محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السابعة والثلاثون


كتاب الصيام

735 - مسألة : فمن تعمد ذاكرا لصومه شيئا مما ذكرنا فقد بطل صومه ، ولا يقدر على قضائه إن كان في رمضان أو في نذر معين ، إلا في تعمد القيء خاصة فعليه القضاء . برهان ذلك - : أن وجوب القضاء في تعمد القيء قد صح عن رسول الله كما ذكرنا قبل هذه المسألة بمسألتين ؛ ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء : نص بإيجاب القضاء ، وإنما افترض تعالى رمضان - لا غيره - على الصحيح المقيم العاقل البالغ ، فإيجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به ، فهو باطل ، ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى فيقول قائل : إن صوم غيره ينوب عنه ، بغير نص وارد في ذلك - : وبين من قال : إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة ، والصلاة إلى غير الكعبة تنوب عن الصلاة إلى الكعبة ، وهكذا في كل شيء . قال الله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } . وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . فإن قالوا : قسنا كل مفطر بعمد في إيجاب القضاء على المتقي عمدا قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنهم أول من نقض هذا القياس ؟ فأكثرهم لم يقس المفطر عمدا بأكل أو شرب على المفطر بالقيء عمدا في إسقاط الكفارة عنهم كسقوطها عن المتقي عمدا ، وهم الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : قاسوهم على المفطر بالقيء عمدا ، ولم يقيسوهم كلهم على المجامع عمدا في وجوب الكفارة عليهم كلهم ؛ فقد تركوا القياس الذي يدعون فإن وجد من يسوي بين الكل في إيجاب القضاء والكفارة كلم في إبطال القياس فقط . فإن ذكروا أخبارا وردت في إيجاب القضاء على المتعمد للوطء في نهار رمضان ؟ قيل : تلك آثار لا يصح فيها شيء - : لأن أحدها : من طريق أبي أويس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة { أن رسول الله أمر الذي أفطر في رمضان بالكفارة وأن يصوم يوما } وأبو أويس ضعيف ، ضعفه ابن معين وغيره . والثاني : رويناه من طريق هشام بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة { أن رسول الله أمره بأن يصوم يوما } وهشام بن سعد ضعفه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وغيرهما ، ولم يستجز الرواية عنه يحيى بن سعيد القطان . والثالث : رويناه من طريق عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن النبي قال للواطئ في رمضان اقض يوما مكانه } ؟ وعبد الجبار بن عمر : ضعيف ، ضعفه البخاري ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أبو داود السجستاني : هو منكر الحديث . والرابع : رويناه من طريق الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن { النبي أنه أمر الواطئ في نهار رمضان أن يصوم يوما مكانه } وهذا أسقطها كلها لأن الحجاج لا شيء ، ثم هي صحيفة ورويناه مرسلا من طريق مالك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن المسيب ومن طريق ابن جريج عن نافع بن جبير بن مطعم . ومن طريق أبي معشر المدني { عن محمد بن كعب القرظي ؛ كلهم أن النبي أمره بقضاء يوم } . وهذا كله مرسل ، ولا تقوم بالمرسل حجة ؟ وتالله لو صح منها خبر واحد - مسند من طريق الثقات - لسارعنا إلى القول به فإن لجوا وقالوا : المرسل حجة ، ولا نضعف المحدثين ؟ قلنا لهم : فلا عليكم حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا قاسم بن أصبغ ثنا مطرف بن قيس ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب قال : { جاء أعرابي إلى رسول الله يضرب نحره وينتف شعره ويقول : هلك الأبعد ، فقال رسول الله وما ذاك ؟ قال : أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال له رسول الله هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : تستطيع أن تهدي بدنة ؟ قال : لا ، قال : فاجلس فأتي بعرق تمر وذكر باقي الخبر } . وهكذا رويناه من طريق ابن جريج ومعمر عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب - : فليأخذوا بالبدنة في الكفارة في ذلك ؛ وإلا فالقوم متلاعبون ؟ وقلنا لهم : لو أردنا التعلق بما لا يصح لوجدنا خيرا من كل خبر تعلقتم به هاهنا ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - وعبد الرحمن بن مهدي قالا جميعا : ثنا سفيان هو الثوري - عن حبيب بن أبي ثابت حدثني أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله { من أفطر يوما من رمضان - من غير رخصة ولا مرض - لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه } . قال أحمد بن شعيب : وأنبأنا مؤمل بن هشام ثنا إسماعيل عن شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال : { من أفطر يوما من رمضان - من غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صوم الدهر } . قال أحمد بن شعيب : أنبأنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة ، قال : أخبرني حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت عمارة بن عمير يحدث عن أبي المطوس ، قال حبيب : وقد رأيت أبا المطوس ، فصح لقاؤه إياه فهذا أحسن من كل ما تعلقوا به ؟ وأما نحن فلا نعتمد عليه ؛ لأن أبا المطوس غير مشهور بالعدالة ، ويعيذنا الله من أن نحتج بضعيف إذا وافقنا ، ونرده إذا خالفنا ؟ وقال بمثل قولنا أفاضل السلف - : روينا من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن البيلماني : أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فيما أوصاه به : من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع . ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب أنه أتي بشيخ شرب الخمر في رمضان ، فقال للمنخرين للمنخرين ولداننا صيام ثم ضربه ثمانين وصيره إلى الشام . قال أبو محمد : ولم يذكر قضاء ولا كفارة ؟ ومن طريق سفيان عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه : أن علي بن أبي طالب أتي بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان ، فضربه ثمانين ، ثم ضربه من الغد عشرين ، وقال : ضربناك العشرين لجرأتك على الله وإفطارك في رمضان ؟ قال علي : ولم يذكر قضاء ، ولا كفارة

ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن عمر بن يعلى الثقفي . عن عرفجة عن علي بن أبي طالب قال : من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه أبدا طول الدهر . وعن ابن مسعود : من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر وإن صامه . وبأصح طريق عن علي بن الحسين عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان ، فقال أبو هريرة : لا يقبل منه صوم سنة . ومن طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن أبي هريرة : من أفطر يوما من أيام رمضان لم يقضه يوما من أيام الدنيا . قال أبو محمد : من أصل الحنفيين الذين يجاحشون عنه - ويتركون له السنن - : أن الخبر إذا خالفه راويه من الصحابة كان ذلك عندهم دليلا على ضعف ذلك الخبر أو نسخه ، قالوا ذلك في حديث ابن مغفل ، وأبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا إحداهن بالتراب ، فتركوه ؛ لأنهم ادعوا أن أبا هريرة خالفه ؛ وقد كذبوا في ذلك ؛ بل قد صح عنه القول به ، وهذا مكان قد خالف فيه - أبو هريرة ما روي من هذا القضاء . وخالفه أيضا سعيد بن المسيب - على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ، فرأى على من أفطر يوما من رمضان صوم شهر ؛ فينبغي لهم إسقاط القضاء المذكور في الخبر بهاتين الروايتين ؟ فإن قالوا قد رواه غير أبي هريرة ، وغير سعيد ؟ قلنا : وغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا قد رواه غير أبي هريرة فإن قالوا محال أن يكون عند أبي هريرة هذا الخبر ويفتي بخلافه ؟ قلنا : فقولوا هذا في خبر غسل الإناء : محال أن يكون عنده ذلك الخبر ويخالفه وهذا ما لا مخلص لهم منه ؟

736 - مسألة : ولا قضاء إلا على خمسة فقط : وهم الحائض ، والنفساء فإنهما يقضيان أيام الحيض والنفاس ، لا خلاف في ذلك من أحد ، والمريض ، والمسافر سفرا تقصر فيه الصلاة . لقول الله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } . والمتقيئ عمدا ، بالخبر الذي ذكرنا قبل ، وهذا كله أيضا مجمع عليه في المريض ، والمسافر إذا أفطرا ، وكلهم مطيع لله تعالى ، لا إثم عليهم ، إلا المتقيئ ، وهو ذاكر ؛ فإنه آثم ولا كفارة عليه

737 - مسألة : ولا كفارة على من تعمد فطرا في رمضان بما لم يبح له ، إلا من وطئ في الفرج من امرأته أو أمته المباح له وطؤهما إذا لم يكن صائما فقط ؛ فإن عليه الكفارة ، على ما نصف بعد هذا إن شاء الله تعالى ، ولا يقدر القضاء ، لما ذكرنا ؟ برهان ذلك - : أن رسول الله لم يوجب الكفارة إلا على واطئ امرأته عامدا ، واسم امرأته يقع على الأمة المباح وطؤها ، كما يقع على الزوجة ، ولا جمع للمرأة من لفظها ؛ لكن جمع المرأة على نساء ، ولا واحد للنساء من لفظه ، قال تعالى : { نساؤكم حرث لكم } فدخل في ذلك - بلا خلاف - : الأمة المباحة ، والزوجة ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى رسول الله فقال : هلكت يا رسول الله ، قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ قال لا ثم جلس ، فأتي النبي بعرق فيه تمر ، فقال : تصدق بهذا ؟ فقال : أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي حتى بدت أنيابه ، ثم قال : اذهب فأطعمه أهلك } . قال أبو محمد : هكذا رواه منصور بن المعتمر ، وشعيب بن أبي حمزة ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، ومعمر ، وعراك بن مالك كلهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله . وخالف أشهب في هذا اللفظ سائر أصحاب الليث ؟ فلم يوجب الكفارة على غير من ذكرنا ، وقد قال عليه السلام { : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يحل مال أحد بغير نص أو إجماع متيقن . ولا يحل لأحد إيجاب غرامة لم يوجبها القرآن ولا رسول الله فيتعدى بذلك حدود الله ، ويبيح المال المحرم ، ويشرع ما لم يأذن به الله تعالى ؟ فإن قيل : فلم لم توجبوا الكفارة على كل من أفطر في رمضان فطرا لم يبح له ، بأي شيء أفطر ؟ بما رويتموه من طريق مالك ، وابن جريج ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، كلهم عن الزهري ، ومن طريق أشهب عن الليث عن الزهري ، ثم اتفقوا : عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة { أن رجلا أفطر في نهار رمضان ، فأمره رسول الله أن يكفر بعتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ؟ فقال : لا أجد ، فأتي رسول الله بعرق تمر ، فقال : خذ هذا فتصدق به ؟ فقال : يا رسول الله لا أجد أحوج إليه مني فضحك رسول الله حتى بدت أنيابه ، وقال : كله } . قلنا : لأنه خبر واحد عن رجل واحد ، في قصة واحدة ، بلا شك ، فرواه من ذكرنا عن الزهري مجملا مختصرا ، ورواه الآخرون الذي ذكرنا قبل وأتوا بلفظ الخبر كما وقع ، كما سئل عليه السلام ، وكما أفتى ، وبينوا فيه أن تلك القضية إنما كانت وطئا لامرأته ، ورتبوا الكفارة كما أمر بها رسول الله وأحال مالك ، وابن جريج ، ويحيى : صفة الترتيب ، وأجملوا الأمر ، وأتوا بغير لفظ النبي فلم يجز الأخذ بما رووه من ذلك ، مما هو لفظ من دون النبي عليه السلام ممن اختصر الخبر وأجمله ، وكان الفرض أخذ فتيا النبي عليه السلام كما أفتى بها ، بنص كلامه فيما أفتى به ؟ فإن قيل : فإنا نقيس كل مفطر على المفطر بالوطء ؛ لأنه كله فطر محرم ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هاهنا هذا القياس باطلا ؛ لأنه قد جاء خبر المتقيئ عمدا ، وفيه القضاء ، ولم يذكر فيه كفارة . فما الذي جعل قياس سائر المفطرين على حكم الواطئ أولى من قياسهم على حكم المتعمد للقيء ؟ والآكل ، والشارب أشبه بالمتعمد للقيء منهما بالواطئ ؛ لأن فطرهم كلهم من حلوقهم لا من فروجهم ، بخلاف الواطئ ؛ ولأن فطرهم كلهم لا يوجب الغسل ، بخلاف فطر الواطئ ؛ فهذا أصح في القياس ، لو كان القياس حقا ؟ وقد أجمعوا على أنه لا كفارة على المتعمد لقطع صلاته ؛ والصلاة أعظم حرمة وآكد من الصيام ، فصارت الكفارة خارجة عن الأصل ؛ فلم يجز أن يقاس على خبرها ؟ فإن قال : إني أوجب الكفارة على المتعمد للقيء ؛ لأني أدخله في جملة من أفطر فأمر بالكفارة ، وأجعل هذا الخبر الذي رواه مالك ، وابن جريج ، ويحيى عن الزهري - : زائدا على ما في خبر المتعمد القيء ؟ قلنا : هذا لازم لكل من استعمل لفظ خبر مالك ، وابن جريج عن الزهري لازم له ، وإلا فهو متناقض ، وقد قال بهذا بعض الفقهاء . وروي عن أبي ثور ، وابن الماجشون ، إلا أن من ذهب إلى هذا لم يكلم إلا في تغليب رواية سائر أصحاب الزهري التي قدمنا على ما اختصره هؤلاء فقط . وليس إلا قولنا أو قول من أوجب الكفارة والقضاء على كل مفطر ، بأي وجه أفطر ، بعموم رواية مالك ، وابن جريج ، ويحيى ، وبالقياس جملة على المفطر بالوطء وبالقيء . وأما الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : فلم يتعلقوا بشيء من هذا الخبر أصلا ، ولا بالقياس ، ولا بقول أحد من السلف لأنهم أوجبوا الكفارة على بعض من أفطر بغير الوطء فتعدوا ما رواه جمهور أصحاب الزهري ، وأسقطوا الكفارة عن بعض من أفطر بغير الوطء ، مما قد أوجبها فيه غيرهم ، فخالفوا ما رواه مالك ، ويحيى ، وابن جريج ؛ فخالفوا كل لفظ خبر ورد في ذلك جملة وخالفوا القياس ؛ إذ لم يوجبوا الكفارة على بعض من أفطر بغير الوطء وبالوطء ، ولم يتبعوا ظاهر الآثار ؛ إذ أوجبوها على بعض من أفطر بغير الوطء على ما نذكر من أقوالهم بعد هذا ؛ فلا يجوز إيهامهم بأنهم تعلقوا في هذا الموضع بشيء من الآثار ، أو بشيء من القياس - : على من نبهناه على تخاذل أقوالهم في ذلك وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : وقد اختلف السلف في هذا ، فنذكر إن شاء الله تعالى ما يسر الله عز وجل لذكره من أقوالهم ، ثم نعقب بأقوال الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، التي لا متعلق لها بالقرآن ولا بشيء من الروايات ، والسنن ، لا صحيحها ولا سقيمها ، ولا بإجماع ، ولا بقول صاحب ، ولا بقياس ، ولا برأي له وجه ، ولا باحتياط ، وبالله تعالى نتأيد ؟ فقالت طائفة : لا كفارة على مفطر في رمضان بوطء ولا بغيره - : روينا بأصح إسناد عن الحجاج بن المنهال : ثنا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم - عن إبراهيم النخعي ، في رجل أفطر يوما من رمضان ، قال : يستغفر الله ويصوم يوما مكانه ؟ وعن الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان ، وأيوب السختياني ، وحبيب بن الشهيد ، وهشام بن حسان ، قال حماد : عن إبراهيم النخعي ، وقال أيوب ، وحبيب وهشام كلهم عن محمد بن سيرين . ثم اتفق إبراهيم ، وابن سيرين ، فيمن وطئ عمدا في رمضان : أنه يتوب إلى الله تعالى ، ويتقرب إليه ما استطاع ، ويصوم يوما مكانه . ورويناه أيضا من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين فيمن أكل يوما من رمضان عامدا ، قال : يقضي يوما ويستغفر الله ؟ ومن طريق الحجاج بن المنهال : ثنا جرير بن حازم حدثني يعلى بن حكيم قال : سألت سعيد بن جبير عن رجل وقع بامرأته في رمضان : ما يكفره ؟ فقال : ما ندري ما يكفره ذنب أو خطيئة ، يصنع الله تعالى به فيه ما يشاء ويصوم يوما مكانه ؟ ومن طريق حجاج بن المنهال : ثنا أبو عوانة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي أنه قال فيمن أفطر يوما من رمضان : لو كنت أنا لصمت يوما مكانه ؟ فهؤلاء : ابن سيرين ، والنخعي ، والشعبي ، وسعيد بن جبير : لا يرون على الواطئ في نهار رمضان عامدا كفارة وقالت طائفة بالكفارة ، ثم اختلفوا فروينا من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج الكلابي عن عوف بن مالك الأشجعي قال قال عمر بن الخطاب : صوم يوم من غير رمضان وإطعام مسكين يعدل يوما من رمضان وجمع بين أصبعيه ؟ قال أبو محمد : وعهدناهم يقلدون عمر في أجل العنين ، وفي حد الخمر ثمانين . ولا يصح في ذلك شيء عن عمر ، فليقلدوه هاهنا ؛ فهو أثبت عنه مما قلدوه ولكنهم متحكمون بالباطل في الدين وقالت طائفة كما روينا عن المعتمر بن سليمان : قرأت على فضيل عن أبي حريز قال : حدثني أيفع قال : سألت سعيد بن جبير عمن أفطر في رمضان ؟ فقال : كان ابن عباس يقول : من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة ، أو صوم شهر ، أو إطعام ثلاثين مسكينا ، ومن وقع على امرأته وهي حائض ، وسمع أذان الجمعة ولم يجمع ، وليس له عذر - : كذلك عتق رقبة ؟ قال علي : وهذا قول لا نص فيه ، وعهدنا بالحنفيين يقولون في مثل هذا - إذا وافق أهواءهم - : مثل هذا لا يقال بالرأي ، فلم يبق إلا أنه توقيف ، فيلزمهم أن يقولوه هاهنا ، وإلا فهم متلاعبون بالدين ؟ وقالت طائفة كما روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ، في رجل أفطر يوما من رمضان : يصوم ثلاثة آلاف يوم . وقالت طائفة كما روينا من طريق حماد بن سلمة : أنا حميد أنه سأل الحسن البصري عن رجل أفطر في رمضان أربعة أيام يأكل ويشرب وينكح ؟ فقال الحسن : يعتق أربعة رقاب ، فإن لم يجد فأربع من البدن ، فإن لم يجد فعشرين صاعا من تمر لكل يوم ، فإن لم يجد صام لكل يوم يومين ؟ وقد ذكرنا مثل هذا مرسلا عن النبي من طريق سعيد بن المسيب . وروينا أيضا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن { أن النبي قال في الذي وطئ امرأته في رمضان : رقبة ، ثم بدنة } ، ثم ذكر نحو حديث الزهري في العرق من التمر ؟ ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن { أن رجلا أتى النبي وقد واقع أهله في رمضان ، فقال له عليه السلام : أعتق رقبة ؟ قال : لا أجد ، قال : أهد بدنة ؟ قال : لا أجد ، قال : صم شهرين ، قال : لا أستطيع ، قال : أطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا أجد ، فأتي النبي بمكتل فيه تمر فقال : تصدق بهذا ؟ فقال : يا رسول الله : ما بينهما أهل بيت أحوج منا ، قال : كله أنت وعيالك } ؟ ومن طريق حماد بن سلمة : أنا عمارة بن ميمون عن عطاء بن أبي رباح { أن رسول الله أمر الذي وقع بامرأته في رمضان أن يعتق رقبة ؟ قال : لا أجد ، قال : أهد هديا ؟ قال : لا أجده وذكر باقي الحديث } ؟ فإن تعللوا في مرسل سعيد بأنه ذكر له ما رواه عطاء الخراساني عنه من ذلك ؟ فقال سعيد : كذب ، إنما قلت له : تصدق تصدق - : فإن الحسن وقتادة ، وعطاء رووه أيضا مرسلا وفيه الهدي بالبدنة . قال أبو محمد : عهدنا بالحنفيين ، والمالكيين يقولون : المرسل كالمسند ، وهذا مرسل من طرق ، فيلزمهم القول به ؛ لأنه زاد على سائر الأحاديث ذكر الهدي . وأيضا - من طريق القياس : فإن البدنة ، والهدي يجبر بهما نقص الحج ؛ ولم نجد شيئا من الأعمال يجبر نقصه بكفارة إلا الحج ، والصوم ؛ فيجب أن يكون للهدي في الصوم مدخل كما له في الحج ؛ ولكن القوم لا يثبتون على شيء ؟ وأما نحن فلا حجة في مرسل عندنا أصلا . وقالت طائفة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : سألت سعيد بن المسيب عن رجل أكل في رمضان عامدا ؟ فقال : عليه صيام شهر ، قلت : يومين ؟ قال : صيام شهر ، قال : فعددت أياما فقال : صيام شهر ؟ ومن طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الذي يفطر من رمضان متعمدا : عليه صوم شهر ؟ ومن طريق الحجاج بن المنهال : ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : عليه لكل يوم أفطر شهر ؟ قال علي : يحتمل هذا القول أنه أراد شهرا شهرا عن كل يوم ، ويحتمل ما رواه معمر من أن عليه لكل يوم أفطر شهرا واحدا ، وهذا أظهر وأولى ، لتيقن الروايات عنه ؟ وحجة من قال بهذا : ما رويناه من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال : ثنا أحمد بن يحيى الصوفي الكوفي ثنا أبو غسان ثنا مندل عن عبد الوارث عن أنس قال قال رسول الله { : من أفطر يوما من رمضان فعليه صوم شهر } . قال علي : مندل ضعيف ، وعبد الوارث مجهول . ولو صح لقلنا به ، ويلزم القول به من لم يبال بالضعفاء ؛ لأنه زائد على سائر الأخبار ، ويلزم أيضا المالكيين القائلين بأن نية واحدة في أول الشهر تجزئ لجميعه ؛ لأنه كله كصلاة واحدة ، وكيوم واحد ؟

وقالت طائفة كما روينا من طريق الشافعي : أن ربيعة قال : من أفطر يوما من رمضان عامدا فعليه صيام اثني عشر يوما ، لأن الله عز وجل تخيره من اثني عشر شهرا قال الشافعي : يجب على هذا أن من ترك صلاة من ليلة القدر أن يقضي ثلاثين ألف صلاة لأن الله تعالى يقول : { ليلة القدر خير من ألف شهر } . وقال الحنفيون ، والمالكيون ما نذكره إن شاء الله تعالى ، وهو أقوال لا تؤثر كما هي عن أحد من السلف - : فأما الشافعيون : فهم أقل الثلاث الطباق تناقضا ؛ وذلك أنهم قالوا : لا تجب الكفارة على مفطر عمدا في رمضان إلا على من جامع إنسانا ، أو بهيمة في فرج أو دبر ، فإن من فعل هذا تجب عليه الكفارة بالإيلاج ، أمنى أم لم يمن ؛ والكفارة عنده كما ذكرنا قبل من رواية الجمهور عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة عن النبي ولم ير على المرأة الموطوءة كفارة في أشهر الأقوال عنه ، ولا على من تعمد الأكل ، والشرب ، أو غير ذلك ، ولم يجعل في كل ذلك إلا القضاء فقط فقاس الواطئ لامرأة محرمة عليه على واطئ امرأته ، وقاس من أتى ذكرا على من أتى امرأته ، وقاس من أتى بهيمة على من أتى أهله ، وليس شيء من ذلك في الخبر . ولم يقس الآكل ، والشارب ، والمجامع دون الفرج فيمني والمرأة الموطوءة - : على الواطئ امرأته ، وهذا تناقض ؟ فإن قال أصحابه : قسنا الجماع على الجماع ، والأكل والشرب على المتعمد للقيء ؟ قلنا : فهلا قستم مجامع البهيمة على مجامع المرأة في إيجاب الحد ؟ كما قستموه عليه في إيجاب الكفارة ؟ وهلا قستم المرأة الموطوءة على الرجل الواطئ في إيجاب الكفارة ؟ فهو وطء واحد ، هما فيه معا ؟ وهلا قستم المجامع دون الفرج عامدا فيمني على المجامع في إيجاب الكفارة عليه ؟ فهذا أقرب إليه منه إلى الآكل ؟ وهذا تناقض قبيح في القياس جدا ؟ وأما المالكيون : فتناقضهم أشد ، وهو أنهم أوجبوا الكفارة ، والقضاء : على المفطر بالأكل أو الشرب ، وعلى من قبل فأمنى ؛ أو باشر فأمنى ؛ أو تابع النظر فأمنى ؛ وعلى من أكل ، أو شرب ، أو جامع شاكا في غروب الشمس فإذا بها لم تغرب ؛ وعلى من نوى الفطر في نهار رمضان وإن لم يأكل ولا شرب ، ولا جامع ، إذا نوى ذلك أكثر النهار ؛ وعلى المرأة تمس فرجها عامدة فتنزل ؟ ورأى على المرأة المكرهة على الجماع في نهار رمضان القضاء ، وأوجب على الواطئ لها الكفارة عن نفسه وكفارة أخرى عنها . وهذا عجب جدا ولم ير عليها إن أكرهها على الأكل والشرب كفارة ؛ ولا على التي جومعت نائمة ، ولا عليها ولا عليه عنها وهذا تناقض ناهيك به ولئن كانت الكفارة عليها فما يجزئ أن توجب الكفارة على غيرها ؟ ولئن لم تكن الكفارة عليها فأبعد من ذلك أن تجب على غيرها عنها ؟ وأبطلوا صيام من قبل فأنعظ ، أو أمذى ولم يمن أو باشر أو لمس فأمذى ولم يمن . ومن - نظر إلى امرأة - غير عامد لذلك - وتابع النظر فأمذى ولم يمن ، أو نظر نظرة ولم يتابع النظر فأمنى ، ومن تمضمض في صيام نهار رمضان فدخل الماء حلقه عن غير تعمد ، ومن أكل ناسيا أو وطئ ناسيا ، أو كان ذلك وهو لا يوقن بطلوع الفجر فإذا بالفجر قد طلع ، أو كان ذلك وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب ، ومن أكل شاكا في طلوع الفجر ثم لم يوقن بأنه طلع ولا أنه لم يطلع ، ومن أقام مجنونا يوما من رمضان أو أياما ، أو رمضان كله ، أو عدة شهور رمضان من عدة سنين ، ومن أغمي عليه أكثر النهار ، ومن أغمي عليه أياما من رمضان ، والمرضع تخاف على رضيعها ؛ والمرأة تجامع نائمة ، والمكره على الأكل والشرب ، ومن صب في - حلقه ماء وهو نائم ، ومن احتقن ، ومن اكتحل بكحل فيه عقاقير ، ومن بلع حصاة . وأوجبوا على كل من ذكرنا القضاء ، ولم يروا في شيء من ذلك كفارة . وهذا تناقض لا وجه له أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة . ولا من رواية فاسدة ، ولا من إجماع ، ولا من قول صاحب ، أو تابع ، ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه ؛ ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبله ؟ وقد رأينا بعض مقلديه يوجبون على طحاني الدقيق ، والحناء ومغربلي الكتان والحبوب - : القضاء ، ويبطلون صومهم ، ولا يوجبون عليهم في تعمد ذلك كفارة ويدعون أن هذا قياس قول مالك وهذا تخليط لا نظير له ويلزمهم إبطال صوم كل من سافر فمشى في غبرة على هذا ؟ ولم يبطل صوم من قبل أو باشر فلم ينعظ ولا أمذى ولا أمنى ، ولا صوم من أمنى من نظر ولا لمس ، ولا صوم تطوع بدخول الماء في حلق فاعله من المضمضة ، ولا صوم متطوع صب الماء في حلقه وهو نائم وهذا عجب جدا أن يكون أمر واحد يبطل صوم الفرض ولا يبطل صوم التطوع ؟ ولم يبطل صوم من جن ، أو أغمي عليه أقل النهار ، وهذا عجب آخر ؟ ولم يبطل صوم من نام النهار كله ، وهذا عجب زائد ؟ ولا ندري قوله فيمن نوى الفطر أقل النهار : أيرى عليه القضاء ويبطل صومه بذلك ؟ أم يرى صومه تاما ؟ إلا أنه لا يرى فيه كفارة بلا شك ؟ ولم يبطل الصوم بالفتائل تتدخل لدواء ، ولا نقف الآن على قوله في السعوط والتقطير في الأذن ؟ ولم يبطل الصوم بكحل في العين لا عقاقير فيه ، ولا بمن تعمد بلع ما يخرجه من بين أضراسه من الجذيذة ونحوها ، ولا بمضغ العلك ، وإن استدعى الريق ، وكرهه ؟ قال أبو محمد : إن كان لا يبطل الصوم فلم كرهه ؟ وهذه أقوال لا نحتاج من إبطالها إلى أكثر من إيرادها ؟ وأما الحنفيون فأفسد الطباق أقوالا ، وأسمجها تناقضا وأبعدها عن المعقول ؟ وهو أن أبا حنيفة أوجب الكفارة والقضاء على من وطئ في الفرج - خاصة - امرأة ، حلالا له أو حراما وعلى المرأة عن نفسها ، وعلى من أكل ما يغتذي به ، أو شرب ما يتغذى به ، أو بلع لوزة خضراء ، أو أكل طينا إرمينيا خاصة . وأبطل صوم من لاط بإنسان في دبره فأمنى ، أو ببهيمة في قبل أو دبر فأمنى ، ومن بقي إلى بعد الزوال لا ينوي صوما ، ومن قبل ذاكرا لصومه فأمنى ، ومن لمس كذلك فأمنى ، أو جامع كذلك دون الفرج فأمنى ، ومن تمضمض فدخل الماء في حلقه وهو ذاكر لصومه ، ومن أكل ، أو شرب ، [ أو جامع ] بعد طلوع الفجر وهو غير عالم بطلوعه ثم علم ، ومن فعل شيئا من ذلك وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب ، ومن جن في يوم من رمضان ، أو أياما ، أو الشهر كله إلا ساعة واحدة منه ، ومن أغمي عليه بعد ما دخل رمضان ، حاشا يوم الليلة التي أغمي عليه فيها ، والمرضع تخاف على رضيعها ، ومن أصبح صائما في السفر ثم جامع ، أو أكل ، أو شرب عامدا ذاكرا ، ومن جامع ، أو أكل ، أو شرب عمدا ثم مرض من نهاره ذلك ، أو حاضت إن كانت امرأة ، ومن أصبح في رمضان لا ينوي صوما ثم أكل ، أو شرب ، أو جامع في صدر النهار ، أو في آخره ، والمرأة تجامع وهي نائمة ، أو مجنونة ، أو مكرهة ومن احتقن أو استعط أو قطر في أذنه قطورا ؟ واختلف قوله فيمن قطر في إحليله قطورا ، فمرة أبطل صومه ، ومرة لم يبطله ؟ وأبطل صوم من داوى جائفة به أو مأمومة بدواء رطب ، وإلا فلا ؟ وأبطل صوم من بلع حصاة عامدا ، أو بلع جوزة رطبة أو يابسة ، أو لوزة يابسة ، ومن رفع رأسه إلى السماء فوقع نقط من المطر في حلقه ؟ وأوجبوا في كل ذلك القضاء ولم يروا في شيء من ذلك كفارة . ولم يبطلوا صوم من لاط بذكر فأولج إلا أنه لم ينزل ولا صوم من أتى بهيمة في قبل أو دبر إلا أنه لم ينزل ولا صوم من أولج في دبر امرأة إلا أنه لم ينزل ورأوا صومه في كل ذلك تاما صحيحا لا قضاء فيه ولا كفارة ولم يبطلوا صوم من اكتحل بعقاقير أو بغيرها ، وصل إلى الحلق أو لم يصل ، ولا صوم من تابع النظر إلى فرج امرأة فأمنى ؛ ولا صوم من قبل أو باشر فأمذى ولم يمن ، ولا صوم من أكل ناسيا ، أو جامع ناسيا ، أو شرب ناسيا ، ولا صوم من جامع أو شرب ، أو أكل شاكا في الفجر ما لم يتبين أنه أكل بعد الفجر ، أو جامع بعده ، أو شرب بعده . ومنع للقادم من سفر فوجد امرأته قد طهرت من حيضها أن يجامعها " فليت شعري : إن كانا صائمين ، فهلا أوجب عليهما الكفارة ؟ وإن كانا غير صائمين ، فلم منعهما ؟ ولا أبطل صوم من أخرج من بين أسنانه طعاما - أقل من حمصة - فبلعه عامدا ذاكرا لصومه . قال أبو محمد : فمن أعجب شأنا ، أو أقبح قولا ممن يرى اللياطة . وإتيان البهيمة عمدا في نهار رمضان لا ينقض الصوم ؟ ويرى أن من قبل امرأته التي أباح الله تعالى له تقبيلها وهو صائم فأمنى فقد بطل صومه أو ممن فرق بين أكل ما يغذي وما لا يغذي ؟ ولا ندري من أين وقع لهم هذا ؟ وممن رأى أن من قبل زانية أو ذكرا أو باشرهما في نهار رمضان فلم ينعظ ، ولا أمذى : أن صومه صحيح تام لا داخلة فيه ؟ ومن قبل امرأته التي أباح الله تعالى له تقبيلها وهو صائم فأنعظ : أن صومه قد بطل ؛ ومن يرى على من أكل ناسيا القضاء ويبطل صومه ؟ ويرى أن من أكل متعمدا ما يخرج من بين أضراسه من طعامه أن صومه تام ؟ فهل في العجب أكثر من هذا ؟ والعجب كله في إيجابهم الكفارة على بعض من أفطر من غير المجامع قياسا على المجامع ، ثم إسقاطهم الكفارة عن بعض من أفطر من غير المجامع وكلاهما مفطر ، وتركوا القياس في ذلك ولم يلتزموا النص وأوجبوا الكفارة على المكرهة على الوطء ، وهي غير عاصية بذلك ، وأسقطوها عن المتعمد للقبل فيمذي وهو عاص ؟ فإن قال : ليس عاصيا ؟ قلنا : فالذي قبل فأمنى إذن ليس عاصيا ، فلم أوجبتموها عليه ؟ وهذه تخاليط لا نظير لها ولا متعلق لهم أصلا بشيء من الأخبار ؛ لأنهم فرقوا بين المفرطين في الحكم فلم يأخذوا برواية من روى { أن رجلا أفطر فأمره النبي عليه السلام بالكفارة } ولا برواية من روي { أن رجلا وقع على امرأته وهو صائم فأمره النبي عليه السلام بالكفارة } ، فيقتصروا عليه ، ولا قاسوا عليه كل مفطر ؟ وأسقطوا الكفارة عمن تعمد الفطر في قضاء رمضان ، وفي صوم نذر ، وفي شهري الكفارة ، وقد صح عن قتادة إيجاب الكفارة في قضاء رمضان إذا أفطر فيه عامدا ، وتركوا هاهنا القياس ؛ لأنه صوم فرض ، وصوم فرض ، وتعمد فطر ، وتعمد فطر ؟ فإن قيل : فمن أين أسقطتم الكفارة عمن وطئ امرأة محرمة عليه في الفرج ؟ وعن المرأة الموطوءة بإكراه أو بمطاوعة ؟ قلنا : لأن النص لم يرد إلا فيمن وطئ امرأته ، ولا يطلق على من وطئها في غير الفرج اسم واطئ ، ولا اسم مواقع ، ولا اسم مجامع ، ولا أنه وطئها ؛ ولا أنه وقع عليها ، ولا أنه جامعها ، إلا حتى يضاف إلى ذلك صلة البيان ، فإيجاب الكفارة على غير من ذكرنا مخالف للسنة وتعدي لحدود الله تعالى في ذلك ، وإيجاب ما لم يوجبه ؟ وأما المرأة فموطوءة ، والموطوءة غير الواطئ ، فالأمر في سقوط الكفارة عنها على كل حال أوضح من كل واضح ؟ وأيضا : فإن واطئ الحرام لا يصل إلى الوطء إلا بعد قصد إلى ذلك بكلام أو بطش ولا بد ؛ وكلا الأمرين معصية تبطل الصوم فلم يجامع إلا وصومه قد بطل - وبالله تعالى التوفيق . فإن قيل : فإنكم توجبونها على من وطئ امرأته أو أمته وهما حائضان ؟ قلنا : لأن رسول الله أوجبها على من وطئ امرأته جملة ، ولم يسأله : أحائضا هي أم غير حائض ؟

738 - مسألة : ومن وطئ [ عمدا ] في نهار رمضان ثم سافر في يومه ذلك أو جن ، أو مرض لا تسقط عنه الكفارة ، لأن ما أوجبه الله تعالى فلا يسقط بعد وجوبه إلا بنص ، ولا نص في سقوطها لما ذكرنا . وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : تسقط بالمرض ولا تسقط بالسفر

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام

كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)