كتاب الزهرة/الباب التسعون ذكر المعاني الظاهرة والأمثال السائرة


الباب التسعون ذكر المعاني الظاهرة والأمثال السائرة

قال طرفة بن العبد:

ستبدي لك الأيَّام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ

فيقال أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم كان يتمثل بقوله: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. وروي عن ابن عباس أنَّه قال: " ويأتيك بالأخبار من لم تزود " كلمة نبي، وحكى لنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يتمثل:

تنفك تسمع ما بقيت بهالك حتَّى تكونه

والمرء قد يرجو الرجاء مغيّباً والموتُ دونه

العباس بن محمد بن عثمان بن محمد قال: كان عمر ينشد هذا البيت:

قد طفق النَّاس تعلوهم أكارعهم
وعتّق الطَّير تعلوه العصافير

وحكي عن عثمان رضي الله عنه أنَّه تمثل:

فلو كنت مأكولاً فكن أنت آكلي
وإلاَّ فأدركني وإلاَّ أمزَّق

عن ابن سيرين عن عبيدة أنَّه قال: إن علي بن أبي طالب عليه السلام إذا أعطى فرأى ابن ملجم قال:

أريدُ حياته ويُريدُ قتلي
عذيركَ من خَيلك من مُراد

وبلغني أن الحسين بن علي عليهما السلام دخل على معاوية وهو عليل فتشدد معاوية وجلس وأنشأ يتمثل ببيت له:

وتجلدي للشامتين أُريهمُ
أنِّي لريب الدَّهر لا أتضعضعُ

ويروى أن يزيد بن معاوية تمثل يوم الحرَّة بقول ابن الزبعرى:

ليت أشياخي ببدر شَهدوا
جزعَ الخزرج من وَقْع الأسَل

وبلغني أن عبد الملك بن مروان تمثل:

أظنّ صروف الدَّهر بيني وبينكم
سَتحملهُم منِّي علَى مَركب وعرِ
وإنِّي وإيَّاهم كمن نبَّه القطا
ولو لم ينبه باتت الطَّير لا تسري

عن عروة عن عائشة قالت: وعك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين قدموا المدينة وعكاً شديداً قالت: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في زيارة أبي ومولاه بلال وعامر بن فُهيرة قالت: فدخلت على أبي بكر فذكرت الحديث ثمَّ قالت: أتيت بلالاً فوجدته يهذي وهو يقول:

ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً
بفخٍّ وحولي أذخرٌ وجليل
وهل أرِدنَ يوماً مياه تجنَّة
وهل يبدُوَنْ لي شامةٌ وطفيل

اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام كما أخرجونا من مكة. فرجعت إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم بالذي رأيت فقال: " اللهم حبِّب إلينا المدينة كما حبَّبت إلينا مكة وبارك لنا فيها كما باركت لنا في مكة وبارك لنا في صاعنا ومدنا وانقل وباءنا عنا إلى مهيعة " .

وقال زهير:

ومن يغتربْ يحسب عدوّاً صديقَه
ومن لا يكرّمْ نفسه لم يُكرَّمِ
ومن يجعلِ المعروفَ من دونِ عِرضه
يَفِرْه ومن لا يتَّقي الشّتم يُشتَمِ
ومن لا يذدْ عن حوضه بسلاحه
يُهدّمْ ومن لا يظلم النَّاس لا يظلمِ

ويقال أن عمرو بن معد يكرب كان يُعد من الشجعان فلما قال:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع

عُدَّ حينئذٍ من الشعراء.

وقال آخر:

أيذهب يوم واحد إن أسأته
بصالح أيَّامي وحُسن بلائيا
وقد ينبت الدُّنيا عن دمِن الثَّرى
وتبقى حزازات النفوس كما هيا

قال القطامي:

قد يُدركُ المتأنِّي بعضَ حاجته
وقد يكونُ مع المستعجل الزّلَلُ
والنَّاس من يلقَ خيراً قائلونَ لهُ
ما يشتهي ولأم المخطئ الهَبَلُ

وذكر أن بعض البصريين ممَّن لم يعرف بقول الشاعر ولا روايته سمع ليلة من الليالي يُنشد:

يا راقد اللَّيل مسروراً بأوَّله
إن الحوادث قد يطرقن أسحارك

فلمَّا أصبح وجده قد أصيب، لا يعرف سببه، ولا من أصابه.

وقال آخر:

من لم يخف صولة الليالي
أثر في وجهه الغبارُ
من لم يُؤدِّبْهُ والداه
أدَّبَهُ اللَّيلُ والنهارُ

وقال الخليل بن أحمد:

عش ما بَدَا لك قصرُك الموت
لا مهربٌ منه ولا فوْتُ
ولربّ محمود صنائعه
أودى فماتَ الذّكر والصَّوتُ

وقال سعيد بن حميد:

أحسنت ظنَّك بالأيَّام إذْ حسنتْ
ولم تخف شرّ ما يأتي به القدرُ
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وحين تصفو اللَّيالي تحدث الغيرُ

وقال آخر:

من تحلَّى بغير ما هو فيه
فضحته شواهد الامتحانِ
وأخو العلم تعرف العين منه
حركات من غير لفظ لسانِ

وقال ربيعة الرقي:

إذا المرء لم يطلب معاشاً لنفسه
شكا الفقر أوْ لام الصديق فأكثرا
فسرْ في بلادِ الله والتمس الغِنَى
تعشْ ذا فساد أوْ تموتَ فتُعذرا



هامش