رحلة ابن جبير/مآثر السلطان ومفاخره

رحلة ابن جبير المؤلف محمد بن جبير
مآثر السلطان ومفاخره


مآثر السلطان ومفاخره

وما منها جامع من الجوامع ولا مسجد من المساجد ولا روضة من الروضات المبنية على القبور ولا محرس من المحارس ولا مدرسة من المدارس إلا وفضل السلطان يعم جميع من يأوي إليها ويلزم السكنى فيها، تهون عليه في ذلك نفقات بيوت الاسوال.

ومن مآثره الكريمة المعربة عن اعتنائه بأمور المسلمين كافة أنه أمر بعمارة محاضر ألزمها معلمين لكتاب الله، عز وجل، يعلمون أبناء الفقراء والأيتام خاصة وتجرى عليهم الجراية الكافية لهم.

ومن مفاخر هذا السلطان وآثاره الباقية المنفعة للمسلمين القناطر التي شرع في بنائها بغربي مصر، وعلى مقدار سبعة أميال منها، بعد رصيف أبتدئ به من حيز النيل بازاء مصر كأنه جبل ممدود على الأرض، تسير فيه مقدار ستة أميال حتى يتصل بالقنطرة المذكورة، وهي نحو الأربعين قوساً من أكبر ما يكون من قسي القناطر. والقنطرة متصلة بالصحراء التي يفضي منها الإسكندرية، له في ذلك تدبير عجيب من تدابير الملوك الحزمة اعداداً لحادثة تطرأ من عدو يدهم جهة ثغر الإسكندرية عند فيض النيل وانغمار الأرض به وامتناع سلوك العساكر بسببه. فأعد ذلك مسلكاً في كل وقت إن احتيج ذلك. والله يدفع عن حوزة المسلمين كل متوقع ومحذور بمنه.

ولاهل مصر في شأن هذه القنطرة إنذار من الإنذارات الحد ثانية يرون أن حدوثها يذان باستيلاء الموحدين عليها وعلى الجهات الشرقية، والله أعلم بغيبه، لا إله سواه.

معجزة البناء وبمقربة من هذه القنطرة المحدثة الأهرام القديمة، المعجزة البناء، الغريبة المنظر، المربعة الشكل، كأنها القباب المضروبة قد قامت في جو السماء، ولا سيما الاثنان منها، فانهما يغص الجو بهما سمواً، في سعة الواحد منها من أحد أركانه الركن الثاني ثلاث مئة خطوة وست وستون خطوة. قد أقيمت من الصخور العظام المنحوتة. وركبت تركيباً هائلاً بديع الإلصاق دون أن يتخللها ما يعين على إلصاقها، محددة الأطراف في رأي العين، وربما أمكن الصعود إليها على خطر ومشقة فتلفى أطرافها المحددة كأوسع ما يكون من الرحاب، لورام أهل الأرض نقض بنائها لأعجزهم ذلك.

للناس في أمرها اختلاف: فمنهم من يجعلها قبوراً لعاد وبنيه، ومنهم من يزعم غير ذلك. وبالجملة فلا يعلم شأنها إلا الله عز وجل.

ولأحد الكبيرين منها باب يصعد إليه على نحو القامة من الأرض أو أزيد ويدخل منه بيت كبير سعته نحو خمسين شبراً وطوله نحو ذلك. وفي جوف ذلك البيت رخامة طويلة مجوفة شبه التي تسميها العامة البيلة يقال أنها قبر والله أعلم بحقيقة ذلك.

ودون الكبير هرم سعته من الركن الواحد الركن الثاني مئة وأربعون خطوة.ودون هذا الصغير خمسة صغار وثلاثة متصلة والاثنان على مقربة منها متصلان.

وعلى مقربة من هذه الأهرام بمقدار غلوة صورة غريبة من حجر قد قامت كالصومعة على صفة آدمي هائل المنظر، وجهة الأهرام وظهره القبلة مهبط النيل، تعرف بأبي الأهوال.

وبمدينة مصر المسجد الجامع المنسوب لعمر بن العاص رضي الله عنه. وله أيضاً بالإسكندرية جامع آخر هو م الجمعة للمالكيين. بمدينة مصر آثار من الخراب الذي أحدثه الإحراق الحادث بها وقت الفتنة عند اتساخ دولة العبيديين، وذلك سنة أربع وستين وخمس مئة، وأكثرها الآن مستجد والبنيان بها متصل. وهي مدينة كبيرة والآثار القديمة حولها، وعلى مقربة منها ظاهرة تدل على عظمة اختطا طها فيما سلف.

رحلة ابن جبير
في الاندلس | أهوال البحر | البشرى بالسلامة | شهر ذي الحجة من السنة المذكورة | ذكر بعض أخبار الإسكندرية وآثارها | منار الإسكندرية | مناقب الإسكندرية | ذكر مصر والقاهرة | شهر رمضان المعظم | شهر شوال