مجلة الرسالة/العدد 993/مجال الدعوة الإسلامية يجب أن يشمل المجموعة
مجلة الرسالة/العدد 993/مجال الدعوة الإسلامية يجب أن يشمل المجموعة
البشرية
للأستاذ أحمد عوض
مهداة إلى الأستاذ سيد قطب
كان من اثر الاستعمار في البلاد الإسلامية أن سلبها حريتها، وألزمها خطة الانطواء على النفس، وركز فيها سوء الظن، وحرمها مزية التعاون، وكفها عن نشر دعوة ألزمهم دينهم نشرها؛ هي دعوة الإسلام
والإسلام دين لم يخص من الناس فريقا دون فريق، ولا عني بطائفة دون أخرى، وإنما على قوم كلفوا بأن يوسعوا مجاله بنشر تعاليمه حتى تشمل الكافة. وعلى كل من ينضم إليه أن يشارك السابقين إليه في الدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالجدل بالتي هي احسن
لكن الدعوة إلى تعاليم عالمية تستلزم أول ما تستلزم ضروبا من الحريات، منها حرية الكلام، وحرية الاجتماع، وحرية العقيدة
وهذه الحريات جميعا وسائر الحريات كبحها الاستعمار وبخاصة ما كان منها مؤديا إلى دعوة عالمية، فالاستعمار منفعة خاصة أساسها أنانية المستعمرين على حساب حريات الإنسانية العامة.
وفرط المسلمون في حق أنفسهم وحق دينهم بما أهملوه من التسلح بكافة الأسلحة، معنويها وماديها، فغلبهم المستعمرون على امرهم، وكبتوا مشاعرهم ذلك الكبت الذي لم يصل ولن يصل إلى اصل العقيدة، ولكنه وصل إلى وسائل نشرها، فلم يقو الاستعمار على رغم بطشه وظلمه على انتزاع الإسلام من الصدور ولكن قوته كانت كافية لمنع المسلمين من توسيع مجال الدعوى اليه، وهذا ركن أساسي فيه
واكتفى المسلمون قرونا بالتحدث عن مزايا الإسلام بين المسلمين، حديثا مادام بين مسلم ومسلم، فهو لا يشرح العقيدة المفروغ بين المسلمين من اعتقادها، وإنما يشرح الطقوس والشكليات، لأن هذه هي التي يحتاج المفروغ من أمر عقيدتنا الإسلامية إلى الاستز معرفتها. وبذلك أصبحت الدعوى بين المسلمين قاصرة على العبادات والمعاملات، وهي عظيما الشأن ما في ذلك من شك، ولكن روح الإسلام وأهدافها الجماعية - وهي التي من اجلها أنزل - أصبحت مهملة، لأن الكلام في الدين أصبح بين مفروض فيهم التمتع بها، بتلك الروح والمعرفة بهذه الأهداف
لكن لا هذه ولا تلك ولا المعاملات ولا العبادات ولا أي شيء في الحياة يمكن أن يصل إلى كماله أمام العقبات التي أوجدها الاستعمار من كبت الحريات، ومن نشر الجهل والمرض والفقر
والآن وقد أكلت النار نفسها حين لم تجد ما تأكله وتناقصت قوى الغرب المستعمر بما تناقص إيمانه بالله وتمسكه بالفضائل، فأصبح لا يكاد يستقر في حكم نفسه حتى يستقر في حكم المستعمرات. والآن وقد أحس المفكرون في الغرب بأن الحضارة التي أقاموها على الماديات توشك أن تنهار، فقد انتقمت الفضائل المهملة لنفسها، وتزعزعت عقائد الماديين بالمادة، وبشر الإسلام بنفسه حين أكره المسلمون على الكف عن التبشير له
والآن وقد بدأ المسلمون يستروحون نسيم الحرية بما أضعف خصومهم، فانصدعت قيودهم، واتسمت حدودهم، فإنهم يجدون في الغرب عقائد دينهم تمشي على أقدامها هي لا على أقدام المسلمين. وللفكرة أقدام وأيد ولها أيضاً أجنحة، ولئن أهملنا أن نعطي من مزايا الإسلام، فقد أكره الغرب وان لم نعطه منها على أن يأخذ هو، وشتان بين أخذ هـ من ماديتنا ذلك الأخذ الذي ينتقص من تلك الماديات، وبين أخذه من معنوياتها ذلك الأخذ الذي يزيدها ويباركها، والدين كالعلم يزيد مع كثرة الإنفاق، والآن أمام هذا كله أصبح في الغرب من يبشرون بالإسلام، أو بركن من أهم أركان الإسلام، هو نواحيه الخلقية، ودائرته الجماعية ومساواته بين الخلق كافة في الحقوق والواجبات، ودعوته إلى السلام، وتحريمه الحرب إلا دفاعا
بدأنا نتحرر، وبدأنا نستطيع استئناف ما وجب علينا، ولا يزال مستمر الوجوب من الدعوة اليه، فهل يقضي المنطق بأن نصحح أخطاء الداعين دعوتنا، ونكمل النقص إذا كان هناك ثمة خطأ أو نقص، أم نظل نحن المنوطة بنا رسالة الدين من بين المدعوين المستمعين، أم نظل مقتصرين على الدعوة للإسلام بين المسلمين؟ ماذا يجب على المفكر المسلم الملم بلغات الغرب حين يقرأ في تلك اللغات دعوة إلى مبادئ دينه؟ أيناهضها لأنها (من الخارج) أم يدعو الداعين ويجادلهم بالتي هي احسن
ليس هناك إسلام أجنبي، بل ولا إسلام عربي، وإنما هناك رسول عربي بكتاب عربي من عند (الله)، كلف المسلمون أن ينشروا تعاليمه في أرجاء العالم الفسيح، ومن أركان الإسلام: الشهادتان والصلاة والصوم والزكاة وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا
نعما ونعم هي، ولكن الإسلام الذي هذه أركانه والذي كتابه قرآنه، قد نص على سبب نزوله، وهو الهدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونبيه المبعوث بين سبب بعثته بأنها إتمام مكارم الأخلاق
وبعد فالحركات القائمة في أوربا وأمريكا لنشر فضائل الدين الإسلامي، لا تهدف إلى مزاحمة ديننا، وليست مذهبا في هذا الدين، وهي لا تزيد فيه ولا تنقص منه ولا تبتغي التأويل، وإنما القوم قد أسرفوا في مادياتهم واستعزوا بها، ومن استعز بشيء أورثه الله ذله، فاتجهوا إلى الدين، إلى دينهم أولا فوجدوا من الهداية بالمحبة والتسامح والتضحية، ولكنهم فطنوا بعد ذلك إلى أمور نص الإسلام فيها أصرح وأوضح ن فالإصلاح المنشود سبيله في الإسلام التغيير. تغير المرء ما بنفسه حتى يغير الله ما به. ولئن دعاهم السيد المسيح فيما ينص عليه إنجيلهم أن على الذي يحبه أن يحمل صليبه ويتبعه، فإن القوم قد لهجوا بالآية القرآنية
ولئن فطن القوم إلى علة شقائهم هي التنازع فيما بينهم على المستعمرات، والعداوة التي وجهها العالم سببها التنازع بين الطبقات وبين الألوان وبين الأديان، فقد لهجوا بما نص عليه القرآن من أن أفضلكم عند الله أتقاكم، وما نص عليه مبعوث هذا الدين من أنه لا فضل لحر قرشي على عبد حبشي إلا بالتقوى وقام فيهم من يدعو، لا إلى اعتناق الإسلام على صورة غير صورته، ولا إلى نسبة شيء إلى الإسلام ليس فيه، ولا إلى اخرج لفظ في الإسلام عن معناه، بل إلى روح الدين والى الفضائل الشائعة بينه وبين سائر الأديان
ولكنهم أخذوا بعضه، فهل ندلهم على باقيه؟ أم لا تزال بأنفسهم من أثر الاستعمار بقية تلزمنا الانطواء على النفس؟
أنهم يريدون محاربة الشر بمثل سلاحنا، بسلاح الخلق. فهل نحارب الشر معهم به؟ قبل أن ننطق بالجواب يجب أن نسائل أنفسنا، أين منا موضع الدعوة ومن الذي ندعوه وكيف ندعوه؟
ليس في أمريكا ولا أوربا إسلام أمريكاني ولا أوربي، وإنما فيها اليوم أكثر من دعوة لنشر فضائل الدين الإسلامي ولكن في مصر وفي سائر البلاد الإسلامية من يهملون الدعوة إلى الإسلام تاركين هذا الواجب لدخلاء عليه مستغلين له مسخرين لغابات استعمارية ابتغاء منفعة شخصية كما يقال بحق الأستاذ سيد قطب في افتتاحية العدد الأخير من الرسالة
هؤلاء يجب أن يحاربوا ولكن يجب أن نفرق بين هؤلاء وبين الداعين مخلصين لمبادئ إسلامية لم يجدوا غيرها وسيلة لمحاربة المادية، استعمارية كانت أو شيوعية، ولانتشال المدنية مما جنى عليها من الطامع الأشعبية
أحمد عوض