مجلة الرسالة/العدد 806/الصهيونية هي الخطر الأول

مجلة الرسالة/العدد 806/الصهيونية هي الخطر الأول

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 12 - 1948



في حاضر الشرق العربي ومستقبله

للأستاذ عمر حليق

قد يكون الكاتب أو القارئ العربي أو كلاهما مصابا بمركب (اليهودية) إذا جاز لنا استعارة هذا التعبير من مصطلح علماء النفس، ولكن أي تعليل لا يعترف بأن المشكلة الصهيونية هي الخطر الأول في حاضر الشرق العربي ومستقبله لا ينصف الحقيقة ويساير منطق الحوادث والأشياء.

ولنترك الشرق العربي، ولنترك فلسطين لنتعرف على لون من ألوان الخطورة التي تحكيها اليهودية العالمية في أمريكا وهي البلاد التي بلغ اليهود فيها أوج النفوذ وما يتبعه من رخاء وقوة وجاه.

في هذه الحرب الباردة التي يشنها الروس والأنجلوسكسون في برلين وهيئة الأمم وأقصى القارة الأسيوية وفي كل ناحية من نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية تلعب دور اليهودية العالمية بالنار لعبة أكبر الظن أنها ستحرق نفسها مرة ثانية في أقل من عشرين سنة. أين تقف اليهودية العالمية - وهي عالمية منظمة كما تشهد بذلك فلسطين - أين تقف من هذا الصراع؟

إن النزاع بين الماركسية السوفيتية وبين الديمقراطية الأنجلوسكسونية حقيقة لا مفر لكلتيهما من التسليم بها.

فالماركسية السوفيتية وما علق بها من فلسفة لينين وستالين نعترف في تحليلاتها الاقتصادية والفلسفية والقانونية والسياسية بأن بقاء الشيوعية وحياتها ستظل معرضة للخطر، خطر الفشل ثم الانحلال والدمار، وما لم تحول العالم بأسره إلى الشيوعية عن طريق الثورة وما يسبقها من ممهدات. فهي بذلك حركة توسع من نوع مستحدث وخطير معاً. ولن تنفع في دفع هذه الحقيقة ملايين الخطب والتصريحات التي تصدر عن موسكو وعن فيشينسكي من منابر الأمم المتحدة. ذلك لأن هذا التوسع منصوص عليه في التعاليم الشيوعية وفي الدساتير الشيوعية وفي ثورات الشيوعية وكتبها المقدسة وفي ماركس وأنجلس ولينين وستالين.

والرأسمالية الغربية، وإن لم تكن دساتيرها وفلسفتها السياسية وأنظمتها الاقتصادية تتطلب مثل هذا التوسع السوفيتي - فالغرب توسع استعماري تقليدي من نوع مماثل في السوء - إلا أن هذا التحدي السوفيتي يضع الديمقراطية الغربية في نفس الوضع الهجومي الذي تقف فيه روسيا السوفيتية، ويجعل أمريكا وهي معقل هذه الديمقراطية في هذه الأهبة التي تستعد فيها المواجهة للتوسع السوفيتي ولسحقه وإبادة الماركسية التروروية من الوجود في المراحل النهائية إذا استطاعت ذلك.

أين يقف اليهود، وهم قومية لها في كل معسكر جالية ضخمة العدد، قوية النفوذ؟

في روسيا نفسها نجد العنصر اليهودي في الحزب الشيوعي وفي ألسنته الشعبية والفكرية بارزاً أشد البروز.

فرئيس تحرير برافدا، واسفستيا، وكبار المعلقين في راديو موسكو، وكبار كتاب المقالة السياسية (أمثال اهرتبرغ) يهود، ومراسلا تاس في أمريكا وفي هيئة الأمم يهوديان كذلك.

وفي بولندا يبرز العنصر اليهودي في النظام الشيوعي القائم هناك أشد البروز في وجه مجتمع كاثوليكي يمقت بحكم تعاليمه وتأصل التقوى فيه الشيوعية مقتاً - لعل الفاتيكان خير من عبر عنه في أكثر من مناسبة.

وعلى سبيل المثال فإن الوفد البولندي لهيئة الأمم مؤلف من خمسة أعضاء رئيسين كلهم يهود.

وفي رومانيا مدام بوكر وزيرة الخارجية (وهي ابنة حاخام) تحكم البلاد حكم السيد المطلق السلطة.

وكان اليهود في انقلاب تشيكوسلوفاكيا اليد الطولى، وفي هنغاريا وقسم الاحتلال في النمسا وألمانيا عددهم ونفوذهم في الحكم والتوجيه الفكري والسياسي ظاهر.

ترى ما مبلغ عداء العناصر القومية في تلك البلدان لهذه السيطرة اليهودية؟ لا يمكنك أن تجد الجواب في الصحف المحلية - فهذا غير معقول - ولا تجده كذلك في الصحف الأجنبية في الدول الديمقراطية، فكلمة (اللاسامية) أصبحت - بفضل الضغط والدعاية اليهودية المنظمة - وسيطرتهم على معارض الإعلان ودور النشر والإذاعة والسينما، وباء لا يلمسه المعلقون والكتاب في العالم الغربي إلا ويضعون مستقبلهم الأدبي والاقتصادي في يد (الجستابو) اليهودي الذي يطلق على نفسه في أمريكا (مجمع مقاومة التشهير) وميزانيته للسنة الحالية، 6 ملايين دولار!

ولكن الظاهرة الخطيرة أن هذا الضغط، هذا الجستابو اليهودي بشدته وجبروته أخذ يدفع العناصر الجريئة في أمريكا إلى أن تحاربه بنفس السلاح - بالتشهير على طريقة جوبلز. ففي النشرة الأخيرة التي أصدرها هذا المجمع اليهودي نفسه يعترف بأن موجة العداء ضد اليهود في أمريكا قد ارتفعت ارتفاعاً مخيفاً.

وهذه الظاهرة تدعو إلى التساؤل: ذنب من هذا؟ ذنب اليهود أم غير اليهود؟ الجواب أن الذنب على الغطرسة، وعلى روح التحدي والخداع والمواربة التي تتملك العقلية اليهودية في كل مكان وفي كل جيل فتجلب على اليهود وعلى المجتمع الذي يأويهم فوضى الشغب العنصري الذي بليت به ألمانيا في ظل النازية، وبليت به روسيا العنصرية، وأسبانيا الكاثوليكية من قبل، وتبلى به العراق مثلاً اليوم.

قلنا إن النزاع بين الشيوعية السوفيتية والرأسمالية الأمريكية حقيقة لا مفر من التسليم بها على شناعتها. واليهود في أمريكا يعلمون ذلك ويعلمونه أكثر من كل المواطنين، وذلك لأن وعيهم السياسي شديد فهو يتمشى مع عقليتهم ونشاطهم الاقتصادي. ولكن أين يقف اليهود؟

اليهود هم العنصر الرئيسي في الحزب الشيوعي الأمريكي، وذلك بشهادة هذه التحقيقات التي لا تزال اللجنة البرلمانية الأمريكية تلاحقها منذ أكثر من سنة. واليهود وراء حزب هنري والاص وهو حزب مهادنة الروس بأي ثمن.

ونسبة اليهود الذين يدرسون النظريات الماركسية والسوفيتية في الجامعات ومعاهد العلم الأمريكية عالية جداً، والكتاب الذين يعالجون مواضيع العلاقات السوفيتية والأمريكية بروح العطف تجد نسبة اليهود بينهم عالية جداً، ولذلك كان من الصعب، بل من المستحيل على الأصوات الأمريكية الخافتة التي تفهم قضية فلسطين وقضايا العالم العربي أن تقنع الرأي العام الأمريكي بخطورة محالفة موسكو والصهيونية في فلسطين، على المصالح الأمريكية.

ولذلك كان من الصعب جداً على خبراء السياسة الفكرية في أمريكا وبريطانيا أن ينجحوا في ضم إسبانيا إلى البرنامج العسكري لأوربا الغربية.

وحتى في مشكلة برلين، حيث التوتر على أشده يقف والترليمان وهو معقب سياسي يهودي خطير النفوذ يطلب أن تحل مشكلة برلين على حساب الشعب الألماني أن يبني خط الدفاع العسكري في فرنسا وراء مناجم الرور وفحمه! ويسوى خلاف أمريكا وروسيا، بأن ينسحب الطرفان ويترك الشعب الألماني لمقدراته، ببؤسه وحطامه ليبيد! ولزيادة التعريف بليمان هذا أقول إنه وضع مشروعاً لحل قضية فلسطين قبل أن يضع تقريره برنادوت بأربعة أشهر، ومشروع برنادوت صورة فوتوغرافية لمشروع ليمان!

ومن قبل والترليمان هذا شرع يهودي أمريكي آخر، هو هنري موجنتاو عندما كان وزيراً للمالية بواشنطون زمن الحرب وبعد انتهائها، يمحو مقومات الثقافة والاقتصاد والكيان الحيوي لألمانيا بواسطة مشروع جهنمي أكتشف الأمريكان خطورته قبل أن يتم تحقيقه فأقيل موجنتاو، وهو الآن يدير المجهود الحربي ليهود فلسطين في أمريكا.

ومن وجهة النظر الأمريكية البحتة فإن إحياء ألمانيا ضرورة لازمة.

ما الذي يفيده الشرق العربي من هذه الصورة اليهودية الخطيرة؟

الجواب يفيده في مراقبة تسرب النفوذ اليهودي في ألسنة الرأي العام والتوجيه الصحفي والثقافي في العالم العربي؛ فحركة (الكاتب المصري) يجب ألا تكرر، وديكتاتورية السينما والإعلانات اليهودية والأنباء الخارجية، وتمكن اليهود في النفوذ الاقتصادي العربي يجب أن يوقف بأي ثمن. إن هذا النفوذ هو الذي أعمى الأمريكان والروس معاً، ومعهم عشرات الدول الأوربية عن مأساة العرب في فلسطين، وعن مأساتهم في السودان ومراكش والجزائر وتونس. كتبت جريدة (الجويش كرونكيل) اليهودية في لندن تقول إن يهود شمالي أفريقيا يعتقدون بأن كيانهم مرتبط بالاتحاد الفرنسي، أمام بعبع الجامعة العربية!

وفي عالم مضطرب، وفي شرق يحاول بناء حضارة ومجد أصيل، يجب أن يعلم أن اليهودية العالمية تشكل أخطر ما يواجهه من شرور. إنه خطر تكرر في أجيال سابقة وثقافات سابقة وفي التاريخ لنا عبرة.

(نيويورك)

عمر حليق