وصايا الملوك وصية همدان بن أوسلة
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن همدان بن أوسلة بن مالك بن أوسلة بن ربيعة بن زيد بن كهلان أقبل على بنيه وقد كبر سنه وكلَّ سمعه وضعف بصره، فقال: يا بني، أدرع الزمان لتبليه، فأبلته أيامه ولياليه بأحوال ثلاث، مثل ثلاثة أنجم يتبع بعضها بعضاً، الأولى أمّا الصبا وشرخه فلأولاهن، وأما الشباب واعتداله فالوسطى منهن، وأما الشيب النازل والهرم فلأخراهن، ثنتان قد أقبلتا بما حوتاه لي، وثالثتهن آفلة بما خلفتاه لهامتي ثم أنشأ يقول: " من البسيط "
بنيَّ من لم يحُزْ في الدَّهرِ مُعتبراً
له ففي سِنخكُمْ همدانَ مُعتبرُ
استقبلَ الدَّهرَ إذ لم يُعشِ ناظِرهُ
وهناً وإذ لم يَخُنهُ السَّمعُ والبَصرُ
وإذ يرُوحُ ويغدو تحتَ خافقهِ
سوداء فنيانها كالليل معتكر
يغدُو بثوبِ الصِّبا واللَّهوِ مُشتمِلاً
وباللَّذاذةِ إما شَاءَ يعتجِرُ
أرختْ عليهِ صُرُوفُ الدَّهرِ كلكلها
وكلكلُ الدَّهرِ لا يُبقيْ ولا يَذَرُ
أبلَى لِوالدكُمْ حالينِ فانقضيا
عنهُ ولم يقضِ عن زُلفاهُمُ الوطرُ
بنيَّ من عاشَ مِنكم سوفَ يَفقِدُ ما
فقدتُ مِنِّيْ ومن أودى به الكِبَرُ
ينجابُ شرخُ الصِّبَا عَنهُ ولذَّتهُ
أجلْ ويبيضُّ من مُسودِّهِ الشَّعرُ
ويرتدِيْ بردائِيْ حينَ يبلُغُ ما
بلغتُ إذ ينحنِيْ مِثليْ وينكسرُ
بنيَّ بالحِفظِ أُوصيكُمْ لِجاركُمُ
ما دامَ في الأرضِ مِنهُ العَينُ والأثرُ
وقومكُمْ فصِلُوهُمُ إنَّهُمْ لكمُ
نِعمَ الملاذُ ونِعمَ الكهفُ والوَزرُ
لا تأمَنُ العُصمُ إلاَّ في معاقِلِها
والطَّيرُ يُؤمِنُها الأعشاشُ والوُكُرُ
واللَّيثُ لولا عرينُ الخيسِ يكنُفُهُ
ما كانَ لِلَّيثِ مُرتادُ ومُنتظرُ
هاتا وصاتِي فأُمّوها وغيركم
بنيَّ يجهلُ أنَّى يطلُعُ القمرُ
يقول: أنكم لم تجهلوا الصواب حتى أوضح لكم.