محمد علي باشا والسلطان محمود الثاني: النزاع بينهما وبعض وجوهه الجغرافية/الجزء الثاني

​محمد علي باشا والسلطان محمود الثاني: النزاع بينهما وبعض وجوهه الجغرافية​ المؤلف أسد رستم
ملاحظات:



محمد علي باشا والسلطان محمود الثاني

العوامل الجغرافية والاقتصادية في النزاع بينهما

–٢–

كثير من العوامل الجغرافية والاقتصادية جعل سورية ميدانا للنزاع الشديد بين محمد علي والسلطان محمود ﴿الخشب﴾ آن مصرة رغما عن خصبها لم تكن تكفي سكانها منذ مائة سنة وما كان يزرع فيها من أشجار الجميز والسنط والغفل لم يقض سوى القليل من حاجتهم و حاجة محمد علي خاصة إلى الخشب فكان عليه أن يستورد معظم ما يحتاج اليه من الوقود والاخشاب التي يحتاج اليها في أعمال الحرب والسلم كبناء السفن النقل الغلال نیلا إلى الإسكندرية وبحرة الى مرافئ الشرق الأدنى وصنع البوارج والنقالات الحربية التي عرف بثاقب نظره ان لا بد له منها في حروبه مع متبوعه

كانت مصر الخصبة غنية بالحاصلات الزراعية كالقطن والنيلة ومختلف المواد الغذائية فكان من خرق الرأي أن تزرع فيها الحراج ليستعاض بأخشابها عن الاستيراد1. ولم يستطع محمد علي حينئذ ان يستفيد من الخشب الكثير في حراج السودان بعد فتحي لتلك البلاد لان الجانب الأكبر من تلك الحراج كان وراء السد في انحاء منقلة2 ولذلك لم يستطع نقل خشبه طافيا على مجرى النيل لان السدود والشلالات حواجز طبيعية تمنع ذلك ولان الفيضان النوي بين أبريل وسبتمبر يبعثر الأخشاب الطافية وينشرها فوق الأراضي التي ينبض عليها النيل3 . فاضطر أن يحذو حذو تحتمس الثالث ورعمسيس الثاني بن العصور القديمة وابن طولون في العصور المتوسطة وهو أن يبحث عن الاخشاب التي يحتاج اليها في سورية و بلاد القرم

كانت حراج سورية منذ مائة سنة اكثر انتشارا مما هي الآن ولا يزال السائر في جنوب سورية پری آثار حرج شارون الشهير (4) وكانت الانج والاشعار تغطي جبل الكرل والسهل بين الكرمل والنار حتى مدخل من مداخل القدس (5) كذلك كانت اشجار السنديان والبطم والصنوبر تغطي الأحكام الشرقية في الخليل والمخدرات الغربية عجلون وجلعاد) وكانت حراج السنديان والصنوبر كثيرة في جبال لبنان الي شمال بيروت وجنوبها يمشي المسافرون في ظلالها ساعات متوالية هربا من حرارة الهجير واذا حولنا انظارنا شطر جبال لبنان الشرقية ( انتبلبنان ) وجدنا فيها كثيرة ! اشتهرت به سورية من الغابات والحراج . وتلال أنطاكية واللاذقية كانت مغطاة من قمها إلى سفوحها باشجار الشربين والسنديان وكذلك كانت الحراج الكثيفة تغطي منحدرات امانوس ) و يقال أن مساحة الحراج في جهات أنطاكية بلغت نحو 500 الف هكتاره) اضف الى ذلك كله أن سكان مصر كانوا يحتاجون الى خشب الجميز والتوت الذي بن سورية وقبليقية فيصنعون من الاول مطارق للارز (۹) والطنابير المائية (۱۰) وكانت معامل محمد علي تصنع من خم قضبان التوت بارودة استعمله في حروبه (۱۱) وخير مقیاس نقيس به ما كان لخشب سوريا وقبليقية من المقام لدي محمدعلي هو مقار ما قطعة ضباطه من اشجارالحراج المختلفة بين ۱۸۳۱-۱۸۹۰ فما كاد ابرهيم باشا يصل ال اطنة حتي اصدر اوامر مشددة لبناء طرق تصل بين الحراج و الجر (۱۲)۔ حتى يسهل نقل الأشجار منها إلى مصر، وقد أرسل نحو 80 الف جزع شجرة من شمال سورية وقيليقية سنة ۱۸۳۷. وقبل انتهاء تلك السنة جاء الاسكندرونة ضابط موفد من قبل محمد علي ليختار ما يزيد على مليون شجرة ويراقب قطعها وارسال اجزاعها إلى مصر لتستخدم في بناء سدود وعمل اعمال (1) Eusebe De Salles, Pererginations en Orient eto; 1, 407. (*) Carne Letters, 249 (1) r. George Post's Palestine Exploration Fund Quarterly Stet-ment, 1888, 200 W. *. Kelly, and tb- Holy Land etc; p. 266. Cniant, Turquie d'Asie, 11, 16. .) H. Guys, Relation d'un sejour de plusieurs années a Beyrout et dans le Liban, (Paris 1847), 1.39-40. (1) Hamont, L'Egypte sous Mehemet Ali, 1. 165. For other uses of sycomore see (11) Ibid, II, 72. (1) St John, Egypt and Mohammed Ali, II, 415, کارت بك ج۱ صحة ۲۱۷ ولد ۱۷ أخرى على النيل (۱۳). كذلك قطعت اشجار أخرى من غابة ارز لبنان وارسلت الى معامل الذخيرة والسلاح في والمعادن با وكان محمد علي في حاجة شديدة الى الفحم والحديد والنحاس لان معامله و ترساناتي كانت تستعمل مقادير كبيرة من هذه المعادن كل سنة . وكان يلزم له إن يسعى لانشاء سكك وبناء سفن والات بخار به او استيرادها (۱۰). ادرنا محمد علي ما لمسألة المعادن من المقام في نجاح عمله لجعل يفكر في حلها. فارسل حسن باشا سنة ۱۸۱۹ ليبحث عن الفحم في الصعيد۱۹) وبعد انقضاء خمس سنوات ارسل اثنين من الافرنج بدعیان سيف وپر تون في المهمة نفسها (۱۷) ولكن الثلاثة لم يجدوا شيئا من المعادن التي كان يحتاج اليها حينئذ جعل يبحث عنها في مكان آخر. فبعث بروتشي الى جبل لبنان ليبحث عما فيه من المعادن ولم تنقض على بروتشي سنة حتى بعث تقريرا الى سيده فيه انه يمكن العثور في لبنان على حديد ونحاس وذهب وفضة وزنك . وكان سكان لبنان في ذلك الحين قد حفروا منجم قرنايل واستعملوا بعض ما فيه طبيا (۱۸) فكان هذا التقرير من أقوى العوامل على أقرب محمد علي من ولاة سورية ورغبته في فمها الي مصر الجنود لم يكن تحت سيطرة محمد علي رجال كثيرون يكفون لزرع الارض وخوض غمار المعارك. فتجنيده الكثيرين من رجال مصر وخسائره في حروبه ببلاد العرب والسودان وشبه جزيرة المورة قللا اليد العاملة في مختلف اعماله الزراعية والصناعية (۱۹) فاضطر أن يترك كثيرة من اطبانه غير مزروع لقلة العمال . و في حل هذه المسألة التفت إلى السودان اولا كما فعل في حل مسألة الخشب . لكن بلاد السودان لم تقر بحاجته الان السودانيين كالهنود الحمر لا يستطيعون أن يتحملوا التغير في اساليب معيشتهم. غين إلى مصر وجدوا مصاعب كبيرة في تحمل مشاق المعيشة العسكرية فنتکت بهم الأمراض ومات كثيرون منهم بالسل (۳۰) . وحينما ذهب ابرهيم باشا في حملته (10) الجير ي ج 4 ص ۳۳۳ (1) J. Bowring, Report on Syria etc. pp. 11-12, 69. (14) Do Salles, Peregrinations etc; 1,127. (10) St. John, Egypt and Mohammed Ali, II, 415. (\) F. Bonola, l'Egypte et la Geographie, (Ed. 1889), 9-11. (14) H. Guys, Beyrout et Liban, 1,294, 295. (1) Hamont, Egypte sous Mehemet Ali, 1, 45. (۳۰) Ibid, I, 494. Ibid, العسكرية الى شبه جزيرة المورة كان معه نحو۱۰۰ او ۸۰۰ جندي سوداني وكان في نيته ان يجملهم حرسه الخاص لكن التغير في المعيشة اضعف اجسادهم فان اكثرهم في السفر (۲۱ ولذلك لم يفلح ما اشار به مانجان من سد النقص في سكان مصر بترحيل قبائل من (Y) السودان اليها (۳۲) حينئذ (۲۴) مل (۲۶) و بعد ما فشل محمد علي في الاعتماد على الجنود السودانيين تطلع الى سورية. فسكان سورية ولبنان حينئذ كانوا بطبيعة بلاده شديدي المراس كما انهم كانوا كثيري العدد حتى قال بعض السياح في القسم الأول من القرن التاسع عشر أن سكات سور بة كانوا يعادلون سكان . فلا محل للدهشة اذا رأينا محمد علي يعتمد عليهم في جيوشه وهو القائل من جبال لبنان اجند جنودي فادرب منهم جيشا كبيرا ولا اقف به الا على ضفاف دجلة والفرات» ( والتجارة بلا والوان محمد علي كان غنيا لما كانت حاجنه الى الاخشاب والجنود شديدة الوطأة عليه لكن المال في خزائنه لم يكف نفقاته الكثيرة . فرو به في بلاد العرب والسودان وشبه جزيرة المورة استنفدت كثيرة من ماله . ثم اشترى عمارة بحرية من اور با و بعد تدميرها في نافار بنو جرب أن يبني سفن الحرية في معامل خاصة انشأها لهذا الغرض . وكان عليه أن يبقي جيشا لا يقل عن عشرين الف محارب ويدفع للباب العالي جزية سنوية كبيرة ، اضف الى ذلك ما وجب عليه انفاقه على موظفي الباب العالي من رشوة - كل هذا اثبت له وجوب البحث عن مصدر للثروة اذا اراد النجاح في حروبه مع السلطان محمود ادار طرفة فلم يجد مصدرة للثروة فريب التناول اغني من سور ية وفيلقبة. كان ذلك قبلا حفر قنال السويس ومدت السكك الحديدية في قلب القارة الافريقية وحين كانت البواخر المسافرة الى الشرق الأقصى تدور حول رأس الرجاء الصالح في اقصی افربقية من (۲۰) (۲۳) المعروف أن لبنان وحده كان قادر أن يجند جينة عدته مائة الف محارب حسب قول () St. John, Egypt and M. Ali, II, 475, (TP) Histoire de l'Egypte etc. 11, 320. Guys, Beyrout et Liban, 1. 215-276; 11. 209-210. (Y) Correspondance des Generaux Beillard et Boyer, p. 79. (۲۰) لم يطلب محمد على المال المال ولا الحصول على كماليات الحياة ولم يتختم بالجواهر وكانت ميزانية حكومته ۲۰۰۰۰ اکراس سنة ۱۸۷۳ لم يخصص منها لبيته سري 400 کیس 'Aus, 11ohammed Aly 15 Reich 1,176. Browing Report p. 45 ۹۸ القطن (۳) (۳) محمد علي باشا والسلطان محمود الثاني الجنوب . في ذلك الزمن كان كل من القطرين السوري والمصري مستقلا استقلالا اقتصاديا فكانت مصر تصدر الى سورية الأرز والكرو الرطب و القمح والسمسم والنيلة (۳۹) ,السمك المقدد وعرق اللؤلؤ وعطر الورد و اصنائا مختلفة . المنسوجات القطنية والصوفية (۲۸) وكانت سورية تصدر إلى مصر حريرة وقطنا وزيتونا وجلد ماعز وجذور الفوة وخيلا واحجار رحى وكثيرا من مصنوعات اسيا الوسطى والهند والصين كانت تجي اليها مع القوافل وكان محمد علي قد احتکر حاصلات مصر فدر عليه هذا الاحتكار مالا طائلا فعزم ان يفعل في سورية ما فعله في مصر لعل له من ورائه مالا وفيرة والحرير وكان الحرير السوري وما ينسج منه اول ما لفت نظره .لان الاتجار بهذا الصنف في مصر كان واسعا حين قدوم الحملة الفرنسوبة اليها . ولم تكتفي مصر بما فيها من حاصل الحرير فاستوردت حريرة من تونس والجزائر ومراكش . واصدرت اللاذقية الى مصر 54 الف اقة من الحرير الخام بين منة ۱۷۹۸ وسنة ۱۷۹۹ . واصدرت بيروت وطرابلس ما يزيد على 640 الف انة واصدرت صور وصيدا نحو 90 الف اقة (*) وكانت دمشق في مقدمة المدن التي تصدر الحرير منسوجا فاصدرت الف قطعة من « الكربش» و ۲۰ الف قطعة من « الآلاجا » وعشرة آلاف قطعة من « القطني كانت منسوجات حلب المقصبة وكفيات بيروت مشهورة مصر في عهد محمد علي ووجه محمد علي عنايته إلى حريرسور بة لسبب آخر ذلك انه كان مهتما بجعل البلاد ستقلة استقلاة صناعيا عن اور با تحاول أن يدخل تربية دود الحرير في مصر ففشل (۲۹) الجبرتي عجایب الاثار طمع القاهرة سنة ۱۸۲۲ ج 4 ص ۱۹۹ و ۱۹۰ (۴۰) (TY) 11 و ) Description de l'Egypte, (Paris Ed. 1824)XVII, 312-313. (۲۷) Description de l'Egypte XVII.250; De Salles, Peregrinations, 11 (TA) Description de l'Egypte, XVII, 218-220, 238, 314. (a) De Salles, Peregrinations ete; 1, 214; Carne, Letters 175; Guys Beyrout et Liban, 1, 341; Pocoeke 1,89; Hamont, 11,382;St. Jol. Egypt and Nubia, 22; Description de l'Egypte, XVII, 125,233 308, 309. (v.) Decsription de l'Egypte, XVII, 303-305; (1) Ibid. 310. (r) Ibid. 309-310. (--) Gays, Beyrout et Liban, 1, 168: F. Perrier, La Syrie sous le Gouvernement de Mehemet Ali eto; 89. الشدة الحر فيها فكان الدود ينقف من الجزر قبل أن يورق شجر التوت فيموت الدود جوعا (۴) ، وكانت الرياح الغربية الجنوبية التي تسيني ذرات الغبار والرمل و نقلبات الحرارة الفجائية تجي بامراض تميت ما بقي من دود الحرير، وعلى الضد من ذلك كان سورية كثيرة الملائمة لتربية دود الحرير سواء في هوائها او اعتدال حرارتها . فاشجار التوت تورق حين ينقف البزر والدود ليس معرضا فيه الأمراض بكتيرية كالتي تهاجمه في البلدان الحارة. لذلك رآها مناسبة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي الذي يرمي اليه من هذه الجهة(۴۰ والصابون ومما رغب محمد علي باشا في امتلاك سورية صناعة الصابون فيها . كان قد انقضى مئات من السنين وسكان سورية يصنعون الصابون و يصدرونه الى مصر يؤيد ذلك أن فلسطين اصدرت سنة ۱۷۹۹ نحو تسعة آلاف قنطار من الصابون الى مصر. وكان لبيروت وطرابلس تجارة واسعة في الصابون مع مصر في الربع من القرن التاسع عشر . واذا علمت أن محمد علي كانت في حاجة شديدة الى الصابون في سكرانه وسفت و معامله وقصوره ( ادرکت شأن الصابون کامل اقتصادي رغب محمد علي باشا في ضم سورية إلى مصر زيت الزيتون بوكانت مصر تعتمد على سورية في مسألة الزيتون وز بته لان زيتون الفيوم وما زرعد محمد علي في جوار القاهرة كانت اتمار كثيرة الماء لا يستخرج منها زيت الزيت السوري في جودته (۳۸) . وذلك لان اشجار الزيتون تتفق بطبيعتها مع توبة كلسية يسهل تجفيفها كترية سورية و بلاد اليونان - ولا نتفق مع تربة رسوبية كترية وادي النيل . ثم انه كان من خرق الرأي أن يكف عن زرع المزروعات التي تجود في مصر خاصة ليزرع الزيتون مكانها ولذلك رأى انه يستطيع أن يستغني بزیتون سورية وزيتها عما كان يستورده من الخارج ستأتي البقية الأول Hamont, Egypte sous M. Ali, 1, 38, (+1) (۳۰) لبت هذه كل الأسباب التي أدت الى فشل تربية دود الحرير في مصر وا وانما نريد أن تبين أن هذا الفشل أدي الي اهتمام محمد على بتربته في سورية (۳۱) تكاد تجزم أن الحالة كانت گذات في القسم الاول من القرن التاسع عشر ، وقول سعيد به طوكان النابلسي وعمره الآن ۷۰ سنة أن أباه و جده كانا يصدران الصابون الى مصر (۳۷) كان يستعمل مقادير كبيرة منه في مصنع الطرايش بقوه حسب قول (۳۸) اس ابراهيم باشا بعد رجوعه من الور: بزرع ۸۰ ألف شجرة (كمب ) زيتون في حوار دیوانه بالقاهرة وفي اراضيه بالقبة ;445,St. John , II Jomard Coup-d'oeil etc. 206


---

  1. كلوت بك ج ۱ صفحة 346
  2. هذه المعلومات وما اليها مستقاة من صاحب السمو البرنس عمر طوسن ومن مدير المجلس الاقتصادي في حكومة السودان
  3. جرب محمد علي أن يذلل الشلال كحاجز للملاحة فلم يفلح
    Hamont. L'Egypte sous Mehemet Ali, 1. 217-218.