تفسير المراغي/سورة الطور

ملاحظات:




سورة الطور


هي مكية وعدد آياتها تسع وأربعون، نزلت بعد السجدة.

عن أم سلمة « أنها سمعت رسول الله يصلي إلى جنب البيت بالطور وكتاب مسطور » أخرجه البخاري وغيره.

ومناسبتها لما قبلها:

(1) إن في ابتداء كل منهما وصف حال المتقين.

(2) إن في نهاية كل منهما وعيد للكافرين.

(3) إن كلا منهما بدئت بقسم بآية من آياته تعالى الكونية التي تتعلق بالمعاش أو المعاد، ففي الأولى أقسم بالرياح الذاريات التي تنفع الإنسان في معاشه، وهنا أقسم بالطور الذي أنزل فيه التوراة النافعة للناس في معادهم.

(4) في كل منهما أمر النبي بالتذكير والإعراض عما يقول الجاحدون من قول مختلف.

(5) تضمنت كلتاهما الحجاج على التوحيد والبعث، إلى نحو ذلك من المعاني المتشابهة في السورتين.

[سورة الطور (52): الآيات 1 الى 16]

بسم الله الرحمن الرحيم

والطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) والسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا (9) وتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)

تفسير المفردات

الطور بالسريانية: الجبل، والمراد به طور سينين، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، والمراد بالكتاب هنا: ما كتب من الكتب السماوية كالقرآن والتوراة والإنجيل، والمسطور: أي المكتوب على طريق منظم، والسطر ترتيب الحروف المكتوبة، والرّق: (بالفتح والكسر) جلد رقيق يكتب فيه، والمنشور: المفتوح الذي لا ختم عليه، والبيت المعمور: هو الكعبة المعمورة بالحجاج والمجاورين، والسقف المرفوع: هو السماء، والمسجور: أي الموقد المحمى، من سجر النار أي أوقدها وعنى به باطن الأرض وهو الذي دل عليه الكشف الحديث ولم تعرفه الأمم قديما، وقد أشارت إليه الأحاديث، فعن عبد الله بن عمر: « لا يركبنّ رجل البحر إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا، فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا ».

وقد أثبت علماء طبقات الأرض (الجيلوجيا) أن الأرض كلها كبطيخة وقشرتها كقشرة البطيخة أي إن نسبة قشرة الأرض إلى النار التي في باطنها كنسبة قشرة البطيخة إلى باطنها الذي يؤكل، فنحن الآن فوق نار عظيمة: أي فوق بحر مملوء نارا، وهذا البحر مغطى من جميع جهاته بالقشرة الأرضية المحكمة السد عليه، ومن حين إلى آخر تتصاعد من ذلك البحر نار تظهر في الزلازل والبراكين كبركان فيزوف الذي هاج بإيطاليا سنة 1909 م وابتلع مدينة مسّينا، والزلزلة التي حدثت باليابان سنة 1925 م وخربت مدنا بأكملها.

وتمور: أي تضطرب وترتجّ وهي في مكانها، وأصل المور التردد في الذهاب والمجيء، وقد يطلق على السير مطلقا كما قال الأعشى:

كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحابة لا ريث ولا عجل

وأصل الخوض: السير في الماء ثم استعمل في الشروع في كل شيء وغلب في الخوض في الباطل، كالإحضار فإنه عام في كل شيء ثم غلب استعماله في الإحضار للعذاب، يدعّون: أي يدفعون دفعا عنيفا شديدا بأن تغلّ أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعون إلى النار ويطرحون فيها.

المعنى الجملي

أقسم سبحانه بمخلوقاته العظيمة، الدالة على كمال قدرته، وبديع صنعته، وعدّ منها أماكن ثلاثة: الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور - لأنبياء ثلاثة كانوا ينفردون للخلوة بربهم، والخلاص من الخلق لمناجاة الخالق، فانتقل موسى إلى الطور وخاطب ربه وقال « أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا » وقال « رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ » وانتقل محمد إلى البيت المعمور وناجى ربه وقال « سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك »، وكلم يونس ربه في البحر وقال: « لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ».

وقرن الكتاب بالطور لأن موسى كان ينزل عليه الكتاب وهو به، وقرن السقف المرفوع بالبيت المعمور ليعلم عظمة شأن محمد ، وأقسم بكل هذا على أن العذاب يوم القيامة نازل بأعدائه الذين يخوضون في الباطل ويتخذون الدين هزوا ولعبا، فيدفعون إلى النار دفعا عنيفا ويقال لهم: هذه هي النار التي كنتم بها تكذبون، ادخلوها وقاسوا شدائدها، وسواء عليكم أجزعتم أم صبرتم مالكم منها مهرب ولا خلاص.

الإيضاح

(وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) أقسم سبحانه بهذا الجبل العظيم الشأن الذي كلم فوقه موسى، وأنزل عليه التوراة التي كتبت بنظام بديع، مرتب الحروف، في رق منشور، يسهل على كل أحد أن يطلع على ما فيها من حكم وأحكام، وآداب وأخلاق.

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) أي والكعبة التي يعمرها عشرات الآلاف الذين يهرعون إليها كل عام من أرجاء المعمورة، وينسلون إليها من كل حدب، كما يعمرها المجاورون لها تبركا بالعبادة فيها، وطلبا لقبولها عند ربهم.

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) أي والعالم العلوي وما حوى من شموس وأقمار، وكواكب ثابتة وسيارات، وما فيه من عرشه وكرسيه وملائكته الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وما فيه من عوالم لا يحصى عدتها إلا هو، ومن جنود لا يعلم حقيقتها إلا من ذرأها كما قال « وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ».

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي والبحر المحبوس من أن يفيض فيغرق جميع ما على الأرض ولا يبقى ولا يذر من حيوان ونبات، فيفسد نظام العالم وتعدم الحكمة التي لأجلها خلق.

وقد يكون المعنى - والبحر الموقد في باطن الأرض بمنزلة التنّور المحمى، وقد بينا هذا فيما سبق.

ثم ذكر ما أقسم عليه فقال:

(إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ. ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) أي إن عذاب يوم القيامة لمحيط بالكافرين المكذبين بالرسل، لا يدفعه عنهم دافع، ولا يجدون من دونه مهربا، جزاء ما دنّسوا به أنفسهم من الشرك والآثام، ودسّوا به أرواحهم من التكذيب بالرسل واليوم الآخر.

(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا) أي ليس للعذاب دافع في ذلك اليوم الذي ترتجّ فيه السماء وهي في أماكنها، وتتحققون أنه لا مانع من عذاب الله ولا مهرب منه.

(وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْرًا) أي وتزول الجبال من أماكنها، وتسير عن مواضعها كسير السحاب، وتطير في الهواء ثم تقع على الأرض مفتتة كالرمل ثم تصير كالعهن (الصوف المندوف) ثم تطيرها الرياح فتكون هباء منثورا كما دل على ذلك ما جاء في سورة النمل والحكمة في مور السماء وسير الجبال - الإعلام والإنذار بأن لا رجوع ولا عودة إلى الدنيا لخرابها وعمارة الآخرة.

ثم بين من سيقع عليه العذاب حينئذ فقال:

(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) أي فإذا حدث ما ذكر من مور السماء وسير الجبال فهلاك يومئذ للمكذبين الذين يخوضون في الباطل، ويندفعون لاهين، لا يذكرون حسابا، ولا يخافون عقابا.

(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) أي يوم يدفعون ويساقون إلى نار جهنم دفعا عنيفا.

فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها تقريعا وتوبيخا:

(هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) أي هذه النار التي تشاهدونها هي التي كنتم بها تكذبون في الدنيا، وتكذيبهم بها تكذيب للرسول الذي جاء بخبرها، وللوحى الناطق بها.

ثم تهكم بهم وأنّبهم فقال:

(أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ؟) كان المشركون في الدنيا ينسبون إلى محمد أنه يسحر العقول ويغطى الأبصار، فأنبهم على ما قالوا مستهزئا بهم وقال لهم: هل ما ترونه بأعينكم مما كنتم تنبئون به في الدنيا من العذاب - حق، أو سحرتم أيضا كما كان يفعل بكم محمد في الدنيا، أو قد غطّيت أبصاركم فلا ترى شيئا؟

بلى إنه لحق فلم تسحر أعينكم ولم تغطّ أبصاركم.

والخلاصة - هل في المرئي شك أو في أبصاركم علل؟ لا واحد منهما بموجود، فالذي ترونه حق.

(اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) أي إذا لم يمكنكم إنكارها، وتحقق أنها ليست بسحر، ولا خلل في أبصاركم فاصلوها، وفى قوله: فاصبروا أو لا تصبروا بيان لعدم الخلاص، وانتفاء لعدم المناص فإن من لا يصبر على شيء يحاول دفعه عنه، إما بإبعاده عنه، وإما بمحقه وإزالته ولا شيء من ذلك بحاصل يوم القيامة - إلا أن عذاب الآخرة ليس كعذاب الدنيا، فإن المعذب فيها إن صبر انتفع بصبره إما بالجزاء في الآخرة وإما بالحمد في الدنيا فيقال ما أشجعه، وما أقوى قلبه، وإن جزع ذم وقيل فيه يجزع كالصبيان والنسوان، وأما في الآخرة فلا مدح ولا ثواب على الصبر.

ثم علل استواء الصبر وعدمه بقوله:

(إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إنما تستوفون جزاء أعمالكم في الدنيا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر « ولا يظلم ربّك أحدا » بل يجازى كل أحد بعمله، وإذا كان الجزاء واقعا حتما كان الصبر وعدمه سواء.

والخلاصة - إن الجزاء محتم الوقوع، لسبق الوعيد به في الدنيا على ألسنة الرسل، ولقضاء الله به بمقتضى عدله، فالصبر وعدمه سيان حينئذ.

[سورة الطور (52): الآيات 17 الى 20]

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)

تفسير المفردات

فاكهين: أي طيبة نفوسهم، مسرورة بما هي فيه، وقاهم: أي حفظهم، والطعام الهنيء: ما لا يلحق المرء فيه مشقة ولا يعقبه تخمة ولا سقم، وزوّجناهم: أي قرنّاهم، والحور: واحدتهن حوراء، والحور: اسوداد المقلة، والعين: واحدتهن عيناء: أي واسعة العينين.

المعنى الجملي

بعد أن أبان ما يصيب الكافرين من العذاب الأليم الذي لا دافع له ولا مهرب منه - ذكر ما يتمتع به المؤمنون في ذلك اليوم من صنوف اللذات في المساكن والمآكل والمشارب والفرش والأزواج، بحسب سنن القرآن من ذكر الثواب بعد العقاب، ليتم أمر الترغيب بعد الترهيب حتى يكون المرء بين عاملين، عاملى الرهبة من بطش ربه، والرغبة في رحمته، وكلاهما لا غنى للمرء عنه، ليكمل صلاحه، ويرعوى عن غيه، ولا يقنط من رحمة ربه.

الإيضاح

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي إن الذين خافوا ربهم وأخلصوا له العبادة في السر والعلن، وأدّوا فرائضه، وتحلّوا بآداب دينه، وانتهوا عن معاصيه، ولم يدنّسوا أنفسهم بالآثام، ولم يدسّوا أرواحهم بالذنوب، يجازيهم ربهم جزاء وفاقا بجنات يتنعمون فيها، ويجدون ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كفاء ما قاموا به من جليل الأعمال في الدنيا، وما حرموا منه أنفسهم من لذاتها، وما صبروا عليه من مكارهها، ابتغاء رضوانه. وهم فيها قرير والأعين طيبو النفوس، لا يشغلهم شاغل، ولا يجدون هما ولا نصبا، ولا يكدّر صفو عيشهم مكدر.

وقوله في جنات ونعيم لبيان أن حالهم كحال من يتمتع بالبستان، وكالناطور الذي يحرسه وقوله: فاكهين إشارة إلى أن قلوبهم لا يشغلها همّ ولا نصب، بل هم في لذة، وسرور، وفرح وحبور.

ثم ذكر أنهم تمتعوا بنعمة أخرى قبل هذه فقال:

(وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي وقد نجاهم ربهم من عذاب النار، فلم يمسسهم لظاها، ولم يحسوا بأذاها، فهم قد لابسوا النعم، وجانبوا النقم، وذلك هو الفوز العظيم والنعيم المقيم.

ثم ذكر أنه يقال لهم حينئذ:

(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي كلوا مما رزقكم ربكم من الطيبات، واشربوا مما لذ وطاب، هنيئا: أي لا تخافون أذى ولا غائلة كما تشاهدون مثل ذلك في طعام الدنيا وشرابها، كفاء ما قدمتم من صالح الأعمال، وآثرتم من تعب الدنيا لراحة الآخرة. قيل للربيع بن خيثم وقد صلى طوال الليل: أتبعت نفسك، فقال: راحتها أطلب.

ونحو الآية قوله تعالى: « كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ ».

وفي قوله (هنيئا) إشارة إلى خلوّ المآكل والمشارب مما ينغصهما، فإن الآكل قد يخاف المرض فلا يهنأ له الطعام، أو يخاف النفاد فيحرص عليه، أو يتعب في تحصيله وتهيئته بالطبخ والإنضاج، ولا يكون شيء من هذا في الآخرة.

وفي قوله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إيماء إلى أن هذا إنجاز لما وعدهم ربهم به في الدنيا، فلا منّ عليهم فيه، بل كان المن عليهم في الدنيا، بهدايتهم للإيمان، وتوفيقهم لصالح الأعمال كما قال: « يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ ».

ثم ذكر ما يتمتعون به من الفرش فقال:

(مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) أي يجلسون على سرر مصفوف بعضها بجوار بعض جلسة المتكئ الذي لا كلفة عليه، ولا تكلف لديه، فإن من يكون عنده من يتكلف له يجلس ولا يتكىء، ومن يكون في مهمّ لا يتفرغ للاتكاء، فحاله حال اطمئنان ورفع كلفة وخلوّ بال.

ونحو الآية قوله « عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ».

ثم ذكر ما يتمتعون به من الأزواج فقال:

(وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي وجعلنا لهم قرينات صالحات، وزوجات حسانا واسعات العيون.

وهذا وصف يتمدح به العربي إذا ذكر جمال المرأة.

[سورة الطور (52): الآيات 21 الى 28]

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)

تفسير المفردات

ألتناهم: أي أنقصناهم، رهين: أي مرهون بعمله عند الله، والعمل الصالح يفكّه، والعمل الطالح يوبقه، وأمددناهم: أي زدناهم، مما يشتهون: أي من صنوف النعماء، وضروب الآلاء، يتنازعون: أي يتجاذبون تجاذب ملاعبة وسرور، والكأس: الإناء بما فيه من الشراب قاله الراغب، وقد يسمى كل منهما على انفراد كأسا، لا لغو فيها: أي في شرابها، فلا يتكلمون في أثناء الشراب بلغو الحديث وسقط الكلام، ولا تأثيم: أي ولا يفحشون في القول كما هو ديدن الندامى في الدنيا، فإنهم كثير واللغو فعالون للآثام، غلمان: أي مماليك مختصون بهم، مكنون: أي مصون في أصدافه لم تنله الأيدي فهو يكون أبيض صافى اللون، والسموم: النار، والبر: الواسع الإحسان.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر ما يتمتع به أهل الجنة من المطاعم والمشارب والأزواج كرما منه وفضلا - أردف ذلك ذكر ما زاده لهم من الفضل والإكرام، وهو أن يلحق بهم ذريتهم المؤمنة في المنازل والدرجات، وإن لم تبلغ بهم أعمالهم ذلك، لتقرّبهم أعينهم إذا رأوهم في منازلهم على أحسن الأحوال، فيرفع الناقص في عمله إلى الكامل فيه، ولا ينقص من عمله هو ولا منزلته.

قال ابن عباس: إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في المنزلة، لتقرّبهم عينه، وقرأ الآية، ثم وصف حالهم إذ ذاك في الطعام والشراب والفاكهة، فأبان أنه ما من فاكهة أو طعام يطلبونه إلا وجدوه ثم أتبع هذا ببيان عظيم حبورهم وسرورهم، فإنهم يتجاذبون الكؤوس، ويتندّرون بأطيب الأحاديث التي لا لغو فيها ولا يأثم بها قائلها لو كان في الدنيا، وتخدمهم مماليك غاية في الحسن والجمال، ويتحدثون بما كان لهم من شؤون وأحوال في الدنيا كما هو شأن ناعمى البال قريري الأعين.

ثم ذكر أن من أحاديثهم أنهم كانوا في دنياهم يخشون ربهم ويخافونه، ومن ثمّ وقاهم عذاب النار.

الإيضاح

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أي إن المؤمنين إذا اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يلحقهم ربهم بآبائهم في المنزلة فضلا منه وكرما وإن لم يبلغوا بأعمالهم منزلتهم، لتقرّبهم أعينهم، ويكمل بهم فرحهم وحبورهم، لوجودهم بينهم.

روى ابن مردويه والطبراني عن ابن عباس أن النبي قال: « إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال له إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به ».

(وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ) أي وما أنقصنا مثوبات الآباء وحططنا درجاتهم بل رفعنا منزلة الأبناء تفضلا منا وإحسانا.

وبعد أن أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل لهم، أخبر عن مقام العدل وهو ألا يؤاخذ أحد بذنب أحد فقال:

(كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) أي كل امرئ مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس، سواء كان أبا أو ابنا، وقد جعل العمل كأنه دين والمرء كأنه رهن به، والرهن لا ينفك ما لم يؤدّ الدين، فإن كان العمل صالحا فقد أدى الدين، لأن العمل الصالح يقبله الله ويصعد إليه، وإن كان غير صالح فلا أداء ولا خلاص، إذ لا يصعد إليه غير الطيب.

ونحو الآية قوله « كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ » أي إن كل نفس رهن بعملها عند الله لا يفك رهنها إلا أصحاب اليمين، فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطاعوه من عملهم وكسبهم.

وبعد أن ذكر وجوه النعيم فيما سلف ذكر أنه يزيدهم على ذلك حينا فحينا مما يشتهون من قنون النعماء فقال:

(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي وزدناهم على ما سلف فواكه ولحوما من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهى، وإن لم يقترحوا ولم يطلبوا.

وذكر الفاكهة واللحم دون أنواع الطعام الأخرى، لأنهما طعام المترفين في الدنيا.

وبعد أن ذكر طعامهم أردفه ذكر شرابهم وسرورهم لدى احتسائهم له فقال:

(يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) أي يتجاذبون الكؤوس في الجنة هم وجلساؤهم تجاذب ملاعبة كما يفعل الندامى فيما بينهم لشدة سرورهم كما قال الأخطل:

نازعته طيّب الرّاح الشّمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري

وليس في الشراب في الآخرة ما فيه في الدنيا من اللغو بسبب زوال العقل، ومن الفحش في القول، كما يتكلم به الشّرب فيها، وقد أخبر سبحانه في موضع آخر عن حسن منظرها، وطيب مطعمها فقال « بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ » وقال: « لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ ».

ثم ذكر مالهم من خدم وحشم في الجنة فقال:

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) أي يطوف عليهم بالكؤوس مماليك لهم، يتصرفون فيهم بالأمر والنهي والاستخدام كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في الأصداف في الحسن والبهاء.

ونحو الآية قوله تعالى: « يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ».

أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: « بلغني أنه قيل يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ فكيف بالمخدوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إن فضل ما بينهم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ».

وروى « إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادى الخادم من خدامه فيجىء ألف ببابه لبّيك لبّيك ».

ثم بين أنهم في الجنة يتذاكر بعضهم مع بعض في أحوال الدنيا فقال:

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي أقبلوا يسأل بعضهم بعضا في الجنة عن حاله وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة، ثم يحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهم وما كانوا فيه من الكدر والنكد لطلب المعاش وتحصيل الأرزاق وما وصلوا إليه، تلذذ بالنعمة واعترافا بها.

أخرج البزار عن أنس قال: قال رسول الله « إذا دخل أهل الجنة الجنة، اشتاقوا إلى الإخوان، فيجىء سرير هذا حتى يحاذى سرير هذا فيتحدثان فيتكئ ذا ويتكئ ذا فيتحدثان بما كانوا في الدنيا فيقول أحدهما لصاحبه يا فلان أتدرى أي يوم غفر الله لنا؟ اليوم الذي كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا ».

ثم فصل ما يجيب به بعضهم بعضا فقال:

(قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ. فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) أي قالوا: إنا كنا في دار الدنيا ونحن بين أهلها خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه، فتفضل علينا وأجارنا مما نخاف.

والمقصود إثبات خوفهم في سائر الأوقات والأحوال بطريق الأولى، فإن وجودهم بين أهليهم مظنّة الأمن، فإذا خافوا في تلك الحال فلأن يخافوا في غيرها بالأولى.

روي أن عائشة قالت: « لو فتح الله على أهل الأرض من عذاب السموم قدر الأنملة لأحرقت الأرض ومن عليها ».

ثم تمموا العلة في استحقاقهم للكرامة في تلك الدار بقولهم:

(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) أي إنا كنا نعبده ونسأله أن يمنّ علينا بالمغفرة والرحمة، فاستجاب دعاءنا وأعطانا سؤلنا، لأنه هو المحسن الواسع الرحمة والفضل.

وكل من المؤمن والكافر لا ينسى ما كان له في الدنيا، وتزداد لذة المؤمن إذا رأى نفسه قد انتقلت من سجن الدنيا إلى نعيم الجنة، ومن الضيق إلى السعة وتزداد آلام الكافر إذا رأى نفسه انتقل من الترف إلى التلف، ومن النعيم إلى الجحيم.

[سورة الطور (52): الآيات 29 الى 34]

فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِن ْ كانُوا صادِقِينَ (34)

تفسير المفردات

فذكر: أي فاثبت على ما أنت عليه من التذكير، والكاهن: من يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن، والعرّاف: من يخبر بالأخبار المستقبلة كذلك قاله الراغب، ونتربص: أي ننتظر، والمنون: الدهر، وريبه: حوادثه وصروفه قال أبو ذؤيب:

أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع

وقال آخر:

تربّص بها ريب المنون لعلها تطلّق يوما أو يموت حليلها

الأحلام: العقول، والطغيان: تجاوز الحد في المكابرة والعناد، تقوّله: أي اختلقه من تلقاء نفسه، إذ التقول لا يستعمل غالبا إلا في الكذب.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر فيما سلف أن العذاب واقع بالكافرين لا محالة، وأن الفريقين المصدقين والمكذبين مجزيون بأعمالهم، وأن الرسول على الحق المبين الذي من كذبه باء بغضب من الله، ومن صدّقه استحق رضوانه ومغفرة من لدنه - أمر رسوله هنا بالثبات على التذكر والموعظة، وعدم المبالاة بما يكيد به أولئك الكائدون، فإنه هو الغالب حجة وسيفا في هذه الدار، ومنزلة ورفعة في دار القرار ثم ذكر تناقض أقوالهم لينبه إلى فساد آرائهم، وإلى أنهم ما أعرضوا عن الحق إلا اتباعا للهوى لا اتباعا للدليل والبرهان، وفى ذلك تسلية لرسوله كما لا يخفى، إذ ما أبعد حال من كان أرجحهم عقلا، وأبينهم قولا، منذ ترعرع إلى أن بلغ الأشد، من الجنون والكهانة، إلى ما في هذا من التناقض والاضطراب، فإن الكهان كانوا من الكملة وكان قولهم مقنعا، فأين هذا من الجنون، ثم ترقّوا في نسبته إلى الكذاب، فقالوا إنه شاعر، وأعذب الشعر أكذبه، ثم قالوا فلنصبر عليه، ولنتربص به صروف الدهر وأحداثه، فسيكون حاله حال زهير والنابغة وأضرابهم ممن انقرضوا وصاروا كأمس الدابر، ثم أمره بتهديدهم بمثل صنيعهم بقوله: « قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ » ثم زاد في تسفيه أحلامهم بأن مصدر هذا التكذيب إما كتاب أنزل عليهم بذلك وإما أن عقولهم تأمرهم بما يقولون، لا بل الحق أنهم قوم طاغون يفترون ويقولون ما لا دليل عليه لا من كتاب ولا مقتضى له من عقل، ثم زادوا في الإنكار ونسبوه إلى التقول والافتراء، فإن صح ما يقولون فليأتوا بمثل أقصر سورة من مثل هذا المفترى إن كانوا صادقين، لا بل هم قوم جاحدون لا يؤمنون فليقولوا ما تسوّله لهم أنفسهم فإن الله قد أعمى بصائرهم، فهم لا أحلام لهم تميز الحق من الباطل، والغث من السمين فامض لشأنك، ولا تأبه لمقالهم فالله معك، ولن يترك شيئا من أعمالك.

الإيضاح

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) أي فذكّر أيها الرسول من أرسلت إليهم من قومك وغيرهم، وعظهم بالآيات والذكر الحكم، ولا تكترث بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل، وقد انتفت عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك، وهذا كما يقول القائل: ما أنا بمعسر بحمد الله وغناه، والمراد بذلك الرد على القائلين بذلك وإبطاله، فإن ما أوتيه من رجاحة العقل، وعلو الهمة وكرم الفعال، وصدق النبوة، لكاف جد الكفاية في دحض هذا وأشباهه. وممن قال إنه كاهن شيبة بن ربيعة، وممن قال إنه مجنون عقبة بن أبي معيط.

ثم ذكر أنهم ترقّوا في الإنكار عليه فقال:

(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أي بل هم يقولون: هو شاعر نتربص به أحداث الدهر ونكباته من موت أو حادثة متلفة.

روي أن قريشا اجتمعت في دار الندوة وذهبت مذاهب شتى في صدّ دعوته ومقابلة هذا الخطر الداهم عليهم، وماذا يفعلون في الخلاص منه، فقال قائل من بنى عبد الدار: تربصوا به ريب المنون، فإنه شاعر وسيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى، ثم افترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية.

وخلاصة هذا - إنا نبتعد من إيذائه، ونتقى لسانه، مخافة أن يغلبنا بقوة شعره، وإنما سبيلنا معه أن نصبر عليه ونتربص موته كما مات الشعراء من قبله.

فأمره الله أن يهددهم ويتهكم بهم بقوله:

(قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي قل لهم: انتظروا وتمهّلوا في ريب المنون، فإني متربص معكم منتظر قضاء الله في وفيكم، وستعلمون لمن يكون حسن العاقبة، والظفر في الدنيا والآخرة.

(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) أي بل أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض في القول، فالشاعر غير الكاهن وغير المجنون، وفرق عظيم بين من زال عقله، ومن يقول الشعر الحكيم الرصين، ومن يجعل قوله حجة في معرفة أخبار الغيب، ويعتقد أن الجن توحى إليه بما يقول:

وقصارى هذا: إنهم لا أحلام لهم ولا عقول:

ثم ذكر السبب الحق في كل ما يعملون فقال:

(أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أي بل الحق أن الذي حملهم على أن يقولوا ما قالوا، هو طغيانهم وعنادهم وضلالهم عن الحق.

(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي أيقولون كاهن أم يقولون شاعر أم يقولون إنه افترى القرآن واختلقه من تلقاء نفسه؟.

(بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) أي إن كفرهم هو الذي حملهم على هذه المطاعن وزين لهم أن أن يقولوا ما قالوا.

ثم رد عليهم جميع ما زعموا وتحداهم في دحض ما قالوا فقال:

(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) أي إن كان شاعرا فلديكم الشعراء الفصحاء، أو كاهنا فلديكم الكهان الأذكياء، وإن كان قد تقوله فلديكم الخطباء الذين يحبّرون الخطب، ويجيدون القول في كل فنون الكلام، فهلمّ فليأتوا بمثل هذا القرآن إن كانوا صادقين فيما يزعمون، فإن أسباب القول متوافرة لديهم كما هي متوافرة لديه، بل فيهم من طالت مزاولته للخطب والأشعار وكثرة الممارسة لأساليب النظم والنثر وحفظ أيام العرب ووقائعها أكثر من محمد .

[سورة الطور (52): الآيات 35 الى 43]

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)

تفسير المفردات

من غير شيء: أي من غير خالق، خزائن ربك: أي خزائن رزقه، المسيطرون: أي القاهرون المسلطون عليها، من قولهم: سيطر على كذا. إذا راقبه وأقام عليه، سلّم: أي مرتقى إلى السماء، بسلطان مبين: أي بحجة واضحة تصدق استماعه، مغرم: أي التزام غرامة تطلبها منهم، مثقلون: أي محملون ثقلا، الغيب: أي علم الغيب، كيدا: أي شرا، المكيدون: أي الذين يحيق بهم الشر ويعود إليهم وباله.

المعنى الجملي

بعد أن أثبت رسالة محمد وردّ عليهم ما زعموه من أنه كاهن أو شاعر أو مجنون، وأمره أن يمضى لطيّته ويذكّر الناس ويبشرهم وينذرهم ولا يأبه لمقالتهم، فالله ناصره عليهم - انتقل إلى الرد عليهم في إنكارهم للخالق كما هو شأن الدهريين أو لادعائهم لله شريكا كما هو شأن كثير من العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله، وقالوا: ما نعبد الأوثان والأصنام إلا ليقربونا إلى الله زلفى.

وبعد أن أقام عليهم الحجة في كل ذلك، وسد عليهم المسالك، طلب إليه أن يتوكل عليه، وأن يعلم أن كيدهم لا يضيره شيئا، فالله ناصره عليهم، وسيظهر دينه، ويتمّ له الغلبة والفلج عليهم.

الإيضاح

(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ ءٍ) أي كيف ينكرون الخالق الموجد؟، فهل هم خلقوا هذا الخلق البديع الصنع من غير خالق ولا موجد؟ والعقل يشهد بأن كل ما يوجد من العدم لا بد له من موجد.

(أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) أي بل أهم أوجدوا أنفسهم؟ والضرورة والعقل يكذبان ذلك، إذ يلزم من هذا أن الشيء يكون مقدما في الوجود على نفسه، فهم باعتبار أنهم خالقون مقدّمون على أنفسهم في الوجود باعتبار أنهم مخلوقون، وهذا بيّن البطلان.

(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي لو فرض أنهم خلقوا أنفسهم، فهل هم يجرءون ويقولون إنهم خلقوا هذه الأجرام العظيمة التي تتوقف عليها حياتهم، وفيها أسباب معاشهم وهي السموات والأرض؟ - أظن أنهم لا يدّعون ذلك.

(بَلْ لا يُوقِنُونَ) أي ليس واحد مما تقدم يمكن أن يدّعوه، بل حقيقة أمرهم أنهم لا يوقنون بما يقولون إذا سئلوا: من خلقكم وخلق السموات والأرض؟ فقالوا الله، إذ لو أيقنوا بذلك ما أعرضوا عن عبادته.

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) أي بل أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن؟ فيعطوا النبوة لمن يشاءون، ويصطفوا لها من يختارون.

(أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) أي أم هم الأرباب الغالبون حتى يدبروا أمر العالم ويبنوا الأمور على إرادتهم ومشيئتهم، والمراد أنه ليس الأمر كذلك، بل الله هو المالك المتصرف الفعال لما يريد.

روى البخاري عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: « سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: « أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ » كاد قلبي يطير، وكان جبير بن مطعم

قد قدم على النبي بعد وقعة بدر في فداء الأسارى، وكان إذ ذاك مشركا، فكان سماعه هذه الآية من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك.

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي أم لهم مرتقى إلى السماء يستمعون فيه كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب، فهم لذلك مستمسكون بما هم عليه، فإن كانوا يدّعون ذلك فليأتوا بحجة تبين أنهم على الحق، كما أتى محمد بالبرهان الدالّ على صدق قوله فيما جاءهم به من عند ربه.

وبعد أن رد على الذين أنكروا الألوهية بتاتا ردّ على من قالوا: الملائكة بنات الله، وسفه أحلامهم إذ اختاروا له البنات ولأنفسهم البنين فقال:

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) أي بل ألربكم البنات ولكم البنون؟ « تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزى ».

وفي هذا إيماء إلى أن من كان هذا رأيه لا يعدّ من العقلاء فضلا عن الترقي إلى عالم الملكوت، وسماع كلام رب العزة والجبروت.

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي بل أتسأل هؤلاء المشركين الذين أرسلناك إليهم على ما تدعوهم إليه من توحيد الله وطاعته - أجرا تأخذه من أموالهم فهم من ثقل ما حملتهم من المغرم لا يقدرون على إجابتك إلى ما تدعوهم إليه؟.

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟) أي أم عندهم علم فهم يكتبون ذلك للناس، فينبئونهم بما شاءوا ويخبرونهم بما أرادوا - ليس الأمر كذلك، إذ لا يعلم غيب السموات والأرض إلا الله.

قال قتادة: وهذا جواب لقولهم: نتربص به ريب المنون، فيقول الله: أم عندهم الغيب حتى علموا أن محمدا يموت قبلهم.

(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أي بل يريد هؤلاء المشركون بقولهم هذا في الرسول وفى الدين غرور الناس وكيد الرسول، فإن كان هذا ما يريدون فكيدهم راجع إليهم ووباله على أنفسهم، فثق بالله وامض لما أمرك به.

قال في فتح البيان: والظاهر أنه من الإخبار بالغيب، فإن السورة مكية، وذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة، ثم أهلكهم الله تعالى ببدر عند انتهاء سنين عدتها عدة ما هنا من كلمة (أم) وهي خمس عشرة، فإن بدرا كانت في الثانية من الهجرة وهي الخامسة عشرة من النبوة، وأذلهم في غير موطن، ومكر سبحانه بهم (وَمَكَرُوا، وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) اهـ.

(أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي بل ألهم إله غير الله يعينهم ويحرسهم من عذاب الله؟ تنزه ربنا عن الشريك وعما يعبدونه سواه.

وفي هذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم للأصنام والأنداد مع الله تعالى.

[سورة الطور (52): الآيات 44 الى 49]

وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)

تفسير المفردات

كسفا: أي قطعة، مركوم: أي متراكم ملقى بعضه على بعض، يصعقون: أي يقتلون، دون ذلك: أي قبله، وهو ما أصابهم من القحط سبع سنين، بأعيننا: أي في حفظنا وحراستنا، وإدبار النجوم: أي وقت إدبارها من آخر الليل أي غيبتها بضوء الصباح.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر مزاعمهم في النبوة وبيّن فسادها بما لم يبق بعده وجه للعناد والمكابرة ثم أعقبه بالرد عليهم في جحودهم للألوهية إما بإنكارها بتاتا، وإما بادعاء الشريك لله، أو باتخاذه الولد، سبحانه وتعالى عما يصفون - أردف هذا بيان أن هؤلاء قوم بلغوا حدا في العناد أصبحوا به يكابرون في المحسات فضلا عن المعقولات، فدعهم وشأنهم حتى يأتي اليوم الذي لا مرد له، يوم لا تنفعهم حبائلهم وشراكهم التي كانوا ينصبون مثلها في الدنيا، ولا يجدون لهم إذ ذاك وليّا ولا نصيرا، وأن الله سيصيبهم بعذاب من عنده في الدنيا قبل ذلك اليوم، وأنه ناصرك عليهم وكالئك بعين رعايته، واذكر ربك حين تقوم من منامك، ومن مجلسك، وحين تغيب النجوم، ويصبح الصباح، وتغرّد الأطيار مسبّحة منزهة خالق السموات والأرض، قائلة: سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة والرّوح.

الإيضاح

(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) أي إن هؤلاء قوم ديدنهم العناد والمكابرة، فلو رأوا بعض ما سألوا من الآيات، فعاينوا كسفا من السماء ساقطا - لكذبوا وقالوا: سحاب بعضه فوق بعض، لأن الله قد ختم على قلوبهم، وأعمى أبصارهم، فأصبحوا ينكرون ما تبصره الأعين، وتسمعه الآذان.

ونحو الآية قوله: « وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ».

ثم أمر سبحانه رسوله أن يتركهم وشأنهم فقال:

(فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) أي فدعهم وشأنهم، ولا تكترث بهم حتى يأتي اليوم الذي يجازون فيه بسيئات أعمالهم وهو يوم بدر، قاله البقاعي وهو الظاهر في الآية.

(يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي وفى هذا اليوم لا تنفعهم الحيل التي دبروها لمناصبته العداء، ولا يجدون لهم نصيرا ولا معينا يدفع عنهم ما يحيق بهم من العذاب.

(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذلِكَ) أي وإن لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي عذابا بالقحط والجوع سبع سنين قبل يوم بدر لأنه كان في السنة الثانية للهجرة والقحط وقع لهم قبلها.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما سيصيرون إليه من عذاب الله، وما أعده لهم في الدنيا والآخرة، وإنا سنبتليهم بالمصائب، لعلهم يرجعون وينيبون إلينا.

ونحو الآية قوله: « وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ».

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي واصبر على أذاهم ولا تبال بهم، وامض لأمر الله ونهيه، وبلّغ ما أرسلت به، فإنك بمرأى منا نراك ونرى أعمالك، ونحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك منهم أذى.

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) أي ونزّه ربك عما لا يليق به لإنعامه عليك، واعبده بالتلاوة والصلاة حين تقوم من مجلسك، قال عطاء وسعيد وسفيان الثوري وأبو الأحوص: يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول: سبحان الله وبحمده أو سبحانك اللهم وبحمدك عند قيامه من كل مجلس يجلسه.

وعن أبي برزة الأسلمى قال: « كان رسول الله بآخر عمره إذا قام

من المجلس يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فقال رجل يا رسول الله: إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى، قال كفارة لما يكون في المجلس » أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وابن مردويه وابن أبي شيبة.

وروى « أن جبريل علّم النبي إذا قام من مجلسه أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ».

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) أي وسبحه في صلاة الليل لأن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد من الرياء، وحين إدبار الليل بظهور ضوء الصبح، وقيل

المراد من التسبيح من الليل صلاة المغرب والعشاء، ومن إدبار النجوم ركعتا الفجر.

وقد روى ذلك عن عمر وعلي وأبي هريرة والحسن رضي الله عنهم أجمعين.

ونحو الآية قوله: « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا ».

خلاصة ما حوته السورة الكريمة

من العظات والزواجر (1) القسم بالعالم العلوي والسفلى أن العذاب آت لا محالة.

(2) وصف عذاب النار وما يلاقيه المكذبون حينئذ من الذلة والمهانة.

(3) وصف نعيم أهل الجنة وما يتمتعون به من اللذات في مساكنهم ومطاعمهم ومشاربهم وأزواجهم وخدمهم وحشمهم.

(4) أمر الرسول بالثبات على تبليغ الرسالة والإعراض عن سفاهتهم من نحو قولهم: هو شاعر، هو كاهن، هو مجنون، هو مفتر.

(5) إثبات الألوهية بالبراهين التي لا تقبل جدلا.

(6) النعي على المشركين في قولهم: الملائكة بنات الله.

(7) بيان أنهم بلغوا في عنادهم حدا ينكرون معه المحسوسات التي لا شك فيها.

(8) أمر الرسول أن يتركهم وشأنهم حتى يأتي اليوم الذي كانوا يوعدون.

(9) الإخبار بأن الظالمين في كل أمة وكل جيل يعذبون في الدنيا قبل عذابهم في الآخرة.

(10) الإخبار بأن الله حارس نبيّه وكالئه، فلا يصل إليه أذى من خلقه كما قال سبحانه: « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ».

(11) أمره بالذكر والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، وفى كل موطن ومجلس يقوم فيه.

تفسير المراغي
مقدمة التفسير | الفاتحة | البقرة | آل عمران | النساء | المائدة | الأنعام | الأعراف | الأنفال | التوبة | يونس | هود | يوسف | الرعد | إبراهيم | الحجر | النحل | الإسراء | الكهف | مريم | طه | الأنبياء | الحج | المؤمنون | النور | الفرقان | الشعراء | النمل | القصص | العنكبوت | الروم | لقمان | السجدة | الأحزاب | سبأ | فاطر | يس | الصافات | ص | الزمر | غافر | فصلت | الشورى | الزخرف | الدخان | الجاثية | الأحقاف | محمد | الفتح | الحجرات | ق | الذاريات | الطور | النجم | القمر | الرحمن | الواقعة | الحديد | المجادلة | الحشر | الممتحنة | الصف | الجمعة | المنافقون | التغابن | الطلاق | التحريم | الملك | القلم | الحاقة | المعارج | نوح | الجن | المزمل | المدثر | القيامة | الإنسان | المرسلات | النبأ | النازعات | عبس | التكوير | الانفطار | المطففين | الانشقاق | البروج | الطارق | الأعلى | الغاشية | الفجر | البلد | الشمس | الليل | الضحى | الشرح | التين | العلق | القدر | البينة | الزلزلة | العاديات | القارعة | التكاثر | العصر | الهمزة | الفيل | قريش | الماعون | الكوثر | الكافرون | النصر | المسد | الإخلاص | الفلق | الناس | خاتمة التفسير | فهارس الأجزاء