رسالة السجزي إلى أهل زبيد/المقدمة


مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله أجمعين.

أما بعد:

فقد ذكر لي عنكم، وفقنا الله وإياكم لمرضاته، وقوفكم على كتاب الإبانة الذي ألفته في الرد على الزائغين في مسألة القرآن، وأنكم وجدتم المخالفين ببلدكم يشغبون عند ذكر الحرف والصوت، وأنه قد صعب عليكم تجريد القول فيهما، واستخراج ذلك من الكتاب لكثرة الأسانيد المتخللة للنكت التي تحتاجون إليها، وسألتم إفراد القول في هذا الفصل بترك الأسانيد، ليسهل عليكم الأخذ بكظم المخالف ورد الإسناد معه وسامحت نفسي بذلك رجاء وصولكم إلى طلبتكم، وحصول العلم لكم بفساد مذهب الخصم والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اعلموا أرشدنا الله وإياكم أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم بل أخس حالا منهم في الباطن في أن الكلام لا يكون إلا حرفا وصوتا ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات.

وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذين تكلموا في العقليات وقالوا: الكلام حروف متسقة وأصوات مقطعة.

وقالت العرب: الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فالاسم مثل: زيد وعمرو وحامد والفعل مثل: جاء وذهب وقام وقعد والحرف الذي يجئ لمعنى مثل: هل وبل وما شاكل ذلك.

فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفا وصوتا فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الوارد في ذلك زعما منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علما وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت ويدخله التعاقب والتأليف وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون ولا بد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله لأن ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق والكل والبعض والحركة والسكون وحكمة الصفة الذاتية حكم الذات.

قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله سبحانه خلق له أحدثه وأضافه إلى نفسه كما تقول:عبد الله، وخلق الله وفعل الله.

فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة المسلم والكافر وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام وإنما يسمى ذلك كلاما على المجاز لكونه حكاية أوعبارة عنه وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم.

فمنهم من اقتصر على هذا القدر، ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد فزاد فيه ما ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة من الكلام ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله سبحانه تجسيم وإثبات اللغة فيه تشبيه.

وتعلقوا بشبه منها قول الأخطل:

إن البيان من الفؤاد وإنما ,,, جعل اللسان على الفؤاد دليلا 

فغيروه وقالوا:

إن الكلام من الفؤاد وإنما ،،، جعل اللسان على الكلام دليلا 

وزعموا أن لهم حجة على مقالتهم في قول الله سبحانه وتعالى { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } وفي قوله عز وجل { فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال: أنتم شر مكانا }.

واحتجوا بقول العرب: " أرى في نفسك كلاما، وفي وجهك كلاما " فألجأهم الضيق مما يدخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا: الأخرس متكلم وكذلك الساكت والنائم ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليس بأضداد الكلام وهذه مقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير رد عليه.

ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب ويقمع ولكن لما عدم من ينظر في أمر المسلمين محنا بالكلام مع من ينبغي أن يلحق بالمجانين.

وأصل تلبيسهم على العوام وتمويههم على المبتدئين هو أن الحرف والصوت لا يجوز أن يوجدا إلا عن آلة وانخراق مثل: الشفتين والحنك وأن لكل حرف مخرجا معلوما وأن الله سبحانه ليس بذي أدوات بالاتفاق فمن أثبت الحرف والصوت في كلامه فقد جعله جسما ذا أدوات وهو كفر قال الله سبحانه { ليس كمثله شئ } فيجب أن لا يكون ككلامه كلام.

ونفوس ذوي النقص مسرعة إلى قبول هذا التمويه يظنون أن في ذلك تنزيها لله سبحانه والأمر بخلاف ذلك.

وزاد علي بن إسماعيل الأشعري في التمويه فقال ( قد أجمعنا على أن لله سبحانه سمعا وبصرا، ووجها واتفقنا على أن سمعه بلا انخراق وبصره بلا انفتاح ووجهه بلا تنضيد فوجب أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت ) وقالوا جميعا: إن أحد من السلف لم يقل إن كلام الله حرف وصوت فالقائل بذلك محدث والحدث في الدين مردود والأشعري خاصة أضرب قوله في هذا الفصل فقال في بعض كتبه ( كلام الله ليس بحرف ولا صوت كما أن وجهه ليس بتنضيد وكلام كل متكلم سواه حرف وصوت ).

وقال في غير ذلك من كتبه ( الكلام معنى قائم بنفس المتكلم كائنا من كان ليس بحرف ولا صوت )

وإثبات قولين مختلفين في باب التوحيد، وإثبات الصفات تخبط وضلال والعقليات بزعم القائلين بها لا تحتمل مثل هذا الاختلاف والحدود العقلية لا يرجع فيها إلا إلى من تقدم دون من أراد أن يؤسس لنفسه اليوم باختياره أساسا واهيا.

فالذي تحتاجون إليه حفظكم الله معهم في إزالة تمويههم:

فجميع ما ذكرت بكم إليه حاجة عند الرد عليهم أحد عشر فصلا من أحكمها تمكن الرد عليهم إذا سبق له العلم بمذهبه ومذهبهم وأما العامي والمبتدي فسبيلهما أن لا يصغيا إلى المخالف ولا يحتجا عليه فإنهما إن أصغيا إليه أو حاجاه خيف عليهما الزلل عاجلا والانفتال آجلا، نسأل الله العون على بيان ما أشرنا إليه فإنه لا حول ولا قوة إلا به وهو حسبنا ونعم الوكيل. أ.ه

رسالة السجزي إلى أهل زبيد لأبي نصر السجزي
المقدمة | الفصل الأول في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب | الفصل الثاني في (بيان ما هي السنة وبم يصير المرء من أهلها) | الفصل الثالث في التدليل على أن مقالة الكلابية وأضرابهم مؤدية إلى نفي القرآن أصلا وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة | الفصل الرابع في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الخامس بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل السادس في إيراد الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة وأن ما عري عنهما لم يكن كلاما في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزا واتساعا وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما | الفصل السابع بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل الثامن في بيان أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات | الفصل التاسع في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم | الفصل العاشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الحادي عشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه