محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة الثالثة


كتاب الجهاد

937 - مسألة : وإذا أسلم الكافر الحربي فسواء أسلم في دار الحرب ، ثم خرج إلى دار الإسلام ، أو لم يخرج ، أو خرج إلى دار الإسلام ثم أسلم ، كل ذلك سواء . وجميع ماله الذي معه في أرض الإسلام ؛ أو في دار الحرب ، أو الذي ترك وراءه في دار الحرب من عقار ، أو دار ، أو أرض ، أو حيوان ، أو ناض ؛ أو متاع في منزله ، أو مودعا ، أو كان دينا : هو كله له ، لا حق لأحد فيه ، ولا يملكه المسلمون إن غنموه أو افتتحوا تلك الأرض . ومن غصبه منها شيئا من حربي ، أو مسلم ، أو ذمي : رد إلى صاحبه ويرثه ورثته إن مات ، وأولاده الصغار مسلمون أحرار - وكذلك الذي في بطن امرأته . وأما امرأته وأولاده الكبار ففيء إن سبوا وهو باق على نكاحه معها ، وهي رقيق لمن وقعت له سهمه . برهان ذلك - أنه إذا أسلم فهو بلا شك ، وبلا خلاف ، وبنص القرآن والسنة : مسلم ؛ وإذ هو مسلم ، فهو كسائر المسلمين - وقد قال رسول الله  : { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام } ، فصح أن دمه ، وبشرته ، وعرضه ، وماله حرام على كل أحد سواه ، ونكاح أهل الكفر صحيح ، لأن النبي أقرهم على نكاحهم ، ولو كان فاسدا لما أقره ، ومنه خلق عليه السلام ، ولم يخلق إلا من نكاح صحيح ، فهما باقيان على نكاحهما لا يفسد شيء ، ولا غيره إلا ما جاء فيه النص بفساده . والعجب أن الحاضرين من المخالفين لا ينازعوننا في أن دمه ، وعرضه ، وبشرته ، حرام - ثم يضطربون في أمر ماله ، وهذا عجب جدا وقولنا هذا كله هو قول الأوزاعي ، والشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : إن أسلم في دار الحرب وأقام هناك حتى تغلب المسلمون عليها فإنه حر ، وأمواله كلها له ، لا يغنم منها شيئا ، ولا مما كان له وديعة عند مسلم ، أو ذمي ، وأولاده الصغار مسلمون أحرار ، حاشا أرضه - وحمل امرأته فكل ذلك غنيمة وفيء ويكون الجنين مع ذلك مسلما . وأما امرأته وأولاده الكبار ففيء . وقال أبو يوسف : وأرضه له أيضا . قال أبو حنيفة : فإن أسلم في دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام فأولاده الصغار أحرار مسلمون لا يغنمون ، وكل ما أودع عند مسلم ، أو ذمي فله ، ولا يغنم - وأما سائر ما ترك في أرض الحرب من أرض ، أو عقار ، أو أثاث ، أو حيوان ففيء مغنوم - وكذلك حمل امرأته ، وهو مع ذلك مسلم . فإن خرج إلى دار الإسلام كافرا ، ثم أسلم فيها فهو حر مسلم - وأما كل ما ترك من أرض ، أو عقار ، أو متاع ، أو حيوان ، أو أولاده الصغار ففيء مغنوم ، ولا يكونون مسلمين بإسلامه . قال أبو محمد : لو قيل لإنسان أسخف واجتهد ما قدر على أكثر من هذا ، ولا تعرف هذه التقاسيم لأحد من أهل الإسلام قبله ، وما تعلق فيها لا بقرآن ، ولا بسنة ، ولا برواية فاسدة ، ولا بقول صاحب ، ولا تابع ، ولا بقياس ، ولا برأي يعقل ، ونعوذ بالله من الخذلان ؛ بل هو خلاف القرآن ، والسنن : في إباحته مال المسلم وولده الصغار للغنيمة بالباطل ، وخلاف المعقول ، إذ صار عنده فراره إلى أرض الإسلام بنفسه وإسلامه فيها : ذنبا عظيما يستحق به منه إباحة صغار أولاده للإسار والكفر ، وإباحة جميع ماله للغنيمة ، هذا جزاؤه عند أبي حنيفة ، وجعل بقاءه في دار الكفر خصلة حرم بها أمواله كلها حاشا أرضه ، وحرم بها صغار أولاده حاشا الجنين ، هذا مع إباحته للكفار والحربيين : تملك أموال المسلمين كما قدمنا قبل ، وتحريمه ضربهم وقتلهم إن أعلنوا بسب رسول الله بأقزع السب ، وتكذيبه في الأسواق ، فإن قتل مسلم منهم قتيلا قتل به فكيف ترون ؟ وهو أيضا خلاف الإجماع المتيقن ؛ لأنه لا يشك مؤمن ، ولا كافر ، ولا جاهل ، ولا عالم في أن أصحاب رسول الله كانوا أطوارا . فطائفة أسلموا بمكة ، ثم فروا عنها بأديانهم : كأبي بكر وعمر ، وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم . وطائفة خرجوا كفارا ، ثم أسلموا : كعمرو بن العاص أسلم عند النجاشي ، وأبي سفيان أسلم في عسكر النبي . وطائفة أسلموا وبقوا بمكة كجميع المستضعفين من النساء ، وغيرهم ، قال الله تعالى : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } إلى قوله : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } وكل هؤلاء إذ فتح رسول الله مكة رجع الخارج إلى داره ، وعقاره وضياعهم بالطائف وغيرها ، وبقي المستضعف في داره وعقاره وأثاثه كذلك ، فأين يذهب بهؤلاء القوم لو نصحوا أنفسهم ؟ وأتى بعضهم هاهنا بآبدة هي أنه قال : قال الله عز وجل : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } وذكر ما روينا من طريق أبي عبيدة عن أبي الأسود المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص : من أسلم قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين وله سهم في الإسلام ، ومن أسلم بعد القتال ، أو الهزيمة فماله فيء للمسلمين ، لأنهم قد أحرزوه قبل إسلامه ، قال : فسماهم تعالى فقراء ، فصح أن أموالهم قد ملكها الكفار عليهم ؟ قال أبو محمد : لقد كان ينبغي أن يردعه الحياء عن هذه المجاهرة القبيحة وأي إشارة في هذه الآية إلى ما قال ؟ بل هي دالة على كذبه في قوله ؛ لأنه تعالى أبقى أموالهم وديارهم في ملكهم ، بأن نسبها إليهم ، وجعلها لهم ، وعظم بالإنكار إخراجهم ظلما منها - ونعم ، هم فقراء بلا شك ؛ إذ لا يجدون غنى . وهم مجمعون معنا على أن رجلا من أهل المغرب ، أو المشرق لو حج ففرغ ما في يده بمكة أو بالمدينة ، وله في بلاده ضياع بألف ألف دينار ، وأثاث بمثل ذلك ؛ وهو حيث لا يقدر على قرض ، ولا على ابتياع ، ولا بيع فإنه فقير تحل له الزكاة المفروضة ، وماله في بلاده منطلقة عليه يده . وكذلك من حال بينه وبين ماله فتنة ، أو غصب ، ولا فرق ، ولقد عظمت مصيبة ضعفاء المسلمين المغترين بهم منهم - ونحمد الله تعالى على ما هدانا له من الحق . وأما الرواية عن عمر رضي الله عنه فساقطة ؛ لأنها منقطعة - لم يولد يزيد بن أبي حبيب إلا بعد موت عمر رضي الله عنه بدهر طويل - وفيها : ابن لهيعة ، وهو لا شيء . ثم لو صحت لما كان لهم فيها متعلق ؛ بل هي موافقة لقولنا وخلاف لقولهم لأن نصها ، من أسلم قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين ، فصح بهذا أن ماله كله حيث كان له كما كان لكل مسلم ؛ ثم فيها إن أسلم بعد القتال ، أو الهزيمة فماله للمسلمين فيء ، لأنه قد أحرزه المسلمون قبل إسلامه - فهذا قولنا ؛ لأنه قد صار ماله للمسلمين قبل أن يسلم ؛ فاعجبوا لتمويههم وتدليسهم بما هو عليهم ليضلوا به من اغتر بهم

938 - مسألة : فإن كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق ؛ لأن الجنين حينئذ بعضها ، ولا يسترق ، لأنه جنين مسلم . ومن كان بعضها حرا فهي كلها حرة لما نذكر في كتاب العتق إن شاء الله تعالى بخلاف حكمها إذا نفخ فيه الروح قبل إسلام أبيه لأنه حينئذ غيرها ، وهو ربما كان ذكرا وهي أنثى - وبالله تعالى التوفيق .

939 - مسألة : وأيما امرأة أسلمت ولها زوج كافر ذمي ، أو حربي فحين إسلامها انفسخ نكاحها منه - سواء أسلم بعدها بطرفة عين ، أو أكثر أو لم يسلم . لا سبيل له عليها إلا بابتداء نكاح برضاها وإلا فلا . فلو أسلما معا بقيا على نكاحهما ، فإن أسلم هو قبلها ، فإن كانت كتابية بقيا على نكاحهما أسلمت هي ، أم لم تسلم وإن كانت غير كتابية فساعة إسلامه قد انفسخ نكاحها منه ، أسلمت بعده بطرفة عين فأكثر . لا سبيل له عليها إلا بابتداء نكاح برضاها إن أسلمت ، وإلا فلا ، سواء حربيين أو ذميين كانا . وهو قول عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس رضي الله عنهم - وبه يقول حماد بن زيد ، والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وعدي بن عدي الكندي ، والحسن البصري ، وقتادة ، والشعبي ، وغيرهم . وقال أبو حنيفة : أيهما أسلم قبل الآخر في دار الإسلام فإنه يعرض الإسلام على الذي لم يسلم منهما ؛ فإن أسلم بقيا على نكاحهما ، وإن أبى فحينئذ تقع الفرقة ، ولا معنى لمراعاة العدة في ذلك . قال : فإن أسلمت في دار الحرب فخرجت مسلمة أو ذمية فساعة حصولها في دار الإسلام يقع الفسخ بينهما لا قبل ذلك ؛ فإن لم تخرج من دار الحرب فإن حاضت ثلاث حيض قبل أن يسلم هو وقعت الفرقة حينئذ وعليها أن تبتدئ ثلاث حيض أخر عدة منه ، وإن أسلم هو قبل ذلك فهو على نكاحه معها . قال : فلو ارتد أحدهما انفسخ النكاح من وقته . وقال مالك : إن أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها ، فإن أسلم في عدتها فهما على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها فقد بانت منه . قال : فلو أسلم هو ، وهي غير كتابية عرض الإسلام عليها ، فإن - أسلمت بقيا على نكاحهما ، وإن أبت انفسخ النكاح ساعة إبائها ، فلو ارتد أحدهما انفسخ النكاح ساعتئذ . وقال ابن شبرمة عكس قول مالك إن أسلم هو وهي وثنية ، فإن أسلمت قبل تمام العدة فهي امرأته ، وإلا فبتمامها تقع الفرقة ، وإن أسلمت هي وقت الفرقة في الحين . وقال الأوزاعي ، والليث ، والشافعي : وكل ذلك سواء ، وتراعى العدة ، فإن أسلم الكافر منهما قبل انقضاء العدة فهما على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى تمت العدة وقعت الفرقة - وهو قول الزهري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأحد قولي الحسن بن حي . قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة فظاهر الفساد ، لأنه لا حجة له ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، وينبغي لهم أن يحدوا وقت عرض الإسلام ولا سبيل إلى ذلك إلا برأي فاسد ، وهو أيضا قول لا يعرف مثل تقسيمه لأحد من أهل الإسلام قبله - وكذلك قول مالك سواء سواء ، وقد موه بعضهم بما كان السكوت أولى به لو نصح نفسه ، مما سنذكره إن شاء الله تعالى . [ وروينا ] من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن فضل عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي بن أبي طالب قال : إذا أسلمت امرأة اليهودي ، أو النصراني - : كان أحق ببضعها ، لأن له عهدا . وروينا من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة أن هانئ بن هانئ بن قبيصة الشيباني - وكان نصرانيا - عنده أربع نسوة فأسلمن فقدم المدينة ونزل على عبد الرحمن بن عوف فأقرهن عمر عنده - قال شعبة : قلت للحكم : عمن هذا ؟ قال : هذا شيء معروف . وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، وابن جعفر غندر قال عبد الرحمن : عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر ، والمغيرة بن مقسم وقال غندر : نا شعبة نا حماد بن أبي سليمان ، ثم اتفق المغيرة ، ومنصور ، وحماد ، كلهم : عن إبراهيم النخعي : في ذمية أسلمت تحت ذمي ، قال : تقر عنده - وبه أفتى حماد بن أبي سليمان . وهو قول أبي سليمان إلا أنه قال : يمنع من وطئها - فهذا قول . وعن عمر أيضا قول آخر : صح عنه رويناه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وقتادة عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن يزيد الخطمي : أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها عمر بن الخطاب إن شاءت فارقته ، وإن شاءت أقامت عليه . ورويناه أيضا من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عمر بمثله - وعبد الله بن يزيد هذا له صحبة . وعن عمر أيضا قول ثالث : رويناه من طريق حماد بن سلمة عن داود الطائي عن زياد بن عبد الرحمن أن حنظلة بن بشر زوج ابنته وهي مسلمة من ابن أخ له نصراني فركب عوف بن القعقاع إلى عمر بن الخطاب فأخبره بذلك ؛ فكتب عمر في ذلك : إن أسلم فهي امرأته ؛ وإن لم يسلم فرق بينهما ؛ فلم يسلم ، ففرق بينهما ، فتزوجها عوف بن القعقاع - وهم لا يقولون بهذا ، لأنهم لا يجيزون ألبتة ابتداء عقد نكاح مسلمة من كافر أسلم إثر ذلك أو لم يسلم . وعن عمر أيضا قول رابع لا يصح عنه : رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني قال : أنبأني ابن المرأة التي فرق بينهما عمر ، عرض عليه الإسلام فأبى . ومن طريق ابن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن علقمة أن عبادة بن النعمان التغلبي كان ناكحا بامرأة من بني تميم فأسلمت فقال له عمر بن الخطاب : إما أن تسلم وإما أن ننتزعها منك ؟ فأبى ، فنزعها عمر منه . ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني عن السفاح بن مضر التغلبي عن داود بن كردوس أن عبادة بن النعمان بن زرعة أسلمت امرأته التميمية ، وأبى أن يسلم ، ففرق عمر بينهما . أبو إسحاق لم يدرك عمر - والسفاح ، وداود بن كردوس مجهولان . وكذلك يزيد بن علقمة ، وعن علي بن أبي طالب قول آخر من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما : هو أملك ببضعها ما دامت في دار هجرتها . ورويناه من طريق سفيان بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي : هو أحق بها ما لم يخرج من مصرها . وقول آخر : رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري : إن أسلمت ولم يسلم زوجها ، فهما على نكاحهما إلا أن يفرق بينهما سلطان . وأما من راعى عرض الإسلام فكما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال : إذا أسلمت وأبي أن يسلم فإنها تبين منه بواحدة - وقاله عكرمة . قال أبو محمد : ليس في هذا بيان إبايته بعد إسلامها وقد يريد أن يسلم معها . وأما من راعى العدة - فصح عن عطاء ، ومجاهد ، وعمر بن عبد العزيز . وأما قولنا فمروي عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم كما روينا من طريق شعبة أخبرني أبو إسحاق الشيباني قال : سمعت يزيد بن علقمة أن جده وجدته كانا نصرانيين فأسلمت جدته ؛ ففرق عمر بن الخطاب بينهما . ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية ، أو النصرانية تسلم تحت اليهودي ، أو النصراني . قال : يفرق بينهما ، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه - وبه يفتي حماد بن زيد . ومن طريق عبد الرزاق عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : نساء أهل الكتاب لنا حل ، ونساؤنا عليهم حرام . وصح عن الحكم بن عتيبة أنه قال في المجوسيين يسلم أحدهما ، قال : قد انقطع ما بينهما - وصح عن سعيد بن جبير في نصرانية أسلمت تحت نصراني ؟ قال : قد فرق الإسلام بينهما . وصح عن عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والحكم بن عتيبة في كافرة تسلم تحت كافر . قالوا : قد فرق الإسلام بينهما . وصح عن عمر بن عبد العزيز ، وعدي بن عدي : هذا بعينه أيضا . وعن الحسن ، ثابت أيضا : أيهما أسلم فرق الإسلام بينهما . وروي أيضا عن الشعبي . قال أبو محمد : أما جميع هذه الأقوال التي قدمنا فما نعلم لشيء منها حجة أصلا إلا من قال بأنها تقر عنده ويمنع من وطئها ؛ فإنهم احتجوا بأن قالوا : نكاح الكفر صحيح فلا يجوز إبطال نكاح صحيح بغير يقين واحتجوا أيضا بما روينا من طريق أبي داود السجستاني قال : نا عبد الله بن محمد النفيلي ، ومحمد بن عمرو الرازي ، والحسن بن علي هو الحلواني - قال النفيلي : نا محمد بن سلمة ، وقال الرازي : نا سلمة بن الفضل ، وقال الحلواني : نا يزيد هو ابن زريع أو ابن هارون أحدهما بلا شك ، ثم اتفق سلمة ، وابن سلمة ، ويزيد ، كلهم : عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله رد ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول } . زاد محمد بن سلمة : لم يحدث شيء . وزاد سلمة : بعد ست سنين . وزاد يزيد : بعد سنتين . وقالوا : قد أقر النبي جميع كفار العرب على نسائهم ، وفيهم من أسلمت قبله ، وفيهم من أسلم قبلها . قال أبو محمد : لا حجة لهم غير ما ذكرنا ، فأما قولهم : إن نكاح أهل الكفر صحيح فلا يجوز فسخه بغير يقين - فصدقوا ، واليقين قد جاء كما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل . وأما الخبر فصحيح - يعني حديث زينب مع أبي العاص رضي الله عنهما ولا حجة لهم فيه ؛ لأن إسلام أبي العاص كان قبل الحديبية ، ولم يكن نزل بعد تحريم المسلمة على المشرك ، وأما احتجاجهم - بإسلام العرب فلا سبيل لهم إلى خبر صحيح بأن إسلام رجل تقدم إسلام امرأته ، أو تقدم إسلامها فأقرهما عليه السلام على النكاح الأول ؛ فإذ لا سبيل إلى هذا فلا يجوز أن يطلق على رسول الله لأنه إطلاق الكذب ، والقول بغير علم . فإن قيل : قد روي أن أبا سفيان أسلم قبل هند ، وامرأة صفوان أسلمت قبل صفوان ؟ قلنا : ومن أين لكم أنهما بقيا على نكاحهما ولم يجددا عقدا ؟ وهل جاء ذلك قط بإسناد صحيح متصل إلى النبي أنه عرف ذلك فأقره ؟ حاشا لله من هذا . قال أبو محمد : وهنا شغب المالكيون ، والشافعيون - : فأما الشافعيون فاحتجوا بهذا كله وبحديث أبي العاص وجعلوا المراعى في ذلك العدة . فيقال لهم : هبكم أنه قد صح كل ما ذكرنا من أين لكم أن المراعى في أمر أبي العاص ، وأمر هند ، وامرأة صفوان ، وسائر من أسلم : إنما هو العدة ؟ ومن أخبركم بهذا ؟ وليس في شيء من هذه الأخبار كلها ذكر عدة ولا دليل عليها أصلا ، ولا عدة في دين الله تعالى إلا من طلاق ، أو وفاة ، والمعتقة تختار نفسها ، وليست المسلمة تحت كافر ، ولا الباقية على الكفر تحت المسلم ، ولا المرتدة واحدة منهن ، فمن أين جئتمونا بهذه العدة ؟ ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا إلا بالدعوى الكاذبة ؛ فكيف وقد أسلمت زينب في أول بعث أبيها عليه السلام ؟ لا خلاف في ذلك ، ثم هاجرت إلى المدينة - وزوجها كافر - وكان بين إسلامها وإسلامه أزيد من ثماني عشرة سنة وقد ولدت في خلال هذا ابنها علي بن أبي العاص فأين العدة لو عقلتم ؟ وأما المالكيون فإن موهوا بامرأة صفوان . عورضوا بهذا ، وأبي سفيان ، وإن احتجوا بقول الله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ذكروا بقول الله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ، فظهر فساد هذه الأقوال كلها - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : برهان صحة قولنا قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } الآية إلى قوله : { ذلكم حكم الله يحكم بينكم } فهذا حكم الله الذي لا يحل لأحد أن يخرج عنه ، فقد حرم الله تعالى رجوع المؤمنة إلى الكافر . وصح عن النبي أنه قال : { المهاجر من هجر ما نهى الله عنه } فكل من أسلم فقد هجر الكفر الذي قد نهي عنه فهو مهاجر . ونص تعالى على أن نكاحها مباح لنا ، فصح انقطاع العصمة بإسلامها . وصح أن الذي يسلم مأمور بأن لا يمسك عصمة كافرة ، فصح أن ساعة يقع الإسلام ، أو الردة ، فقد انقطعت عصمة المسلمة من الكافر ، وعصمة الكافرة من المسلم - سواء أسلم أحدهما وكانا كافرين ، أو ارتد أحدهما وكانا مسلمين - والفرق بين ذلك تخليط ، وقول في الدين بلا برهان . وبالله تعالى التوفيق .

940 - مسألة : ومن قال من أهل الكفر مما سوى اليهود ، والنصارى ، أو المجوس : لا إله إلا الله ، أو قال : محمد رسول الله ، كان بذلك مسلما تلزمه شرائع الإسلام ، فإن أبى الإسلام قتل . وأما من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، فلا يكون مسلما بقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، إلا حتى يقول : وأنا مسلم ، أو قد أسلمت ، أو أنا بريء من كل دين حاشا الإسلام . روينا من طريق مسلم نا حرملة بن يحيى نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال { لما حضرت أبا طالب الوفاة قال له رسول الله  : يا عم قل : لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله } وذكر الحديث . ومن طريق مسلم نا يعقوب الدورقي نا هشيم نا حصين هو ابن عبد الرحمن أخبرنا أبو ظبيان سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال { : بعثنا رسول الله في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري ، وطعنته فقتلته فبلغ ذلك رسول الله فقال لي : يا أسامة أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ؟ قلت : يا رسول الله إنما كان متعوذا ؟ فقال : أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم } . قال أبو محمد : فهذا في آخر الإسلام ، وحديث أبي طالب في معظم الإسلام بعد أعوام منه ، وقد كف الأنصاري كما ترى عن قتله إذ قال : لا إله إلا الله ولم يلزم أسامة قود لأنه قتله وهو يظنه كافرا فليس قاتل عمد . ومن طريق مسلم نا الحسن بن علي الحلواني نا أبو توبة هو الربيع بن نافع - نا معاوية يعني ابن سلام - عن زيد يعني أخاه أنه سمع أبا سلام قال : نا أبو أسماء الرحبي { أن ثوبان مولى رسول الله حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله فجاء حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك يا محمد ؛ فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ قلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟ فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ثم ذكر الحديث ، وفي آخره إن اليهودي قال له : لقد صدقت وإنك لنبي ، ثم انصرف } . ففي هذا الخبر ضرب ثوبان رضي الله عنه اليهودي إذ لم يقل : رسول الله ، ولم ينكر رسول الله فصح أنه حق واجب ، إذ لو كان غير جائز لأنكره عليه - وفيه أن اليهودي قال له : إنك لنبي ، ولم يلزمه النبي بذلك ترك دينه . ومن طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا أبو روح حرمي بن عمارة نا شعبة عن واقد هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال " سمعت أبي يحدث عن ابن عمر قال : قال رسول الله  : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله } . وهذا كله قول الشافعي ، وأبي سليمان .

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الجهاد
كتاب الجهاد (مسألة 920 - 928) | كتاب الجهاد (مسألة 929 - 936) | كتاب الجهاد (مسألة 937 - 940) | كتاب الجهاد (مسألة 941 - 944) | كتاب الجهاد (مسألة 945 - 950) | كتاب الجهاد (مسألة 951 - 955) | كتاب الجهاد (مسألة 956 - 960) | كتاب الجهاد (مسألة 961 - 972)