رحلة ابن جبير/روضة النيل


روضة النيل

وعلى شط نيلها مما يلي غربيها، والنيل معترض بينهما، قرية كبيرة حفيلة البنيان تعرف بالجيزة. لها كل يوم أحد سوق من الأسواق العظيمة يجتمع إليها.

ويعترض بينها وبين مصر جزيرة فيها مساكن حسان وعلالي مشرفة وهي مجتمع اللهو والنزهة، وبينها وبين مصر خليج من النيل يذهب بطولها نحو الميل ولها مخرج له. وبهذه الجزيرة مسجد جامع يخطب فيه. ويتصل بهذا الجامع المقياس الذي يعتبر فيه قدر زيادة النيل عند فيضه كل سنة. واستشعار ابتدائه في شهر يونيه، ومعظم انتهائه أغشت، وآخره أول شهر أكتوبر. وهذا المقياس عمود رخام أبيض مثمن في موضع ينحصر فيه الماء عند انسيابه إليه، وهو مفصل على اثنتين وعشرين ذراعاً مقسمة على أربعة وعشرين قسماً تعرف بالأصابع. فإذا انتهى الفيض عندهم أن يستوفي الماء تسع عشرة ذراعاً منغمرة فيه فهي الغاية عندهم في طيب العام. وربما كان الغامر منه كثيراً بعموم الفيض. والمتوسط عندهم ما ستوفى سبع عشرة ذراعاً، وهو الأحسن عندهم من الزيادة المذكورة.

والذي يستحق به السلطان خراجه في بلاد مصر ست عشرة ذراعاً فصاعداً، وعليها يعطي البشارة الذي يراعي الزيادة في كل يوم والزيادة في أقسام الذراع المذكورة ويعلم بها مياومة حتى تستوفي الغاية التي يقضي بها. وان قصر عن ست عشرة ذراعاً فلا مجبى للسلطان في ذلك العام ولا خراج.

وذكر لنا أن بالجيزة المذكورة قبر كعب الأحبار رضي الله عنه. وفي صدر الجيزة المذكورة أحجار رخام قد صورت فيها التماسيح، فيقال: إن بسببها لا تظهر التماسيح فيما يلي البلد من النيل مقدار ثلاثة أميال علواً وسفلاً، والله أعلم بحقيقة ذلك.

رحلة ابن جبير
في الاندلس | أهوال البحر | البشرى بالسلامة | شهر ذي الحجة من السنة المذكورة | ذكر بعض أخبار الإسكندرية وآثارها | منار الإسكندرية | مناقب الإسكندرية | ذكر مصر والقاهرة | شهر رمضان المعظم | شهر شوال