كتاب الزهرة/الباب السادس والسبعون ذكر الافتخار بالشجاعة والانتصار


الباب السادس والسبعون ذكر الافتخار بالشجاعة والانتصار

أخبرنا الحارث بن أبي أسامة: أن العباس بن الفضل حدثهم قال: حدثنا محمد بن عبد الله التميمي قال: حدثنا الحسين بن عبد الله. قال: حدثني من سمع النابغة الجعدي يقول: أتيت النَّبيّ صلى الله عليه فأنشدته قولي:

وإنّا لقومٌ لا نُعوّدُ خيلنا
إذا ما التقينا أنْ نُحيدَ ونَنْفرا
وتُنكرُ يوم الرَّوع ألوانَ خيلنا
من الطَّعن حتَّى نحسُبَ الجون أشقرا
فليس بمعروف لنا أنْ نردَّها
صِحاحاً ولا مُستنكراً أن تُعقّرا

وقال عنترة:

لمّا رآني قد نزلتُ أُريدُهُ
أبدى نواجذَهُ لغير تَبسُّمِ
فطعنتُهُ بالرُّمح ثمَّ علوتُهُ
بمُهنَّدٍ صافي الحديدةِ مُخْذمِ
فشككتُ بالرمح الطويل ثيابَهُ
ليس الكريمُ علَى القنا بمُحرَّمِ
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمُها
قيل الفوارسِ ويك عنترَ أقدمِ
إذْ يتَّقونَ بي الأسنَّةَ لم أصحْ
عنها ولكني تضايقَ مقدمِ
يدعون عنترَ والرّماحُ كأنها
أشطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدهمِ

وله أيضاً:

بكرتْ تخوّفي الحتوفَ كأنني
أمسيتُ عن غرضِ الحُتوفِ بمعزلِ
فأجبتُها أنَّ المنيَّةَ منهلٌ
لا بدَّ أنْ أُسْقى بذاك المنهلِ
فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي
أنِّي امرؤ سأموتُ إن لم أُقْتلِ

وقال خُفاف حين قتل مالك بن حُباب الشمخي معاوية بن عمرو السلمي:

إن تكُ خيلي قد أُصيبَ صميمها
فعمداً علَى عيني تيمَّمت مالكا
وقفتُ علَى علوى وقد خام صُحبتي
لأبني مجداً أوْ لأثأر هالكا
أقول له والرمحُ يأطُرُ متْنهُ
تأمَّلْ خفافاً إنَّني أنا ذلكا

وقال العباس بن عبد المطلب:

أبا طالب لا ترضَ بالنصف منهُمُ
وإنْ أنصفوا حتَّى تَعُقّ وتظْلَما
أبى قومنا أن يُنْصفونا فأنصفَتْ
قواطعُ في أيماننا تقطرُ الدّما
إذا خالطت هام الرّجال رأيتها
كبيضِ نعام في الوغى قد تحطَّما
تركناهمُ لا يستحلّونَ بعدنا
لذي رحمٍ يوماً من النَّاس مَحْرما

وقال آخر:

إذا ظلمتْ حكّامُنا وولاتنا
خصمناهُمُ بالمُرهفات الصّوارمِ
سيوف كأنَّ الموتَ حالف حدَّها
مشطبةٌ تفري متون الجماجمِ
إذا ما انتضيناها ليومِ كريهةٍ
ضربنا بها ما استمسكتْ في القوائمِ

وقال أبو سفيان بن الحارث:

نحن وردنا بطن سلعٍ عليكمُ
بأسيافنا والخيل تدمى نُحورُها
تركنا بني النّجار تعوي كلابهم
غداة تولت واستمرَّ مريرُها
ونحن تركنا الخزرجي مُجدّلاً
تمجُّ حياة النَّفس منه زفيرُها
تركناهُ لما غادرَتْه رماحُنا
ولم يبقَ منه غير عين يُديرها

وقال قيس بن الخطيم:

ثأرت عديّاً والخطيمَ فلم أُضِعْ
وصيَّةَ أشياخٍ جُعلتُ إزاءها
طعنتُ ابن عبد القيس طعنةَ ثائرٍ
لها نَفذٌ لولا الشَّعاعُ أضاءها
ملكتُ بها كفَّي فانهرتُ فَتْقها
يُرى قائماً من دونها ما وراءها
يهونُ عليَّ أن تردَّ جراحُها
عيونَ الأواسي إذْ حَمِدتُ بلاءها
وكنتُ امرءاً لا أسمعُ الدَّهرَ سُبَّةً
أُسَبُّ بها إلاَّ كشفتُ غطاءها
مَتَى يأتِ هذا الدَّهرَ لا يُبقَ حاجةٌ
لنفسيَ إلاَّ قد قضيت قضاءها

وذكروا أن معاوية ركب فرسه عازماً للهرب. قال: فذكرت أبياتاً لعمرو ابن الإطنابة فوقفت وهي قوله:

أبت لي عفتي وأبى بلائي
وأخذي الحمدَ بالثمن الربيحِ
وإجشامي علَى المكروه نفسي
وضربي هامةَ البطلِ المشيحِ
وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أوْ تستريحي

وقال كعب بن مالك:

نصل السيوف إذا قصرْنَ بخطونا
قُدُماً ونُلْحقها إذا لم تلحقِ
ما حلَّ بالأعداء مثل لقائنا
يوم النجاح ويومنا بالخندقِ

وقال مالك بن عوف النصري:

وإذا شكا مُهري إليَّ حرارةً
عند اختلاف الطعن قُلتُ له اقدم
إنِّي بنفسي في الحروب لتاجرُ
تلك التجارةُ لا انتقادُ الدرهم

وقال ربيعة بن مقروم الضبّي:

ولقد شهدت الخيل يوم طرادها
بسليم أوظفةِ القوائم هيكل
ودَعَوا نزالِ فكنتُ أوّل نازلٍ
وعلامَ أركبهُ إذا لم أنزل

وقال سعد بن ناشب:

سأغسلُ عنّي العارَ بالسيف جالبا
عليَّ قضاء الله ما كان جالبا
وأذهلُ عن داري وأجعلُ هدمها
لعرضيَ من نطق المذمة حاجبا
ويصغُر في عيني تلادي إذا انثنت
يميني بإدراك الَّذي كنت طالبا
فإن تهدموا بالغدر داري فإنها
تراثُ كريم ما يبالي العواقبا
أخي غمراتٍ لا يزيد علَى الَّذي
يهمُّ به من مقطع الأمر صاحبا
إذا همّ لم تُردع عزيمةَ همه
ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا
إذا همَّ ألقى بين عينيه عزمهُ
ونكّب عن ذكر العواقب جانبا

وقال أيضاً:

وإن أسيافنا بيضٌ مُهنَّدةٌ
بتر لآثارها في هامهم جُددُ
وإن هويتم سللناها وقد غبَرتْ
دهراً وهامُ بني بكر لها غُمدُ

وقال علي بن محمد العلوي:

وإنّا لتُصبحُ أسيافنا
إذا ما انتصبنَ بيوم سفوك
منابرُهنَّ بطونُ الأكفِّ
وإغمادُهنَّ رؤوس الملوك

وقال جعفر بن علبه الحارثي:

إذا ما ابْتَدرنا مأزقاً فرجت لنا
بأيماننا بيضٌ جلتها الصَّياقلُ
لهمْ صدرُ سيفي يوم صحراء سحبلٍ
ولي منهُ ما ضُمَّتْ عليه الأناملُ
ولم ندْرِ إن جضْنا من الموت جَيْضَةً
مَتَى العُمرُ باقٍ والمدى متطاولُ

وقال أيضاً:

ولا يكشف الغمَّاء إلاَّ ابن حُرَّةٍ
يرى غمرات الموت ثمَّ يزورها
نُقاسمهم أسيافنا شرَّ قسمةٍ
ففينا غواشيها وفيهم صدورُها

وقال موسى بن جابر الحنفي:

ولما نأت عنّا العشيرةُ كلُّها
أنخْنا فحالفنا السُّيوفَ علَى الدَّهرِ
فما أسْلمتنا عند يوم كريهةٍ
ولا نحن أغضبنا الجُفونَ علَى وتْرِ

وقال أيضاً:

وإنّا لوقَّافون بالثغرةِ الَّتي
يخاف رداها والنّفوس تطَلّعُ
وإنّا لنُعطي المشرفيَّة حقَّها
فتقطع في أيماننا وتقطَّعُ

وقال الراعي:

وللحق فينا خصلتان فمنهما
ذلولٌ وأخرى صعبةٌ للمظالم
وإنّا لقوم نشتري بنفوسنا
ديار المنايا رغبةً في المكارم

وقال الراعي:

يمسي ضجيعَ خريدةٍ ومضاجعي
عضبٌ رقيق الشَّفرتين حُسامُ
والحربُ حرفتنا وبئست حرفةٌ
إلاَّ لمن هو في الوغى مقدامُ
نعري السيوف فلا تزال عريَّةً
حتَّى تكون جفونهن إلهامُ
والموت يسبقنا إلى أعدائنا
تهفو به الرّايات والأعلامُ

وقال آخر:

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجدْ
لنفسي بقاءً مثل أن أتقدَّما
إذا المرء لم يخشَ المكاره أوشكتْ
حبال الهوينى بالقنا أن تجذَّما

وقال آخر:

فلا توعدونا بالمناصل إننا
حظينا وأدركنا المُنى بالمناصلِ
قديماً ضربنا الدَّارعين وأنتمُ
مشاغيل في تصريف ماء الجداولِ

وقال معبد بن علقمة:

فقُل لزهير إنْ شتمتَ سَراتَنا
فلسنا بشتَّامين للمُتَشتِّمِ
ولكنَّنا نأبى الظَّلامَ ونعتصي
بكلِّ رقيق الشَّفرتين مُصمّمِ
وتجهلُ أيدينا ويحلمُ رأيُنا
ونشتمُ بالأفعالِ لا بالتشتّمِ

وقال أبو عطاء السِّنْدي:

وفارس في غمار الموت مُنغمسٍ
إذا تألَّى علَى مكروههِ صدقا
غشيتُهُ وهو في جأواء باسلةٍ
عضباً أصابَ سوادَ القلب فانفلقا
بضربةٍ لم تكن منّي مخالسةً
ولا تعجلتُها جبناً ولا فرقا

وقال آخر:

يقول أخي لا تنتضي السيفَ واغتنمْ
من اللَّيث عنَّا بالطَّريق تعرُّضا
فقلتُ وقد سدَّ الطَّريق بوجهه
وقابلني وجهاً من اللَّيث أعرضا
أموتُ وسيفي مُغْمدٌ في قرابه
ويوجد بعدي مغمداً غير مُنتضى
فلم طال حملي نصله وقرابه
إذا أنا لم أضرب به من تعرَّضا

وقال عبد العزيز بن أرطاة الكلابي:

فلم ولدتني أمُّ عمرو وشدّدتْ
عليَّ حِذار الموت خيط التمائمِ
إذا أنا لم أخلف لها من رجالها
رجالاً ولم أدفع ظلامة ظالمِ

قال علي بن يحيى الأميني:

لقد طال حملي الرمح حتَّى كأنه
علَى فرسي غصن من الدوح نابتُ
يطول لساني في العشيرة مصلحاً
علَى أنَّه يوم الكريهةِ صامتُ

أنشدني محمد بن الخطاب الكلابي:

دع الهَوَى والهجر في النَّار
وكلَّ بكَّاءٍ علَى الدَّارِ
ما الفخر إلاَّ للكريم الوفي
في جحفلٍ للموت جرّارِ
والنَّار لا العار فكنْ سيّداً
فرَّ من العار إلى النّارِ

قال أبو الحسن يحيى بن عمر العلوي يوم قتل:

هوان الحياة وهول الممات
وكُلاًّ أراه طعاماً وبيلا
فألاَّ يكن غير إحداهما
فسيروا إلى الموت سيراً جميلا
ولا تهلكوا وبكم مِنَّةٌ
كفى بالحوادثِ للمرءِ غولا

قال علي بن محمد العلوي:

إذا اللَّئيم مطَّ حاجبيه
وذاد عن حريم درهميه
فأقذف عنان اللؤم في يديه
وأغدُ إلى السَّيف وشفرتيه
فاستنزل الرزق بمضربيه
إنْ قعدَ الدَّهرُ فقم عليه

ولعلي أيضاً:

قلبي نظيرُ الجبل الصعب
وهمتي أوسعُ من قلبي
فاستخر الله وخذ مُرهفاً
وافتك بأهل الشرق والغربِ
ولا تمت إن حضرت ميتةٌ
حتَّى تميتَ السَّيف بالضّربِ