تفسير المراغي/سورة النبأ

ملاحظات:




سورة النبأ


هي مكية وعدد آيها أربعون، نزلت بعد سورة المعارج ومناسبتها لما قبلها من وجوه:

(1) اشتمالها على إثبات القدرة على البعث الذي ذكر في السورة السالفة أن الكافرين كذبوا به.

(2) أن في هذه وما قبلها تأنيبا وتقريعا للمكذبين، فهناك قال: « أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » وهنا قال: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا ».

(3) أن في كل منهما وصف الجنة والنار وما ينعم به المتقون، ويعذب به المكذبون.

(4) أن في هذه تفصيل ما أجمل في تلك عن يوم الفصل، فهناك قال: « لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ. لِيَوْمِ الْفَصْلِ. وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ » وهنا قال: « إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتًا » إلى آخر السورة.

[سورة النبإ (78): الآيات 1 الى 16]

بسم الله الرحمن الرحيم

عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا (6) وَالْجِبالَ أَوْتادًا (7) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجًا (8) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتًا (9) وجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشًا (11) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدادًا (12) وَجَعَلْنا سِراجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفافًا (16)

شرح المفردات

عمّ: أي عن أي شيء، يتساءلون: أي يسأل بعضهم بعضا، والنبأ: الخبر الذي يعني به ويهتم بشأنه: والمراد به خبر البعث من القبور والعرض على مالك يوم الدين، كلا: كلمة تعيد ردّ ما تقدم من الكلام ونفيه، والمهاد: (بكسر الميم) والمهد في نحو قوله: « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا »: المكان الممهد المذلل، والأوتاد: واحدها وتد وهو ما يدق في الأرض ليربط إليه الحبل الذي تشد به الخيمة، والأزواج واحدها زوج ويطلق على الذكر والأنثى، والسبات: (بضم السين) قطع الحركة لتحصيل الراحة، واللباس: ما يلبسه الإنسان ليستر به جسمه ويغطيه، معاشا: أي وقتا لتحصيل أسباب المعاش والحياة، سبعا شدادا: أي سبع سموات قوية محكمة لا فطور فيها ولا تصدّع، والسراج: ما يضىء وينير، والوهاج: المتلألئ، والمراد به الشمس، والمعصرات: السحائب والغيوم إذا أعصرت: أي حان وقت أن تعصر الماء فيسقط منها، والثجاج: كثير الانصباب عظيم السيلان والمراد به المطر، والثج: سيلان دم الهدي، وفي الحديث « أحب العمل إلى الله العجّ والثّجّ » والعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة دم الهدى، والحب: ما يقتات به الإنسان كالحنطة والشعير، والنبات: ما تقتات به الدواب من التبن والحشيش، والجنات: واحدها جنة، وهي الحديقة والبستان فيه الشجر أو النخل، والجنات الألفاف: الملتفة الأغصان، لتقاربها وطول أفنانها، ولا واحد لها كالأوزاع والأخياف، وقيل واحدها لف (بكسر اللام وفتحها) وقال أبو عبيدة: واحدها لفيف كشريف وأشرف.

المعنى الجملي

كان المشركون كلما اجتمعوا في نادمن أنديتهم أخذوا يتحدثون في شأن الرسول وفيما جاء به ويسأل بعضهم بعضا، ويسألون غيرهم فيقولون: أساحر هو أم شاعر أم كاهن أم اعتراه بعض آلهتنا بسوء؟، ويتحدثون في شأن القرآن: أسحر هو أم شعر أم كهانة؟ ويقول كل واحد ما شاء له هواه، والرسول سائر قدما في تبليغ رسالته، وأمامه مصباحه المنير الذي يضىء للناس سبيل الرشاد، وهو كتابه الكريم، كما كانوا يتحدثون في شأن البعث، ويأخذ الجدل بينهم كل مأخذ فمنهم من ينكرونه البتة، ويزعمون أنهم إذا ماتوا انتهى أمرهم، وما هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر ومنهم من كانوا يزعمون أنهم إنما تبعث أرواحهم لا أجسامهم بعد أن تأكلها الأرض، وتعبث بها يد البلى.

وربما لقى أحدهم بعض من آمن بالنبي فيسائله عن ذلك استهزاء وسخرية.

وفي هؤلاء وأشباههم نزلت هذه السورة ردّا عليهم وتكذيبا لهم، وإقامة للحجة على أن الله قادر على أن يبعثهم بعد موتهم وإن صاروا ترابا، أو أكلتهم السباع، أو احتوتهم البحار فكانوا طعاما للسماك، أو أحرقتهم النيران فطاروا مع الريح.

وقد ذكر لهم من مظاهر قدرته أمورا تسعة يشاهدونها بأعينهم لا يخفى عليهم شيء منها:

(1) انبساط الأرض وتمهيدها لتصلح لسير الناس والأنعام.

(2) سموق الجبال صاعدة في الجوّ.

(3) تنوّع الآدميين إلى ذكور وإناث.

(4) جعل النوم راحة للإنسان من عناء الأعمال التي يزاولها عامة نهاره.

(5) جعل الليل ساترا للخلق.

(6) جعل النهار وقتا لشئون الحياة والمعاش.

(7) ارتفاع السموات فوقنا مع إحكام الوضع ودقة الصنع.

(8) وجود الشمس المنيرة المتوهجة.

(9) نزول المطر وما ينشأ عنه من النبات.

فكل ذلك داع لهم أن يعترفوا أن من قدر على كل هذا فلا تعجزه إعادتهم إلى النشأة الآخرة.

الإيضاح

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟) أي عن أي شيء يتساءل المشركون من أهل مكة وغيرهم؟

روي عن ابن عباس قال: كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدق ومنهم المكذب به، فنزلت: عمّ يتساءلون.

ثم أجاب عن هذا السؤال بقوله:

(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ. الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) أي عن الخبر العظيم الشأن الذي اختلفوا في أمره، فمن قائل إنه مستحيل كما حكى الله عنهم بقوله: « إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا »

ومن شاكّ فيه بقوله: « ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ».

وإيراد الكلام بصورة السؤال والجواب أقرب إلى التفهيم والإيضاح، وتثبيت الجواب في نفس السائل كما جاء في قوله: « لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ».

ثم أخذ سبحانه يردّ عليهم متوعدا لهم فقال:

(كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) أي ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين يذكرون البعث بعد الموت، ثم توعدهم بأنهم سيعلمون إذا ما عاينوا بأنفسهم حقيقة ما كانوا ينكرون، وتنقطع عنهم الريبة، حين يسأل كل عامل عما عمل، ويفصل بين الخلائق.

وقصارى ذلك - فليزدجروا عما هم فيه، فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال، إذا حلّ بهم العذاب والنكال، وأن ما يتساءلون عنه، ويضحكون منه حق لا شك فيه ولا ريب.

ثم أكد هذا الوعيد بقوله:

(ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) وفى تكرير الزجر مع الوعيد إيماء إلى غاية التهديد.

ثم شرع يبين عظيم قدرته وآيات رحمته التي غفل عنها هؤلاء المنكرون، مع أنها بين أعينهم في كل حين فقال:

(1) (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا) أي كيف تنكرون أو تشكون في البعث، وقد عاينتم ما يدل عليه من قدرة تامة، وعلم محيط، وحكمة باهرة تقتضى ألا يكون ما خلق من الخلق عبثا، فمن ينعم بهذه النعم لا يهملها سدى.

انظروا إلى الأرض التي جعلت ممهدة موطأة للناس والدواب، يقيمون عليها ويفترشونها وينتفعون بخيراتها الظاهرة والباطنة.

(2) (وَالْجِبالَ أَوْتادًا) أي وجعلنا الجبال لها كالأوتاد كى لا تميل بأهلها، وتضطرب بسكانها، ولولاها لكانت دائمة الاضطراب لما في جوفها من المواد الدائمة الجيشان، فلا تتم الحكمة في كونها مهادا لهم.

(3) (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجًا) أي وجعلناكم أصنافا ذكورا وإناثا، ليتم الائتناس والتعاون على سعادة المعيشة، وحفظ النسل وتكميله بالتربية والتعليم.

ونحو الآية قوله: « وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ».

(4) (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتًا) أي وجعلنا نومكم في الليل قطعا للمتاعب التي تكابدونها في النهار، سعيا في تحصيل أمور المعاش، فالمشاهد أن في نوم بضع ساعات في الليل راحة للقوى من تعبها، ونشاطا لها من كسلها، وإعادة لما فقد منها، ولو لا ذلك لنفدت القوى، وانقطع المرء عن العمل في شئون الحياة المختلفة.

(5) (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباسًا) أي وجعلنا الليل بظلامه ساترا للأجسام ومغطيا لها كاللباس الذي يغطى الجسم ويستره. ووجه المنة في ذلك - أن ظلمته تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هربا من عدوه أو إخفاء لما لا يحب أن يطلع عليه غيره، ولله درّ المتنبي:

وكم لظلام الليل عندك من يد تخبّر أنّ المانويّة تكذب 1

(6) (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشًا) أي وجعلناه وقتا لتحصيل أسباب المعاش، لأن الناس يتقلبون فيه في حوائجهم ومكاسبهم.

(7) (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدادًا) أي سبع سموات قوية الأسر، محكمة النسج والوضع، لا يؤثر فيها كرّ الغداة ولا مر العشى، ليس بها تصدّع ولا فطور.

(8) (وَجَعَلْنا سِراجًا وَهَّاجًا) أي وأنشأنا الشمس سراجا متلألئا بالغا الغاية في الضوء والحرارة.

وقد جعل الله في هذا الكوكب سر الحياة فالحرارة والضوء يطردان الأمراض وينعشان كل حي، ولا أدلّ على هذا مما نشاهد من فتك الأمراض بمن يكون بمنأى عن ضوئها وحرارتها، والجراثيم لا تتوالد إلا حيث يحتجب عنهما السكان، ويبتعدان عن المكان.

(9) (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجًا) أي وأنزلنا من السحائب والغيوم التي تتحلب بالمطر ماء كثير السيلان، عظيم الانصباب.

ثم بين عظيم نفع الماء وجليل فائدته فقال:

(لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتًا. وَجَنَّاتٍ أَلْفافًا) أي لنبدل بوساطته جدب الأرض خصبا، فنخرج من الأرض حبّا يقتات به الناس كالحنطة والشعير، ونباتا تقتات به الدواب، وحدائق ذات أغصان ملتفة.

وقد جمع الله في هذه الآية جميع أنواع ما تنبته الأرض، فإن ما يخرج منها إما أن يكون ذا ساق أولا والأول إذا اجتمع بعضه إلى بعض وكثر حتى التف فهو الحديقة والثاني إما أن يكون له أكمام فيها حب، وإما أن يكون بغير ذلك وهو النبات، وقدّم الحب لأنه غذاء أشرف أنواع الحيوان وهو الإنسان، وأعقبه بذكر النبات، لأنه غذاء بقية أنواع الحيوان، وأخر الحدائق لأن الفاكهة مما يستغنى عنها الكثير من الناس.

وقال الفرّاء: الجنة ما فيه النخيل، والفردوس ما فيه الكرم.

[سورة النبإ (78): الآيات 17 الى 30]

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْوابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقابًا (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا وَلا شَرابًا (24) إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزاءً وِفاقًا (26) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذابًا (30)

شرح المفردات

يوم الفصل: هو يوم القيامة، وسمى بذلك لأن الله يفصل فيه بحكمه بين الخلائق، ميقاتا: أي حدّا تنتهى عنده الدنيا، والصور في الأصل: البوق الذي ينفخ فيه فيحدث صوتا، وقد جرت عادة الناس إذا سمعوه أن يهرعوا إليه ويجتمعوا عند النافخ، والأفواج: واحدها فوج وهو الجماعة، وفتحت السماء: أي انشقت وتصدعت، وسيرت الجبال: أي زالت من أماكنها وتفتت صخورها، سرابا أي كالسراب، فهي بعد تفتتها ترى كأنها جبال وليست بجبال، بل غبارا متراكما، المرصاد: موضع يرتقب فيه خزنتها المستحقين لها، للطاغين: أي للذين طغوا في مخالفة ربهم ومعارضة أوامره، والمآب: المرجع، لابثين: أي مقيمين، أحقابا، واحدها حقب، وواحد الحقب حقبة: وهي مدة مبهمة من الزمان. قال متمم ابن نويرة:

وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن نتصدعا

فلما تفرّقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

والبرد: برد الهواء، وقد يراد به النوم، ومن أمثالهم « منع البرد البرد » أي أصابه من شدة البرد ما منعه النوم، ولا شرابا: أي شرابا يسكن عطشهم ويزيل الحرقة عن بواطنهم، والحميم: الماء الحار المغلى، غساقا: أي قيحا وصديدا وعرقا دائم السيلان من أجسادهم، وفاقا: أي وفق أعمالهم السيئة، لا يرجون: أي لا يتوقعون حسابا: أي محاسبة على أعمالهم، أو ثواب حساب، كذّابا: أي تكذبنا، وقرئ بالتخفيف بمعنى كذبا، وعليه قول الأعشى: فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه، كتابا: أي إحصاء بالكتابة.

المعنى الجملي

بعد أن نبه عباده إلى هذه الظواهر الباهرة، ولفت أنظارهم إلى آياته القاهرة، أخذ يبين ما اختلفوا فيه ونازعوا في إمكان حصوله وهو يوم الفصل، ويذكر لهم بعض ما يكون فيه تخويفا لهم من الاستمرار على التكذيب بعد ما وضحت الأدلة واستبان الحق، ثم أبان لهم أن هذا يوم شأنه عظيم وأمر الكائنات فيه على غير ما تعهدون، ثم ذكر منزلة المكذبين الذين جحدوا آيات الله واتخذوها هزوا، وأن جهنم مرجعهم الذي ينتهون إليه، وأنهم سيقيمون فيها أحقابا طوالا لا يجدون شيئا من النعيم والراحة، ولا يذوقون فيها روحا ينفّس عنهم حر النار، ولا يذوقون من الشراب إلا الماء الحارّ والصديد الذي يسيل من أجسادهم، جزاء سيىء أعمالهم، إذ هم كانوا لا ينتظرون يوم الحساب، ومن ثم اقترفوا السيئات، وارتكبوا مختلف المعاصي، وكذبوا الدلائل التي أقامها الله على صدق رسوله أشد التكذيب، وقد أحصى الله كل شيء في كتاب علمه، فلم يغب عنه شيء صدر منهم، وسيوفيهم جزاء ما صنعوا، وستكون له كلمة الفصل، فيقول لهم: « فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذابًا ».

الإيضاح

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتًا) أي إن يوم القيامة وقت وميعاد للأولين والآخرين يثابون فيه أو يعاقبون، ويتمايزون فيه ويكونون مرات ودرجات بحسب أعمالهم كما قال: « وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ».

وقد جعله الله حدا تنتهى عنده الدنيا، وتجتمع فيه الخلائق، ليرى كل امرئ ما قدمت يداه، فيجازى المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته.

ثم بين هذا اليوم وزاد في تفخيمه وتهويله فقال:

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجًا) أي يوم ينفخ في الصور فتحيون وتبعثون من قبوركم وتأتون إلى الموقف من غير تلبث، وإمام كل أمة رسولها كما قال سبحانه « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ».

(وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْوابًا) أي وانشقت السماء وتصدعت. وقد جاء نحو هذا في آيات كثيرة كقوله: « إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ». وقوله: « إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ » وقوله: « يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ ».

ذاك أنه يحصل اضطراب في نظام الكواكب، فيذهب التماسك بينها، ولا يكون فيما يسمى سماء إلا مسالك وأبواب، لا يلتقى فيها شيء بشىء، وذلك هو خراب العالم العلوي كما يخرب الكون السفلى.

(وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا) أي إن الجبال لا تكون في ذلك اليوم على ثباتها المعروف. بل يذهب ما كان لها من قرار وتعود كأنها سراب يرى من بعد.

فإذا قربت منه لم تجد شيئا. لتفرق أجزائها وانبثاث جواهرها.

والخلاصة - إنه سبحانه ذكر أحوال الجبال بوجوه مختلفة. فذكر أول أحوالها وهو الاندكاك بقوله: « وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً » ثم ذكر أنها تصير كالعهن المنفوش كما قال: « وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ».

ثم ذكر أنها تصير هباء كما قال: « وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا. فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا » ثم ذكر أنها تنسف وتحملها الرياح كما جاء في قوله: « وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ »، ثم ذكر أنها تصير سرابا، أي لا شيء كما في هذه الآية.

وبعد أن عدّد وجوه إحسانه، ودلائل قدرته على إرساله رسوله، وذكر أن يوم الفصل بين الرسول ومعانديه سيكون يوم القيامة، وبيّن أهوال هذا اليوم، وامتياز شئونه وأحواله عن شئون أيام الدنيا وأحوالها - ذكر وعيد المكذبين وبيان ما يلاقونه فقال:

(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا) أي إن دار العذاب وهي جهنم مكان يرتقب فيه خزنتها من يستحقها بسوء أعماله، وخبث عقيدته وفعاله.

وروى ابن جرير وابن المنذر عن الحسن أنه قال: لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز النار، فإن كان معه جواز نجا، وإلا احتبس.

(لِلطَّاغِينَ مَآبًا) أي إنها مرجع للذين طغوا وتكبروا ولم يستمعوا إلى الداعي الذي جاءهم بالهدى ونور الحق.

وبعد أن ذكر أن جهنم مستقرهم بيّن مدة ذلك فقال:

(لابِثِينَ فِيها أَحْقابًا) أي إنهم سيمكثون فيها دهورا متلاحقة يتبع بعضها بعضا فكلما انقضى زمن تجدد لهم زمن آخر كما قال: « يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ ».

ثم بين أحوالهم فيها فقال:

(لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا وَلا شَرابًا. إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) أي لا يذقون في جهنم بردا يبرد حر السعير عنهم إلا الغساق، ولا شرابا يرويهم من شدة العطش إلا الحميم، فهم لا يذوقون مع شدة الحرما يكون فيه راحة من ريح باردة، أو ظل يمنع من نار، ولا يجدون شرابا فيسكن عطشهم، ويزيل الحرقة من بواطنهم، ولكن يجدون الماء الحار المغلى، وما يسيل من جلودهم من الصديد والقيح والعرق، وسائر الرطوبات المستقذرة.

والخلاصة - إنهم لا يذوقون فيها شرابا إلا الحميم البالغ الغاية في السخونة، أو الصديد المنتن، ولا بردا إلا الماء الحار المغلي.

(جَزاءً وِفاقًا) أي إنه تعالى ينزل بهم شديد عقابه من جزاء أنهم أتوا بفظيع المعاصي، فيكون العقاب وفق الذنب ومقداره كما قال: « وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ».

قال مقاتل: وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. وقال الحسن وعكرمة: كانت أعمالهم سيئة فأتاهم الله ما يسوءهم.

وبعد أن بين على طريق الإجمال أن هذا الجزاء الذي أعد لهم كان وفق جرمهم - فصل أنواع جرائمهم فذكر أنها نوعان فقال:

(1) (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابًا) أي إنهم فعلوا من القبائح ما فعلوا، واجترحوا من السيئات ما شاءت لهم أهواؤهم، لأنهم ما كانوا ينتظرون يوم الحساب ولا يتوقعونه.

ورغبة المرء في فعل الخيرات، وترك المحظورات، إنما تكون غالبا لاعتقاده أنه ينتفع بذلك في الآخرة، فمن كان منكرا لها لا يقدم على شيء مما يحسن عمله، ولا يحجم عن أمر مما يقبح.

(2) (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّابًا) أي وكذبوا لجميع البراهين الدالة على التوحيد والنبوة والمعاد وبجميع ما جاء في القرآن.

والخلاصة - إنهم أقدموا على جميع المنكرات، ولم يرعووا عن فعل السيئات وأنكروا بقلوبهم الحق واتبعوا الباطل.

وبعد أن بين فساد أحوالهم العملية والاعتقادية - أرشد إلى أنها في مقدارها وكيفيتها معلومة له تعالى لا يغيب عنه شيء منها فقال:

(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتابًا) أي إنا علمنا جميع ما عملوا علما ثابتا لا يعتريه تغيير ولا تحريف، فلا يمكنهم أن يجحدوا شيئا مما كانوا يصنعون في الحياة الدنيا حين يرون ما أعد لهم من أنواع العقوبات، لأنا قد أحصينا ما فعلوه إحصاء لا يزول منه شيء ولا يغيب، وإن غاب عن أذهانهم ونسوه كما قال: « أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ »

وإنما قيل (كِتابًا) دون أن يقال (إحصاء) لأن الكتابة هي النهاية في قوة العلم بالشيء، فإن من يريد أن يحصى كلام متكلم حتى لا يغيب منه شيء عمد إلى كتابته، فكأنه تعالى يقول: « وكل شيء أحصيناه إحصاء يساوى في ثباته وضبطه ما يكتب ».

وبعد أن بين قبائح أفعالهم لكفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات - رتب عليه هذا الجزاء فقال:

(فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذابًا) أي فذوقوا ما أنتم فيه من العذاب الأليم، فلن نزيدكم إلا عذابا من جنسه كما قال: « وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ ».

روى قتادة عن عبد الله بن عمرو أنه قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية: « فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذابًا ».

ذاك أن فيها تقريعا وتوبيخا لهم في يوم الفصل، وغضبا من أرحم الراحمين، وتيئيسا لهم من الغفران.

[سورة النبإ (78): الآيات 31 الى 36]

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازًا (31) حَدائِقَ وَأَعْنابًا (32) وَكَواعِبَ أَتْرابًا (33) وَكَأْسًا دِهاقًا (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا كِذَّابًا (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِسابًا (36)

شرح المفردات

مفازا: أي فوزا بالنعيم والثواب، حدائق: أي بساتين فيها أنواع الثمر والشجر وأعنابا. واحدها عنب، وكواعب: واحدها كاعب، وهي التي نهد ثدياها وتكعبا، والأتراب: واحدهنّ ترب، وهي التي سنها من سن صاحبتها، والكأس: إناء من بلور للشراب، دهاقا: أي ممتلئة، يقال أدهق الحوض: أي ملأه. قال خداش ابن زهير:

أتاتا عامر يبغى قرانا فأقرعنا له كأسا دهاقا

واللغو: الباطل من الكلام، والكذّاب: التكذيب، عطاء: أي تفضلا منه وإحسانا، حسابا: أي كافيا لهم، تقول أعطاني فلان حتى أحسبنى: أي حتى كفاني بعطائه. قال:

فلما حللت به ضمّني فأولى جميلا وأعطى حسابا

أي أعطى ما كفى.

المعنى الجملي

بعد أن بين حال المكذبين، أردفه ما يفوز به المتقون من الجنات التي وصفها ووصف ما فيها، وذكر أنها عطاء من الله تعالى، وفى هذا استنهاض لعوالى الهمم، بدعوتهم إلى المثابرة على أعمال الخير، وازديادهم من القربات والطاعات، كما أن فيها إبلاما لأنفس الضالين المكذبين.

الإيضاح

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازًا) أي إن لمن اتقى محارم الله وخاف عقابه فوزا بالكرامة والثواب العظيم، في جنات النعيم.

ثم فسر هذا الفوز وفصله فقال:

(حَدائِقَ وَأَعْنابًا) أي بساتين من النخيل والأعناب ومختلف الأشجار لها أسوار محيطة بها، وفيها الأعناب اللذيذة الطعم، مما تشتهيها النفوس، وتقرّ به العيون.

وقد أفردت بالذكر وهي مما يكون في الحدائق عناية بأمرها كما جاء في قوله: « مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ».

ثم وصف ما في الحدائق والجنات فقال:

(وَكَواعِبَ أَتْرابًا) أي وحورا كواعب لم تتدلّ ثديهن، وهنّ أبكار عرب أتراب.

والتمتع بالنساء على هذه الشاكلة مما يتمثله المرء في الدنيا على نحو من اللذة، وإن كنا لا نعلم كنهه في الآخرة، وعلينا أن نؤمن به، وأنه تمتع يفوق به ما هو مثله من لذات هذه الحياة، وأنه يشاكل أحوال العالم الأخروي.

(وَكَأْسًا دِهاقًا) أي وكأسا من الخمر مترعة ملأي متتابعة على شاربيها.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا كِذَّابًا) أي لا يجرى بينهم حين يشربون - لغو الكلام ولا يكذب بعضهم بعضا، كما يجرى بين الشّرب في الدنيا، لأنهم إذا شربوا لم تفتر أعصابهم، ولم تتغير عقولهم كما قال تعالى: « لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ »، واللغو والتكذيب مما تألم له أنفس الصادقين المخلصين.

ولما ذكر أنواع النعيم بيّن أن هذا جزاء لهم على ما عملوا، وتفضل منه سبحانه فقال:

(جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِسابًا) أي جازاهم الله به وأعطاهموه بفضله وإحسانه عطاء كافيا وافيا.

[سورة النبإ (78): الآيات 37 الى 40]

رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَوابًا (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا (40)

شرح المفردات

الخطاب: المخاطبة والمكالمة، الروح: جبريل عليه الصلاة والسلام، والمآرب: المرجع، والإنذار: الإخبار بالمكروه قبل وقوعه، والمرء الإنسان ذكرا كان أو أنثى، ما قدمت يداه: أي ما صنعه في حياته الأولى.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه أن يوم القيامة موعد للفصل بين الخلائق، وتنتهى به أيام الدنيا، وأن دار العذاب معدة للكافرين، وأن الفوز بالنعيم للمتقين أعقب ذلك بأن هذا يوم يقوم فيه جبريل والملائكة صفّا صفا لا يتكلمون إلا إذا أذن لهم ربهم وقالوا قولا صحيحا.

ثم أتبعه بأن هذا اليوم حق لا ريب فيه، وأن الناس فيه فريقان: فريق بعيد من الله ومرجعه إلى النار، وفريق مآبه القرب من الله ومنازل الكرامة، فمن كانت له مشيئة صادقة، فليتخذ مآبا إلى ربه، وليعمل عملا صالحا يقرّبه منه، ويحلّه محل كرامته.

ثم عاد إلى تهديد المعاندين وتحذيرهم من عاقبة عنادهم، وأنهم سيعلمون غدا ما قدمته أيديهم ويرونه حاضرا لديهم، وحينئذ يندمون، ولات ساعة مندم، ويبلغ من أمرهم أن يقولوا: ليتنا كنا ترابا لم نصب حظا من الحياة.

الإيضاح

(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابًا) أي إنه سبحانه المالك لشئونهما، المدبر لأمورهما، ولا يملك أحد من أهلهما مخاطبته تعالى بالشفاعة إلا بإذنه.

ثم أكد هذا وقرره بقوله:

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَوابًا) أي إن الملائكة على جلالة أقدارهم، ورفيع درجاتهم لا يستطيعون أن يتكلموا في هذا اليوم، إجلالا لربهم، ووقوفا عند أقدارهم، إلا إذا أذن لهم ربهم، وقالوا قولا صدقا وصوابا.

وفي الآية دلالة على أنهم مع قربهم من ربهم لا يستطيع أحد منهم أن يشفع لأحد أو يطلب منحة إلا بعد أن يأذن له ربه، ولا يأذن إلا لمن علم أنه سيجاب، لأنه يقول الصواب، وإنما يكون الكلام ضربا من التكريم لمن يأذن له ويختص به، ولا أثر له فيما أراده البتة.

والملائكة مخلوقات غيّبها الله عنا، ولم يجعل لنا قدرة على رؤيتها. فعلينا أن نؤمن بها وإن لم نرها، ونصدّق بما جاء في كتابه من أوصافها غير باحثين عن حقيقتها.

وبعد أن ذكر أحوال المكلفين في درجات الثواب والعقاب، وبيّن عظمة يوم القيامة - أردف ذلك بيان أن هذا اليوم حق لا ريب فيه فقال:

(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ) أي ذلك اليوم متحقق لا ريب فيه ولا مفر منه، وأنه يوم تبلى فيه السرائر، وتنكشف فيه الضمائر، أما أيام الدنيا فأحوال الخلق فيها مكتوبة، وضمائرهم غير معلومة.

(فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآبًا) أي فمن شاء عمل صالحا يقربه من ربه، ويدنيه من كرامته وثوابه، ويباعد بينه وبين عقابه.

ثم زاد في تخويف الكفار وإنذارهم فقال:

(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذابًا قَرِيبًا) أيإنا نحذركم عذاب يوم القيامة وهو قريب، لأن كل ما هو آت قريب كما قال: « كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها ».

وإنهم ليجدون مقدماته إذا فارقت الروح البدن، فإنه يتكشف لهم ما كان ينتظرهم، ولا يزالون منه في ألم إلى أن يلاقوا ربهم.

(يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) أيهذا العذاب القريب يوم ينظر المرء ما صنعه في حياته الأولى من الأعمال، فإن كان قد آمن بربه وعمل عمل الأبرار فطوبى له وحسن مآب، وإن كان قد كذب به وبرسوله فله الويل وأليم العذاب.

ونحو الآية قوله تعالى: « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ».

(وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا) أيويقول الكافر من شدة ما يلقى ومن هول ما يرى: ليتني كنت ترابا، يريد: ليتني لم أكن من المكلفين، بل كنت حجرا أو ترابا لا يجرى عليه تكليف حتى لا يعاقب هذا العقاب.

وفي الآية إيماء إلى ما يكون عليه المؤمنون من الاستبشار والسرور بما رأوه.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

ما اشتملت عليه هذه السورة

اشتملت هذه السورة الكريمة على الموضوعات الآتية:

(1) سؤال المشركين عن البعث ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام.

(2) تهديد المشركين على إنكارهم إياه.

(3) إقامة الأدلة على إمكان حصوله.

(4) أحداث يوم القيامة.

(5) ما يلاقيه المكذبون من العذاب.

(6) فوز المتقين بجنات النعيم.

(7) إن هذا اليوم حق لا ريب فيه.

(8) إنذار الكافرين بالعذاب الأليم وتمنيهم في ذلك اليوم أن لو كانوا ترابا.


هامش

  1. المانوية: طائفة تعتقد أن الخير من النهار والشر من الليل.
تفسير المراغي
مقدمة التفسير | الفاتحة | البقرة | آل عمران | النساء | المائدة | الأنعام | الأعراف | الأنفال | التوبة | يونس | هود | يوسف | الرعد | إبراهيم | الحجر | النحل | الإسراء | الكهف | مريم | طه | الأنبياء | الحج | المؤمنون | النور | الفرقان | الشعراء | النمل | القصص | العنكبوت | الروم | لقمان | السجدة | الأحزاب | سبأ | فاطر | يس | الصافات | ص | الزمر | غافر | فصلت | الشورى | الزخرف | الدخان | الجاثية | الأحقاف | محمد | الفتح | الحجرات | ق | الذاريات | الطور | النجم | القمر | الرحمن | الواقعة | الحديد | المجادلة | الحشر | الممتحنة | الصف | الجمعة | المنافقون | التغابن | الطلاق | التحريم | الملك | القلم | الحاقة | المعارج | نوح | الجن | المزمل | المدثر | القيامة | الإنسان | المرسلات | النبأ | النازعات | عبس | التكوير | الانفطار | المطففين | الانشقاق | البروج | الطارق | الأعلى | الغاشية | الفجر | البلد | الشمس | الليل | الضحى | الشرح | التين | العلق | القدر | البينة | الزلزلة | العاديات | القارعة | التكاثر | العصر | الهمزة | الفيل | قريش | الماعون | الكوثر | الكافرون | النصر | المسد | الإخلاص | الفلق | الناس | خاتمة التفسير | فهارس الأجزاء