كتاب الزهرة/الباب السابع والثلاثون من منع من النظر استأنس بالأثر


الباب السابع والثلاثون من مُنع من النَّظر استأنس بالأثر

قال بعض الأعراب:

أيا شجراتِ الوابشيَّاتِ إنَّني
لكُنَّ علَى مرِّ الزَّمانِ صديقُ
ولو لم تُجاوركُنَّ أسماءُ لم يصلْ
إليكنَّ من قلبي الغداةَ فريقُ
يميلُ الهوَى بي نحوكُنَّ وقد أرى
بعينيَّ ما لي نحوكنَّ طريقُ
فلوْ كنتُ أُهدي الغيثَ أو كنتُ والياً
علَى الماءِ لم تعطشْ لكُنَّ عروقُ

وقال آخر:

يا سرحةَ الدَّوحِ أينَ الحيُّ واكبدي
لهفاً تذوبُ وبيتِ اللهِ من حسرِ
ها أنتِ عجماءُ عمَّا قد سُئِلتِ فما
بالُ المنازلِ لم تنطقْ ولم تحرِ
يا قاتَلَ اللهُ غادات قرعنَ لنا
حبَّ القلوبِ بما استودعْنَ من حورِ
عنَّتْ لنا وعيون من براقعها
مكنونةٌ مُقلُ الغزلانِ والبقرِ
باللهِ يا ظبياتِ القاعِ قُلنَ لنا
ليْلايَ منكنَّ أم ليلَى منَ البشرِ
يا ما أُميْلَحَ غزلاناً شدنّ لها
هوَ لِباي بينَ الضَّالِ والسَّمُرِ

وقال بعض الأعراب:

ألا هلْ إلى شمِّ الخُزامى ونظرةٍ
إلى قرقرى قبلَ المماتِ سبيلُ
أيا أثلاتِ القاعِ من بطنِ توضحٍ
حنيني إلى أفيائكُنَّ طويلُ
ويا أثلاتِ القاعِ قد ملَّ صُحبتي
سُرايَ فهل في ظلِّكنَّ مقيلُ
ويا أثلاتِ القاعِ قلبي معلَّقٌ
بكُنَّ وجدْوى خيركُنَّ قليلُ
ويا أثلاتِ القاعِ ظاهرُ ما بدا
بجسمي علَى ما في الفؤادِ دليلُ

وقال بشر بن هذيل العبسي:

فيا طلحتَيْ لوذانَ لا زالَ فيكُما
لمنْ يبتغي ظلَّيْكُما فننانِ
وإن كنتما قد هجتُما لوعةَ الهوَى
ودانيْتُما ما ليسَ بالمتدانِ

وقال آخر:

تجرَّمَ أهلوها لئنْ كنتُ مُشعراً
جَنوباً بها يا طولَ هذا التجرُّمِ
وما ليَ من ذنبٍ إليهمْ علمتهُ
سوى أنَّني قد قلتُ يا سرحةُ اسلَمي
بلى فاسلَمي ثمَّ اسلمي ثمَّتَ اسلمي
ثلاثَ تحيَّاتٍ وإن لم تكلَّمي

وقال حميد بن ثور:

أبى اللهُ إلاَّ أنَّ سرحةَ مالك
علَى كلِّ آفاقِ العضاهِ تروقُ
نمى النَّبتُ حتَّى نالَ أفنانَها العلى
وفي الماءِ أصلٌ ثابتٌ وعروقُ
فيا طيبَ ريَّاها ويا بردَ ظلِّها
إذا حانَ من شمسِ النَّهارِ زروقُ
وهلْ أنا إنْ علَّلتُ نفسي بسرحةٍ
منَ السَّرحِ موجودٌ عليَّ طريقُ
حمى ظلَّها شكْسُ الخليقةِ خائفٌ
عليها غرامَ الطَّائفينَ شفيقُ
فلا الظِّلُّ منها بالضُّحى نستطيعهُ
ولا الفيءُ منها في العشيِّ نذوقُ

وقال آخر:

أيا نخلتَيْ أوْلٍ سقى الأصلَ منكُما
مُهيجُ الرُّبى والمدجناتُ رواكُما
ويا نخلتَيْ أوْلٍ إذا هبَّتِ الصَّبا
وأمسيْتُ مقروراً ذكرْتُ ذُراكُما
ويا نخلتَيْ أوْلٍ بليتُ وأنتما
جديدانِ كالبُردَيْنِ طابَ شذاكُما

وقال خلف بن روح الأسدي:

أيا نخلتَيْ بطنِ العقيقِ أمانعي
جنى النَّخلِ والبينُ انتظاري جناكُما
لقد خِفْتُ ألاَّ تنفعاني بطائلٍ
ويُكتبَ في الدُّنيا لغيري جداكُما

وقال بعض الأعراب:

أيا منْ لِعينٍ لا ترى قُللَ الحمى
ولا جبلَ الأوسالِ إلاَّ استهلَّتِ
لجوجٌ إذا لجَّتْ بكيٌّ إذا بكتْ
بكتْ فأدقَّتْ في البُكا وأجلَّتِ
نعِمْنا زماناً باللِّوى ثمَّ أصبحتْ
بِراقُ اللِّوى من أهلها قد تخلَّتِ
ألا قاتلَ اللهُ اللِّوى من محلَّةٍ
وقاتلَ دنيانا بها كيفَ ولَّتِ

وقال آخر:

إقرأْ علَى الوشلِ السَّلامَ وقلْ لهُ
كلُّ المشاربِ مذْ هجرْتَ ذميمُ
سقياً لظلِّكَ بالعشيِّ وبالضُّحى
ولِبردِ مائكَ والمياهُ حميمُ
لو كنتُ أقدرُ منعَ مائكَ لمْ يذقْ
ما في قِلاتكَ ما حييتُ لئيمُ

وقال آخر:

ألا حبَّذا أعطانُ فلجةَ بالضُّحى
وخيمُ ذرَى في جلْهَتَيْها المُنصَّبُ
يقولونَ مِلحٌ ماءُ فلجةَ آجنٌ
أجلْ هوَ مملوحٌ إلى النَّفسِ طيِّبُ

وقال ابن الدمينة:

خليليَّ رُوحا بالهجينِ فسلِّما
علَى الخيمِ أوْ مُرَّا بذي العشراتِ
وقِيلا بنا في ظلّهنَّ ورمْيِنا
ذراهنَّ رميَ المحرمِ الجمراتِ
وقُولا لمنْ لاقيتُما يا هديتُما
أحثَّا لنا في الطَّوافِ مِنْ بكراتِ
قلائصَ فيهنَّ الَّتي كِبرُ همّها
أنينٌ وتُذري الدَّمعَ بالزَّفراتِ

ولبعض بني كلاب:

ألا حبَّذا الماءُ الَّذي قابلَ الحمى
ويا حبَّذا مِنْ أجلِ ظمياءَ حاصرهْ
ولو سألتْ ظمياءُ يوماً بوجهِها
سحابَ الثُّريَّا لاستهلَّتْ مواطرهْ

وقال آخر:

يقرُّ بعيني أنْ أرَى بمكانهِ
سُهيلاً كطرفِ الأخدرِ المتشاوسِ
وأنْ أُشرفَ القاراتِ مِنْ أيسرِ الحمى
فتبدُو والأنضاءُ حوصٌ خوامسُ
ذكرتكِ ذِكرى مثلها صدَّعَ الحشا
بتوٍّ وأُخرى مثلها يومَ حابسِ
ويومَ تعالتْ بي السَّفينةُ وارتمَى
بيَ البحرُ في آذيهِ المتلاطسِ

وقال ورد الهلالي:

سقَى اللهُ نجداً مِنْ ربيعٍ ومصيفٍ
وماذا تُرجِّي مِنْ ربيعٍ سقَى نجدا
بلَى إنَّه قدْ كانَ للبيضِ مرَّةً
وللعيشِ والفتيانِ منزلةً حمدَا

وقال آخر:

ألا حبَّذا الدَّهنَا وطيبُ ترابِها
وأرضٌ خلاءٌ يصدعُ اللَّيلُ هامُها
ونصُّ المهاري بالعشيَّاتِ والضُّحى
إلى بقرٍ وحيُ العيونِ كلامُها

وقال آخر:

خليليَّ إنِّي واقفٌ فمسلِّمٌ... علَى..
خالطَ اللَّحمَ والدَّما
ولو زالَ هضبُ الرَّملِ عنْ سكناتهِ
ليمَّمتُ مِنْ وجدٍ بهِ حيثُ يمَّما
ولو نطقتْ ضمرُ الجبالِ لعاشقٍ
حزينٍ لحيَّانا إذاً وتكلَّما

وقال آخر:

سلِّمْ علَى قطَنٍ إنْ كنتَ لاقيهُ
سلامَ مَنْ كانَ يهوَى مرَّةً قطَنا
أُحبُّهُ والَّذي أرسَى قواعدهُ
حبّاً إذا ظهرتْ آياتهُ بطَنا
يا ليتَنا لا نريمُ الدَّهرَ ساحتهُ
أوْ كانَ إنْ نحنُ سرنا غربةً معَنا

وقال جرير:

ألا حيِّ رهبَى ثمَّ حيِّ المطاليا
فقدْ كانَ مأنوساً فأصبحَ خالِيا
ألا أيُّها الوادِي الَّذي ضمَّ سيلهُ
إلينا نوَى ظمياءَ حيِّيتَ وادِيا
نظرتُ برهبَى والظَّعائنُ باللِّوى
فطارتْ برهبَى شعبةٌ مِنْ فؤادِيا

وقال آخر:

أيا نخلتَيْ شرقِ العذابِ هَلَ انْتُما
إذا احتملَ الجيرانُ محتملانِ
تفرَّقَ أُلاَّفٌ كثيرٌ وأنتما
مقيمانِ ينبُو عنكُما الحدثانِ
كأنَّكما قدَّامَ جيشٍ طليعةٌ
علَى حاضرِ الرَّوحاءِ مرتبيانِ

وقال آخر:

ألا حبَّذا نجدٌ وطيبُ ترابِها
وغلظةُ دنيا أهلِ نجدٍ ولينُها
نظرتُ بأعلى الجلهتَيْنِ فلم أجدْ
سِوى مِنْ سُهيلٍ لمحةً أستبينها
فكذَّبتُ طرفَ العينِ ثمَّ ردَّدتهُ
فراجعَ نفسِي بعدَ شكٍّ يقينُها

وقال آخر:

بليتُ بلى البردٍ اليماني ولا أرى
جناناً ولا أكنافَ ذروةَ تخلقُ
ألوي حيازيمي بهنَّ صبابةً
كما تتلوى الحيةُ المتسرقُ

وقال آخر:

أيا سروَتَيْ وادي العقيقِ سُقيتما
حياً غضَّةَ الأنفاسِ طيّبةَ الوردِ
تروَّيتما مجَّ النِّدى وتغلغلتْ
عروقُكُما تحتَ النَّدى في ثرًى جعدِ
ولا يهنأنْ ظلاَّكما إنْ تباعدتْ
بيَ الدَّارُ مَنْ يرجُو ظلالكُما بعدِي

وقال آخر:

تذكّرني خزاماً كلُّ أرضٍ
منَ الأرضينَ حلَّ بها خزامُ
بهذا الزَّادِ يحيى كلُّ صبٍّ
فليتَ الزَّادَ كانَ هو الحِمامُ

وقال آخر:

تحنُّ إلى الرَّملِ اليمانِي صبابةً
وهذا لعمري لوْ قنعتَ كثيبُ
فأينَ الأراكُ الدَّوحُ والسِّدرُ والغضا
ومستخبرٌ عمَّن تحبُّ قريبُ
هناكَ يغنِّينَا الحمامُ ونجتَني
جنَى النَّخلِ يحلوْلِي لنا ويطيبُ

وقال آخر:

أقمنا مُكرهينَ بها فلمَّا
ألفْناها خرجنا كارهينَ
وما حبُّ البلادِ بنا ولكنْ
أمرُّ العيشِ فرقةُ مَنْ هوينا

وقال ورد بن عبد الرحمن الأسدي:

أيا كبدِي ماذا أُلاقي منَ الهوَى
إذا الرَّسُّ في آلِ السَّرابِ بدَا لِيا
ضمنتُ الهوَى للرَّسِّ في مُضمرِ الحشا
ولمْ يضمرِ الرَّسُّ الغداةَ الهوَى لِيا
أعدُّ اللَّيالي ليلةً بعدَ ليلةٍ
للقيانِ لاهٍ لا يعدُّ اللَّياليا

وقال آخر:

أرَى كلَّ أرضٍ دمَّنتها وإنْ مضتْ
لها حججٌ يزدادُ طيباً ترابُها
ألمْ تعلمنْ يا ربِّ أنَّ ربَّ دعوةٍ
دعوتكَ فيها مخلصاً لوْ أُجابُها
لعمرُ أبي ليلَى لئنْ هيَ أصبحتْ
بوادي القرى ما ضرَّ غيريَ اغترابُها

وقال آخر:

أمَا والَّذي حجَّ الملبُّونَ بيتهُ
سلاماً ومولَى كلِّ باقٍ وهالكِ
وربِّ القلاصِ الحوصِ تدمَى أُنوفُها
بنخلةَ والسَّاعونَ حولَ المناسكِ
لقدْ صرتُ آتي الأرضَ ما يستفزُّني
لها الشَّوقُ لولا أنَّها مِنْ دياركِ
لئنْ قطعَ اليأسُ الحنينَ فإنَّهُ
رقوءٌ لإذرافِ الدُّموعِ السَّوافكِ

ولبعض أهل هذا العصر:

سقى اللهُ رملَ القاعِ في النَّخلاتِ
فذاكَ الكثيبَ الفردَ في السَّمراتِ
فقبرَ العباديِّ الَّذي دونَ مُربِخٍ
فمربخَ والغدرانَ فالهضباتِ
فجبلَيْ زرودٍ فالطَّليحةَ فاللِّوى
فإنَّ لها عندِي يداً وهناتِ
ولمْ يبقَ مِنْ لذَّاتها غيرُ ذكرةٍ
تقطَّعُ نفسِي عندَها حسراتِ
لقصرٍ علَى وادِي زُبالةَ مشرفٍ
أُكفكفُ في أكنافهِ عبَراتي
أحبُّ إلى نفسِي وأشقَى لشجوِها
وأولَى بها مِنْ هذهِ القُرياتِ
عسَى اللهُ لا تيأسْ سيأذنُ عاجلاً
بنصرةِ مظلومٍ وفكِّ عُناةِ
وترضَى قلوبٌ قدْ تواترَ سخطُها
عليَّ فعادتْني بغيرِ تِراتِ