معالم السنن/الجزء الأول/14

​معالم السنن​ للإمام الخطابي
 


125/12م ومن باب صلاة الخوف

345- قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور، حَدَّثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد، عَن أبي عياش الزُّرَقي قال كنا مع رسول الله بعُسْفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال المشركون لقد أصبنا غِرةً لوحملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر فلما حضرت العصر قام رسول الله مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله صفُّ وصفَّ بعد ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون يحرسونهم فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله وركعوا جميعا، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم فلما جلس رسول الله والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا فسلم عليهم جميعا فصلاها بعسفان وصلاها يوم بني سليم.

قال أبو داود رواه جابر وابن عباس وأبو موسى نحو هذا المعنى.

قلت صلاة الخوف أنواع وقد صلاها رسول الله في أيام مختلفة وعلى أشكال متباينة يتوخى في كلًّ ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة وهي على اختلاف صورها مؤتلفة في المعاني وهذا النوع منها هو الاختيار إذا كان العدو بينهم وبين القبلة. وإن كان العدو وراء القبلة صلى بهم صلاته في يوم ذات الرقاع وقد ذكره أبو داود في هذا الباب.

346- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوّات عن من صلى مع رسول الله يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.

قلت وإلى هذا ذهب مالك والشافعي إذا كان العدو من ورائهم.

وأما أصحاب الرأي فإنهم ذهبوا إلى حديث ابن عمر.

347- قال أبو داود: حدثنا مسدد، حَدَّثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو وانصرفوا فقاموا في مقام أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم عليهم ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم.

قلت وهذا حديث جيد بالإسناد إلا أن حديث صالح بن خوات أشد موافقة لظاهر القرآن لأن الله سبحانه قال {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} 1 الآية فجعل إقامة الصلاة لهم كلها لا بعضها وعلى المذهب الذي صاروا إليه إنما يقيم لهم الإمام بعض الصلاة لا كلها.

ومعنى قوله {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} أي إذا صلوا كما روي عن النبي أنه قال إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين أي فليركع ركعتين ثم قال {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا} فكان دليل مفهومه أن هؤلاء قد صلوا وقوله فليصلوا معك مقتضاه تمام الصلاة وهوعلى قولهم لا يصلون معه إلا بعضها وقد ذكر الطائفتين ولم يذكر عليهما قضاء فدل أن كل واحدة منهما قد انصرفت عن كمال الصلاة، وهذا المذهب أحوط للصلاة لأن الصلاة تحصل مؤداة على سننها في استقبال القبلة وعلى مذهبهم يقع الاستدبار للقبلة ويكثر العمل في الصلاة، ومن الاحتياط في المذهب الأول أنهم إذا كانوا خارجين من الصلاة تمكنوا من الحرب إن كانت للعدو جولة وإذا كانوا في الصلاة لم يقدروا على ذلك فكان المصير إلى حديث صالح بن خوات أولى والله أعلم.

348- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حَدَّثنا أبي، حَدَّثنا الأشعث عن الحسن، عَن أبي بكرة قال صلى رسول الله في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين.

قلت: وهذا النوع من الصلاة أيضا جاءت به الرواية على قضية التعديل وعبرة التسوية بين الطائفتين لا يفضل فيها طائفة على الأخرى بل كل يأخذ قسطه من فضيلة الجماعة وحصته من بركة الأسوة.

وفيه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل.

349- قال أبو داود: حدثنا مسدد، حَدَّثنا يحيى عن سفيان حدثني الأشعث بن سليمان عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم، قال كنا مع سعيد بن العاص بطَبَرَستان فقال أيكم صلى مع رسول الله صلاة الخوف فقال حذيفة أنا فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا.

قلت: وهذا قد تأوله قوم من أهل العلم على صلاة شدة الخوف.

وروي عن جابر بن عبد الله أنه كان يقول في الركعتين في السفر ليستا بقصر إنما القصر واحدة عند القتال.

وقال بعض أهل العلم في قول الله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} 2 إنما هو أن يقصر ويصلي ركعة واحدة عند شدة الخوف قال وشرط الخوف ههنا معتبر باق ليس كما ذهب إليه من ألغى الشرط فيه.

قلت: وهذا تأويل قد كان يجوز أن يتأول عليه الآية لولا خبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته، وكان إسحاق بن راهويه يقول أما عند الشدة تجزيك ركعة واحدة تومىء بها إيماء فإن لم تقدر فسجدة واحدة فإن لم تقدر فتكبيرة لأنها ذكر الله. ويروى عن عطاء وطاوس والحسن ومجاهد والحكم وحماد وقتادة في شدة الخوف ركعة واحدة يومىء بها إيماء.

فأما سائر أهل العلم فإن صلاة شدة الخوف عندهم لا ينقص من العدد شيئا ولكن يصلي على حسب الإمكان ركعتين أي وجه يوجهون إليه رجالا وركبانا يومئون إيماء، روي ذلك عن عبد الله بن عمر وبه قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي وهو قول مالك والشافعي. وأخبرنى الحسن بن يحيى عن ابن المنذر قال: قال أحمد بن حنبل كل حديث روي في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز قال وقال أحمد ستة أوجه أو سبعة يروى فيه كلها جائز.

126/20 م- ومن باب صلاة الطالب

350- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن عمرو بن الحجاج أبو معمر البصري حدثنا عبد الوارث، حَدَّثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر، عَن أبي عبد الله بن أُنيس عن أبيه قال بعثني رسول الله إلى خالد بن سفيان الهُذَلي وكان نحو عُرنة وعرفات قال اذهب فاقتله فرأيته وحضرت صلاة العصر فقلت إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماءً نحوه فلما دنوت منه قال لي من أنت قلت رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك قال إني لفي ذاك فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد.

قلت واختلفوا في صلاة الطالب فقال عوام أهل العلم إذا كان مطلوبا كان له أن يصلي إيماء وإذا كان طالبا نزل إن كان راكبا وصلى بالأرض راكعا وساجدا، وكذلك قال الشافعي إلا أنه شرط في ذلك شرطا لم يشرطه غيره قال إذا قل الطالبون عن المطلوبين وانقطع الطالبون عن أصحابهم فيخافون عودة المطلوبين عليهم فإذا كان هكذا كان لهم أن يصلوا يومئون إيماء.

قلت وبعض هذه المعاني موجودة في قصة عبد الله بن أنيس.

ــ باب تفريع أبواب التطوع

127/1م - ومن باب التطوع

351- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة حدثني عبد الله بن العلاء حدثني عبيد الله بن زياد الكندي عن بلال أنه حدثه أنه أتى رسول الله يؤذنه بصلاة الغداة فشغلت عائشة بلالا بأمر سألته عنه حتى فضحه الصبح فأصبح جدا وأنه أبطأ عليه بالخروج فقال إني كنت ركعت ركعتي الفجر فقال يا رسول الله إنك أصبحت جدا وساق الحديث.

قلت فضحه الصبح معناه دهمته فضحة الصبح، والفضحة بياض في غبرة وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لما تبين الصبح جدا ظهرت غفلته عن الوقت فصار كمن يفتضح بعيب يظهر منه والله أعلم.

وقد رواه بعضهم فصَحه الصبح بالصاد غير المعجمة، قال ومعناه بان له

الصبح ومنها الإفصاح بالكلام وهو الإبانة باللسان عن الضمير.

128/5م ومن باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركتي الفجر

352- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب، حَدَّثنا حماد عن عاصم عن عبد الله بن سَرجِس قال جاء رجل والنبي يصلي الصبح فصلى الركعتين ثم دخل مع النبي في الصلاة فلما انصرف قال يا فلان أيتهما صلاتك التي صليت وحدك أو التي صليت معنا.

قلت في هذا دليل على أنه إذا صادف الإمام في الفريضة لم يشتغل بركعتي الفجر وتركهما إلى أن يقضيهما بعد الصلاة.

وقوله أيتهما صلاتك مسألة إنكار يريد بذلك تبكيته على فعله.

وفيه دلالة على أنه لا يجوز أن يفعل ذلك وإن كان الوقت يتسع للفراغ منهما قبل خروج الإمام من صلاته لأن قوله أو التي صليت معنا يدل على أنه قد أدرك الصلاة مع رسول الله بعد فراغه من الركعتين.

353- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل حدثنا عبد الرزاق حدثنا زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.

قلت: وفي هذا بيان أنه ممنوع من ركعتي الفجر ومن غيرها من الصلوات إلا المكتوبة.

وقد اختلف الناس في هذا فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب الرجل إذا رآه يصلي الركعتين والإمام في الصلاة. وروي الكراهية في ذلك عن ابن عمر وأبي هُرَيْرَة وكره ذلك سعيد بن جبير وابن سيرين وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وعطاء وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل.

ورخصت طائفة في ذلك روي ذلك عن ابن مسعود ومسروق والحسن ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي سليمان.

وقال مالك إن لم يخف أن يفوته الإمام بالركعة فليركع خارجا قبل أن يدخل فإن خاف أن يفوته الركعة فليدخل مع الإمام فليصل معه.

وقال أبوحنيفة إن خشي أن يفوته ركعة من الفجر في جماعة ويدرك ركعة يصلي عند باب المسجد ثم دخل فصلى مع القوم، وإن خاف أن يفوته الركعتان جميعا صلى مع القوم.

129/6م ومن باب من فاتته متى يقضيها

354- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن سعد بن سعيد حدثني محمد بن إبراهيم عن قيس بن عمرو قال رأى النبي رجلا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال رسول الله صلاة الصبح ركعتان، فقال الرجل إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن فسكت رسول الله .

قلت: فيه بيان أن لمن فاتته الركعتان قبل الفريضة أن يصليهما بعدها قبل طلوع الشمس وأن النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إنما هو فيمل يتطوع به الإنسان إنشاءً وابتداءً دون ما كان له تعلق بسبب.

وقد اختلف الناس في وقت قضاء ركعتي الفجر فروي عن ابن عمر أنه قال يقضيهما بعد صلاة الصبح وبه قال عطاء وطاوس وابن جريج.

وقال طائفة يقضيهما إذا طلعت الشمس، وبه قال القاسم بن محمد وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

وقال أصحاب الرأي إن أحب قضاهما إذا ارتفعت الشمس فإن لم يفعل فلا شيء عليه لأنه تطوع.

وقال مالك يقضيهما ضحى إلى وقت زوال الشمس ولا يقضيهما بعد الزوال.

355- قال أبو داود: حدثنا الربيع بن نافع، حَدَّثنا محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم، عَن أبي سلام، عَن أبي أمامة عن عمرو بن عنبسة السُّلمي أنه قال: قلت يارسول الله أي الليل اسمع قال جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم اقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قِيسَ رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله ثم أقصر فإن جنهم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب النشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار وساق الحديث.

قلت: قوله أي الليل أسمع، يريد أي أوقات الليل أرجى للدعوة وأولى بالاستجابه وضع السمع موضع الاجابة كما يقول المصلي سمع الله لمن حمده، يريد استجاب الله دعاء من حمده. وقوله جوف الليل الآخر يريد به ثلث الليل الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل، وقيس رمح معناه قدر رمح في رأي العين يقال هو قيس رمح وقيد رمح بمعنى واحد.

وقوله فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، معناه أن الملائكة تشهدها وتكتب أجرها للمصلي.

ومعنى قوله حتى يعدل الرمح ظله وهو إذا قامت الشمس قبل أن تزول، فإذا تناهى قصر الظل فهو وقت اعتداله وإذا أخذ في الزيادة فهو وقت الزوال.

قلت وذكره تسجير جهنم وكون الشمس بين قرني الشيطان وما أشبه ذلك من الأشياء التي تذكر على سبيل التعليل لتحريم شيء أو لنهي عن شيء أمور لا تدرك معانيها من طريق الحس والعيان، وإنما يجب علينا الإيمان بها والتصديق بمخبوءاتها والانتهاء إلى أحكامها التي علقت بها وقد ذكرت فيما تقدم من الكتاب ما قيل في معنى قرني الشيطان وحكيت في ذلك أقوالا لأهل العلم فأغنى عن إعادتها ههنا.

356- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة، عَن أبي إسحاق عن الأسود ومسروق قالا نشهد على عائشة أنها قالت ما من يوم يأتي على النبي إلا صلى بعد العصر ركعتين.

قلت صلاة النبي في هذا الوقت قد قيل أنه مخصوص بها، وقيل إن الأصل فيه أنه صلاها يوما قضاء لفائت ركعتي الظهر وكان إذا فعل فعلا واظب عليه ولم يقطعه فيما بعد.

357- قال أبو داود: حدثنا عبد الله النفيلي حدثنا ابن عُلَية عن الجُريري عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله : بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة لمن شاء.

قلت أراد بالأذانين الأذان والإقامة حمل أحد الاسمين على الآخر والعرب تفعل ذلك كقولهم الأسودين للتمر والماء، وإنما الأسود أحدهما، وكقولهم سيرة العمرين يريدون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وإنما فعلوا ذلك لأنه أخف على اللسان من أن يثبتوا كل اسم منهما على حدته ويذكروه بخاص صفته، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الأذانين حقيقة الاسم لكل واحد منهما لأن الأذان في اللغة معناه الإعلام. ومنه قوله تعالى {وأذان من الله ورسوله} 3 فالنداء بالصلاة أذان بحضور الوقت والإقامة أذان بفعل الصلاة.

358- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن منيع، حَدَّثنا عباد بن عباد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر، عَن أبي ذر عن النبي قال: يصبح على كل سلامى من بني آدم صدقة فتسليمه على من لقي صدقة وأمره بالمعروف صدقة ونهيه عن المنكر صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة وبضعته أهله صدقة ويجزي من ذلك كله ركعتا الضحى.

قلت: السُّلامى عظام أصابع اليد والرجل ومعناه عظام البدن كلها يريد أن في كل عضو ومفصل من بدنه عليه صدقة.

130/13م - ومن باب صلاة النهار

359- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي قال: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.

قلت: روى هذا الحديث عن ابن عمر نافع وطاوس وعبد الله بن دينار لم يذكر فيه أحد صلاة النهار إنما هو صلاة الليل مثنى مثنى، إلا أن سبيل الزيادات أن تقبل وقد قال بهذا في النوافل مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل، وقد صلى رسول الله صلاة الضحى يوم الفتح ثماني ركعات يسلم عن كل ركعتين. وصلاة العيد ركعتان والاستسقاء ركعتان وهذه كلها من صلاة النهار.

360- قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى، حَدَّثنا معاذ بن معاذ، حَدَّثنا شعبة حدثني عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي قال: الصلاة مثنى مثنى وأن تشهد في كل ركعتين وأن تبأس وتَمَسكن وتقنع بيدك وتقول اللهم فمن لم يفعل ذلك فهي خداج.

قلت: أصحاب الحديث يغلطون شعبة في رواية هذا الحديث، قال محمد بن إسماعيل البخاري أخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع قال عن أنس بن أبي أنس وإنما هو عمران بن أبي أنس، وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما هو عن عبد الله بن نافع عن ربيعة بن الحارث وربيعة بن الحارث هو ابن المطلب فقال هو عن المطلب، والحديث عن الفضل بن عباس ولم يذكر فيه الفضل.

قلت ورواه الليث بن سعد عن عبد ربه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس عن النبي وهو الصحيح.

وقال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري وخطأ شعبة وصوب الليث بن سعد، وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة.

وقوله تبأس معناه إظهار البؤس والفاقة وتمسكن من المسكنة، وقيل معناه السكون والوقار والميم مذيدة فيها واقناع اليدين رفعهما في الدعاء والمسألة، وقوله اللهم نداء معناه يا الله، وزعم بعض النحويين أنهم لما أسقطوا ياء من أوله عوضوا منها الميم في آخره.

وقال بعضهم اللهم معناه يا الله امنا بخير أي اقصدنا بخير فحذف حذف الإضافة اختصارا ؛ والخداج ههنا الناقص في الأجر والفضيلة.

131/17 م- ومن باب قيام الليل

361- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب بمكان كل عقدة عليك ليلا طويلا وذكر الحديث.

قوله قافية رأس أحدكم يريد مؤخر الرأس ومنه سمي آخر بيت الشعر قافية.

وقلت لأعرابي ورد علينا أين نزلت فقال في قافية ذلك المكان وسمى لي موضعا عرفته.

132/26م - ومن باب صلاة الليل

362- قال أبو داود: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي وابن أبي ذيب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن بالأول من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن.

قلت: قوله سكت بالأول معناه الفراغ من الأذان الأول يريد أنه لا يصلي ما دام يؤذن فإذا فرغ من الأذان وسكت قام فصلى ركعتي الفجر.

وقوله ينصدع معناه ينشق.

133/27م - ومن باب ما يؤمر به من القصد

363- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري، عَن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله قال: اكْفَلوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا.

معناه أن الله سبحانه لا يمل أبدا وإن مللتم، وهذا كقول الشاعر الشنفرى:

صَلِيتْ مني هُذيل بحرق…… لا يمل الشرَّ حتى تملوا

يريد أنه لا يمل إذا ملوا ولوكان يمل عند ملالهم لم يكن له عليهم فضل، وقيل معناه أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل، ومعنى يمل يترك لأن من مل شيئا تركه وأعرض عنه.

364- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال يا عثمان ارغبة عن سنتي فقال لا والله يا رسول الله لكني سنتك اطلب. قال فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وافطر وصل ونم.

قوله إن لأهلك عليك حقا، يريد أنه إذا دأب نفسه وجهدها ضعفت قواه فلم يتسع لقضاء حق أهله. وقوله وإن لضيفك عليك حقا، فيه دليل على أن المتطوع بالصوم إذا أضافه ضيف كان المستحب أن يفطر ويأكل معه ليبسط بذلك منه ويزيد في إيناسه بمواكلته إياه وذلك نوع من إكرامه وقد قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.

باب تفريع أبواب شهر رمضان

134/1م - ومن باب قيام شهر رمضان

365- قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم، عَن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعا فأمرني رسول الله فضربت له حصيرا فصلى رسول الله فيه وصلى بصلاته الناس وذكر الحديث.

قولها أوزاعا يريد متفرقين ومن هذا قولهم وزعت الشيء إذا فرقته وفيه إثبات الجماعة في قيام شهر رمضان، وفيه إبطال قول من زعم إنها محدثة.

366- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير، عَن أبي ذر، قال صمنا مع رسول الله رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى إذا ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال: فقال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة، قال فلما كانت الرابعة لم يقم بنا فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال قلت وما الفلاح، قال السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر.

قلت: أصل الفلاح البقاء وسمي السحور فلاحا إذ كان سببا لبقاء الصوم ومعينا عليه.

367- قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي وداود بن أمية أن سفيان أخبرهم، عَن أبي يعفور وقال داود بن أمية عن ابن عبيد بن نسطاس، عَن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أن النبي كان إذا دخل العشر أحيا الليل وشد المئزر وأيقظ أهله.

شد المئزر يتأول على وجهين: أحدهما هجران النساء وترك غشيانهن. والآخَرُ الجد والتشمير في العمل.

أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله

135/9م ومن باب تحزيب القرآن

368- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا أبو خالد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس بن حذيفة عن جده، قال قدمنا على رسول الله في وفد ثقيف وساق الحديث قال وكان رسول الله يأتينا كل ليلة بعد العشاء فيحدثنا قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه قريش، قال كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلت لقد أبطأت عنا الليلة قال أنه طرأ عليّ حزبي من القرآن وكرهت أجيء حتى أتمه.

قوله يراوح بين رجليه هو أن يطول قيام الإنسان حتى يعيا فيعتمد على إحدى رجليه مرة ثم يتكئ على رجله الأخرى مرة، وسجال الحرب نوبها وهي جمع سجل وهو الدلو الكبيرة وقد يكون السجال مصدر ساجلت الرجل مساجلة وسجالا وهو أن يستقي الرجل من بئر أو ركية فينزع هذا سجلا وهذا سجلا يتناوبان السقي بينهما.

وقوله ندال عليهم ويدالون علينا يريد أن الدولة تكون لنا عليهم مرة ولهم علينا أخرى.

وقوله طرأ علي حزبي من القرآن يريد أنه كان قد أغفله عن وقته ثم ذكره فقرأه وأصله من قولك طرأ عليّ الرجل إذا خرج عليك فجأة طروءا فهو طارئ.

369- قال ابو داود: حدثنا عباد بن موسى حدثنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل، عَن أبي إسحاق عن علقمة والأسود، قالا أتى ابن مسعود رجل فقال إني أقرأ الفصل في ركعة فقال أهذا كهذَّ الشعر ونثرا كنثر الدَّقَل.

الهذ سرعة القراءة وإنما عاب عليه ذلك لأنه إذا أسرع القراءة ولم يرتلها فاته فهم القرآن وإدراك معانيه.

- سجود القرآن

136/5م - ومن باب السجود في صاد

370- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عَن أبي سعيد الخدري أنه قال قرأ رسول الله وهو على المنبر صاد فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله : إنما هو توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل وسجد وسجدوا.

قوله تشزن الناس معناه استوفزوا للسجود وتهيؤوا له وأصله من الشزن وهو القلق يقال بات فلان على شزن إذا بات قلقا يتقلب من جنب إلى جنب.

واختلف الناس في سجدة صاد فقال الشافعي سجود القرآن أربع عشرة سجدة في الحج منها سجدتان وفي المفصل ثلاثة وليس في صاد سجدة.

وقال أصحاب الرأي في الحج سجدة واحدة وأثبتوا السجود في صاد.

وقال إسحاق بن راهويه سجود القرآن خمس عشرة سجدة وأثبت السجود في « ص » والسجدتين في « الحج ».

371- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن الفرات الرازي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله يُقْرأ عليه القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه.

قلت: فيه من الفقه أن المستمع للقرآن إذا قرئ بحضرته السجدة يسجد مع القارئ. وقال مالك والشافعي إذا لم يكن قعد لاستماع القرآن فإن شاء سجد وإن شاء لم يسجد.

وفيه بيان أن السنة أن يكبر للسجدة وعلى هذا مذهب أكثر أهل العلم. وكذلك يكبر إذا رفع رأسه.

وكان الشافعي وأحمد بن حنبل يقولان يرفع يديه إذا أراد أن يسجد.

وعن ابن سيرين وعطاء إذا رفع رأسه من السجود يسلم وبه قال إسحاق بن راهويه واحتج لهم في ذلك بقوله تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، وكان أحمد بن حنبل لا يعرف التسليم في هذا.

ومن باب الوتر

137/1م باب استحباب الوتر

372- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن زكريا، عَن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله : يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر.

قلت تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على أن الوتر غير واجب ولو كان واجبا لكان عاما وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء والحفاط دون العوام وسل على ذلك أيضا قوله للأعرابي ليس لك ولا لأصحابك.

373- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عَن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي بمعناه فقال أعرابي ما تقول قال ليس لك ولا لأصحابك.

374- قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد وقتيبة المعنى قالا: حَدَّثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزوفي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفى عن خارجة بن حذافة، قال أبو الوليد العدوي خرج علينا رسول الله فقال: إن الله قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

قوله أمدكم بصلاة يدل على أنها غير لازمة لهم ولو كانت واجبة لخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام فيقول ألزمكم أو فرض عليكم أو نحو ذلك من الكلام.

وقد روي أيضا في هذا الحديث أن الله قد زادكم صلاة ومعناه الزيادة في النوافل وذلك أن نوافل الصلوات شفع لا وتر فيها، فقيل أمدكم بصلاة وزادكم صلاة لم تكونوا تصلونها قبل على تلك الهيئة والصورة وهي الوتر.

وفيه دليل على أن الوتر لا يقضى بعد طلوع الفجر، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وهو قول عطاء.

وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي يقضي الوتر وإن كان قد صلى الفجر، وكذلك قال الأوزاعي.

375- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو إسحاق الطالقاني حدثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله بن عبد الله العتكي عن ابن بريدة عن أبيه قال سمعت رسول الله يقول: الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا.

قلت معنى هذا الكلام التحريض على الوتر والترغيب فيه وقوله ليس منا معناه من لم يوتر رغبة عن السنة فليس منا.

وقد دلت الأخبار الصحيحة على أنه لم يرد بالحق الوجوب الذي لا يسع غيره منها خبر عبادة بن الصامت لما بلغه أن أبا محمد رجلا من الأنصار يقول الوتر حق، فقال كذب أبو محمد ثم روى عن رسول الله في عدد الصلوات الخمس، ومنها خبر طلحة بن عبيد الله في سؤال الأعرابي؛ ومنها خبر أنس بن مالك في فرض الصلوات ليلة الإسراء.

وقد أجمع أهل العلم على أن الوتر ليس بفريضة إلا أنه يقال إن في رواية الحسن بن زياد، عَن أبي حنيفة أنه قال هو فريضة وأصحابه لا يقولون بذلك فإن صحت هذه الرواية فإنه مسبوق بالإجماع فيه.

376- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أن رجلا من أهل البادية سأل رسول الله عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل.

قلت قد ذهب جماعة من السلف إلى أن الوتر ركعة منهم عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وابن عباس وعائشة وابن الزبير وهو مذهب ابن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه غير أن الاختيار عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل أن يصلي ركعتين ثم يوتر بركعة فإن أفرد الركعة كان جائزا عند الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وكرهه مالك.

وقال أصحاب الرأي الوتر ثلاث لا يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة.

وقال سفيان الثوري الوتر ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة.

وقال الأوزاعي إن فصل بين الركعتين والثالثة فحسن وإن لم يفصل فحسن.

وقال مالك يفصل بينهما فإن لم يفعل ونسي إلى أن قام في الثالثة سجد سجدتي السهو.

138/10م ومن باب القنوت في الصلاة

377- قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبوسلمة بن عبد الرحمن، عَن أبي هريرة قال قنت رسول الله في صلاة العتمة شهرا يقول في قنوته اللهم نج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، قال أبو هريرة وأصبح رسول الله ذات يوم فلم يدع لهم فذكرت له ذلك فقال أو ما تراهم قد قدموا.

قلت فيه من الفقه إثبات القنوت في غير الوتر.

وفيه دليل على أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آباءهم لا يقطع الصلاة وأن الدعاء على الكفار والظلمة لا يفسدها، ومعنى الوطأة ههنا الإيقاع بهم والعقوبة لهم، ومعنى سني يوسف القحط والجدب وهي السبع الشداد التي أصابتهم.

378- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي حدثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال قنت رسول الله شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعوعلى أحياء من سُليم على رِعَل وذَكوان وعصية ويؤمن من خلفه.

قلت فيه بيان أن موضع القنوت بعد الركوع لا قبله.

379- قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك أن النبي قنت شهرا ثم تركه.

قلت معنى قوله ثم تركه أي ترك الدعاء على هؤلاء القبائل المذكورة في الحديث الأول أو ترك القنوت في الصلوات الأربع ولم يتركه في صلاة الصبح ولا ترك الدعاء المذكور في حديث الحسن بن علي، وهو قوله اللهم اهدنا فيمن هديت يدل على ذلك الأحاديث الصحيحة في قنوته إلى آخر أيام حياته.

وقد اختلف الناس في القنوت في صلاة الفجر وفي موضع القنوت منها، فقال أصحاب الرأي لا قنوت فيها ولا قنوت إلا في الوتر ويقنت قبل الركوع.

وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يقنت في صلاة الفجر والقنوت بعد الركوع وقد روي القنوت بعد الركوع في صلاة الفجر، عَن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.

فأما القنوت في شهر رمضان فمذهب إبراهيم النخعي وأهل الرأي وإسحاق ان يقنت في أوله وآخره.

وقال الزهري ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل لا يقنت إلا في النصف الآخر منه واحتجوا في ذلك بفعل أبي بن كعب وابن عمر ومعاذ القارىء.

[جماع أبواب فضائل القرآن]

139/14م ومن باب ثواب قراءة القرآن

380- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجُهني قال خرج علينا رسول الله ونحن في الصُفّة فقال أيكم يحب أن يغدو إلى بُطحان أو العقيق قيأخذ ناقتين كَوماوين زهراوين بغير إثم ولا قطع رحم قالوا كلنا يا رسول الله، قال فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين.

الكوماء من الإبل العظيمة السنام.

140/20م ومن باب الترتيل في القرآن

381- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.

قلت جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارىء ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على اقصى درج الجنة ومن قرأ جزءا منها كان رقيه في الدرج على قدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة.

382- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن طلحة عن عبد الرحمن عن عوسجة عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله : زينوا القرآن بأصواتكم.

قلت معناه زينوا أصواتكم بالقرآن هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث وزعموا أنه من باب المقلوب كما قالوا عرضت الناقة على الحوض أي عرضت الحوض على الناقة، وكقولهم إذا طلعت الشعرى واستوى العود على الحرباء أي استوى الحرباء على العود وكقول الشاعر:

وتركب خيلا لا هوادة بينها … وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

وإنما هو تشقى الضياطرة بالرماح.

وأخبرنا ابن الأعرابي حدثنا عباس الدوري حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو قطن عن شعبة قال نهاني أيوب أن أحدث زينوا القرآن بأصواتكم.

قلت ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الأصوات على القرآن وهو الصحيح أخبرناه محمد بن هاشم حدثنا الدبري عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله قال: زينوا أصواتكم بالقرآن، والمعنى اشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا بقراءته واتخذوه شعارا وزينة.

وفيه دليل على هذه الرواية من طريق منصور أن المسموع من قراءة القارئ هو القرآن وليس بحكاية للقرآن.

383- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله : ليس منا من لم يتغن بالقرآن.

قلت هذا يتأول على وجوه أحدها: تحسين الصوت والوجه الثاني: الاستغناء بالقرآن عن غيره، وإليه ذهب سفيان بن عيينة ويقال تغنى الرجل بمعنى استغنى قال الأعشى:

وكنت امرأ زمنا بالعراق... عفيف المنازل طويل التغني

أي الاستغناء، وفيه وجه ثالث قاله ابن الأعرابي صاحبنا أخبرني إبراهيم بن فراس قال: سألت ابن الأعرابي عن هذا فقال إن العرب كانت تتغنى بالركبان إذا ركبت البل وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي أن يكون القرآن هجيراهم مكان التغني بالركبان.

384- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني عمرو بن مالك وحَيْوة عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عَن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عَن أبي هريرة أن النبي قال: ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به.

قوله أذن معناه استمع يقال أذنت للشيء آذن له أذنا مفتوحه الألف والذال قال الشاعر:

  • إن همي في سماع وأذَنْ *

وقوله يجهر به زعم بعضهم أنه تفسير لقوله يتغنى به، قال وكل من رفع صوته بشيء معلنا به فقد تغنى به، وقال أبو عاصم أخذ بيدي ابن جريج فوقفني على أشعب فقال غن ابن أخي ما بلغ من طمعك فقال بلغ من طمعي أنه ما زفت بالمدينة جارية إلا رششت بابي طمعا أن تهدي إليَّ يريد أخبره معلنا به غير مُسرّ وهذا وجه رابع في تفسير قوله ليس منا من لم يتغن بالقرآن.

385- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فايد عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله : ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم.

قال أبوعبيد: الأجذم المقطوع اليد وقال ابن قتيبة: الأجذم ههنا المجذوم، وقال ابن الأعرابي: معناه أنه يلقى الله خالي اليدين عن الخير كنى باليد عما تحويه اليد، وقال آخر معناه لقي الله لا حجة له وقد رويناه عن سويد بن غفلة.

141/22م ومن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف

386- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبدالقارىء قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه.

قلت اختلف الناس في تفسير قوله سبعة أحرف فقال بعضهم معنى الحروف اللغات يريد أنه نزل على سبع لغات من لغات العرب هن أفصح اللغات وأعلاها في كلامهم قالوا وهذه اللغات متفرقة في القرآن غير مجتمعة في الكلمة الواحدة وإلى نحو من هذا أشار أبو عبيد.

وقال القتبي لا نعرف في القرآن حرفا يقرأ على سبعة أوجه، وقال ابن الأنباري هذا غلط وقد وجد في القرآن حروف تصح أن تقرأ على سبعة أحرف منها قوله تعالى {وعبد الطاغوت} 4 وقوله {أرسله معنا غدا يرتع ويلعب} 5 وذكر وجوهها كأنه يذهب في تأويل الحديث إلى أن بعض القرآن أنزل على سبعة أحرف لا كله.

وقد ذكر بعضهم فيه وجها آخر قال وهو أن القرآن أنزل مرخَّصا للقارئ وموسعا عليه أن يقرأه على سبعة أحرف أي يقرأه بأي حرف شاء منها على البدل من صاحبه ولو أراد أن يقرأ على معنى ما قاله ابن الأنباري لقيل أنزل القرآن بسبعة أحرف فإنما قيل على سبعة أحرف ليعلم أنه أريد به هذا المعنى أي كأنه أنزل على هذا من الشرط أو على هذا من الرخصة والتوسعة وذلك لتسهل قراءته على الناس ولو أخذوا بأن يقرؤوه على حرف واحد لشق عليهم ولكان ذلك داعيةً للزهادة فيه وسببا للنفورعنه.

وقيل فيه وجه آخر وهو أن المراد به التوسعة ليس حصر العدد.


هامش

  1. [النساء: 102]
  2. [النساء: 110]
  3. [التوبة: 3]
  4. [المائدة: 60]
  5. [يوسف: 12]


معالم السنن - الجزء الأول للإمام الخطابي
معالم السنن/الجزء الأول/1 | معالم السنن/الجزء الأول/2 | معالم السنن/الجزء الأول/3 | معالم السنن/الجزء الأول/4 | معالم السنن/الجزء الأول/5 | معالم السنن/الجزء الأول/6 | معالم السنن/الجزء الأول/7 | معالم السنن/الجزء الأول/8 | معالم السنن/الجزء الأول/9 | معالم السنن/الجزء الأول/10 | معالم السنن/الجزء الأول/11 | معالم السنن/الجزء الأول/12 | معالم السنن/الجزء الأول/13 | معالم السنن/الجزء الأول/14 | معالم السنن/الجزء الأول/15 | معالم السنن/الجزء الأول/16 | معالم السنن/الجزء الأول/17