معالم السنن/الجزء الأول/7

​معالم السنن​ للإمام الخطابي
 


08/9م ومن باب المحافظة على الوقت

148- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد ( هو ابن عبيد الله الطحان الواسطي ) عن داود بن أبي هند، عَن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه قال علمني رسول الله فكان فيما علمني ( وحافظ على الصلوات الخمس ). قال قلت إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني فقال حافظ على العصرين وما كانت من لغتنا فقلت وما العصران قال صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها.

يريد بالعصرين صلاة العصر وصلاة الصبح والعرب قد تحمل أحد الاسمين على الآخر فتجمع بينهما في التسمية طلبا للتخفيف كقولهم سنة العمرين لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والأسودين يريدون التمر والماء والأصل في العصرين عند العرب الليل والنهار قال حميد بن ثور:

ولن يلبث العصران يوم وليلةٌ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

فيشبه أن يكون إنما قيل لهاتين الصلاتين العصران لأنهما تقعان في طرفي العصرين وهما الليل والنهار.

149- قال أبو داود: حدثنا محمد بن حرب الواسطي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحى قال زعم أبو محمد أن الوتر واجب فقال عيادة بن الصامت كذب أبو محمد أشهد لسمعت رسول الله يقول: خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وجاء بهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهدٌ أن يغفر له. ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.

قوله كذب أبو محمد يريد أخطأ أبو محمد لم يرد به تعمد الكذب الذى هو ضد الصدق لأن الكذب إنما يجري في الأ خبار. وأبو محمد هذا إنما افتى فتيا ورأى رأيا فأخطأ فيما افتى به وهو رجل من الأنصار له صحبة والكذب عليه في الأخبار غير جائز والعرب تضع الكذب موضع الخطأ في كلامها فتقول كذب سمعي وكذب بصري أي زل ولم يدرك ما رأى وما سمع ولم يحط به قال الأخطل:

كذبتك عينُك أم رأيت بواسط... ملس الظلام من الرطب خيالا

ومن هذا قول النبي للرجل الذى وصف له العسل صدق الله وكذب بطن أخيك. وإنما أنكر عبادة أن يكون الوتر واجبا وجوب فرض كالصلوات الخمس دون أن يكون واجبا في السنة ولذلك استشهد بالصلوات الخمس المفروضات في اليوم والليلة.

9/10م ومن باب إذا أخر الصلاة عن الوقت

150- قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم بن دُحَيم حدثنا الوليد حدثني حسان هو ابن عطية عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولُ رسول الله إلينا قال فسمعب تكبيره مع الفجر رجل أجش الصوت، قال فألقيت عليه محبتي فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتا ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده فأتيت ابن مسعود فلزمته حتى مات فقال قال رسول الله كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها. قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله قال: صل الصلاة لميقاتها واجعل صلاتك معهم سُبحةً.

قوله أجش الصوت هو الذي في صوته جُشة وهي شدة الصوت وفيها غنة، والسبحة ما يصليه المرء نافلة من الصلوات ومن ذلك سبحة الضحى.

وفي الحديث من الفقه أن تعجيل الصلوات في أول أوقاتها أفضل وأن تأخيرها بسبب الجماعة غير جائز، وفيه أن إعادة الصلاة الواحدة مرة بعد أخرى في اليوم الواحد إذا كان لها سبب جائزة وإنما جاء النهي عن أن يصلي صلاة واحدة مرتين في يوم واحد إذا لم يكن لها سبب.

وفيه أن فرضه هو الأولى منهما وأن الأخرى نافلة، وفيه أنه قد أمربالصلاة مع أئمة الجَور حذرا من وقوع الفرقة وشق عصا الأئمة.

10/11م ومن باب من نام عن صلاة أو نسيها

151- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب، عَن أبي هريرة أن رسول الله حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى أدركنا الكرى عرَّس وقال لبلال اكلأ لنا الليل فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي ولا بلالا، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم النشمس فكان رسول الله أولهم استيقاظا ففزع رسول الله فقال: يا بلال فقال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ النبي وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال {أقم الصلاة لذكري} 1.

الكرى النوم وقوله عرس معناه نزل للنوم والاستراحة. والتعريس النزول لغير إقامة، وقوله فزع رسول الله معناه انتبه من نومه يقال أفزعت الرجل من نومه ففزع أي انبهته فانتبه.

وفي الحديث من الفقه أنهم لم يصلوا في مكانهم ذلك عندما استيقظوا حتى اقتادوا رواحلهم ثم توضؤوا ثم أقام بلال وصلى بهم. وقد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله، فقال بعضهم إنما فعل ذلك لترتفع الشمس فلا تكون صلاتهم في الوقت المنهي عن الصلاة فيه وذلك أول ما تبزغ الشمس قالوا والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وعلى هذا مذهب أصحاب الرأي. وقال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه تقضى الفوائت في كل وقت نهي عن الصلاة فيه أولم ينه عنها. وإنما نهى عن الصلاة في تلك الأوقات إذا كانت تطوعا وابتداء من قبل الاختيار دون الواجبات فإنها تقضى الفوائت فيها إذا ذكرت أي وقت كان. وروي معنى ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما وهو قول النخعي والشعبي وحمادة وتأولوا أو من تأول منهم القصة في قود الرواحل وتأخير الصلاة على أنه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابته الغفلة فيه والنسيان.

وقد روي هذا المعنى في هذا الحديث من طريق أبان العطار.

152- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب، عَن أبي هُرَيْرَة وذكر القصة قال فقال رسول الله : تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه هذه الغفلة وقال فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى.

قلت وذكر الأذان في هذه الرواية من طريق أبان عن معمر زيادة وليست في رواية يونس. وقد اختلف أهل العلم في الفوائت هل يؤذن لها أم لا ؟ فقال أحمد بن حنبل يؤذن للفائت ويقام له وإليه ذهب أصحاب الرأي.

واختلف قول الشافعي في ذلك فأظهر أقاويله إنه يقام للفوائت ولا يؤذن لها. وقال أبو داود روى هذا الخبر مالك وابن عيينة والأوزاعي عن عبد الرزاق عن معمر وابن إسحاق لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا ولم يسنده منهم أحد إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر.

قلت وروى هذا الحديث هشام عن الحسن عن عمران بن حصين فذكر فيه الأذان. ورواه أبو قتادة الأنصاري عن النبي فذكر الأذان والإقامة والزيادات إذا صحت مقبولة والعمل بها واجب.

وقد يسأل عن هذا فيقال قد روي عن النبي أنه قال تنام عيناي ولا ينام قلبي فكيف ذهب عن الوقت ولم يشعر به وقد تأول بعض أهل العلم على أن ذلك خاص في أمرالحدث وذلك أن النائم قد يكون منه الحدث وهو لا يشعر به وليس كذلك رسول الله فإن قلبه لا ينام حتى لا يشعر بالحدث إذا كان منه.

وقد قيل إن ذلك من أجل أنه يوحى إليه في منامه فلا ينبغي لقلبه أن ينام، فأما معرفة الوقت واثبات رؤ ية الشمس طالعة فإن ذلك إنما يكون دركه ببصر العين دون القلب فليس فيه مخالفة للحديث الآخر والله أعلم.

153- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن عبد الله بن رباح الأنصاري حدثنا أبو قتادة أن النبي كان في سفر له فمال وملت معه فقال انظر فقلت هذا راكب هذان راكبان هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة فقال احفظوا علينا صلاتنا، يَعني الفجر فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هُنيَّة ثم نزلوا فتوضؤوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر وركبوا فقال بعضهم لبعض قد فرطنا في صلاتنا فقال النبي : أنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت.

قلت قد ذكر الأذان في هذا الحديث كما ترى واسناده جيد فهو أولى.

وأما هذه اللفظة وهي قوله ومن الغد للوقت فلا أعلم أحدا من الفقهاء قال بها وجوبا ويشبه أن يكون الأمر به استحبابا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء. وقوله ضرب على آذانهم كلمة فصيحة من كلام العرب معناه أنه حجب الصوت والحس عن أن يلجا آذانهم فينتبهوا ومن هذا قوله تعالى {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا} 2.

154- قال أبو داود: حدثنا علي بن نصر حدثنا وهب بن جرير حدثنا الأسود بن شيبان حدثنا خالد بن سمير حدثنا أبو قتادة الأنصاري قال: بعث رسول الله جيش الأمراء وذكر القصة قال فلم يوقظنا إلا الشمس طالعة فقمنا وهلين لصلاتنا فقال النبي : رويدا رويدا حتى تقالت الشمس أو تعالت الشك مني قال رسول الله من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعها فركعوا ثم أمر رسول الله أن ينادوا بالصلاة فنودي بها. فقام فصلى بنا فلما انصرف قال ألا إنا بحمد الله لم نكن في شيء من أمرالدنيا يشغلنا عن صلاتنا ولكن أرواحنا كانت بيد الله فأرسلها أنَّى شاء فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها.

قوله فقمنا وهلين يريد فزعين يقال وهل الرجل يوهل إذا فزع لشيء يصيبه وقوله تقالت الشمس يريد استقلالها في السماء وارتفاعها إن كانت الرواية هكذا وهو في سائر الروايات تعالت ووزنه تفاعلت من العلو، وفى أمره إياهم بركعتي الفجر قبل الفريضة دليل على أن قوله فليصلها إذا ذكرها ليس على معنى تضييق الوقت فيه وحصره بزمان الذكر حتى لا يعدوه بعينه ولكنه على أن يأتي بها على حسب الإمكان بشرط أن لا يغفلها ولا يتشاغل عنها بغيرها.

155- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس أن النبي ص قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك.

قوله لا كفارة لها إلا ذلك يريد أنه لا يلزمه في تركها غرم أوكفارة من صدقة أو نحوها كما يلزمه في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفارة وكما يلزم المحرم إذا ترك شيئا من نسكه كفارة وجبران من دم وإطعام ونحوه.

وفيه دليل على أن أحدا لا يصلي عن أحد كما يحج عنه وكما يؤدي عنه الديون ونحوها وفيه دليل أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم ونحوه.

11/12م ومن باب في بناء المسجد

156- قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح أنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري، عَن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله : ما أمرت بتشييد المساجد. قال ابن عباس لتُزَخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى.

التشييد رفع البناء وتطويله وقوله لتُزَخرفُنَّها معناه لتزيننها، وأصل الزخرف الذهب يريد تمويه المساجد بالذهب ونحوه، ومنه قولهم زخرف الرجل كلامه إذا موهه وزينه بالباطل، والمعنى أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا وتركوا العمل بما في كتبهم يقول فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا بالدين وتركتم الإخلاص في العمل وصار أمركم إلى المراياة بالمساجد والمباهاة بتشييدها وتزيينها.

157- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومجاهد بن موسى وهو أتم قالا: حَدَّثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي عن صالح حدثنا نافع عن ابن عمر أن المسجد كان مبنيا على عهد رسول الله باللبن وسقفه بالجريد وعمده خُشُب النخل وغيَّره عثمان وزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة.

العمد السواري يقال عمود وعمد بفتح العين والمين وضمها والقصة شيء شبه الجص وليس به.

158- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث، عَن أبي التيَّاح عن أنس بن مالك قال: كان النبي أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بني النجار فقال: ثامنوني بحائطكم فقالوا. والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. قال أنس وكان فيه قبور المشركين فأمر بها رسول الله فنُبشت وذكر الحديث.

قلت: فيه من الفقه أن المقابر إذا نبشت ونقل ترابها ولم يبق هناك نجاسة تخالط أرضها فإن الصلاة فيها جائزة وإنما نهى عن الصلاة في المقبرة إذا كان قد خالط ترابها صديد الموتى ودماؤهم فإذا نقلت عنها زال ذلك الاسم وعاد حكم الأرض إلى الطهارة.

وفيه من العلم أنه أباح نبش قبور الكفار عند الحاجة إليه وقد روي عنه أنه أمر أصحابه بنبش قبر أبي رغال في طريقه إلى الطائف وذكر لهم أنه دفن معه غصن من ذهب فابتدروه فأخرجوه. وفي أمره بنبش قبور المشركين بعدما جعل أربابها تلك البقعة لرسول الله دليل على أن الأرض التى يدفن فيها الميت باقية على ملك أوليائه. وكذلك ثيابه التي يكفن فيها وأن النباش سارق من حرز في ملك مالك ولوكان موضع القبر وكفن الميت مبقَّى على ملك الميت حتى ينقطع ملك الحي عنه من جميع الوجوه لم يكن يجوز نبشها واستباحتها بغير إذن مالكها.

وفيه دليل أن من لا حرمة لدمه في حياته فلا حرمة لعظامه بعد مماته، وقد قال : كسر عظم المسلم ميتا ككسره حيا فكان دلالته أن عظام الكفار بخلافه.

12/13م ومن باب المساجد تبنى في الدور

159- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أمر رسول الله ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطَّيب.

قلت في هذا حجة لمن رأى أن المكان لا يكون مسجدا حتى يسبّله صاحبه وحتى يصلي الناس فيه جماعة ولو كان الأمر يتم فيه بأن يجعله مسجدا بالتسمية فقط لكان مواضع تلك المساجد في بيوتهم خارجة عن أملاكهم فدل أنه لا يصح أن يكون مسجدا بنفس التسمية.

وفيه وجه آخر وهو أن الدور يراد بها المحال التي فيها الدور.

13/19م ومن باب الصلاة عند دخول المسجد

160- قال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم، عَن أبي قتادة أن رسول الله قال: إذا جاء أحدكم المسجد فليصل سجدتين قبل أن يجلس.

قلت: فيه من الفقه أنه إذا دخل المسجد كان عليه أن يصلي ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس وسواء كان ذلك في جمعة أو غيرها كان الإمام على المنبر أو لم يكن لأن النبي عم ولم يخص.

وقد اختلف الناس في هذا فقال بظاهر الحديث الشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق وإليه ذهب الحسن البصري ومكحول وقالت طائفة إذا كان الإمام على المنبر جلس ولا يصلي. وإليه ذهب ابن سيرين وعطاء بن أبي رباح والنخعي وأصحاب الرأي وهو قول مالك والثوري.

14/21م ومن باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد

161- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر الجثمي حدثنا حيوة بن شريح قال: سمعت أبا الأسود يقول أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله يقول: من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا.

قوله ينشد معناه يطلب يقال نشدت الضالة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها وفى رواية أخرى أنه قال لرجل كان ينشد ضالة في المسجد أيها الناشد غيرك الواجد ويدخل في هذا كل أمر لم يبن له المسجد من البيع والشراء ونحو ذلك من أمور معاملات الناس واقتضاء حقوقهم، وقد كره بعض السلف المسألة في المسجد. وكان بعضهم لا يرى أن يتصدق على السائل المتعرض في المسجد.

15/22م ومن باب كراهية البزاق في المسجد

162- قال أبو داود: حدثنا يحيى بن الفضل السجستاني وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان بهذا الحديث وهذا لفظ يحيى بن الفضل حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عُبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال أتينا جابر بن عبد الله وهو في مسجده فقال أتانا رسول الله في مسجدنا هذا وفي يده عُرجون ابن طاب فنظر فرأى في قبلة المسجد نخامة فأقبل عليها فحَتَّها بالعرجون ثم قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه فلا يبسُقن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبسُق عن يساره تحت رجله اليسرى فإن عجلت به مادرة فليقل بثوبه هكذا ووضع على فيه ثم دلكه أروني عبيرا فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخَلوق في راحته فأخذه رسول الله ثم لطخ به على أثر النُخامة قال جابر رضي الله عنه فمن هناك جعلتم الخَلوق في مساجدكم.

العرجون عود كباسة النخل وسمي عرجونا لانعراجه وهو انعطافه وابن طاب اسم لنوع من أنواع التمر منسوب إلى ابن طاب كما نسب سائر ألوان التمر فقيل لون ابن حبيق ولون كذا ولون كذا.

وقوله فإن الله قبل وجهه تأويله أن القبلة التي أمره الله عزو جل بالتوجه إليها للصلاة قبل وجهه فليصنها عن النخامة. وفيه إضمار وحذف واختصار كقوله تعالى {وأشربوا في قلوبهم العجلس} 3 أي حب العجل وكقوله تعالى {واسأل القرية} 4 يريد أهل القرية ومثله في الكلام كثير وإنما أضيفت تلك الجهة إلى الله تعالى على سبيل التكرمة كما قيل بيت الله وكعبة الله في نحو ذلك من الكلام.

وفيه من الفقه أن النخامة طاهره ولولم تكن طاهرة لم يكن يأمر المصلي بأن يدلكها بثوبه ولا أعلم خلافا في أن البزاق طاهر إلا أن أبا محمد الكُدانى حدثني قال سمعت الساجي يقول كان إبراهيم النخعي يقول البزاق نجس.

6 1/23م ومن باب المشرك يدخل المسجد

163- قال أبو داود: حدثنا عيسى بن حماد حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال ايُّكم محمد ورسول الله متكىء بين ظهرانَيْهم فقلنا هذا الأبيض المتكىء فقال له الرجل يا بن عبدالمطلب فقال له النبي قد أجبتك فقال يا محمد إني سائلك وساق الحديث.

قلت كل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكىء والعامة لا تعرف المتكىء إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه.

وفي الحديث من الفقه جواز دخول المشرك المسجد إذا كانت له فيه حاجة مثل أن يكون له غريم في المسجد لا يخرج إليه ومثل أن يحاكم إلى قاض وهو في المسجد فإنه يجوز له دخول المسجد لإثبات حقه في نحو ذلك من الأمور. وفي إدخاله المسجد جمله وعقله إياه فيه ثم لم يُهج ولم يمنع منه حجة لقول من زعم إن بول ما يؤكل لحمه من الحيوان طاهر. وقد زعم بعضهم أنه إنما قال له قد أجبتك ولم يستأنف له الجواب لأنه كره أن يدعوه باسم جده وأن ينسبه إليه إذ كان عبد المطلب جده كافرا غير مسلم وأحب أن يدعوه باسم النبوة والرسالة.

قلت وهذا وجه ولكن قد ثبت عنه أنه قال يوم حنين حين حمل على الكفار فانهزموا:

أنا النبي لا كذب …أبا بن عبد المطلب

وقال بعض أهل العلم في هذا إنه لم يذهب بهذا القول مذهب الانتساب إلى شرف الآباء على سبيل الافتخار بهم ولكنه ذكرهم بذلك رؤيا كان رآها عبدالمطلب له أيام حياته وكانت إحدى دلائل نبوته وكانت القصة فيها مشهورة عندهم فعرفهم شأنها وأذكرهم بها وخروج الأمرعلى الصدق فيها والله أعلم.

17/24م ومن باب المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة

164- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عُبيد بن عمير، عَن أبي ذر قال. قال رسول الله : جُعلت لي الأرض طهورا ومسجدا.

قوله جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا فيه إجمال وإبهام. وتفصيله في حديث حذيفة بن اليمان عن النبي قال: جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا ولم يذكره أبو داود في هذا الباب واسناده جيد حدثونا به عن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة، عَن أبي مالك عن رِبْعِيّ بنِ حِِرَاش عن حذيفة.

وقد يحتج بظاهر خبر أبي ذر من يرى التيمم جائزا بجميع أجزاء الأرض من جص ونورة وزرنيخ ونحوها. وإليه ذهب أهل العراق. وقال الشافعي لا يجوز التيمم إلا بالتراب. قال والمفسر من الحديث يقضي على المجمل.

وإنما جاء قوله جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا على مذهب الامتنان على هذه الأمة بأن رخص لها في الطهور بالأرض والصلاة عليها في بقاعها. وكانت الأمم المتقدمة لا يصلون الا في كنائسهم وبيعهم وإنما سيق هذا الحديث لهذا المعنى. وبيان ما يجوز أن يتطهر به منها مما لا يجوز إنما هو في حديث حذيفة الذي ذكرناه.

165- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد. قال ونا مسدد حدثنا عبد الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه، عَن أبي سعيد قال. قال رسول الله قال موسى في حديثه فيما يحسب عمرو أن النبي قال: الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة.

قلت في هذا الحديث أيضا اختصار وتفسيره في حديث أنس وجعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا يريد بالطيبة الطاهرة. رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ولم يذكره أيضا أبو داود حدثونا به عن علي بن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن حماد. واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فكان الشافعي يقول إذا كانت المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدها وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجلسة فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته صلاته. قال وكذلك الحمام إذا صلى في موضع نظيف منه فلا إعادة عليه.

وحكي عن الحسن البصري أنه صلى في المقابر، وعن مالك بن أنس لا بأس بالصلاة في المقابر. وقال أبو ثور لا يصلي في حمام ولا مقبرة تعلقا بظاهره وكان أحمد وإسحاق يكرهان ذلك ورويت الكراهية فيه عن جماعة من السلف.

واحتج بعض من لم يجز الصلاة في المقبرة وإن كانت طاهرة التربة بقول رسول الله : صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها مقابر. قال فدل ذلك على أن المقبرة ليست بمحل الصلاة.

166- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود حدثنا ابن وهب حدثني ابن لَهِيعة ويحيى بن زاهر عن عمار بن سعد المرادي، عَن أبي صالح الغفاري عن علي رضي الله عنه قال نهاني رسول الله أن أصلي في المقبرة ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة.

قلت في إسناد هذا الحديث مقال ولا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح منه وهو قوله جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ويشبه أن يكون معناه لو ثبت أنه نهاه أن يتخذ أرض بابل وطنا ودارا للإقامة فتكون صلاته فيها إذا كانت إقامته بها ومخرج النهي فيه على الخصوص ألا تراه يقول نهاني ولعل ذلك منه إنذار منه له بما أصابه من المحنة بالكوفة وهي أرض بابل ولم ينتقل أحد من الخلفاء الراشدين قبله من المدينة.

18/25م ومن باب الصلاة في مبارك الإبل

167- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال سئل رسول الله عن الصلاة في مبارل الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فانها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة.

اختلف الناس في هذا فذهب إلى إباحة الصلاة في مرابض الغنم ومنعها في مبارك الإبل وأعطانها جماعة منهم مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وغيرهم. وكان أحمد يقول لا بأس بالصلاة في موضع فيه أبوال الإبل ما لم يكن معاطن لأن النهي إنما جاء في المعاطن ولم ير هؤلاء بالصلاة في مراح البقر بأسا وكان الشافعي يقول إذا صلى الرجل في أعطان الإبل في ناحية منها ليس فيها شيء من أبوالها وأبعارها أجزأه وإن كنت أكره الصلاة في شيء منها اختيارا. وكذلك حكم مرابض الغنم عنده لأنه لا فرق في مذهبه بين شيء من الأبوال والأبعار والأرواث في أنها كلها نجسة، واستشهد لما تأول من ذلك بقوله فإنها من الشياطين يريد أنها لما فيها من النفور والشرود ربما أفسدت على المصلي صلاته والعرب تسمي كل مارد شيطانا كأنه يقول إن المصلي إذا صلى بحضرتها كان مغررا بصلاته لما لا يومن من نفارها وخبطها المصلي. وهذا المعنى مأمون في الغنم لسكونها وضعف الحركة إذا هيجت.

وقال بعضهم معنى الحديث أنه كره الصلاة في السهول من الأرض لأن الإبل إنما تأوي إليها وتعطن إليها، والغنم إنما تبوأُ وتراح إلى الأرض الصلبة قال والمعنى في ذلك أن الأرض الخوارة التي يكثر ترابها ربما كانت فيها النجاسة فلا يبين موضعها فلا يأمن المصلي أن تكون صلاته فيها على نجاسة فأما العزاز الصلب من الأرض فإنه ضاح بارز لا يخفي موضع النجاسة إذا كانت فيه.

وزعم بعضهم أنه إنما أراد به المواضع التي يحط الناس رحالهم فيها إذا نزلوا المنازل في الأسفار، قال ومن عادة المسافرين أن يكون برازهم بالقرب من رحالهم فتوجد هذه الأماكن في الأغلب نجسة فقيل لهم لا تصلوا فيها وتباعدوا عنها.

19/26م ومن باب متى يؤمر الغلام بالصلاة

168- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها.

قلت قوله إذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها يدل على إغلاظ العقوبة له إذا تركها متعمدا بعد البلوغ ونقول إذا استحق الصبي الضرب وهو غير بالغ فقد عقل أنه بعد البلوغ يستحق من العقوبة ما هو أشد من الضرب وليس بعد الضرب شيء مما قاله العلماء أشد من القتل.

وقد اختلف الناس في حكم تارك الصلاة فقال مالك والشافعي يقتل تارك الصلاة، وقال مكحول يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وإليه ذهب حماد بن زيد ووكيع بن الجراح. وقال أبو حنيفة لا يقتل ولكن يضرب ويحبس.

وعن الزهري أنه قال إنما هو فاسق يضرب ضربا مبرحا ويسجن.

وقال جماعة من العلماء تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لغير عذر كافر، هذا قول إبراهيم النخعي وأيوب وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق.

وقال أحمد لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا واحتجوا بخبر جابر عن رسول الله ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة.

وقال بعض من احتج لهذه الطائفة أن الصلاة لا تشبه سائر العبادات ولا يقاس إليها لأنها لم تزل مفتاح شرائع الأديان وهي دين الملائكة والخلق أجمعين. ولم يكن لله تعالى دين قط بغير صلاة، وليس كذلك الزكاة والصيام والحج فليس على الملائكة منها شيء والصلاة تلزمهم كما يلزمهم التوحيد وهي علم الإسلام الفاصل بين المسلم والكافر في كلام أكثر من هذا قد ذكره.


هامش

  1. [طه: 14]
  2. [الكهف: 11]
  3. [البقرة: 93]
  4. [يوسف: 82]


معالم السنن - الجزء الأول للإمام الخطابي
معالم السنن/الجزء الأول/1 | معالم السنن/الجزء الأول/2 | معالم السنن/الجزء الأول/3 | معالم السنن/الجزء الأول/4 | معالم السنن/الجزء الأول/5 | معالم السنن/الجزء الأول/6 | معالم السنن/الجزء الأول/7 | معالم السنن/الجزء الأول/8 | معالم السنن/الجزء الأول/9 | معالم السنن/الجزء الأول/10 | معالم السنن/الجزء الأول/11 | معالم السنن/الجزء الأول/12 | معالم السنن/الجزء الأول/13 | معالم السنن/الجزء الأول/14 | معالم السنن/الجزء الأول/15 | معالم السنن/الجزء الأول/16 | معالم السنن/الجزء الأول/17