معالم السنن/الجزء الأول/11

​معالم السنن​ للإمام الخطابي
 


70/123 -124م ومن باب في تخفيف الصلاة

245- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمرو سمعه من جابر كان معاذ يصلي مع النبي ثم يرجع فيصلي بقومه فأخر النبي ليلة الصلاة وقال مرة العشاء فصلى معاذ مع النبي ثم جاء يؤم قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فصلى، فقيل نافقت فقال ما نافقت فأتى الرجل النبي فقال إنا نحن أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا وإنه جاء يؤمنا فقرأ بسوره البقرة فقال ما معاذ أفتان أنت أفتان أنت اقرأ بكذا اقرأ بكذا، قال أبو الزبير بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى فذكرنا لعمرو فقال أراه قد ذكره.

النواضح الإبل التي يستقى عليها، والفتان هو الذي يفتن الناس عن دينهم ويصرفهم عنه، وأصل الفتنة الامتحان، يقال فتنت الفضة في النار إذا امتحنتها فأحميتها بالنار لتعرف جودتها.

وفي الحديث من الفقه جواز صلاة للمفترض خلف المتنفل.

وفيه أن المأموم إذا حزبه أمر يزعجه عن إتمام الصلاة مع الإمام كان له أن يخرج من إمامته ويتم لنفسه. وقد تأوله بعض الناس على خلاف ظاهره وزعم أن صلاته مع رسول الله نافلة وليس هذا عندنا كما توهمه وذلك أن العشاء اسم للفريضه دون النافله. ثم لا يجوز على معاذ مع فقهه أن يترك فضيلة الصلاة مع رسول الله إلى فعل نفسه، هذا مع قوله إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وكيف يجوز عليه أن يترك المكتوبة وقد أقيمت إلى النافلة التي لم تكتب عليه ولم يخاطبنها.

246- قال أبو داود: حدثنا يحيى بن حبيب حدثنا خالد بن الحارث حدثنا محمد بن عجلان عن عبيد الله بن مقسم عن جابر وذكر قصة معاذ قال وقال النبي للفتى: كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت قال أقرأ: بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ.

الدندنة قراءة مبهمة غير مفهومة والهينمة مثلها أو نحوها.

71/122-123م ومن باب تخفيف الصلاة لأمر يحدث

247- قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا عمر بن عبد الواحد وبشر بن بكر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال رسول الله: إنى لأقُومُ إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه.

فيه دليل على أن الإمام وهو راكع إذا أحس برجل يريد الصلاة معه كان له أن ينتظره راكعا ليدرك فضيلة الركعة في الجماعة لأنه إذا كان له أن يحذف من طول الصلاة لحاجة الإنسان في بعض أمور الدنيا كان له أن يزيد فيها لعبادة الله بل هو أحق بذلك وأولى. وقد كرهه بعض العلماء وشدد فيه بعضهم وقال أخاف أن يكون شركا وهو قول محمد بن الحسن.

72/124-125م ومن باب قدر القراءة في الظهر

248- قال أبو داود: حدثنا مسدد نا عبد الوارث عن موسى بن سالم نا عبد الله بن عبيد الله قال دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم فقلنا لشاب منا سله أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر فقال لا قال فلعله يقرأ في نفسه قال خمشا هذه شر من الأولى.

قوله خمشا دعاء عليه بأن يخمش وجهه أو جلده كما يقال جدعا له وصلبا وطعنا ونحو ذلك من الدعاء بالسوء.

قلت وهذا وهم من ابن عباس قد ثبت عن النبي أنه كان يقرأ في الظهر والعصر من طرق كثيرة منها حديث أبي قتادة قال كان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانا. ومنها حديث خباب كان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر فقيل له بم كنتم تعرفون قال باضطراب لحيته.

73/127-128م ومن باب قدر القراءة في المغرب

249- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت رسول الله يقرأ في المغرب بطولى الطوليين.

قلت أصحاب الحديث يقولون بطول الطِوالين وهو غلط، والطول الحبل وليس هذا بموضعه إنما هو طُولى الطُوليين يريد أطول السورتين، وطُولى وزنه فعلى تأنيث أطول، والطوليين تثنية الطولى، ويقال أنه أراد سورة الأعراف وهذا يدل على أن للمغرب وقتين كسائر الصلوات.

وقد وردت فيه أخبار أكثرها صحيح. حديث عبد الله بن عمرو وحديث بريدة وحديث أبي موسى، وقد تقدم الكلام فيها في موضعها.

74/131-132م- ومن باب من ترك القراءة في صلاته

250- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام قال فقلت يا أبا هُرَيْرَة فإني أكون أحيانا وراء الإمام فغمز ذراعي وقال أقرأ بها يا فارسي في نفسك فإني سمعت رسول الله يقول: « قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدى ولعبدي ما سأل. قال رسول الله : اقرؤا يقول العبد {الحمد لله رب العالمين} يقول الله حمدني عبدى، يقول العبد {الرحمن الرحيم} يقول الله اثنى عليّ عبدي، يقول العبد {مالك يوم الدين} يقول الله عز وجل مجدني عبدي، يقول العبد {إياك نعبد وإياك نستعين} يقول الله وهذه بيني وبيني عبدي ولعبدي ما سأل ؛ يقول العبد {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل.

قوله فهي خداج معناه ناقصة نقص فساد وبطلان، تقول العرب أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها وهو دم لم يستبن خلقه فهي مخدج والخداج اسم مبني منه.

وقوله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإنه يريد بالصلاة القراءة يدل على ذلك قوله عند التفسير له والتفصيل للمراد منه إذا قال العبد {الحمد الله رب العالمين} يقول الله حمدني عبدي إلى آخر السورة وقد تسمى القراءة صلاة لوقوعها في الصلاة وكونها جزءا من أجزائها كقوله تعالى {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} 1 قيل معناه القراءة وقال {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} 2 أراد صلاة الفجر فسمى الصلاة مرة قرآنا والقرآن مرة صلاة لانتظام أحدهما الآخر يدل على صحة ما قلناه. قوله بيني وبين عبدي نصفين والصلاة خالصة لله لا شرك فيها لأحد فعقل أن المراد به القراءة.

وحقيقة هذه القسم منصرفة إلى المعنى لا إلى متلو اللفظ وذلك أن السورة من جهة المعنى نصفها ثناء ونصفها مسألة ودعاء، وقسم الثناء ينتهي إلى قوله {إياك نعبد} وهو تمام الشطر الأول من السورة وباقي الآية وهو قوله {وإياك نستعين} من قسم الدعاء والمسألة. ولذلك قال وهذه الآية بيني وبين عبدي ولو كان المراد به قسم الألفاط والحروف لكان النصف الآخر يزيد على الأول زيادة بينة فيرتفع معنى التعديل والتنصيف وإنما هو قسمة المعاني كما ذكرته لك وهذا كما يقال نصف السنة إقامة ونصفه سفر، يريد به انقسام أيام السنة مدة للسفر ومدة للإقامة لا على سبيل التعديل والتسوية بينهما حتى يكونا سواء لا يزيد أحدهما على الآخر، وقيل لشريح كيف أصبحت قال أصبحت ونصف الناس عليّ غضاب يريد أن الناس محكوم له ومحكوم عليه، فالمحكوم عليه غضبان عليّ لاستخراج الحق منه وإكراهي إياه عليه وكقول الشاعر:

إذا مت كان الناس نصفين شامتٌ …بموتي ومثن بالذي كنت أفعل

وقد يستدل بهذا الحديث من لا يرى التسمية آية من فاتحة الكتاب، وقالوا لو كانت آية منها لذكرت كما ذكر سائر الآي، فلما بدىء بالحمد لله دل أنه أول آية منها وأن لاحظ للتسمية فيها.

وقد اختلف الناس في ذلك فقال قوم هي آية من فاتحة الكتاب وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وقال آخرون ليست التسمية من فاتحة الكتلب روي ذاك عن عبد الله بن المغفل. وإليه ذهب أصحاب الرأي وهو قول مالك والأوزاعي.

251- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وابن السرح قالا: حَدَّثنا سفيان عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت يبلغ به النبي قال: لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا قال سفيان لمن يصلي وحده.

قلت هذا عموم لا يجوز تخصيصه إلا بدليل.

252- قال أبو داود: حدثنا النفيلي نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال كنا خلف النبي فقرأ رسول الله فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قلنا نعم هذَّا يا رسول الله قال لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها.

قلت هذا الحديث نص بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام سواء جهر الإمام بالقراءة أو خافت بها وإسناده جيد لا طعن فيه. والهذ سرد القراءة ومداركتها في سرعة واستعجال، وقيل أراد بالهذ الجهر بالقراءة وكانوا يلبسون عليه قراءته بالجهر، وقد روي ذلك في حديث عبادة هذا من غير هذا الطريق.

وقوله لا تفعلوا يحتمل أن يكون المراد به الهذ من القراءة وهو الجهر بها ويحتمل أن يكون أراد بالنهي ما زاد من القراءة على فاتحة الكتاب.

253- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي، عَن أبي هريرة أن رسول الله انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي أحد منكم آنفا فقال رجل نعم يا رسول الله قال إني أقول ما لي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله فيما جهر فيه من الصلوات حين سمعوا ذلك منه.

قلت قوله فانتهى الناس عن القراءة من كلام الزهري لا من كلام أبي هريرة قال أبو داود وسمعت محمد بن يحيى يقول فانتهى الناس من كلام الزهري، وكذلك حكاه عن الأوزاعي.

وقوله : ما لي أنازع القرآن معناه اداخَل في القرآن وأغالب عليها.

وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمناوبة، ومنه منازعة الناس في النِدام.

254- قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين أن نبي الله صلى بهم الظهر فلما انفتل قال أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى فقال رجل أنا فقال علمت أن بعضكم خالجنيها.

قوله خالجنيها أي جاذبنيها، والخلج الجذب. وهذا وقوله نازعنيها سواء وإنما أنكر عليه محاذاته في قراءة السورة حتى تداخلت القراءتان وتجاذبتا.

وأما قراءة فاتحة الكتاب فإنه مأمور بها في كل حال إن أمكنه أن يقرأ في السكتتين فعل وإلا قرأ معه لا محالة.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فروي عن جماعة من الصحابة أنهم أوجبوا القراءة خلف الإمام وروي عن آخرين أنهم كانوا لا يقرؤون. وافترق الفقهاء فيها على ثلاثة أقاويل فكان مكحول والأوزاعي والشافعي وأبو ثور يقولون لا بد من أن يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به وفيما لا يجهر. وقال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق يقرأ فيما أسر الإمام فيه ولا يقرأ فيما جهر به.

وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي لا يقرأ أحد خلف الإمام جهر الإمام أو أسر، واحتجوا بحديث رواه عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة.

75/134-135م- ومن باب ما يجزي

الأُمي والأعجمي من القراءة

255- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان الثوري، عَن أبي خالد الدالاني عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي فقال إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزيني قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ؛ قال يا رسول الله هذا لله فما لي ؟ قال قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني.

قلت الأصل أن الصلاة لا تجزي إلا بقراءة فاتحة الكتاب لقوله : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ومعقول أن وجوب قراءة فاتحة الكتاب إنما هو على من أحسنها دون من لا يحسنها فإذا كان المصلي لا يحسنها وكان يحسن شيئا من القرآن غيرها كان عليه أن يقرأ منه قدر سبع آيات لأن أولى الذكر بعد فاتحة الكتاب ما كان مثلا لها من القرآن. فإن كان رجل ليس في وسعه أن يتعلم شيثا من القرآن لعجز في طبعه أو سوء حفظه أو عجمة لسان أو آفة تعرض له كان أولى الذكر بعد القرآن ما علمه النبي من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.

وقد روي عن رسول الله أنه قال: أفضل الذكر بعد كلام الله عز وجل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

76/136-137م ومن باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه

256- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي والحسين بن عيسى قالا: حَدَّثنا يزيد بن هارون حدثنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت رسول الله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.

قلت واختلف الناس في هذا فذهب أكثر العلماء إلى وضع الركبتين قبل اليدين وهذا أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل وفي رأي العين.

وقال مالك يضع يديه قبل ركبتيه، وكذلك قال الأوزاعي وأظنهما ذهبا إلى الحديث الآخر وقد رواه أبو داود في هذا الباب.

257- قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسن، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه.

قلت: حديث وائل بن حجر أثبت من هذا وزعم بعض العلماء أن هذا منسوخ وروى فيه خبرا عن سلمة بن كهيل عن مصعب بن سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين.

77/138-139م ومن باب الإقعاء بين السجدتين

258- قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا يقول قلنا لابن عباس في الاقعاء على القدمين في السجود فقال هي السنة قال قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس هي سنة نبيك .

قلت أكثر الأحاديث على النهي عن الاقعاء في الصلاة، وروي أنه عقبة الشيطان وقد ثبت من حديث وائل بن حجر وحديث أبي حميد أن النبي قعد بين السجدتين مفترشا قدمه اليسرى.

ورويت الكراهة في الإقعاء عن جماعة من الصحابة وكرهه النخعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو قول أصحاب الرأي وعامة أهل العلم.

وتفسير الاقعاء أن يضع اليتيه على عقبيه ويقعد مستوفزا غير مطمئن إلى الأرض وكذلك إقعاء الكلاب والسباع إنما هو أن تقعد على مآخيرها وتنصب أفخاذها.

قال أحمد بن حنبل وأهل مكة يستعملون الاقعاء، وقال طاوس رأيت العبادلة يفعلون ذاك ابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وروي عن ابن عمر أنه قال لبنيه لا تقتدوا بي في الإقعاء فإني إنما فعلت هذا حين كبرت. ويشبه أن يكون حديث ابن عباس منسوخا والعمل على الأحاديث الثابتة في صفة صلاة رسول الله .

78/139-140م- ومن باب ما يقول

إذا رفع رأسه من الركوع

259- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن سمي، عَن أبي صالح السمان، عَن أبي هريرة أن رسول الله قال: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.

قلت في هذا دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول ويستغفرون ويحضرونة بالدعاء والذكر. واختلف الناس فيما يقوله المأموم إذا رفع رأسه من الركوع فقالت طائفة يقتصر على ربنا لك الحمد وهو الذي جاء به الحديث لا يزيد عليه وهو قول الشعبي وإليه ذهب مالك وأحمد بن حنبل.

وقال أحمد إلى هذا انتهى أمرالنبي وقالت طائفة يقول سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد يجمع بينهما هذا قول ابن سيرين وعطاء، وإليه ذهب الشافعي وهو مذهب أبي يوسف ومحمد.

قلت وهذه الزيادة وإن لم تكن مذكورة في الحديث نصا فإنها مأمور بها الإمام، وقد جاء إنما جعل الإمام ليؤتم به فكان هذا في جميع أقواله وأفعاله والإمام يجمع بينهما، وكذلك المأموم وإنما كان القصد بما جاء في هذا الحديث مداركة الدعاء والمقارنة بين القولين ليستوجب بها دعاء الإمام وهو قوله سمع الله لمن حمده ليس بيان كيفية الدعاء والأمر باستيفاء جميع ما يقال في ذلك المقام إذ قد وقعت الغنية بالبيان المتقدم فيه.

79/143-144م- ومن باب صلاة من لا يقيم

صلبه في الركوع والسجود

260- قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله حدثني سعيد ابن أبي سعيد عن أبيه، عَن أبي هريرة أن رسول الله دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله فرد رسول الله فقال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القران ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.

قلت قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ظاهره الإطلاق والتخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزيه غيرها بدليل قوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وهذا في الإطلاق كقوله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} 3 ثم كان أقل ما يجزي من الهدي معينا معلوم المقدار ببيان السنة وهو الشاة.

وفي قوله ثم افعل ذلك في صلاتك كلها دليل على أن عليه أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة. وقال أصحاب الرأي إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخرين قرأ وإن شاء أن يسبح سبح وإن لم يقرأ فيهما شيئا اجزأه.

ورووا فيه عن علي بن أبي طالب أنه قال يقرأ في الأوليين ويسبح في الأخرين من طريق الحارث عنه.

قلت وقد تكلم في الحارث قديما وممن طعن فيه الشعبي ورماه بالكذب وتركه أصحاب الصحيح ولوصح ذلك عن علي رضي الله عنه لم يكن حجة لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وعائشة وغيرهم، وسنة رسول الله أولى ما اتبع بل قد ثبت عن علي رضي الله عنه من طريق عبيد الله بن أبي رافع أنه كان يأمر أن يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.

حدثنا محمد بن المكي حدثنا الصايغ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن زياد حدثنا شعبة عن سفيان بن حسين سمعت الزهري يحدث عن ابن أبي رافع عن أبيه عن علي رضي الله عنه بذلك.

وفيه دليل على أن صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود غير مجزية.

وفي قوله إذا قمت إلى الصلاة فكبر دليل على أن غير التكبير لا يصح به افتتاح الصلاة لأنه إذا افتتحها بغيره كان الأمربالتكبير قائما لم يمتثل.

261- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا هشام بن عبد الملك والحجاج بن منهال قالا: حَدَّثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع قال: قال رسول الله إنه لا يتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وساق الحديث إلى أن قال ثم يسجد فيمكن وجهه. قال هشام وربما قال جبهته من الأرض.

قلت فيه من الفقه أن ترتيب الوضوء وتقديم ما قدمه الله في الذكر منه واجب وذلك معنى قوله حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ثم عطف عليه بحرف الفاء الذي يقتضي التعقيب من غير تراخ.

وفيه دليل على أن السجود لا يجزي على غير الجبهة وأن من سجد على كور العمامة ولم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزئه صلاته.

262- قال أبو داود: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن جعفر بن عبد الله الأنصاري عن تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل قال نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يُوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعيرُ.

قوله نقرة الغراب هي أن لا يتمكن الرجل من السجود فيضع جبهته على الأرض حتى يطمئن ساجدا وإنما هو أن يمس بأنفه أوجبهته الأرض كنقرة الطائر ثم يرفعه، وافتراش السبع أن يمد ذراعيه على الأرض لا يرفعهما ولا يجافي مرفقيه عن جنبيه.

وأما إيطان البعير ففيه وجهان أحدهما أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعصلا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه منلخا لا يبرك إلا فيه.

والوجه الآخر أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود بروك البعير على المكان الذي أوطنه وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومهل.

80/146-147م ومن باب ما يقول في ركوعه وسجوده

263- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا ابن المبارك عن موسى بن أيوب عن عمه عن عقبة بن عامر قال لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} 4 قال رسول الله : اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى} 5 قال اجعلوها في سجودكم.

قلت في هذا دلالة على وجوب التسبيح في الركوع والسجود لأنه قد اجتمع في ذلك أمر الله وبيان الرسول وترتيبه في موضعه من الصلاة فتركه غير جائز وإلى إيجابه ذهب إسحاق. ومذهب أحمد قريب منه. وروي عن الحسن البصري نحوا منه، فأما عامة الفقهاء مالك وأصحاب الرأي والشافعي فانهم لم يروا تركه مفسدا للصلاة.

81/147-148م ومن باب في الدعاء في الركوع والسجود

264- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس أن النبي كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤ يا الصالحة يراها المسلم أوترى له وإني نهيت أن اقرأ راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فاجتهدوا بالدعاء فَقَمِن أن يستجاب لكم.

قلت نهيه عن القراءة راكعا أو ساجدا يشد قول إسحاق ومذهبه في إيجاب الذكر في الركوع والسجود وذلك أنه إنما أُخلي موضعهما من القراءة ليكون محلا للذكر والدعاء، وقوله قمن بمعنى جدير وحري أن يستجاب لكم.

265- قال أبو داود: حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور، عَن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت كان رسول الله يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن.

قلت قولها يتأول القرآن تريد قوله فسبح بحمد ربك إنه كان توابا.

266- قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبدة عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الرحمن الأعرج، عَن أبي هريرة عن عائشة قالت: فقدت رسول الله ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدمه منصوبتان ويقول أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

قلت في هذا الكلام معنى لطيف وهوأنه قد استعاذ بالله وسأله أن يجيزه برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضاء والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه استعاذ به منه لا غير، ومعنى ذلك الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه، وقوله لا أحصي ثناء عليك أي لا أطيقه ولا أبلغه وفيه إضافة الخير والشر معا إليه سبحانه.

82/150-151م ومن باب أعضاء السجود

267- قال أبو داود: حدثنا النُفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن التميمي الذي يحدث التفسير عن ابن عباس قال أتيت النبي من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مُجَخٍّ قد فرج يديه.

قوله مجخ يريد أنه قد رفع مؤخره ومال قليلا هكذا يفسر.

268- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أحمد بن جزء صاحب النبي أن رسول الله إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له.

قوله نأوي له معناه حتى نرق له قال أويت للرجل آوي له إذا أصابه شيء فرثيت له.

83/156-157م- ومن باب البكاء في الصلاة

269- قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن مطرف عن أبيه، قال رأيت النبي يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحاء من البكاء.

قلت أزيز الرحاء صوتها وجرجرتها وفيه من الفقه أن البكاء في الصلاة لا يفسدها.

84/158- 159م- ومن باب الفتح على الإمام

270- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن محمد حدثنا هشام بن إسماعيل حدثنا محمد بن شعيب حدثنا عبد الله بن العلاء بن زَبْر عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن النبي صلى صلاة فقرأ فيها فلُبّس عليه فلما انصرف قال لأُبَيّ صليت معنا قال نعم قال فما منعك.

قلت معقول أنه إنما أراد به ما منعك أن تفتح عليَّ إذ رأيتني قد لبس عليّ، وفيه دليل على جواز تلقين الإمام.

271- قال أبو داود: حدَّثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن يونس بن أبي إسحاق، عَن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله : يا علي لا تفتح علي الإمام في الصلاة.

قلت إسناد حديث أُبي جيد وحديث عليّ هذا رواية الحارث وفيه مقال، وقال داود أبو إسحاق سمع من الحارث أربعة أحاديث ليس هذا منها. وقد روي عن علي رضي الله عنه نفسه أنه قال إذا استطعمكم الإمام فأطعموه من طريق أبي عبد الرحمن السلمي يريد أنه إذا تعايا في القراءة فلقنوه.

واختلف الناس في هذه المسألة فروي عن عثمان بن عفان وابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يريان به بأسا، وهو قول عطاء والحسن وابن سيرين ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق. وروي عن ابن مسعود الكراهة في ذلك وكرهه الشعبي، وكان سفيان الثوري يكرهه. وقال أبوحنيفة إذا استفتحه الإمام ففتحه عليه فإن هذا كلام في الصلاة.

85/162-163م ومن باب النظر في الصلاة

272- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت صلى النبي في خَميصة لها أعلام فقال شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته.

الخميصة كساء مربع من صوف والانبجانية أراها منسوبة وهي إلى الغلظ لا علم لها.

وفي الحديث دلالة على أنه إذا استثبت خطا مكتوبا وهو في الصلاة لم تفسد صلاته وذلك لأنه يشغله علم الخميصة عن صلاته حتى يتأمله بالنظر إليه.

86/164- 165م ومن باب العمل في الصلاة

273- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عامر بن عبد الله هو ابن الزبير عن عمرو بن سليم، عَن أبي قتادة أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أُمامةَ بنت زينب، بنت النبي فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.

قلت يشبه أن يكون هذا الصنيع من رسول الله لا عن قصد وتعمد له في الصلاة فلعل الصبية لطول ما ألفته واعتادته من ملابسته في غير الصلاة كانت تتعلق به حتى تلابسه وهو في الصلاة فلا يدفعها عن نفسه ولا يبعدها فإذا أراد أن يسجد وهي علىعاتقه وضعها بأن يحطها أو يرسلها إلى الأرض حتى يفرغ من سجوده فإذا أراد القيام وقد عادت الصبية إلى مثل الحالة الأولى لم يدافعها ولم يمنعها حتى إذا قام بقيت محمولة معه هذا عندي وجه الحديث. ولا يكاد يتوهم عليه أنه كان يعتمد لحملها ووضعها وإمساكها في الصلاة تارةً بعد أخرى لأن العمل في ذلك قد يكثر فيتكرر والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته ثم ليس في شيء من ذلك أكثر من قضائها وطرا من لعب لا طائل له ولا فائدة فيه. وإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الانبجانية فكيف لا يشتغل عنها بما هذا صفته من الأمر وفي ذلك بيان ما تأولناه والله أعلم.

وفي الحديث دلالة على أن لمس ذوات المحارم لا ينقض الطهارة وذلك أنها لا تلابسه هذه الملابسة إلا وقد تمسه ببعض أعضائها.

وفيه دليل على أن ثياب الأطفال وأبدانهم على الطهارة ما لم يعلم نجاسة.

وفيه أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، وفيه أن الرجل إذا صلى وفي كمه متاع أو على رقبته كارة ونحوها فإن صلاته مجزية.

274- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا علي بن المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جَوس، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله : اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب.

قلت فيه دلالة على جواز العمل اليسير في الصلاة وأن موالاة الفعل مرتين في حال واحدة لا تفسد الصلاة. وذلك أن قتل الحية غالبا إنما يكون بالضربة والضربتين فإذا تتابع العمل وصار في حد الكثرة بطلت الصلاة.

وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنابير والنشبان ونحوهما، ورخص عامة أهل العلم في قتل الأسودين في الصلاة إلا إبراهيم النخعي. والسنة أولى ما اتبع.


هامش

  1. [الإسراء: 110]
  2. [الإ سراء: 78]
  3. [البقرة: 196]
  4. [الواقعة: 74]
  5. [الأعلى: 1]


معالم السنن - الجزء الأول للإمام الخطابي
معالم السنن/الجزء الأول/1 | معالم السنن/الجزء الأول/2 | معالم السنن/الجزء الأول/3 | معالم السنن/الجزء الأول/4 | معالم السنن/الجزء الأول/5 | معالم السنن/الجزء الأول/6 | معالم السنن/الجزء الأول/7 | معالم السنن/الجزء الأول/8 | معالم السنن/الجزء الأول/9 | معالم السنن/الجزء الأول/10 | معالم السنن/الجزء الأول/11 | معالم السنن/الجزء الأول/12 | معالم السنن/الجزء الأول/13 | معالم السنن/الجزء الأول/14 | معالم السنن/الجزء الأول/15 | معالم السنن/الجزء الأول/16 | معالم السنن/الجزء الأول/17