كتاب الزهرة/الباب الحادي والتسعون ذكر ما اشتبهت معانيه واتفقت أعجازه وقوافيه


الباب الحادي والتسعون ذكرما اشتبهت معانيه واتفقت أعجازه وقوافيه

قال أبو بكر: قد جاء في شعر شعراء الجاهلية والإسلام ما يوافق بعضها بعضاً فمنها ما يتفق في المعنى دون اللفظ ومنها ما يتفق في المعنى واللفظ، فمن ذلك ما يقوي أسباب التهمة فيكاد العالم يقنع بأن المتأخر قد سرقه من المتقدم، مثل ما وقع في شعر امرئ القيس من شعر أبي دؤاد الإيادي فتقع التهمة قوية بامرئ القيس لا رواية أبي دؤاد، وكذلك يقوي التهمة بزهير فيما وقع من شعر مشبهاً لشعر أوس بن حجر، لأنه روايته، والإسلاميون أيضاً كذلك تتأكد التهمة على الرَّجُل إذا كان رواية لرجل فوجد في شعره ما يشبه شعره ككثيّر وجميل ومن جرى مجراهما ممَّن يكون الباب بتسميته. ومن لم يكن رواية شاعر بعينه إلا أنَّه علامةٌ، وبالرواية مشهور، لم يعذر محرماً لا يعرف الأخبار ولا يروي الأشعار، ونحن نقدم في هذا الباب ما يشاكل ترجمته ثمَّ نعود على ما تبقى من السرقات بعد ذلك فنذكره بعد الفراغ إن شاء الله، وقال امرؤ القيس:

فقالت ولن يُبخل عليك ويُعتللْ
يسؤْكَ وإن يُكشف غرامُك تدْربِ

وهذا يشاكل قول طرفة بن العبد:

أجدّك إن ضنَّتْ عليك بودها
جزعت وإن يُكشف غرامُك تدْربِ

ولست أتعجل القضاء بينهما لأن عمراً واحداً يجمعهما فلسنا نعلم أيهما أشعر من صاحبه وقال امرؤ القيس:

كبكر المقنّاة البياض بصُفرةٍ
غَذاها نميرُ الماءِ غيرَ مُحلّل

وهذا يشبه قول طفيل الغنوي:

هجان المقاناة البياض بصفرة
عقيلةُ جوِّ عازبٍ لم يُحلَّل

وهذا والأول سواء لأنهما كانا في عصر واحد. وقال زهير بن أبي سُلمى:

لدى أسدٍ شاكي السلاح مقاذفٍ
له لِبَدٌ أظفارهُ لم تُقلَّم

وهذا مأخوذ من قول أوس بن حجر:

لَعمرك إنِّي والأخاليف هؤلاء
لفي حِقبةٍ أظفارُها لم تُقلَّم

وقال زهير:

فلما عرفتُ الدَّار قلتُ لربعها
ألا أنعمْ صباحاً أيها الربعُ واسلمِ

وهذا يشبه قول المسيب بن علس:

ألا أنعم صباحاً أيها الربع واسلم
تحيَّة محزون وإن لم تكلَّم

وهما جميعاً متهمان بقول امرئ القيس:

ألا أنعِم صباحاً أيها الربعُ وانْطقِ
وحدثْ حديث الحيّ إن شئت واصدقِ

وقال سالم بن وابصة:

ترى الوفود من الآفاقِ قد حفلوا
والمبتغون إلى أبوابه طُرُقا

وقال النابغة الجعدي:

حتَّى إذا أغلَقَت وخالَفَها
مُتسرْبل أدماً علَى الصَّدرِ
فأصابَ غرَّتها ولو شعرتْ
حَدَبت عليه بضيق وَعْرِ
حتَّى تحدَّرَ من منازلها
أُصُلاً بسبع ضوائنٍ وُفْرِ

وهذا مأخوذ من قول المسيب بن علس:

وغَدَت بمَسرفِها وخالَفَها
مُتسربلٌ أدَماً علَى الصَّدرِ
فأصابَ ما حَذَرت ولو علِمت
حَدَبت عليه بضيق وَعرِ
حتَّى تحدَّرَ من عوازبه
أصلاً بسيح ضوائنٍ وُفرِ

وقال النابغة الجعدي:

ومَولى جفت عنه المَوالي كأنَّما
إلى النَّاس مطليٌّ به القارُ أجرَبُ

وهذا مأخوذ من قول النابغة الذبياني:

فلا تتْركني بالوَعيد كأنَّني
إلى النَّاس مطليٌّ به القارُ أجرَبُ

وقال الأخطل:

غرَّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارِضُها
كأنَّها أحول العينين مكحولُ

وهذا مأخوذ من قول الأعشى:

غرَّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عواضُها
يمشي الهُوَينى كما تمشي الوجى الوجل

قال أبو بكر: قد ذكرنا من الأشعار فيما سلف من هذا الباب ما استُعير له كلام من غيره واخترع له كلام في نفسه على ترتيب، وقال بشار:

العبدُ يُقرعُ بالعصا
والحُرُّ تكفيه الملامَة

وهذا مأخوذ من قول الصلتان الفهمي:

العبدُ يُقرعُ بالعصا
والحُرُّ تكفيه الإشارة

قال أبو بكر: وبلغنا أن الفرزدق مر بجميل وهو ينشد:

ترى النَّاس ما سرنا يسيرون خلفنا
وإن نحن أومأنا إلى النَّاس وقَفوا

فقال الفرزدق: أنت لا تحتاج إلى هذا البيت وأنا محتاج إليه لأني أهجو الرِّجال وأمدحهم فاتركه لي فتركه له وهذا من أحسن أفعال الفرزدق المحكية عنه لأنه إنَّما استوهب هذا البيت ولم يغضب عليه والهبة على كل حال خير من السرقة. وبلغني عن ابن سلام عن كرد بن البصري أن عريفهم عوف بن ثعلبة علق على الفرزدق فقال: يا عدو الله سرقتنا قول صاحبنا الأعلم العبدي حيث يقول:

إذا اغبرَّ آفاقُ السَّماءِ وكشَّفتْ
كسورَ بيوتِ الحيِّ حمراء حَرجفُ
وجاءَ قريعُ الشَّولِ قبلَ إفالها
رفيقاً وكانت خلفهُ وهي وقَّفُ
وباشرَ راعيها الصَّقيع كأنَّه
علَى سَرواتِ النّيب قطنٌ مُندَّفُ
وقاتلَ كلبُ الحيِّ عن نارِ أهلهِ
ليربضَ فيها والصّلا متكرّفُ

وبلغني أن الفرزدق وقف علَى الشمردل اليربوعي وهو ينشد:

وما بين من لم يُعطِ سمعاً وطاعةً
وبين تميمٍ غير خَزّ الحلاقِمِ

فقال الفرزدق: لتتركنه أوْ أتركن عرضك فقال: خذه لا بارك الله فيك فأخذه وتبع الفرزدق:

لو أن جميع النَّاس كانوا بتِلْعَةٍ
وجئتُ بجدي ظالم وابن ظالِمِ
لظلَّتْ رقاب النَّاس خاضعةً له
سجوداً علَى أقدامنا بالجماجِمِ

فقال الفرزدق: وددت بأني سبقت إلى هذين البيتين، قيل له: كيف تقول:

بجدي دارم وابن دارم

أدخلهما بعد موته


هامش