مجلة المقتبس/العدد 15/نبأ من الصين

مجلة المقتبس/العدد 15/نبأ من الصين

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 4 - 1907



من مقالة في المجلة الباريسية

للصين اليوم عشرون فيلقاً في كل واحد منها فرقتان تحتوي على 12500 جندي وتؤلف كل فرقة من أربع كتائب من المشاة وكتيبة من الفرسان وثلاث بطاريات مدفعية وجماعة من المهندسين ويخدم الجندي في العسكرية تسع سنين ويخدم ثلاث سنين رديفاً يخدم فيها شهرين على رأس كل سنة بحيث يتأتى للصين أن يكون لها زمن الحرب مليون جندي منظم. وكان أبناء الأسرات الشريفة يستنكفون من خدمة الجندية أما اليوم فإن أشرافهم يخدمون ضباطاً عن رضى لما أشربته قلوبهم من حب بلادهم وكذل تجد بين الجنود شباناً جازوا الامتحانات الأدبية وآثروا خدمة أوطانهم على تقلد أعمال رابحة وليسوا في صبرهم على المكاره ورشاقة أبدانهم وخفة حركاتهم دون اليابانيين في شيء.

وقد كان في أواخر سنة 1904 في الصين اثنتان وعشرون مدرسة حربية فيها 3364 ضابطاً وأساتذتهم من الألمان واليابانيين وترسل الحكومة بأذكاهم عقولاً إلى اليابان يتممون فيها دروسهم في المدارس الحربية يدرسون مع شبان يابان ويمثلونهم في فحصوهم حتى إذا خرجوا من المدرسة يقضون في الجيش الياباني ثلاث سنين أو أربعاً يمرنون فيها على الأعمال الحربية.

يدخل الصين كل سنة نحو ثلثمائة ضابط وإذا أضيف إلى هذا العدد نحو ثمانمائة أو تسعمائة ضابط ممن يتخرجون في مدارس الصين نفسها كان للصين كل سنة 1200 ضابط جديد معلَّم وهناك ضباط من الدرجة الثانية يمكن استخدامهم عند نشوب الحرب كما فعلت اليابان في حربها الأخيرة مع الروس واستعملت من كان لديها على شاكلتهم، وقد قضت الإمبراطورة على كل حاكم كبير أن يبعث إلى يابان أو إلى مدرسة نانكين العسكرية بأحد بنيه يتعلم فيها الأعمال الحربية وأخذ ضباط الصينيين يحذون حذو ضباط اليابانيين في عنايتهم بالجند وتدريبه على الأعمال الحربية.

تعتني الحكومة الصينية بأسطولها الحربي فإنه بعد أن دُمر في الحرب اليابانية أخذت تعيد إنشاءه بواسطة رجال قدموا للصينيين (خصومهم سابقاً) عدة طرادات ومدفعيات وقد أنزلت بعض هذه السفن الحربية إلى البحر في خلال الحرب اليابانية الروسية وافتخر الأمير الياباني الذي كان يرأس حفلة تسيير هذه السفن بأنه لم يعهد أن دولة أوروبية سلمت سفناً حربية وجعلتها تحت إمرة بلاد أخرى على حين هي مشتبكة في حرب أهوالها على ما ترون. هذا ما توصي عليه الآن الصين من السفن في المعامل الألمانية والإنكليزية.

كل هذا تقوم به حكومة ابن السماء لتحسين حال الميزانية فإنها بعد أن كانت 350 مليون فرنك أصبحت مليارين ونصفاً. ولقد كانت العادة أن يعهد إلى حكام الولايات بجباية الأموال من مقاطعاتهم فيقضي عليهم القيام بجميع نفقات حكومتهم وإرسال ما بقي من الجباية إلى بكين. وبديهي أنهم كانوا يخفضون النفقات ويقتصرون منها على ما لابد منه ويرسلون إلى خزينة العاصمة أقل من القليل. ولطالما كان الحاكم يتنحى عن عمله بعد أن يتولاه ثلاث سنين بعشرة ملايين فرنك ربحاً خالصاً له على حين لم يكن راتبه ليتجاوز مائتي ألف فرنك ويقضي عليه أن يوزع من ثمانمائة إلى تسعمائة ألف فرنك رشوة.

أما الآن فقد أخذت هذه العادات تتعدل بفضل حزب الإصلاح. نعم إن خونة الموظفين ما برحوا هم السواد الأعظم بين العمال على انه حدث منذ سنين أن حكاماً منهم خلعوا ربقة العادات القديمة وعفوا عن مال الأمة والتلاعب بها ليتغنوا من الرشوات. وأخذت الحكومة تجبي الجبايات على طريقة منظمة تتعلق بقصر بكين مباشرةً، وأصدرت الإمبراطورة بتحريض حزب الإصلاح أمراً تتهدد فيه الموظفين بأشد العقوبات والتعذيب إذا هم ارتكبوا وارتشوا، ووعدت أنها تزيد الرواتب إذا رأت أنها لا تقوم بنفقاتهم بحيث لا يبقى للحكام حجة يتوكأون عليها في تلاعبهم وقد كان ارتشاء حكام الصين أهم سبب لضعف مملكة ابن السماء.

ولابد من التنويه هنا بأن الصينيين ما برحوا يستحلون ميع الاختراعات الأوروبية ويقبلونها واحداً بعد واحد فقد اتصلت مدنهم الكبرى منذ بضع سنين بالأسلاك البرقية والتلفونية. ولكن الصينيين يستنكفون من مخاطبة البيض وبعبارة أخرى الأوروبيين بواسطة التلفون ويستعملونه فيما بينهم في التخاطب. وإن وزراء الصين يبدون ارتياحاً لإنشاء الخطوط الحديدية وقد ذهبت الأيام التي كانوا يزعمون فيها أن تنين الأرض يجرح إذا مدت الخطوط فيغضب وتكون الهزات الأرضية دليل غضبه. ففي الصين اليوم عشرة آلاف كيلومتر من السكك الحديدية أنشئ بعضها أو مُنح امتيازه ويعمل به. وتخلف بعض الشركات الأجنبية عن الإسراع في مد الخطوط الحديدية دعا حكومة الصين أن تعمد بعد الآن إلى مد السكك على نفقتها وتحرم البيض منها، وكل من يتسامح بعد الآن مع شركة أجنبية غير صينية من الحكام يعزل من وظيفته مؤبداً. لا جرم أن الصين أيضاً تحاول أن تنزع ربقتها من اليابان بعد أن تأخذ عنها ما تحتاجه الآن كما حاولت نزع يدها من يد الأوروبيين من البيض.

قال أحد رجال الإصلاح فيهم: إن بلاد يابان على ما دخلها من الإصلاح منذ سنة 1868 ما برحت بلاد مملكة إقطاعات وحكومة أشراف وراثية أما الصين فحكومتها في الحقيقة أميل إلى الجمهورية ولذلك تختلف مقاصد الحكومتين. ومن المعلوم في التاريخ أن الصين ويابان قلما اتحدتا والأوروبيين لا يستفيدون من الشرق الأقصى إلا بدوام المباراة بين مملكة الشمس المشرقة ومملكة ابن السماء والظاهر أنهم يحاولون تطبيق مذهب مونرو على بلاهم القائل أمريكا للأمريكيين فعساهم يقفون عند هذا الحد ولا يقولون أوروبا للآسيويين.