رسالة السجزي إلى أهل زبيد/الفصل التاسع


الفصل التاسع: في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم

قد صنف غير واحد من المتكلمين من المعتزلة والكرامية في فضائح الأشعرية والكلابية كما صنف هؤلاء في فضائح الآخرين أيضا.

ولكل مخالف للسنة وطريقة أهل الأثر ما يفتضح به عند التأمل وأهل الأثر لا فضيحة عليهم عند محصل لأنهم لم يحدثوا شيئا وإنما تبعوا الأثر ومن ادعى في الأثر فضيحة بعد الحكم بصحته لم يكن مسلما.

ونحن لا نذكر من فضائح الأشعري ومن وافقه ما ذكره من لا يرضى مذهبه من ( معتزلي وكرامي ) بل ما لا يمكنهم إنكاره وتنطق به كتبهم فمنها

أن الأمر عند الفقهاء على الوجوب إلا أن يقترن به ما يدل أن المراد به الندب أو الإباحة.

وعند أكثر المتكلمين صيغة الأمر للندب والإباحة إلا أن يدل دليل على أن المراد به الوجوب.

وعند الأشعري: أن الأمر لا صيغة له إذا قال سبحانه افعلوا كذا لا يفهم منه وجوب ولا ندب ولا غير ذلك، ولا يفيد بمجرده شيئا حتى يقترن به دليل على أن المراد به.

وهذا شيء ينفرد به الأشعري ومن وافقه وهو مؤد إلى فساد كثير.

ومنها: أن الإيمان والنبوة عرضان يحلان الأجسام في حال الحياة ويزولان عنها بزوال الحياة فالمؤمن إذا مات يدخل قبره ولا إيمان معه والنبي إذا مات يدفن وليس بنبي وعلى هذا الأصل يقتضي أن يزول الإيمان عن الرجل إذا نام وهذا من أشنع الأقاويل.

ومنها أن وقوع الكبائر من الأنبياء عليهم السلام في حال النبوة جائز إلا فيما يختص بالرسالة فإنه لا يجوز عليهم الكذب فيها ولا التغيير ولا الكتمان وعند المعتزلة: لا يجوز حصول كبيرة منهم في حال الأداء ولا قبله.

وعند أهل السنة أن وجود الكبائر منهم عليهم السلام قبل أن يوحى إليهم جائزة فأما بعد الوحي فهم معصومون من ارتكاب الكبائر.

ومنها أن عوام المسلمين الذين لا يعرفون الله تعالى بالأدلة العقلية ليسوا بالمؤمنين في الحقيقة وإنما تجري عليهم أحكام الشريعة وهو من أفضع الأقاويل وهو قول جهم.

ومنها أن كل حديث ورد مخالفا للعقل لا يمكن الجمع بينه وبين العقل فهو زور وإن رواه من لا يشك في عدالته قبل ذلك وأن من رواه مع العلم بحاله مثبتا له تسقط عدالته ولا يجوز قبول خبر في باب الاعتقاد إلا ما وافق قضية العقل فيه وهذا يؤدي إلى رد الأخبار الواردة في الصفات وإلى تفسيق أئمة المسلمين.

ومنها أن الصلاة وسائر قوانين الشريعة لا يعتد بقيام المرء بها إلا بعد معرفته ربه بدليل العقل وأول الفروض عليه النظر في الأدلة ليعرفه وإذا اشتغل بالفروع قبل إحكام الأصول لم ينتفع به.

وشهادة أن لا إله إلا الله إذا لم يعرف قائلها صحة الأدلة شهادة عارية عن العلم غير منتفع بها.

ومنها أن الملحد والمجوسي واليهودي والنصراني ينبغي أن يدعى إلى المناظرة ويتعلم الكلام لجدالهم و........ الله سبحانه قد منع من الجلوس مع الخائضين في آياته واتفق أهل الحل والعقد من العلماء على أن الملحد والمجوسي وأهل سائر النحل لا يلزمنا جدالهم وأجمع أكثرهم على أن الجدال المنسوخ بالأمر بالقتال وفي مناظرتهم أكبر فساد ( لانتشار ) شبههم بها في الناس وجواز عدم من يصل إلى حلها في الحال.

ومنها أن المخالف من أصحاب الحديث وأهل الأثر لا يبلغ عقل كثير منهم معرفة العقليات ولا يفهمونها فإن كل واحد منهم ينبغي أن يخاطب على قدر عقله.

وفي ضمن هذا إخفاء المذهب عن قوم وإظهاره لآخرين وهذا شبيه بالزندقة وبهذا الفعل منهم دخل كثير من العوام والمبتدئين في مذهبهم لأنهم يظهرون له الموافقة في الأول ويكذبون بما ينسب إليهم حتى يصطادوه فإذا وقع جروه قليلا قليلا حتى ينسلخ من السنة.

وكان أبو بكر الباقلاني من أكثرهم استعمالا لهذه الطريقة وقد وشح كتبه بمدح أصحاب الحديث واستدل على الأقاويل بالأحاديث في الظاهر وأكثر الثناء على أحمد بن حنبل رحمة الله عليه وأشار في رسائل له إلى أنه كان يعرف الكلام وأنه لا خلاف بين أحمد والأشعري وهذا من رقة الدين وقلة الحياء.

ومنها ما أظهره متأخروهم و..... منهم وهو أن القرآن إذا كتب بمداد فيه نجس أو رمي المصحف في الخلاء أو طرح عليه قذر على سبيل العمد لم يجب فيه كبير نكير.

لأن صفة الله سبحانه ليست في الدنيا وإنما المصحف بما فيه مخلوق وهو من جملة المثمنات والله تعالى يقول { لا يمسه إلا المطهرون } والنبي نهى عن حمله إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو والفقهاء مجمعون على أن مس المحدث إياه لا يجوز.

ومنها ما ارتكبه أهل الوقت منهم خصوصا من كان منهم من المغاربة وهو أن كل من ( يخالفهم ) نسبوه إلى سب العلماء لينفروا قلوب العوام عنه وقرفوه بأقاويل لا يقول بها ولا يعتقدها بهتا منهم وكذبا لأن البهتان والكذب لا قبح لهما في العقل وإنما علم قبحهما بالسمع والقائلون بخلاف قولهم ضلال عندهم ولا حرمة لهم.

وفي المذهب أشياء كثيرة في نهاية الشناعة لم أرد ذكرها في الحال خوفا من الإطالة لأنه هذه الرسالة إنما اشتملت على نكت وإشارات ولعلنا في غيرها نشرح بعض ما أشرنا إليه من فضائح مذهبهم إن شاء الله تعالى.

رسالة السجزي إلى أهل زبيد لأبي نصر السجزي
المقدمة | الفصل الأول في إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة في التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب | الفصل الثاني في (بيان ما هي السنة وبم يصير المرء من أهلها) | الفصل الثالث في التدليل على أن مقالة الكلابية وأضرابهم مؤدية إلى نفي القرآن أصلا وإلى التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة | الفصل الرابع في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الخامس بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل السادس في إيراد الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة وأن ما عري عنهما لم يكن كلاما في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزا واتساعا وتحقيق جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق وبيان قول السلف وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما | الفصل السابع بيان أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها | الفصل الثامن في بيان أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات | الفصل التاسع في ذكر شيء من أقوالهم ليقف العامة عليها فينفروا عنهم ولا يقعوا في شباكهم | الفصل العاشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه | الفصل الحادي عشر في بيان أن شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل وأنهم مرتكبون إلى ما قد نهوا عنه