مجلة الرسالة/العدد 942/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 942/البريد الأدبي
هل مات الأدب
كتب الأستاذ سيد قطب مقالا بمجلة الرسالة عنوانه (هل الأدب قد مات). وهذا التركيب ليس صحيحا، أو على الأقل ليس فصيحا، ذلك أن النحاة مجمعون على أن (هل) لها مزيد اختصاص بالفعل، وأنه إذا كان الفعل في جملتها اقترنت به، ولا تقترن بالاسم، فلا يقال عندهم في الكلام الفصيح هل الأدب قد مات، وإنما يقال هل مات الأدب
نعم تدخل (هل) على الجملة الاسمية الخالصة نحو قوله تعالى (فهل أنتم منتهون)؟ وقول الشاعر (هل الأعصر اللائي مضين رواجع)؟ والشواهد على ذلك كثيرة
ولسعد الدين التفتازاني عبارة مستملحة في التفرقة بين دخولها على الاسم إذا كان خبره اسما، وعدم دخولها عليه إذا كان خبره فعلا يقول: (قلت الفرق أنها - يريد هل - إذا رأت الفعل في حيزها تذكرت عهودا بالحمى، وحنت إلى الإلف المألوف وعانقته، ولم ترض بافتراق الاسم بينهما، بخلاف ما إذا لم تره في حيزها فإنها تسلت عنه ذاهلة)
ويقول في موضع آخر. . وما ذكره صاحب المفصل من أن نحو هل زيد خرج على تقدير الفعل فتصحيح للوجه القبيح البعيد، لا أنه شائع حسن
وحتى على ما يرى الزمخشري لا تستقيم عبارة الأستاذ قطب، فإن الكلام عليه يقدر هكذا، هل قد مات الأدب، لأن دخول (هل) على (قد) ليس بشيء
علي العماري
كلمة حق حول رسالة الأزهر:
لا جرم أن الذين يكتبون عن الأزهر في هذه الأيام منصفون مخلصون، يدفعهم إيمانهم بمكانته، وفهمهم لحقيقة رسالته، ومعرفتهم بكنه منزلته، وما يجب أن يكون عليه أهمه - يدفعهم ذلك إلى الصراحة في القول، والجرأة في تصوير الداء، وتشخيص العلة، وتجسيم المرض، ثم إلى وصف الدواء أخيرا. . . والصراحة لا تتقبلها النفوس بارتياح في هذه الأيام، ولا ترى فيها محض النصح، ولا خالص الإرشاد، بل على العكس من ذلك، وقد ترى فيها سوء النية، وفساد الطوية، والرمي إلى التجريح، والسعي إلى التشهير والتقبيح، سواء بالإفصاح أو التلميح!
ولذا، فإن هذه الصراحة تؤذي بعض رجال الأزهر، ممن يعتزون بأزهريتهم، ويحرصون على كرامتهم، ويرون ففي تجسيم الداء، وتكبير العلة، وتضخيم المرض، تجنيا على الأزهر والأزهريين، ويذهبون إلى أبعد من ذلك، فيعتقدون أن هناك نية مبيتة، تهدف إلى النيل منهم، والطعن فيهم، وتهوين عملهم، وبخاصة في هذه الأيام بالذات، حيث يرون عملهم عظيما، وجهدهم كريما، ولهذا يعملون جاهدين لإنصافهم، ويسعون جادين لنيل حقهم المهتضم، والذود عن حوضهم المهتدم، والدفاع عن حماهم المستباح. . .
ومما لا شك فيه أن المنصف يرى فيما نشر عن رسالة الأزهر، تجنيا إلى حد ما، ففيه تغافل عن جهود الأزهر في مختلف نواحي الحياة، حتى جهوده التي تعتبر عماد حياته، وجماع كيانه، وأساس وجوده. .
فالثقافة الإسلامية الحية المطبقة على واقع الحياة والتي يريدها الكاتب، تدرس في كليات الأزهر الثلاث كلية اللغة العربية، وكلية أصول الدين، وكلية الشريعة، دراسة مستفيضة، لا توجد في أي معهد يماثلها، في مصر كلها، بل في الشرق العربي، أو الإسلامي. . تتناولها كل كلية من زاوية خاصة، وتلونها بلونها، وتطبعها بطابعها. . دراسة عامة شاملة بادئ ذي بدء، ثم تعطى اهتماما خاصا بما يتصل بها، بالقدر الذي تسمح به مناهجها، ويعطيك في الوقت نفسه فكرة إسلامية ناضجة في هذه النواحي الثلاث، من حيث اللغة والأدب، والعقيدة الخالصة، والفلسفة الفاحصة، والشريعة ومسائلها، وفروعها وأحكامها. .
هذا ما يجدر بالمصنف أن ينكره، أو يسقطه من حسابه عند الحديث عن الأزهر ورسالته، أو يتغافل عنه ويتناساه، كما لا يجوز له أن ينكر ما يقوم به بعض أساتذة الكليات الأزهرية، وكبار العلماء، والمتخرجين في الأزهر وكلياته، بل وبعض الطلاب فيه. . لا يجوز أن ينكر ما يقومون به من جهد واضح، وسعي دائب، في توضيح المذاهب الإسلامية المختلفة، والآراء الفقهية المتباينة، وإلقاء الأضواء على جوانب الحياة الإنسانية، كما يراها الإنسان، في المناسبات المختلفة، سواء بالخطب والمحاضرات، في الأندية والمجتمعات، أو بالأحاديث الدينية والاجتماعية والأدبية في المذياع، في الصباح والمساء، أو بالمقالات والرسائل في الصحف والمجلات، إلى غير ذلك مما يؤمن الآن ويلمسه كل إنسان. .
ولست أدعى أن هذا كل رسالة الأزهر ولا شيء غير ذلك، وإنما هو بلا شك من رسالته. وإننا لنتطلب من رجاله دائما المزيد من هذا الجهد المشكور، حتى يصل صوتهم إلى كل فج من فجاج الدنيا، وكل رجا من أرجاء الوجود، وحينئذ نقول بحق إن الأزهر قد أدى رسالته. .
وإذا كنا نغتفر للعامة والسوقة من الناس بعض التطاول على تراثنا الجليل، ومخلدات مصر الإسلامية، التي ينظر إليها العالم الآن نظره إلى شيء مقدس، له احترامه ومكانته، ومنزلته في النفوس، فإننا لا نغتفر ذلك للمثقفين المتعلمين، الذين نعتبرهم خاصة هذه الآمة الكريمة، وقلبها النابض، وفؤادها الخافق، وعقلها المفكر، ولسانها الناطق باسمها في مل مكان. .!!
إنني لأعجب بالغ العجب لعقلية حديثة تنظر إلى الأزهر الآن نظرة عامية عتيقة. وكأنها لا تسمع له صوتا، ولا ترى له جهدا، ولا تعترف بما فيه من مواد مختلفة، ونظم قد تكون حقيقة في حاجة إلى التعديل والتهذيب والتنسيق، ولكنها ليست في حاجة إلى الهدم المطلق، والنقد بلا معيار أو حدود. . وإذا نوقشت فيما تقول، وروجعت فيما تدعي، يظهر لك بجلاء جهلها المطلق بنظم الأزهر، ومواده المختلفة، وطرق الدراسة فيه. .
إن الأزهر الآن يقوم بالتدريس فيه أساتذة مشهور شأنهم معروف أمرهم، من ذوي الكفايات الممتازة، والدارية الواسعة، قد تخصص كل منهم في المادة التي يدرسها، متفرغ تفرغا تاما لخدمة هذه المادة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وتدريسها على خير ما يرجو المخلصون والمصلحون. . .
ولا ننكر أن هناك بعض العوامل والموانع التي تعوق هؤلاء الأساتذة عن تنفيذ كل ما يرجون من إصلاح، ويرون من حذف أو إضافة في بعض المواد، أو تغيير في طرق التدريس، أو الكتب المقررة، إلى غير ذلك مما يدعو إليه التطور العلمي، ولكن هذا لا يمنع من أهمية ما يدرس الآن، وأن ننظر إلى الأزهر دائما نظرتنا إلى حصن العروبة الحصين، ومعقل الإسلام المنيع، وأن نتناوله بالإصلاح الشامل في رفق وتؤدة وهوادة، ولا نهاجمه في عنف وشدة، لنجعل ذلك طريقا إلى الشهرة، وسبيلا إلى ذيوع الصيت، وطيران الذكر، موحين إلى الناس إيحاء سيئا أن الأزهر ورجاله رمز الرجعية وعنوان الجمود. .
إني أربأ بكاتب مصري أن يفعل ذلك. أو يحاوله، لئلا يوجد الفرصة لأعداء الأزهر، وأعداء الدين على السواء، من للتجني عليه، والنيل منه بغير حق، لأن الأزهر مهما حاول المحاولون؛ هو عنوان الدراسات العربية، والبحوث العقلية والشرعية في مصر والعالم العربي والإسلامي فيما مضى، وفي هذا الزمان
عبد الحفيظ أبو السعود