محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة الحادية والثلاثون
كتاب النذور
1115 - مسألة : نكره النذر وننهى عنه ؛ لكن مع ذلك من نذر طاعة لله عز وجل لزمه الوفاء بها فرضا إذا نذرها تقربا إلى الله عز وجل مجردا أو شكرا لنعمة من نعم الله تعالى ؛ أو إن أراه الله تعالى أملا لا ظلم فيه لمسلم ، ولا لمعصية - : مثل أن يقول : لله علي صدقة كذا وكذا ، أو يقول : صوم كذا وكذا فأكثر ، أو حج ، أو جهاد ، أو ذكر لله تعالى ، أو رباط ، أو عيادة مريض ، أو شهود جنازة ، أو زيارة قبر نبي ، أو رجل صالح ، أو المشي أو الركوب ، أو النهوض إلى مشعر من مشاعر مكة ، أو المدينة ، أو إلى بيت المقدس ، أو عتق معين ، أو غير معين ، أو أي طاعة كانت - : فهذا هو التقرب المجرد . أو يقول : لله علي إذا خلصني من كذا ، أو إذا ملكني أمر كذا ، أو إذا جمعني مع أبي ، أو فلان صديقي ، أو مع أهلي صدقة ، أو ذكر شيئا من القرب التي ذكرنا . أو يقول : علي لله إن أنزل الغيث ، أو إن صححت من علتي ، أو إن تخلصت ، أو إن ملكت أمر كذا ، أو ما أشبه هذا . فإن نذر معصية لله ، أو ما ليس طاعة ولا معصية : لم يلزم الوفاء بشيء من ذلك - : مثل أن ينشد شعرا ، أو أن يصبغ ثوبه أحمر ، أو ما أشبه هذا - وكذلك من نذر طاعة إن نال معصية ، أو إذا رأى معصية - مثل أن يقول : لله علي صوم إن قتل فلان ، أو إن ضرب ، وذلك الفلان لا يستحق شيئا من ذلك . أو قال : لله علي صدقة إذا أراني مصرع فلان - وذلك الفلان مظلوم - : فكل هذا لا يلزم الوفاء بشيء منه ولا كفارة في شيء منه وليستغفر الله تعالى فقط . وكذلك من أخرج نذره مخرج اليمين ، فقال علي المشي إلى مكة إن كلمت فلانا ، أو علي عتق خادمي فلانة إن كلمت فلانا ، أو إن زرت فلانا ، فكل هذا لا يلزم الوفاء به ، ولا كفارة فيه إلا الاستغفار فقط . فإن قال : لله علي ولم يسم شيئا فليس عليه إلا كفارة يمين فقط . وقال قوم : ما خرج من هذا مخرج اليمين فعليه الوفاء به . وقال آخرون : ما خرج من هذا مخرج اليمين فليس فيه إلا كفارة يمين . قال أبو محمد : برهان صحة قولنا - : أما المنع من النذر فلما رويناه من طريق سفيان وشعبة ، كلاهما عن منصور عن عبد الله بن مرة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { أنه نهى عن النذر ، وقال : إنه لا يرد شيئا ولكن يستخرج به من البخيل } هذا لفظ سفيان . ولفظ شعبة إنه لا يأتي بخير مكان { إنه لا يرد شيئا ، وإنه يستخرج به من البخيل } واتفقا في غير ذلك . وصح أيضا مسندا من طريق أبي هريرة . وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري " أنه سمع أبا هريرة يقول : لا أنذر أبدا " وهذا يوجب ما قلنا : من أنه منهي عنه فإذا وقع لزم واستخرج به من البخيل . وأيضا قول الله تعالى : { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } . وقوله تعالى { : يا أيها الذين آمنو أوفوا بالعقود } { : ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . وقوله تعالى { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق } . فصح بهذا كله أن كل ما نهى الله تعالى عنه فلا يحل لأحد أن يفعله - فصح من هذا أن من نذره فقد نذر أن يعصي الله عز وجل وقد نهاه الله تعالى عن معصيته . فقد صح يقينا أن النذور والعقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها إنما هي نذر الطاعة فقط ، وليس نذر الطاعة إلا ما ذكرنا ولا مزيد ، وبالضرورة يدري كل أحد أن من نذر طاعة إن رأى معصية أو إن تمكن من معصية ، أو إذ رأى معصية سرورا بها - فإن كل ذلك منه عصيان لله تعالى ، لا يشك في شيء من هذا مسلم . فصح أنه كله نذر معصية فلا يحل الوفاء به . وأما ما لا طاعة فيه ولا معصية ، فإن ناذره موجب ما لم يوجبه الله تعالى ولا ندب إليه ، ومن فعل هذا فقد تعدى حدود الله تعالى ، ففعله لذلك معصية ، فلا يلزمه الوفاء بما لم يلزمه الله تعالى من ذلك . روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا أبو كريب محمد بن العلاء نا ابن إدريس هو عبد الله - عن عبيد الله بن عمر عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة أم المؤمنين قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ يقول ] : { من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه } . قال أحمد : طلحة بن عبد الملك ثقة ثقة ثقة . ومن طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا وهيب بن خالد نا أيوب هو السختياني - عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينما هو يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه ؟ فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى صلى الله عليه وآله وسلم : مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه } . وهذا كله هو نفس قولنا ولله الحمد ، أمره عليه السلام بالوفاء بالصوم الذي هو طاعة ونهاه عن الوفاء بما ليس طاعة ولا معصية من الوقوف وترك الاستظلال وترك الكلام . وقد قال أبو ثور : يلزمه ترك الكلام واحتج له بقوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا } . وبقوله تعالى { : آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } . قال علي : هذه شريعة زكريا ، ومريم عليهما السلام ولا يلزمنا شريعة غير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مع أن شأنهما آية من آيات النبوة ، وليست الآيات لنا ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ترك الكلام كما ذكرنا . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس قال : سمعت أبي يقول مذ عقلت لا نذر في معصية الله ، لا نذر إلا فيما تملك . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال : سألت الزهري عن النذر ينذره الإنسان ؟ فقال : إن كان طاعة لله فعليه وفاؤه ، وإن كان معصية لله فليتقرب إلى الله تعالى بما شاء . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن ابن عباس : أن رجلا أتاه فقال : إني نذرت إن نجا أبي من الأسر أن أقوم عريانا ، وأن أصوم يوما ؟ فقال له ابن عباس : البس ثيابك ، وصم يوما ، وصل قائما وقاعدا . وعن أبي الزبير : أنه سمع جابرا يقول : لا وفاء لنذر في معصية الله تعالى . وعن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب : أن رجلا نذر أن لا يأكل مع بني أخيه يتامى ؟ فقال له عمر : اذهب فكل معهم . وعن قيس بن أبي حازم أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أمر امرأة نذرت أن تحج ساكتة بأن تتكلم . وعن مسروق ، والشعبي : لا وفاء في نذر معصية ، ولا كفارة . ومن طريق مسلم نا قتيبة نا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار : أنه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله } . ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في حديث : { من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } . فأبطل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل يمين إلا بالله عز وجل ونهى عنها ، فمن حلف بغير الله فقد عصى الله تعالى ، ولا وفاء لنذر في معصية الله . قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة ، ومالك : من أخرج نذره مخرج اليمين مثل من قال علي المشي إلى مكة إن كلمت فلانا ، فإن كلمه فعليه الوفاء بذلك . وقال الشافعي : كفارة يمين فقط إلا في العتق المعين وحده . وقال أبو ثور : كفارة يمين في كل ذلك العتق المعين وغيره . وقال المزني : لا شيء في ذلك إلا في العتق المعين وحده ففيه الوفاء به . قال علي : أما من قال بقول أبي حنيفة ، ومالك ؛ فإنهم احتجوا بأنه نذر طاعة فعليه الوفاء به - وقالوا : قسناه على الطلاق . قال أبو محمد : وهذا خطأ ظاهر ؛ لأن النذر ما قصد ناذره الرغبة في فعله والتقرب إلى الله تعالى به ، واستدعى من الله عز وجل تعجيل تبليغه ما يوجب عليه ذلك العمل ، وهذا بخلاف ذلك ، لأنه إنما قصد الامتناع من ذلك البر ، وإبعاده عن نفسه جملة ومنع نفسه مما يوجب عليها ذلك العمل . فصح يقينا أنه ليس ناذرا ، وإذ ليس ناذرا ، فلا وفاء عليه بما قال . وأيضا فإنه عاص الله عز وجل في ذلك الالتزام إذ أخرجه مخرج اليمين ، وقد حرم الله تعالى عليه أن يحلف بغيره فصار معصية ولا وفاء لنذر معصية . فصح يقينا أن كل ما ذكرنا ليس نذر طاعة فيجب الوفاء به ، وليس يمينا لله تعالى فيجب فيه كفارة يمين - فبطل أن يجب في ذلك شيء ، إذ لم يوجبه قرآن ؛ ولا سنة - والأموال محظورة محرمة إلا بنص . وأما قياسهم إياه على الطلاق : فالخلاف أيضا في الطلاق غير المعين أشهر من أن يجهل - فظهر بطلان هذا القول . وأما من أوجب في ذلك كفارة يمين ، فباطل أيضا ، لأنه لا يمين إلا بالله تعالى ، ولم يوجب عز وجل كفارة في غير اليمين به ، فلا كفارة في يمين بغيره عز وجل . وأما من فرق بين العتق المعين وغيره فخطأ ، وحجتهم في ذلك أنه عتق بصفة - وليس كما قالوا - بل هو يمين بالعتق فهو باطل أيضا لا يلزم . وقالوا : قسنا العتق المعين على الطلاق المعين ؟ فقلنا : القياس كله باطل ، ثم لا يصح قولكم في الطلاق المعين إذا قصد به اليمين ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع . فإن احتجوا بالخبر الذي رويناه من طريق الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين } . وهذا خبر لم يسمعه الزهري من أبي سلمة ، إنما رواه عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة - وسليمان بن أرقم مذكور بالكذب . وخبر آخر : من طريق طلحة بن يحيى الأنصاري عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن كريب عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال { : من نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين } . وطلحة بن يحيى الأنصاري ضعيف جدا . وروينا من طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد بن درهم عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { لا نذر في غضب ، وكفارته كفارة يمين } . وخبر : من طريق عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { : لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين } محمد بن الزبير الحنظلي في غاية الضعف وزيادة : - فقد روينا من طريق ابن أبي شيبة عن المعتمر بن سليمان التيمي عن محمد بن الزبير الحنظلي عن عمران بن الحصين ، فذكر هذا الحديث نفسه . قال المعتمر : فقلت لمحمد بن الزبير أحدثكه من سمعه من عمران فقال : لا ولكن حدثنيه رجل عن عمران بن الحصين ، فبطل جملة . وآخر : من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن داود بن الحصين عن بكير بن الأشج عن كريب عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث طلحة بن يحيى الأنصاري الذي ذكرنا . وابن أبي أويس ضعيف . ومن طريق عبد الرزاق بن روح عن سلام بن سليمان عن محمد بن الفضل بن عطية عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { : من نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين } . سلام بن سليمان هالك . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر ، وابن جريج قال معمر : عن يحيى بن أبي كثير عن رجل من بني حنيفة ؛ وقال ابن جريج : حدثت عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ثم اتفقا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { : لا نذر في غضب ولا في معصية الله وكفارته كفارة يمين } . أحدهما مرسل ومنقطع ، والآخر مرسل وعمن لا يدرى من هو . وروينا عن ابن مسعود ، وابن عباس : لا وفاء لنذر في معصية وكفارته كفارة يمين - ولا يصح شيء من ذلك ؛ لأنه عن ابن مسعود من طريق ابنه أبي عبيدة ولم يسمع منه شيئا - وعن ابن عباس من طريق إبراهيم بن أبي يحيى ، وهو مذكور بالكذب . وروينا أيضا من طريق أبي سفيان عن جابر : لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ، وأبو سفيان ساقط . قال أبو محمد : ثم كل هذا على فساده فإن أبا حنيفة ، والشافعي : مخالفان له - : أما أبو حنيفة فلا يرى فيمن أخرج النذر مخرج اليمين إلا الوفاء به وهو نذر معصية وإنما يرى كفارة نذر المعصية كفارة يمين في موضعين فقط - : أحدهما - إذا قال : أنا كافر إن فعلت كذا وكذا ، وإذا قال : لله علي إن قتل اليوم فلان ، وأراد اليمين ، ولم ير على من نذر أن يزني ، أو أن يقتل ، أو أن يكفر ، أو أن يلوط ، أو أن يشرب الخمر كفارة يمين أصلا ، فخالف كل ما ذكرنا إلى غير سلف يعرف . وأما الشافعي فلم ير في شيء من النذور في المعصية كفارة يمين إلا فيمن نذر طاعة أخرجه مخرج اليمين ؛ فكلاهما مخالف لكل ما ذكرنا ، فبطل أن يكون لهم متعلق بشيء أصلا - وقولنا هو قول طائفة من السلف - : كما روينا من عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني أخبرني أبو رافع قال : قالت لي مولاتي ليلى بنت العجماء : كل مملوك لها حر ، وكل مال لها هدي ، وهي يهودية ، أو نصرانية إن لم تطلق امرأتك ؛ فأتيت زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين فجاءت معي إليها ، فقالت : يا زينب جعلني الله فداءك إنها قالت : كل مملوك حر وهي يهودية ؟ فقالت لها زينب : يهودية ونصرانية خل بين الرجل وبين امرأته : فكأنها لم تقبل فأتيت حفصة أم المؤمنين فأرسلت معي إليها فقالت : يا أم المؤمنين جعلني الله فداءك إنها قالت : كل مملوك حر ، وكل مال لها هدي وهي يهودية أو نصرانية ؛ فقالت أم المؤمنين : يهودية ونصرانية خل بين الرجل وبين امرأته . ومن طريق عائشة أم المؤمنين فيمن قال لغريمه : إن فارقتك فما لي عليك في المساكين صدقة ، ففارقه ، إن هذا لا شيء يلزمه فيه . وصح هذا أيضا عن الحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان من طريق شعبة عنهما وهو قول الشعبي والحارث العكلي ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد وأبي سليمان ، وأصحابنا . فإن قالوا : قد أفتى ابن عمر في ذلك بكفارة يمين ؟ قلنا : نعم ، وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في ذلك على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ، فما الذي جعل قول بعضهم أولى من قول بعض بلا برهان ؟ وصح عن عائشة ، وأم سلمة أمي المؤمنين . وعن ابن عمر أنه جعل قول ليلى بنت العجماء : كل مملوك لها حر ، وكل مال لها هدي ، وهي يهودية أو نصرانية إن لم تطلق امرأتك كفارة يمين واحدة . وعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت فيمن قال في يمين : مالي ضرائب في سبيل الله ، أو قال : مالي كله في رتاج الكعبة كفارة يمين . وعن أم سلمة ، وعائشة أمي المؤمنين فيمن قال علي المشي إلى بيت الله إن لم يكن كذا كفارة يمين . ومن طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن أشعث الحمراني عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عنهما . وروينا عن حماد بن عبد الله : النذر كفارته كفارة يمين . وعن ابن عباس مثل هذا - وعن عمر بن الخطاب نحوه . وعن عكرمة ، والحسن ، فيمن قال : مالي كله في رتاج الكعبة كفارة يمين - وصح عن طاوس ، وعطاء ، أما طاوس فقال : الحالف بالعتاق ، ومالي هدي ، وكل شيء لي في سبيل الله ، وهذا النحو كفارة يمين . وأما عطاء فقال فيمن قال علي ألف بدنة ، أو قال علي ألف حجة ، أو قال : مالي في المساكين : كل ذلك يمين . وهو قول قتادة وسليمان بن يسار ، وسالم بن عبد الله بن عمر . قال أبو محمد : كل هذا خلاف لقول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ؛ لأن الشافعي أخرج من ذلك العتق المعين - والذي ذكرنا عمن ذكرنا من الصحابة ، والتابعين هو قول عبيد الله بن الحسن ، وشريك ، وأبي ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد - وبه يقول الطحاوي ، وذكر أنه قول زفر بن الهذيل - وأحد قولي محمد بن الحسن . وقد روينا من طريق ثابتة عن ابن القاسم صاحب مالك أنه أفتى ابنه في المشي إلى مكة بكفارة يمين ، وقال له : إن عدت أفتيتك بقول مالك - وهذا عجب جدا ؟ - : حدثني بذلك حمام بن أحمد قال ثنا عبد الله بن محمد الباجي نا عمر بن أبي تمام نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثني بذلك عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه . وروينا عن ابن عمر قولا آخر وهو أن ابن عمر سئل عن النذر ؟ فقال : أفضل الأيمان ، فإن لم تجد ، فالتي تليها يقول : العتق ، ثم الكسوة ، ثم الإطعام ، إلا أنها من طريق أبي معشر - وهو ضعيف . وروينا مثل تفريق الشافعي أيضا بخلاف قوله أيضا عن ابن عباس وابن عمر من طريق إسماعيل بن أمية عن عثمان بن أبي حاضر قال : حلفت امرأة : مالي في سبيل الله ، وجاريتي حرة إن لم تفعل كذا ؟ فقال ابن عباس ، وابن عمر : أما الجارية فتعتق ، وأما قولها : مالي في سبيل الله ، فيتصدق بزكاة مالها . وروينا مثل قول أبي حنيفة عن ابن عمر من طريق لا تصح . وقد خالفوه أيضا فيها - : كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا جميل بن زيد عن ابن عمر قال : من حلف على يمين إصر فلا كفارة له والإصر أن يحلف بطلاق ، أو عتاق ، أو نذر ، أو مشي ، ومن حلف على يمين غير ذلك فليأت الذي هو خير فهو كفارته . جميل بن زيد - ساقط . ولو صح لكانوا قد خالفوه في هذا الخبر نفسه ؛ لأنه لم يجعل فيمن أتى خيرا مما حلف أن يفعله كفارة ، إلا فعله ذلك فقط . فإن قالوا : قد أمر النبي ﷺ في هذا بالكفارة ؟ قلنا : نعم وقد نهى النبي ﷺ عن الحلف بغير الله تعالى ونهى عن الوفاء بنذر المعصية ، فإن كان قوله يمينا فهو معصية ، وإن كان نذرا فهو معصية ، إذ لم يقصد به قصد القربة إلى الله تعالى ، فلا وفاء فيه ، ولا كفارة - فحصل قول هؤلاء القوم خارجا عن أقوال جميع السلف .
محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب النذور |
كتاب النذور (مسألة 1115) | كتاب النذور (تتمة 1 مسألة 1115) | كتاب النذور (تتمة 2 مسألة 1115) | كتاب النذور (مسألة 1116 - 1126) |