ثقافياً واجتماعياً، وليس في المطالبة بالحقوق السياسية. لقد كان حجاب المسلمة منافياً للطبيعة، وسوف يزول من نفسه بارتفاع مستوى التعليم. ناقش المؤتمر تعديلات قانون الزواج ومسألة الخدمة الاجتماعية، وطالب بإصلاح التقاليد الزوجية. فيجب على الرجل وزوجته أن يعرف كل منهما الآخر قبل الزواج، وينبغي تقليل أهمية بين المسلمين والصداق بين المسيحيين. وأعلن أن اتحاد المسلمات مع المسيحيات في مصر والأقطار العربية سيجعل من الحركة النسائية عاملاً هاماً في التقدم الثقافي والاجتماعي.

ويعلل دخول الفلسطينيات في هذا المحيط من الوجهة الجغرافية فقط؛ فالنساء في الدوائر الأرثوذكسية واليهودية متساويات مع النساء العرب في الثقافة والاجتماع. ثم إن اليهوديات اللائى هاجرن إلى فلسطين - من أوربا في الخمس سنوات السابقة - قد أتين بالأفكار التقدمية في النشاط الثقافي والاجتماعي والسياسي. فتذهب الفتيات كالفتيان إلى المدرسة، وتلعب الجمعيات النسائية دورها في الصحة والخدمة الاجتماعية. وبفضل جهود اليهوديات ضمن النساء المساواة التامة في فلسطين. ولكن اعتبارات قومية تحول دون وقوع احتكاك مباشر بين الحركات النسائية اليهودية والعربية في فلسطين.

وليس من شك في أن الجماهير قد تنبهت إلى اليقظة الوطنية والسياسية، وكفى بعواطفهم السياسية الملتهبة أمثلة واضحة. فشعروا بالمسئولية لمحو الأمية وإنشاء مكتبات شعبية، وتأسيس المدارس وإقامة حلقات ثقافية.

حقاً، إن الصحف السياسية تقرأ على نطاق واسع مدهش، حتى الذين لا يعرفون القراءة في القرى، يستمعون إلى محتوياتها بصوت عال. ولكن مدى قراءة الكتب الجيدة أقل اتساعاً، وغالباً ما تجهلها الطبقات، ثم إن معظم الصحف فقيرة في المادة الثقافية.

وعندما تتحقق الأغراض الوطنية والسياسية، فإن قوى الحركة يمكنها أن تتجه إلى الغايات الثقافية.

(يتبع)

ترجمة محمد محمد علي