مجلة الرسالة/العدد 951/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 951/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 09 - 1951



معركة الإسلام والرأسمالية

تأليف الأبيات سيد قطب

بأمير صادق رستم

(هذا الوضع الاجتماعي السيئ الذي تعاني منه الجماهير في

مصر غير قابل للبقاء والاستمرار)

بهذه الجملة أفتتح المؤلف كتابه القيم ثم استمر يقول إن هذا الوضع (مخالف لطبيعة الأشياء ولا يحمل عنصرا واحدا من عناصر البقاء. . . إنه مخلف لروح الحضارة الإنسانية، مخالف لروح الدين، مخالف لروح العصر. ذلك فوق مخالفته لأبسط المبادئ الاقتصادية السليمة؛ ومن ثم فهو معطل للنمو الاقتصادي ذاته بل النمو الاجتماعي والإنساني) ثم استطر يقول (إنه وضع شاذ، يهدر الكرامة الإنسانية ويفسد الخلق والضمير ويقضي على كل معاني العدالة، ويقتل الثقة الضرورية في المجتمع والدولة وينشر القلق ويذهب بالاطمئنان).

وانبرى المؤلف الفاضل يبسط كل هذا ويتوج أدلته بالآية الكريمة (وإذا أردنا إليه نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).

وقد جعل من هذا كله (صيحة نذير) أنذر بها الذين يتشبثون بهذا الوضع الشاذ ويقيمون له الإسناد وهم ما بين مستغل يعز عليه إليه يساهم في التكاليف لإقامة المجتمع الصالح، وطاغ لا يرى ألا إليه يقوم المجتمع على السلطان الزائف، ومستمتع مرن على الاستمتاع الفاجر، ورجل دين محترف باع نفسه للشيطان بدراهم معدودة، وهو جميعا يلقون بأيديهم إلى التهلكة ومعهم أوطانهم المنكوبة ما لم تأخذ هذه الأوطان على أيديهم وفي الوقت متسع ولا غرابة، فالحقائق لا تعالج كما نعالجها نحن اليوم بالخطب والمواعظ والفتاوى المحتالة، ولا بكم الأفواه وحطم الأفلام. والمعدات الجائعة لا تفهم المنطق ولو كان صحيحا (وعلينا إليه ندرك هذا قبل فوات الأوان. ولقد أوشك والله إليه يفوت الأوان).

فإذا سكتت الأصوات كلها فهناك صوت لا يمكن إسكاته وهو صوت المعدات الخاوية للملايين التي تملأ جنبات هذا الوادي فهنا ملايين تبذل العرق والدم ولا تنال مقابلها لقمة الخبز جافة ولا خرقة الكساء متواضعة (وهذا صوت جموع من الأحياء ما عرفت الشيوعية ولا غيرها ولكنها جائعة عارية مسختها تلك الأوضاع الاجتماعية الظالمة فحرمت حتى حاسة الإحساس بالظلم، وحتى شعور الإنسان بالحرمان بينما الشرف الفاجر الداعر يعربد في المواخير والقصور والذهب المتجمد من دماء الملايين يبعثر على الموائد الخضراء وفي حجور الغواني).

ثم شرع المؤلف يتهم هذه الأوضاع الاجتماعية فقال: تنفذ، ولكن التنفيذ يحتاج إلى المال والمال في أيدي الرأسماليين والدولة تشفق إليه تحمل رؤوس الأموال نصيبها الواجب من الأعباء لأنها لا تمثل الجماهير المحتاجة، بل رؤوس الأموال ويضاف إلى ذلك إليه الدولة فقيرة وغير جادة، وأداتها الإدارية فاسدة أفسدتها الاستثناءات والمحسوبيات وسوء النظام وبلادة الروتين والرشوة وخراب الذمة. والأثرياء الذين نمثلهم قد بشموا ثراء وعجزوا عن تصريف نما في أيديهم من ثروات، وبعد كل هذا

أولا - بأنها تشل قوى الآمة على العمل والإنتاج، وتشيع فيها التعطل فتضعف عن مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية وهي تتزايد على مر الأيام. وعلة العلل في كل هذا هي سوء توزيع الأرض، فلا تزال موزعة كما كانت في اظلم عهود الإقطاع، ومحتكرة في أيدي قليلة لا تستغلها استغلالا كاملا ولا تدعها في أيدي القادرين على الاستغلال، وهم لا يملكون شيئا مع هذا، فالأرض الصالحة للزراعة يمكن إليه تتضاعف لو إن مشروعات الري والصرف فالدولة مشغولة بالصراع الحزبي في حلبة الأقزام التي أقامها الاستعمار منذ ربع قرن باسم الدستور ووقف يتفرج ويتسلى وهي فوق هذا مشغولة بحماية تلك الأوضاع الشاذة. .

وعدا هذا يقال (الآمة مصدر السلطات) ويتكلمون عن حق الانتخاب وحرية الاختيار، وهي خرافة لا تستحق المناقشة فهذه الآمة (مصدر السلطات) هي تلك الملايين الجائعة الجاهلة المستغفلة يشير لها السادة فتنتخب، ويشيرون لها فتمتنع لأنهم خزنة أملاكها وملاك الإقطاع الذي يؤوي الجياع. . فالحديث عن الدساتير والبرلمانات تصلح مادة فكاهة يتسلى بها الفارغون.

ثانيا - بان الأوضاع المذكورة تفسد الخلق وتشيع الفساد في المجتمع والدولة وهذا طريق الانحلال الفردي والقومي ومضى المؤلف يدلل على هذا بالفتيان المرد والشيوخ المترهلين الذين تجبى إليهم ثمرات الكد والعرق والدماء من جهود الألوف الجياع الحفاة العراة فتنقسم الآمة إلى قسمين قسم يغري بماله في جانب، وقسم يتطلع بعوزة في جانب، وما شئت بعد ذلك من استهانة بالأخلاق والعادات استهانة فصلها المؤلف تفصيلا مؤلما، وبين ما يبني عليه من اختلال موازين العدالة الاجتماعية وقال (إنما هي الحمأة الآسنة يصب فيها الوحل والقذى ثم تتسع وتتسع حتى تحيل المجتمع كله إلى بركة من الوحل النتن تغوص فيها الضمائر والأخلاق وتغرق القوميات والأوطان).

ثالثا - بان الأوضاع الاجتماعية الحاضرة تقضي على تكافؤ الفرص وتقدم العدالة بين الجهد والجزاء وبذلك تشيع الحنق والاضطراب في نفوس الأفراد والجماعات، وتجعل المساواة أمام القانون خرافة - ومضى يدلل على هذا ويقول: إن الذين يعملون في هذا البلد هم الذين يجوعون. وإنما عني المؤلف بالأعمال الشريفة منها التي لا تدخل في قائمة السرقة والغش والاختلاس والتدليس والارتشاء واستغلال النفوذ وتجارة الرقيق الأبيض والخيانة الوطنية. . ومضى يقول: إليه النفوس متى فقدت الثقة في الخير والواجب والأمانة والضمير فقد فسد كل شيء وعم الإهمال والاستهتار وقد انتهينا إلى هذا والى ما هو أدهى منه. انتهينا إلى الشك المطلق في صلاحية الإدارة المصرية والى الترحم على أيام الاختلال وهذه كارثة الكوارث لان فيها كفر المواطن بوطنه وبشعبه وبنفسه. وتلك جريمة الاستثناآت والمحسوبيات.

رابعا - اتهام المؤلف للأوضاع الاجتماعية القائمة بأنها تدفع الناس دفعا إلى الشيوعية وخصوصا ذلك الجيل الناشئ من الشبان الأبرياء، فالشيوعية أن هي ضمنت كفاية الملايين الكادحين من الخبز والكساء فإنها تسلبهم الحريات جميعا، ولكن هذه الحريات مسلوبة الآن بطبيعة ما نحن فيه فلا ضير على أولئك الملايين ولا يحسون انهم فقدوا شيئا كانوا يملكونه.

خامسا - يتهم المؤلف الأوضاع الاجتماعية القائمة بأنها في جملها وتفصيلها مناقضة لروح الدين كله منذ إليه عرفت البشرية الأديان السماوية جميعا.

ثم قال:

(وهي اكثر مناقضة للإسلام الذي يصرخ في وجه الظلم الاجتماعي والاسترقاق الإقطاعي وسوء الجزاء. . ولا علاج لما نحن فيه لا بالشيوعية ولا بالاشتراكية ولا بالفاشية وغيرها. . فالدواء الناجح الدائم هو في الإسلام، فهو يقر مبدأ الملكية الفردية ولكن يعد العمل هو السبب الوحيد للملكية والكسب، ويعني العمل كل أنواعه، ويحرم الربا لأنه ينتج عن راس المال كما يحرم الغش والاحتكار والربح الفاحش والمستقطع من أجور العمال وهي تبلغ نصف الربح كما رواه بعض فقهاء الإسلام، ويحرم أيضا السرقة والنهب والسلب والإكراه ولا يعد كل ذلك وسائل للتملك أو وسائل لتنمية المال، وهذا من طبعه يمنع التضخم في الثروات منذ البداية فيقي المجتمع الأذى ويمنع فوارق الطبقات. ويضاف إلى هذا ضربة الزكاة الدائمة وهي تعادل 2ر5 % من اصل الثروة كل عام وتجبيها الدولة وتتولى أنفاقها بنظام، يعني قابل للتطور حسب حاجات المجتمع وأوضاعه، كما تجبي سائر الضرائب. فهي ليست إحسانا يخرج من يد إلى يد، وما يفعله المسلمون اليوم ليس هو النظام الذي فرضه الإسلام.

وللدولة حتى تتغير الأحوال وتبرز الحاجات حق مطلق في المال لا يقف في وجهه حق الملكية الفردية. فللدولة أن تفرض ضرائب خاصة غير الضرائب العامة تخصصها لكل وجه طارئ من اوجه الأنفاق لم يحسب حسابه في المصروفات العامة أو تعجز الميزانية العادية على الأنفاق عليه. فللدولة مثلا أن تنزع من الملكيات وتأخذ من الثروات بنسب معينة كل ما تجده ضروريا لحماية المجتمع من مختلف الآفات التي تتعرض لها المجتمعات. بل للدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعا وتعيد توزيعها على أساس جديد ولو كان الملك شرعيا لأن دفع الضرر عن المجتمع كله أولى بالرعاية من حقوق الأفراد وذلك هو التكافل الاجتماعي فختم على الدولة أملاكها تتلافى الضرر الذي يصيب المجتمع لأنه يقع على كل أفراده، وحتم عليها أملاكها تقي هؤلاء الأفراد من أنفسهم عند الاقتضاء!.

وللدولة أن تبقي على الملاك أراضيهم ثم تعطيهم قدرا يزرعونه في حدود طاقاتهم وتمنح حق الارتفاق على سائرها من تشاء من المحتاجين القادرين يشغلونها لحسابهم بلا اجر ولا إكراه

وللدولة أن تحدد إيجارات الأرض أو نسبة من المحصول لا جور فيها على المستأجر ويقترب بما يحقق العدالة ويحث على بذل أقصى الجهد في الإنتاج وهذا أعدل وأمهر وأشمل من النظام الشيوعي.

هذا فيما يخص بالنظام الزراعي.

أما فيما يختص بنظام العمل والأجر فالإسلام يقدس العمل والمبدأ العام، عدا حصول العامل على نصف الربح، أن يستجد الحاكم من الأحكام بقدر ما يجد في ألا قضية. فمبدأ (مصالح المجتمع التي لم يرد فيها نفي) ومبدأ (توقي الأخطار المحتملة) يمنحان الدولة كل الحرية في التشريع في حدود العدل وكفاية العامل ورضاه على ضوء المصلحة الاجتماعية العامة وضوء المبادئ الإسلامية ومقتضيات الأحوال. فلم يحدد الإسلام قواعد ثابتة وترك المجال حرا لقبول تجارب البشرية في كل زمان وبقي حارسا للاتجاه العام.

والإسلام لا يقر نظام الاحتكار ولا حقوق الامتياز في الوارد والخدمات العامة، وهو أي الإسلام يبيح ويقر ما يسمى (تأميم المرافق العامة) لان ذلك من مبادئه الرئيسية، وما ينتج عن التأميم يعود لخزانة الشعب لا لخزائن الأفراد.

ويحل الإسلام مشكلات أخرى فانه يمنح أهله الذاتية الشخصية التي تبرز في المجتمعات الدولية، ثم أنه عقيدة استعلاء واعتداد وهو يأبى علينا أن نسلم زمامنا ونكون ذيلا لكتلة شرقية أو غربية، ونحن نتجاوز مائتي مليون يكون غدا ونتحكم بمراكزنا الاستراتيجية ومواردنا الطبيعية في كتلتي الشرق والغرب لو كان لنا علم واحد نؤوب إليه ونتكتل في ظله.

فروح الإسلام من القوة بحيث لا تخضع للتلاشي، وإذا ما تجمعنا تحت العلم الإسلامي فقد تمسك بميزان التوازن وتكون واسطة عقد السلام فينتهي الجنون الذي تزاوله الكتلتان بأثرة حرب ثالثة، وهما إنما تتصارعان علينا نحن الممتلكات والمستعمرات والأشياء!. . وغير خاف أن الكتلة الشرقية شيوعية والكتلة الغربية رأسمالية وكفى! وفي الإسلام جميع محاسن الشيوعية والاشتراكية من دون مساوئهما وتزيد على هذه أفاق أعلى وأسمى وأشمل، وتعاونا إنسانيا كاملا وتكافلا اجتماعيا صحيحا. ولا بدع فالإسلام يرفع قيمة الحياة إلى المستوى اللايق مما لم يصدر عن الله.

من بعد ذلك خلص المؤلف إلى النتيجة المترتبة على ما تقدم وهي (لا بد للإسلام أن يحكم إذا أريد له أن يعمل، فما جاء هذا الدين لينزوي في الصوامع والمعابد ويستكن في القلوب والضمائر. . إنما جاء ليحكم الحياة ويصرف أو يصوغ المجتمع وفق فكرته الكاملة عن الحياة وذلك بالتشريع والتنظيم) و (مما سبق عرضه من مشكلات اجتماعية وقومية وطريقة علاج الإسلام لها يبين بما ليس فيه ضرورة الحكم للإسلام).

وفسر هذه الضرورة بان قال أن الدين المسيحي هو مجرد دعوة للتطهير الروحي ولم يتضمن تشريعا للحياة الواقعة، (وعلى توالي الأزمان أصبحت المسيحية محصورة داخل الكنيسة والحياة من حولها ابعد ما تكون عن روحها السمحة المتطهرة).

ثم نعي على المسلمين انهم حاولوا مثل هذا الأمر بالإسلام لا لأنه لم يتضمن التشريعات التي تحكم الحياة وتصريفها، بل لأننا أردنا أن نقلد في غير فطنة. . أوربا فنحكم بالقوانين المدنية، وإنما اضطرت أوربا إلى ذلك لأنها لم تجد في المسيحية تشريعا للحياة. بل هي مجرد عقيدة روحية وصلاة.

ثم مضى المؤلف يقول: إن دستور الدولة الحاضر ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ومعنى هذا أن تستمد القوانين الشرعية كلها من الإسلامية القادرة على تلبية الحياة العصرية ونموها وتجددها مع الانتفاع بتجاربنا وتجارب الإنسانية كلها فيما يتفق مع فكرة الإسلام الكلية ومبادئه العليا عن الحياة.

وإذا ما حكم الإسلام قدم للإنسانية مجتمعا من طراز آخر قد تجد فيه الإنسانية حلمها الذي تحاوله الشيوعية ولكنها تطمسه بوقوفها عند حدود الطعام والشراب، وتحاوله الاشتراكية ولكن طبيعتها المادية تجعله خلوا من الروح والطلاقة، والذي حاولته المسيحية ولكنها لم تنظم له الشرائع ولم تضع له القوانين.

ثم أخذ المؤلف في نفي الشبه عن حكومة الإسلام فقال: أنه ليس حكم المشايخ والدراويش! ويخلط الناس بل أكثرهم بين الشرعية الإسلامية في ذاتها وبين النشأة التاريخية لهذه الشرعية التي أستجابت لمطالب حياة البادية، ثم الدولة الناشئة في عهد محمد المتوسعة في عهد عمر، ثم ظلت تستجيب لحياة الحضارة فيما بعد بقيت في الأمة الإسلامية حياة، فإذا كان قد توقف نموها فلأن حيوية الأمة الإسلامية ذاتها توقفت، فإن دبت الحياة في هذه الأمة فالشريعة الإسلامية حاضرة تلبي حاجاتها المتجددة بما فها من سعة ومرونة وشمول، فهي قادرة على أن تمد الشرع الحديث بكل خدمات الحياة الراهنة المتجددة. ثم أن هذه الشريعة روحها من روح الجماهير، ولا دخل هنا للمشايخ والدراويش، فليس في الإسلام (رجال الدين) يعيشون متعطلين متبطلين على الأذكار والنذور، فلا جزاء بغير عمل اجتماعي منتج، ولا عبرة بمن يستبد باسم الدين، فالمرجع في الحكم على نظام ما إنما يجب أن يكون على قواعده وأصوله لا على مخالفاته بسبب الجهل والانحطاط أو الفوضى وسائر العوامل الأخرى، والمقرر أن الإسلام لا يدعوا إلى الاستبداد من الحاكم والرضا والخنوع من المحكومين.

ثم أن الإسلام لا يتدخل في الشؤون العلمية البحت ولا العلوم التطبيقية، فقاعدة (أنتم أعرف بشؤون دنياكم) من القواعد الأساسية المرعية فيه.

ثم أن الإسلام إذا نص في الحدود على قطع يد السارق، ورجم الزاني وجلده وجلد غير المحصن. . الخ فلا إقامة لهذه الحدود إلا مع قطع العذر، فإذا كانت هناك مبررات اجتماعية وفردية فلا عقوبة، بل العقوبة على من دفع المجرم إلى جريمته، والشاهد ما فعله عمر مع غلمان سرقوا ناقة لان سيدهم لا يعطيهم الكافي من الطعام فأطلق الغلمان وغرم السيد ثمن الناقة ضعفين. ثم لما كان الجوع في عام الرمادة عطل حد السرقة. ورجم الزاني لا يجوز إلا في حالة ما إذا ضبطه الشهود في تلبس كامل، وهذا في الوقت الذي لا يباح فيه أن يتسور على أحد داره أو يتجسس عليه، فمن استتر بالمعصية فأمره إلى الله، أما المستهتر ناشر الفاحشة فيؤخذ بالعقاب. أن الجموع حين تندفع في تيار العمل النشيط المنتج لن تكون هناك جرائم تقام عليها الحدود إلا في القليل النادر، ولا ننسى أيضا مبدأ (ادرأوا الحدود بالشهبات).

ومضى الكاتب يقول أن الأصول الإسلامية ليست هي الشروح والحواشي التي تقتل شباب طلاب العلم وترميهم بالجدل العقيم، أن الحلال بين والحرام بين، وكل ما صدر عن المذاهب الأربعة كان أساسه الكتاب والنسبة ثم الإجماع والقياس.

وأما في الحريم فالإسلام أباح لها الملك والكسب بالطرق المشروعة ومنحها حرية تزويج نفسها، فلا إرغام ولا ضغط ومنحها حرية الخروج والدخول في ثياب محتشمة، وبالجملة أتاح لها الحرية التي لا تؤذي قط ولم يأمر بوضع النساء في الحريم، ولم يحولهن إلى سلعة، ولم يقر الإباحية الحاضرة، فلا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة تزاول النشاط الإنساني في حدود الشرف والكرامة.

ثم قال المؤلف: إنه لا خوف من حكم الإسلام على الأقليات القومية في بلاده، فما من دين في العالم وما من حكم في الدنيا ضمن لهذه الأقليات حريتها وكرامتها وحقوقها القومية. لقد دلل الإسلام وحده على الاقليات الأجنبية عنه وعن قومه وحتى في البلاد المفتوحة، وضرب الكاتب أمثلة لذلك.

ثم انتقل إلى عداوات ضد الإسلام من أول الحروب الصليبية فالاستعمار إلى الرأسمالية فإلى الإسرائيلية في فلسطين فقال إن الدولة اليهودية ليست جنسية بل ديانة تضم أخلاطا من روس وألمان وبولونيين وأمريكيين ومصريين وغيرهم، وقد شجعتها إنكلترا ومونتها أمريكا ونسيت روسيا الشيوعية مبادئها الأساسية بجنب المصلحة الشخصية.

ولا ننسى التبشير فهو اختلال روحي وفكري يوحي بنبذ الوطن. وقد أفاض المؤلف أيضا في هذا الباب وذكر أيضا عداوات المستغلين والطغاة والمحترفين من رجال الدين والمستهترين والمنحلين والشيوعيين ودلل على كل هذه بالأمثلة الحية.

ثم عقب على ذلك كله بدعوة (الجماهير) إلى تدبر كل ما مر في كتابه وأهاب بها أن (الطريق واضح ولا سواه) لمن أراد المساواة والحرية والعدالة وكان مؤمنا بنفسه وقومه ووطنه وشعر بان له مكانا كريما في الوجود).

هذا هو كتاب (معركة الإسلام وإلى) أملاه على مؤلفه الفاضل اقتناع مطلق بعد بحث طويل وثقافة صحيحة سليمة، وأيمان بالإسلام وحقه، ووطنية مصرية صميمة، وميل فطري إلى الحق والعدل، ونفور من العبودية والذلة، وبعد عن البدع والمروق، فما أشبهه بابن تيمية والأفغاني والكواكبي وإضرابهم من دعاة الإصلاح الجريئين، ونفه الله بكتابه كل قارئ ينشد الهداية والطريق المستقيم.

حلوان

محمد صادق رستم