مجلة الرسالة/العدد 946/ألمانيا

مجلة الرسالة/العدد 946/ألمانيا

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 08 - 1951


3 - ألمانيا

للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

0يأيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب

أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله في

بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون) صدق الله

العظيم

مطالب:

لمصر في عصرنا الحاضر قضيتان أو إن شئت قضية واحدة ذات شقين: الجلاء والوحدة، فمصر لم تعد تحمل استمرار احتلال إنجلترا لأراضيها منها. ومهما تقدم بريطانيا من حجج فلن يستطيع المصريون أن يؤمنوا بغير الجلاء حلا. وهم على حق، فان احتلال دولة - مهما كانت صديقة - لأراضي دولة أخرى أو جزء منها يعتبر عدوانا عليها واعتداء على استقلالها وأمر لا يقبله عقل سليم أو يرضاه وطني مخلص

وكذلك لا تستطيع مصر أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى وحدة الوادي تتحطم أمام عينها، وهي وحدة أقامتها العوامل الجغرافية والتاريخية واللغوية والدينية. إن مصر لا تطلب سيادة على السودان وإنما تريد أن تعيد وحدة وادي النيل التي أقامها محمد علي الكبير منذ سنة 1820 وإنشاء دولة قوية موحدة من مصر والسودان، للسودان فيها ما للمصري من حقوق وعليه من واجبات

وبريطانيا ما تزال حجر عثرة في سبيل تحقيق الأمنيتين، بل

إن وزيرها موريسون يعلن في خطابه بتاريخ 307 1951أن

على شعوب الشرق الوسط أن تخفف من غلوائها الوطنية وان

تقبل الأمر الواقع. ويزيد أن إسرائيل أقيمت لكي تبقي و يمكن إلقاؤها وإلقاء أهلها في البحر، وأن بريطانيا حريصة

على بقائها. ونحن نسائل الوزير البريطاني: كيف جاز أن

تلقوا بالعرب الآمنين من أهالي فلسطين خارج بلادهم

وأوطانهم في بداية جدباء، وارض قفر لا زرع فيها ولا ماء؟

أيها الوزير: أنت لا ترضى أن تلقي بإسرائيل وأهلها في البحر، فأمامك العرب العزل المشردون فألق بهم في البحر إن لم يعجبك إلقاؤهم في البادية

أيها الوزير: لقد أثمتم في حق بريطانيا وفي حق التاريخ، فجرائمكم في الشرق الأوسط ستظل وصمة عار في جبينكم، وعليكم إن أردتم أن تكفروا عن ذنوبكم أن تردوا الحقوق إلى أهلها. فليرجع عرب فلسطين إلى أوطانهم، ولتعط مصر حقوقها كاملة غير منقوصة فإن ذلك هو الطريق إلى الاستقرار في الشرق الأوسط. لقد صبرنا على عدوانكم سنين طوالا ولم يبق في قوس الصبر منزع. إن كل مصري يهتف من أعماق قله في وجوهكم أن (اخرجوا من بلادنا)

وإني في هذا الحديث أقدم لمواطني قصة قيام ألمانيا الحديثة عسى أن تتخذ منها مثلا والله ولي التوفيق

اصطلاح جغرافي:

كانت ألمانيا مقسمة إلى عدة ولايات ودول وكانت مملكة بروسيا أعلاها شأنا، وكانت السيادة على العالم الألماني للنمسا فلم تكن هناك دولة إذن تجمع شتات الألمان عنهم العدوان، وقد ذاق الألمان على يد نابليون الكثير من صنوف العذاب وألوان الهوان. ومع هذا فإن مؤتمر فينا 1815 أهمل مطالب الألمان القومية وبقيت ألمانيا مقسمة وتسودها النمسا حتى 1863 وتمت وحدتها على يد داهيتها بسمارك

بسمارك:

يقول أحد المؤرخين (إن القرن التاسع عشر يقتسمه رجلان: نابليون في النصف الأول وبسمارك في النصف الثاني: ويطلق المؤرخون على الفترة من 1870 - 1890 اسم (عصر بسمارك) لأن بسمارك كان قطب السياسية الدولية لدفتها في تلك الفترة

ولد بسمارك سنة 1815وتعلم في جامعتي جوتنجن وبرلين، ثم التحق بخدمة الحكومة ولكنه استقال، وظل كذلك حتى انتخب عضوا في برلمان برلين سنة 1848 ثم عين مندوبا بروسيا في الديت الألماني. وبعد تعين سفيرا لبروسيا في بطر سبرج ثم في باريس. وهناك اتصل بساسة الدولتين وعرفهم عن قرب عاد بسمارك إلى برلين وتولى الوزارة. كان أسمى أمانيه إنشاء اتحاد يشمل جميع الولايات الألمانية تحت رياسة بروسيا، ولهذا عمد إلى تقوية الجيش، لكن البرلمان عارض فقال بسمارك عبارته المشهورة (إن المسألة الألمانية لا تحل بمناقشات برلمانية ولكن تحل بالدم والحديد) ولم يعبأ بمعارضة البرلمان وكون لبروسيا جيشا قويا كان عدتها في تكوين وحدتها

كان بسمارك يعلم أن وحدة ألمانيا لن تتم إلا بقيام حربين: حرب مع النمسا، وأخرى مع فرنسا. وهنا تتجلى عبقرية بسمارك الدبلوماسية، فقد قرر أنه في حالة قيام الحرب يجب عليه أن يحارب دولة واحدة فقط، ولذلك كان يعمد إلى عزل هذه الدولة حتى لا تجد لنفسها نصيرا أو حليفا، وبذلك سرعان ما تنهزم أمام قواته المدربة

الحرب مع النمسا:

كان ملك الدانمارك يحكم ولايتين ألمانيتين: شلزديج وهولشتين. وفي عام 1864 اتفق بسمارك مع النمسا على انتزاع الولايتين من يد الدانمارك، وسارت جيوشها فأخذت بروسيا شلزويج وأخذت النمسا هولشتين

بعد هذا عمد إلى عزل النمسا دوليا. . جامل الروسيا أثناء إقامته فيها وأثناء الثورة البولندية إذ وقف في وجه الثوار يمنع عنهم العتاد والأسلحة ويمنعهم من الفرار من بولندا فحفظت روسيا هذا الجميل

وأما فرنسا فقد قابل إمبراطورها نابليون الثالث في بيارتز وهناك اتفق معه على أن يقف على الحياد وفي مقابل ذلك يأخذ بلجيكا أو بعض ولايات الرين الألمانية

وأما إيطاليا فقد انضمت إلى صفة لأن النمسا كانت تحتل البندقية فتعهدت بالدخول في الحرب مع بروسيا لتأخذ البندقية أعد بسمارك قواته، وعزل النمسا دوليا واصبح الطريق إلى الوحدة أمامه معبدا، فاتهم النمسا بأنها تسيء الحكم في ولاية هولشتين وسير فاحتلها. أعلنت النمسا الحرب وسرعان ما سحقت قوات بروسيا قواتها في معركة سادرا 2 يولية سنة 1866 وهنا نرى لونا آخر من عبقرية بسمارك: لقد أصبح الطريق إلى فينا مفتوحا أمام القوات البروسية، ولكن بسمارك أمرها بالوقوف وبدأ مفاوضات الصلح معها فعقدت معاهدة براغ 1866وبها اعترفت النمسا بتكوين اتحاد بزعامة بروسيا من الولايات الألمانية الشمالية

لماذا لم يتقدم بسمارك ويحتل فينا؟ إنه كان يطمع في صداقة النمسا وكان يؤمن بأن الحرب مع فرنسا آتية لا ريب فيها، ولذلك رأى عدم إذلال النمسا حتى لا تنضم في النزاع المقبل إلى فرنسا

الحرب مع فرنسا:

كانت سياسية فرنسا تقوم على أساس منع قيام دولة ألمانية موحدة، ولك ثار الشعب الفرنسي على إمبراطورة عقب سادرا واعتبر الكتاب الفرنسيون أن فرنسا هي التي هزمت في سادرا لا النمسا واتهم الإمبراطور بالتقصير

كان بسمارك يستعد للمعركة، فأعد الجيش، ومد الطرق الحديدية إلى الحدود الفرنسية، وعمد إلى عزل فرنسا دوليا: فروسيا صديقته وإيطاليا كذلك إذا بر بوعده لها وأعطاها البندقية. وأما النمسا فكانت لا ترى نفسها في حالة تدفعها إلى الدخول في حرب جديدة

بقيت إنجلترا وهذه لا تهتم إلا بالبلجيك، وسياستها تعمل داما على منع وقوع بلجيكا في يد دولة معادية سواء كانت فرنسا أو ألمانيا. طالب نابليون الثالث بمكافأته حتى يغطي مركزه في فرنسا، ولكن بسمارك رفض إعطاءه أراضي ألمانية أو بلجيكية، ونشر مكتبات نابليون فأثار الشعور الأماني ضده وأثار الإنجليز وهكذا بقيت فرنسا وحيدة بعد هذا عمد بسمارك إلى إثارتها واتخذ من مسألة النزاع حول العرش الإسباني في إشعال الحرب. واندفعت فرنسا فسقطت في الهوة التي حفرها بسمارك. وقامت الحرب وسرعان ما هزمت الجيوش الفرنسية في كل مكان وسقطت إمبراطورية نابليون الثالث غير مأسوف عليها. وتقدم الألمان واحتلوا باريس وتوج الملك ولهلم إمبراطوراً لألمانيا في قصر فرساي في 18 يناير سنة 1871وهكذا تم الاتحاد الألماني بقوة الدم والحديد ومنذ قيام ألمانيا الحديثة أصبحت إحدى الدول الكبرى التي تتحكم في مصير العالم، وقد ظل وزيرها بسمارك يسيطر على السياسية الدولية ويدير دفتها حتى عزله الإمبراطور ولهلم الثاني، ومما لا شك فيه أن بسمارك يعتبر أستاذ الساسة الألمان وأبرعهم، فقد كان يرسم خطة المعركة قبل خوضها ويحيطها بالعوامل التي تكفل له النصر. وعلى نهجه حاول هتلر أن يسير، ولكن التوفيق جانبه في النهاية، بينما لازم التوفيق بسمارك طوال حياته

للكلام بقية

أبو الفتوح عطيفة

المدرس الأول للعلوم الاجتماعية بسمنود الثانوية