محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة السابعة


كتاب الجهاد

956 - مسألة : وإن نفل الإمام من رأس الغنيمة - بعد الخمس وقبل القسمة - من رأى أن ينفله ممن أغنى عن المسلمين ، وممن معه من النساء اللواتي ينتفع بهن أهل الجيش ، ومن قاتل ممن لم يبلغ : فحسن . وإن رأى أن ينفل من أتى بمغنم في الدخول ربع ما ساق بعد الخمس فأقل ، أو ثلث ما ساق بعد الخمس فأقل ، لا أكثر أصلا : فحسن ، لما رويناه من طريق مسلم نا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال { كان رسول الله ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسمة عامة الجيش ، والخمس في ذلك واجب كله } ومن طريق أبي داود نا محمود بن خالد نا مروان بن محمد نا يحيى بن حمزة قال : [ سمعت : أبا وهب يقول ] : سمعت مكحولا قال : سمعت زياد بن جارية سمعت حبيب بن مسلمة يقول { شهدت رسول الله نفل الربع في البداءة والثلث في الرجعة } ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت { أن رسول الله كان ينفل في البداءة الربع وفي القفول الثلث } ومن طريق ابن أبي شيبة نا عفان بن مسلم عن أبي عوانة عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية قال لي معن بن يزيد السلمي " سمعت رسول الله يقول : { لا نفل إلا من بعد الخمس } وقال بهذا طائفة من السلف . روينا من طريق حماد بن سلمة نا داود بن أبي هند عن الشعبي أن جرير بن عبد الله البجلي قدم على عمر بن الخطاب في قومه يريد الشام فقال له عمر : هل لك أن تأتي الكوفة وأنفلك الثلث من بعد الخمس من كل أرض وشيء ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى قال : كان الناس ينفلون أكثر من الثلث حتى إذا كان عمر بن عبد العزيز كتب أنه لم يبلغنا أن رسول الله نفل بأكثر من الثلث - وهو قول الأوزاعي ، وأبي سليمان . قال أبو محمد : الخمس قد جعله الله تعالى لأهله الذين سمى ، فالنفل منه من سهم النبي خاصة ، وهو خمس الخمس ، وسائر الغنيمة للغانمين ، فلا يحل أن يخرج منه شيء إلا ما أباح الله تعالى إخراجه ، أو أوجب إخراجه على لسان رسوله وليس إلا السلب جملة للقاتل ، وتنفيل ما ذكرنا من الربع فأقل ، أو الثلث في القفول فأقل . وكذلك كما روينا عن أنس ، وسعيد بن المسيب ، لا نفل إلا بعد الخمس وبالله تعالى التوفيق .

957 - مسألة : وتقسم الغنائم كما هي بالقيمة ولا تباع ، لأنه لم يأت نص ببيعها ، وتعجل القسمة في دار الحرب ، وتقسم الأرض وتخمس ، كسائر الغنائم ، ولا فرق ، فإن طابت نفوس جميع أهل العسكر على تركها أوقفها الإمام حينئذ للمسلمين وإلا فلا ، ومن أسلم نصيبه كان من لم يسلم على حقه ، لا يجوز غير ذلك - وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان . وقال مالك : تباع الغنيمة وتقسم أثمانها وتوقف الأرض ولا تقسم ولا تكون ملكا لأحد . وقال أبو حنيفة : الإمام مخير إن شاء قسمها وإن شاء أوقفها ، فإن أوقفها فهي ملك للكفار الذين كانت لهم ، ولا تقسم الغنائم إلا بعد الخروج من دار الحرب . قال أبو محمد : يبين ما قلنا قول الله تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } ولم يقل من أثمان ما غنمتم . ومن طريق البخاري نا مسدد نا أبو الأحوص نا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده رافع بن خديج { أنهم أصابوا غنائم فقسمها النبي بينهم فعدل بعيرا بعشر شياه } . فصح أنه عليه السلام إنما قسم أعيان الغنيمة . وأيضا فإن حقهم إنما هو فيما غنموا ، فبيع حقوقهم وأموالهم بغير رضا من جميعهم أولهم عن آخرهم لا يحل لقول رسول الله  : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فإن رضي الجيش كلهم بالبيع إلا واحدا فله ذلك ويعطى حقه من عين الغنيمة ، ويباع إن أراد البيع قال تعالى : { لا تكسب كل نفس إلا عليها } . وبهذا جاءت الآثار في حنين ، وبدر ، وغيرهما ، كقول علي : إنه وقع لي شارف من المغنم ، وكوقوع جويرية أم المؤمنين في سهم ثابت بن قيس بن الشماس ، وغير ذلك كثير ، وكذلك بعد النبي كقول ابن عمر ، وقعت في سهمي يوم جلولاء جارية وهو قول سعيد بن المسيب - وغيره . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : أكره بيع الخمس حتى يقسم ، ولا نعرف لهم مخالفا من الصحابة أصلا وأما تعجيل القسمة فإن مطل ذي الحق لحقه ظلم ، وتعجيل إعطاء كل ذي حق حقه فرض ، والحنفيون يقولون : من مات من أهل الجيش قبل الخروج إلى دار الإسلام ، أو قتل في الحرب فلا سهم له . قال : فلو خرجوا عن دار الحرب فلحق بهم مدد قبل خروجهم إلى دار الإسلام فحقهم معهم في الغنيمة - وهذا ظلم لا خفاء به ، وقول في غاية الفساد بغير برهان ؛ بل كل من شهد شيئا من القتال الذي كان سبب الغنيمة ، أو شهد شيئا من جمع الغنيمة فحقه فيها يورث عنه ، ومن لم يشهد من ذلك شيئا فلا حق له فيها - فهل سمع بظلم أقبح من منع من قاتل وغنم وإعطاء من لم يقاتل ولا غنم ؟ وأما الأرض ، فإن الصحابة اختلفوا . فروينا أن ابن الزبير ، وبلالا ، وغيرهم دعوا إلى قسمة الأرض ، وأن عمر ، وعليا ، ومعاذا ، وأبا عبيدة ، رأوا إبقاءها رأيا منهم ، وإذ تنازعوا فالمردود إليه هو ما افترض الله تعالى الرد إليه إذ يقول : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فوجدنا من قلد عمر في ذلك يذكر ما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قال عمر : لولا آخر المسلمين ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله خيبر . قال أبو محمد : وهذا أعظم حجة عليهم لوجوه . أولها : إقرار عمر رضي الله عنه أن رسول الله قسم خيبر . والثاني : أنه قد أخبر رضي الله عنه أنه إنما فعل ذلك نظرا لآخر المسلمين ، والذي لا شك فيه [ فهو ] أن رسول الله كان أنظر لأول المسلمين ولآخرهم من عمر ، فما رأى هذا الرأي ؛ بل أبقى لآخر المسلمين ما أبقى لأولهم الجهاد في سبيل الله ، فإما الغنيمة وإما الشهادة ، وأبقى لهم مواريث موتاهم ، والتجارة ، والماشية ، والحرث . والثالث : أنه قد خالف عمر الزبير ، وليس بعضهم أحق بالاتباع من بعض ؛ فحتى لو صح عن عمر رضي الله عنه ما ظنوه به لما كان لهم فيه حجة ، ولكان رأيا منه غيره خير منه ، وهو ما أخبر به عن النبي فكيف وعمر قوله كقولنا في هذه المسألة ؟ كما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى . وهذا الخبر من عمر يكذب كل ما موهوا به من أحاديث مكذوبة من أن رسول الله لم يقسم خيبر كلها ، فهم دأبا يسعون في تكذيب قول عمر نصرا لرأيهم الفاسد وظنهم الكاذب . وقد روينا عن عمر أنه قال : إن عشت إلى قابل لا تفتح قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله خيبر - ، فهذا رجوع من عمر إلى القسمة . واحتجوا بخبر صحيح رويناه من طريق أبي هريرة " أن رسول الله قال : { منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها وعدتم كما بدأتم } . قالوا : فهذا هو الخراج المضروب على الأرض ، وهو يوجب إيقافها . قال أبو محمد : وهذا تحريف منهم للخبر بالباطل وادعاء ما ليس في الخبر بلا نص ولا دليل ، ولا يخلو هذا الخبر من أحد وجهين فقط ، أو قد يجمعهما جميعا بظاهر لفظه . أحدهما : أنه أخبر عن الجزية المضروبة على أهل هذه البلاد إذا فتحت - وهو قولنا - لأن الجزية بلا شك واجبة بنص القرآن ، ولا نص يوجب الخراج الذي يدعون . والثاني : أنه إنذار منه عليه السلام بسوء العاقبة في آخر الأمر ، وأن المسلمين سيمنعون حقوقهم في هذه البلاد ويعودون كما بدءوا ، وهذا أيضا حق قد ظهر - وإنا لله وإنا إليه راجعون - فعاد هذا الخبر حجة عليهم قال أبو محمد : فإذ لا دليل على صحة قولهم فلنذكر الآن البراهين على صحة قولنا . قال الله تعالى : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } فسوى تعالى بين كل ذلك ولم يفرق ، فلا يجوز أن يفرق بين حكم ما صار إلينا من أهل الحرب من مال ، أو أرض بنص القرآن ، وقال تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } . وروينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد هو المسندي نا معاوية بن عمرو نا أبو إسحاق هو الفزاري - عن مالك بن أنس حدثني ثور عن سالم مولى ابن مطيع " أنه سمع أبا هريرة يقول : افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ، ولا فضة إنما غنمنا الإبل ، والبقر ، والمتاع ، والحوائط " . فصح أن الحوائط ، وهي : الضياع ، والبساتين : مغنومة كسائر المتاع فهي مخمسة بنص القرآن ، والمخمس مقسوم بلا خلاف روينا من طريق أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، كلاهما عن عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه نا أبو هريرة قال : قال رسول الله { أيما قرية أتيتموها ، وأقمتم فيها فسهمكم فيها ، وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ، ثم هي لكم } وهذا نص جلي لا محيص عنه . وقد صح أن النبي قسم أرض بني قريظة ، وخيبر . ثم العجب كله : أن مالكا قلد هاهنا عمر ، ثم فيما ذكرتم وقف ، فلم يخبر كيف يعمل في خراجها ، وأقر أنه لا يدري فعل عمر في ذلك ، فهل في الأرض أعجب من جهالة تجعل حجة ؟ وأما أبو حنيفة فأخذ في ذلك برواية غير قوية جاءت عن عمر ، وترك سائر ما روي عنه ، وتحكموا في الخطأ بلا برهان ، وقد تقصينا ذلك في كتاب الإيصال - والله المستعان [ ولله تعالى الحمد ] فكيف والرواية عن عمر الصحيحة هي قولنا ؟ كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا محمد بن عيسى بن رفاعة نا علي بن عبد العزيز نا أبو عبيد نا هشيم نا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : كانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية فجعل لهم عمر ربع السواد فأخذوا سنتين ، أو ثلاثا ، فوفد عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب ومعه جرير بن عبد الله ، فقال عمر : يا جرير لولا أني قاسم مسئول لكنتم على ما جعل لكم ، وأرى الناس قد كثروا فأرى أن ترده عليهم . ففعل جرير ذلك ، فقالت أم كرز البجلية : يا أمير المؤمنين إن أبي هلك وسهمه ثابت في السواد وإني لم أسلم . فقال لها عمر : يا أم كرز إن قومك قد صنعوا ما قد علمت ، فقالت : إن كانوا صنعوا ما صنعوا فإني لست أسلم حتى تحملني على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ كفي ذهبا . ففعل عمر ذلك ، فكانت الذهب نحو ثمانين دينارا ، فهذا أصح ما جاء عن عمر في ذلك - وهو قولنا ، فإنه لم يوقف حتى استطاب نفوس الغانمين وورثة من مات منهم ؛ وهذا الذي لا يجوز أن يظن بعمر غيره ، ورب قضية خالفوا فيها عمر مما قد ذكرناه قبل من تخميسه السلب وإمضائه سائره للقاتل وغير ذلك ، ومن عجائبهم إسقاطهم الجزية عن أهل الخراج ؟ وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن محمد بن قيس عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن عمر ، وعلي أنهما قالا : إذا أسلم وله أرض وضعنا عنه الجزية وأخذنا منه خراجها . حدثنا ابن أبي شيبة عن هشيم عن حصين أن رجلين من أهل أليس أسلما فكتب عمر إلى عثمان بن حنيف أن يرفع الجزية عن رءوسهما وأن يأخذ الطسق من أرضيهما . حدثنا ابن أبي شيبة نا وكيع نا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن دهقانة من نهر الملك أسلمت فقال عمر : ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج . نا ابن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان عن جابر عن الشعبي أن الرفيل دهقان النهرين أسلم ففرض له عمر في ألفين ، ووضع عن رأسه الجزية ، وألزمه خراج أرضه . فإن قيل : حديث ابن عون مرسل ؟ قلنا : سبحان الله وإذ روي المرسل عن معاذ في اجتهاد الرأي كان حجة والآن ليس بحجة ، ولا يعرف لمن ذكرنا مخالف من الصحابة .

958 - مسألة : ولا يقبل من كافر إلا الإسلام ، أو السيف - الرجال والنساء في ذلك سواء - حاشا أهل الكتاب خاصة ، وهم اليهود ، والنصارى ، والمجوس فقط ، فإنهم إن أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار . وقال أبو حنيفة ومالك : أما من لم يكن كتابيا من العرب خاصة فالإسلام أو السيف . وأما الأعاجم فالكتابي وغيره سواء ، ويقر جميعهم على الجزية . قال أبو محمد : هذا باطل لقول الله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ، وقال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فلم يخص تعالى عربيا من عجمي في كلا الحكمين . وصح أنه عليه السلام أخذ الجزية من مجوس هجر ؛ فصح أنهم من أهل الكتاب ، ولولا ذلك ما خالف رسول الله كتاب ربه تعالى . فإن ذكروا ما روي عن النبي من قوله : { إنما أريدهم على كلمة تدين لهم بها العرب ثم تؤدي إليها العجم الجزية } فلا حجة لهم في هذا ؛ لأنهم لا يختلفون في أن أهل الكتاب من العرب يؤدون الجزية ، وأن من أسلم من العجم لا يؤدي الجزية . فصح أن هذا الخبر ليس على عمومه ، وأنه عليه السلام إنما عنى بأداء الجزية بعض العجم لا كلهم ، وبين تعالى من هم ، وأنهم أهل الكتاب فقط . والعجب كله أنهم جعلوا قول الله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } منسوخا بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ولم يجعلوا ذلك مبينا لقوله عليه السلام : { تؤدي إليكم الجزية } ولو قلبوا لأصابوا وهذا تحكم بالباطل . وقالوا : قال الله تعالى : { لا إكراه في الدين } ؟ فقلنا : أنتم أول من يقول : إن العرب الوثنيين يكرهون على الإسلام ، وإن المرتد يكره على الإسلام . وقد صح أن النبي أكره مشركي العرب على الإسلام ، فصح أن [ هذه ] الآية ليست على ظاهرها وإنما هي فيمن نهانا الله تعالى أن نكرهه ، وهم أهل الكتاب خاصة - وقولنا هذا هو قول الشافعي ، وأبي سليمان - وبالله تعالى التوفيق . 959 - مسألة : والصغار هو أن يجري حكم الإسلام عليهم ، وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم ، ولا مما يحرم في دين الإسلام قال عز وجل : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وبنو تغلب وغيرهم سواء لأن الله تعالى ورسوله لم يفرقا بين أحد منهم ، ويجمع الصغار شروط عمر رضي الله عنه عليهم . نا محمد بن الحسن بن عبد الوارث نا عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس نا أبو العباس محمد بن إسحاق بن أبي إسحاق الصفار نا أبو الفضل الربيع بن تغلب نا يحيى بن عقبة عن أبي العيزار عن سفيان الثوري عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه : أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا ما حولها ديرا ، ولا كنيسة ، ولا قلية ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب منها ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ، ولا يؤووا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين ، ويقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم : في قلنسوة ، ولا عمامة ، ولا نعلين ، ولا فرق شعر ، ولا يتكلموا بكلام المسلمين ، ولا يتكنوا بكناهم ، لا يركبوا سرجا ، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يتخذوا شيئا من السلاح ، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رءوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يضربوا ناقوسا إلا ضربا خفيفا ، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ولا يخرجوا سعانين ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين . فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق . وعن عمر أيضا : أن لا يجاورونا بخنزير . قال أبو محمد : ومن الصغار أن لا يؤذوا مسلما ، ولا يستخدموه ، ولا يتولى أحد منهم شيئا من أمور السلطان يجري لهم فيه أمر على مسلم

960 - مسألة والجزية لازمة للحر منهم والعبد ، والذكر ، والأنثى ، والفقير البات ، والغني الراهب سواء من البالغين خاصة ، لقول الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . ولا خلاف في أن الدين لازم للنساء كلزومه للرجال ولم يأت نص بالفرق بينهم في الجزية صح عن عمر بن عبد العزيز : أنه فرض الجزية على رهبان الديارات ، على كل راهب دينارين . ومن طريق سفيان الثوري أن عمر بن عبد العزيز أخذ الجزية من عتقاء المسلمين من اليهود والنصارى وقال مالك : لا تؤخذ الجزية ممن أعتقه مسلم ، أو كافر . وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان : تؤخذ الجزية منهم وما نعلم لقول مالك حجة أصلا . فإن قيل : قد صح عن عمر رضي الله عنه أن تؤخذ الجزية من كل من جرت عليه المواسي إلا النساء ؟ قلنا : أنتم أول من خالفتم هذا الحكم فأسقطتموها عن المعتقين ، والرهبان ، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد غير رسول الله وقد جاءت في هذا آثار مرسلة وهي كما روينا من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق قال : { بعث رسول الله معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة من أهل الذمة دينارا أو قيمته من المعافر } قال أبو محمد : على هذا الإسناد عولوا في أخذ التبيع من الثلاثين من البقر والمسنة من الأربعين ، ومن المحال أن يكون خبر حجة في شيء غير حجة في غيره . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال { في كتاب رسول الله إلى أهل اليمن : من كره الإسلام من يهودي ، أو نصراني فإنه لا يحول عن دينه وعليه الجزية على كل حالم ذكر ، أو أنثى ، حر أو عبد : دينار واف من قيمة المعافر أو عرضه } . ومن طريق أبي عبيد نا جرير بن عبد الحميد عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم بن عتيبة قال : { كتب رسول الله إلى معاذ وهو باليمن : في الحالم ، أو الحالمة دينار ، أو عدله من المعافر } قال أبو محمد : الحنفيون ، والمالكيون يقولون : إن المرسل أقوى من المسند ويأخذون به إذا وافقهم ، فالفرض عليهم أن يأخذوا هاهنا بها فلا مرسل أحسن من هذه المراسيل ، وأما نحن فإنما معولنا على عموم الآية فقط . فإن قالوا : إنما تؤخذ الجزية ممن يقاتل ؟ قلنا : فلا تأخذوها من المرضى ، ولا من أهل بلدة من بلاد الكفر لزموا بيوتهم وأسواقهم ولم يقاتلوا مسلما . فإن قالوا : أول الآية { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ؟ قلنا : نعم ، أمرنا بقتالهم إن قاتلونا حتى يعطي جميعهم الجزية عن يد كما في نص الآية ؛ لأن الضمير راجع إلى أقرب مذكور . والعجب أن الحنفيين يقيمون أضعاف الصدقة على بني تغلب مقام الجزية ، ثم يضعونها على النساء ، ثم يأبون من أخذ الجزية من النساء . فإن قالوا : قد نهى عمر عن أخذها من النساء ؟ قلنا : قد صح عن عمر الأمر بالتفريق بين كل ذي محرم من المجوس وأنتم تخالفونه ، وفي ألف قضية قد ذكرنا منها كثيرا ، فلا ندري متى هو عمر حجة ، ولا متى هو ليس حجة ؟ فإن ادعوا إجماعا كذبوا ، ولا سبيل إلى أن يجدوا نهيا عن ذلك عن غير عمر - ومسروق أدرك معاذا وشاهد حكمه باليمن ، وذكر أن النبي خاطبه بأخذ الجزية من النساء ، ومن المحال أن يخالف معاذ ما كتب إليه به رسول الله وبالله تعالى التوفيق . روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا الفضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد قال : يقاتل أهل الأوثان على الإسلام ، ويقاتل أهل الكتاب على الجزية ، وهذا عموم للرجال والنساء - وهو قولنا . وقال الشافعي ، وأبو سليمان : لا تقبل الجزية إلا من كتابي . وأما غيرهم : فالإسلام ، أو القتل - الرجال والنساء - وهو نص القرآن . فالتفريق بين [ كل ] ذلك لا يجوز ، ولا يحل ألبتة أن يبقى مخاطب مكلف لا يسلم ، ولا يؤدي الجزية ، ولا يقتل ؛ لأنه خلاف القرآن والسنن . ولا خلاف بين أحد من الأمة في النساء مكلفات من دين الإسلام ومفارقة الكفر ما يلزم الرجال سواء سواء ، فلا يحل إبقاؤهن على الكفر بغير قتل ولا جزية . وقد صح عن النبي ما [ قد ] ذكرناه قبل بإسناده  : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويؤمنوا بما أرسلت به - فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها وحسابهم على الله } . ولا يختلفون في أن هذه اللوازم كلها هي على النساء كما هي على الرجال ، وأن أموالهن في الكفر مغنومة كأموال الرجال ؛ فثبت يقينا أنهن لا يعصمن دماءهن وأموالهن إلا بما يعصم الرجال به أموالهم ودماءهم ، أو الجزية إن كن كتابيات ولا بد - وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الجهاد
كتاب الجهاد (مسألة 920 - 928) | كتاب الجهاد (مسألة 929 - 936) | كتاب الجهاد (مسألة 937 - 940) | كتاب الجهاد (مسألة 941 - 944) | كتاب الجهاد (مسألة 945 - 950) | كتاب الجهاد (مسألة 951 - 955) | كتاب الجهاد (مسألة 956 - 960) | كتاب الجهاد (مسألة 961 - 972)