رسالة السجزي إلى أهل زبيد/الفصل الأول


الفصل الأول

في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب

قال الله سبحانه لنبيه { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } فأمر جل جلاله نبيه عليه السلام أن يدعو إلى إثبات الوحدانية بالوحي وقال { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } فبين أن من تقدم من الرسل كانوا يحتجون على الكفار في الوحدانية بالوحي ولم يؤمروا إلا بذلك.

وقال جل جلاله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } وقال { وإن تطع أكثر من الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون } قال النبي " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى.

ولم يدع النبي إلى المحاجة بالعقل أحدا ولا أمر بذلك أمته وقال عمر وسهل بن حنيف: ( اتهموا الرأي على الدين ) ولا مخالف لهما في الصحابة وقد كانا يجتهدان في الفروع فعلم أنهما أرادا بذلك المنع من الرجوع إلى العقل في المعتقدات.

ولا خلاف بين الفقهاء في أن الكفار والملحدين لا يجب أن يناظروا بالعقليات وأن المسلمين قد أمروا بالأخذ بما آتاهم الرسول والانتهاء عما نهاهم عنه وحذروا من أن تصيبهم الفتنة أو العذاب الأليم في مخالفتهم أمره قال الله سبحانه { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وقد كره عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالته الصلح يوم الحديبية واستعظم رد المسلمين على الكفار وكان ذلك من طريق العقل حتى قال له النبي ( تراني قد رضيت يا عمر وتأبا ) فانتبه عند ذلك عمر وسكت علما منه أن رسول الله مفترض الطاعة ( ولأنه ) لا ينطق عن الهوى وأن الوحي لا يقابل بالعقل.

ولا خلاف بين المسلمين في أن كتاب الله لا يجوز رده بالعقل بل العقل دل على وجوب قبوله والائتمام به وكذلك قول الرسول إذا ثبت عنه لا يجوز رده وأن الواجب رد كل ما خالفهما أو أحدهما.

واتفق السلف على أن معرفة من طريق العقل ممكنة غير واجبة وأن الوجوب من طريق السمع لن الوعيد مقترن بذلك قال تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فلما علمنا بوجود العقل قبل الإرسال وأن العذاب مرتفع عن أهله ووجدنا من خالف الرسل والنصوص مستحقا للعذاب بينا أن الحجة هي ما ورد به السمع لا غير.

وقد اتفقنا أيضا على أن رجلا لو قال: العقل ليس بحجة في نفسه وإنما يعرف به الحجة لم يكفر ولم يفسق ولو قال رجل كتاب الله سبحانه ليس بحجة علينا بنفسه كان كافرا مباح الدم.

فتحققنا أن الحجة القاطعة هي التي ( يرد ) بها السمع لا غير.

ووجدنا أيضا القائلين بالعقل المجرد وأنه أول الحجج مختلفين فيه كل واحد يزعم أن الحق معه وأن مخالفه قد أخطأ الطريق ولا سيبل إلى من يحكم بينهم في الحال وإنما الحاصل دوام الجدل المنهي عنه ونجدهم أيضا يقولون اليوم قولا يزعمون أنه مقتضى العقل ويرجعون عنه غدا إلى غيره وما كان بهذه المثابة لا يجب أن يكون حجة في نفسه.

ووجدنا الكتاب المنزل غير جائز وورد النسخ عليه وقد وجب ( علينا ) الإذعان له والدخول تحت حكمه فكانت الحجة فيه لا في مجرد العقل.

وإنما ورد الكتاب بالتنبيه على العقل وفضله وبين أن من خالف الكتاب ممن لا يعقل لأن العقل يقتضي قبول العبد من مولاه وترك ظنه له ومصيره إلى طاعته ويحكم بقبح ما خالف ذلك.

وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالى.

على أن الأشعري يزعم أن العقل لا يقتضي حسنا ولا قبحا، وهذا لعمري مخالفة العقل عيانا وسيأتي بيان ذلك في غير هذا الفصل بمشيئة الله عز وجل.

وإذا ثبت ما قلناه زال شغبهم في أن العقل يقتضي ما يقولونه لأنا لم نؤثر باتباع عقل يخالف السمع وسنذكر كذبهم في اقتضاء العقل وما صاروا إليه بعد هذا إن شاء الله تعالى.


رسالة السجزي إلى أهل زبيد لأبي نصر السجزي
المقدمة | الفصل الأول في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب | الفصل الثاني في (بيان ما هي السنة وبم يصير المرء من أهلها) | الفصل الثالث في التدليل على أن مقالة الكلابية وأضرابهم مؤدية إلى نفي القرآن أصلا وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة | الفصل الرابع في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الخامس بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل السادس في إيراد الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة وأن ما عري عنهما لم يكن كلاما في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزا واتساعا وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما | الفصل السابع بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل الثامن في بيان أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات | الفصل التاسع في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم | الفصل العاشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الحادي عشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه