ملاحظات: المقدمة



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه المتصف بصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، الذي علم ما كان وما يكون وما هو كائن في الحال والمآل، وحكم بالموت على كل ذي روح من مخلوقاته، وساوى فيه بين الملك والمملوك، والغني والفقير، والشريف والضعيف، والعاصي والمطيع، من سكان أرضه وسماواته، فهو الذي عدل في الآخرة بين برياته 1، قبض روح هذا بعد ما عمر الدنيا وزخرف البناء وتوطّنها، وليست لحي وطنا، وتبغي روح الآخر الذي اجتهد في إصلاح آخرته، وجعل الدنيا لجة 2، واتخذ صالح الأعمال فيها سفنا، فشتان ما بين خروج الروحين من الجسدين، هذه لها السعادة والهناء، وتلك لها الخيبة والشقاء والعناء 3، هذه ترفع في رياض الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش في لذة ونعيم، وتلك محبوسة تعذب في نار الجحيم. و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، إله تحبب إلى عباده بنعمه وآلائه، وابتدأهم سبحانه وتعالى بإحسانه العميم وعطائه، فعياذا بعزته جل جلاله أن يختم بالإساءة وقد بدأنا بالإحسان، فله سبحانه الحمد والشكر والنعمة والفضل والخلق والأمر والثناء الحسن الجميل والامتنان.
و أشهد أن محمدا صلوات اللّه وسلامه، عبده ورسوله الطيب الروح و الجسد، سيد ولد آدم 4، وأفضل من قام وركع وسجد، الذي أنزل عليه في كتابه العزيز، ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَاۤ أَبَدࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣰّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلࣰا ۝١٢٢ [النساء:122] ﴿وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلࣰا ۝٨٥ [الإسراء:85] وعلى آله وصحبه خير القرون الذين اهتدوا وما بدلوا تبديلا، صلاة دائمة بدوام السموات والأرض، إلى أن يرث سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها للحساب والعرض، وسلم تسليما كثيرا (و بعد)
فهذا كتاب عظيم النفع، جليل القدر، كثير الفائدة، ما صنف مثله في معناه، فلا تكاد تجد ما تضمنه من بدائع الفوائد وفوائد القلائد 5 في كتاب سواه، ويشتمل على جملة من المسائل، تتضمن الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل: الكتاب والسنّة والآثار وأقوال العلماء الأخيار، لا أدري أسأل مصنفه قدس اللّه روحه عنها فأجاب، أم سئل عن البعض ولكن هو أطال الخطاب، فإني رأيته مجردا عن خطبة وسؤال أصلا مبتدئا فيه بقوله:
(أما المسألة الأولى وهي: هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا) فأحببت بعد استخارة اللّه سبحانه وتعالى أن أفتتحه بهذه الخطبة المباركة العظيمة.
لكونه كتابا في ضمن مسائلة التي تتأملها وتشاهدها كل درة يتيمة، لينشرح صدر الناظر فيه، ولتقوي همته على النظر في بدائع فوائده ودقائق معانيه. واللّه سبحانه وتعالى المسئول المرجو الإجابة، أن يعصمنا من الزيغ والزلل، وأن يوفقنا لصالح النية والقول والعمل، وأن يرفع درجات مؤلفه في جنات النعيم، وأن ينفع به الناظر فيه إنه سميع عليم، إنه على كل شي ء قدير وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(قال) الشيخ الإمام العالم العامل ترجمان القرآن، ذو الفنون الحسان، شيخ الإسلام، قدوة الأنام، أوحد الحفّاظ، فارس المعاني والألفاظ، علّامة العلماء، وارث الأنبياء، عمدة المفسرين، بغية المجتهدين، شمس الدين أبو عبد اللّه محمد ابن الشيخ الإمام العالم شرف الدين أبي بكر ابن الشيخ الكبير أيوب بن سعد الشهير بابن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي قدس اللّه تعالى روحه، ونور ضريحه، وجعل أبواب الجنان بين يديه مفتوحة ولسائر علماء الإسلام الجهابذة النقّاد الأعلام آمين، وصلى اللّه على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وآله وصحبه أجمعين.



هامش

  1. يُقال: برأ اللّه الخليقة يبرؤها (بفتحتين) أي خلقها، فهو البارئ، والبرية فعيلة بمعنى مفعولة.
  2. اللّجّ: بالضم: الجماعة الكثيرة ومعظم الماء، كاللجة فيهما، ومنه بحر لجي ويكسر.
  3. عني: من باب تعب، إذا نشب في الإسار فهو عان، والجمع عناة، ويتعدى بالهمزة، وعنى الأسير من باب تعب لغة أيضا، ومنه قيل للمرأة عانية لأنها محبوسة عند الزوج، والجمع عوان، وعنا يعنو عنوة: إذا أخذ الشي ء قهرا، وكذلك إذا أخذه صلحا فهو من الأضداد قال (كثير عزة):
    "فما أخذوها عنوة عن مودة ... ولقد ضرب المشرفي استقلالها"
  4. أخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع» انظر سنن أبي داود رقم 4673.
  5. القلادة ما يجعل في الصف من حلي ونحوه، أو وسام تمنحه الدولة لمن تشاء تقديرا له، والجمع قائد.


الروح
المقدمة | المسألة الأولى | المسألة الثانية | المسألة الثالثة | المسألة الرابعة | المسألة الخامسة | المسألة السادسة | المسألة السابعة | المسألة الثامنة | المسألة التاسعة | المسألة العاشرة | المسألة الحادية عشرة | المسألة الثانية عشرة | المسألة الثالثة عشرة | المسألة الرابعة عشرة | المسألة الخامسة عشرة | المسألة السادسة عشرة | المسألة السابعة عشرة | المسألة الثامنة عشرة | المسألة التاسعة عشرة | المسألة العشرون | المسألة الحادية والعشرون